أسامة الرحباني: الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا «فنية ساذجة»

قال لـ«الشرق الأوسط» إن الظروف الراهنة وراء اختفاء المسرح الغنائي عربياً

أسامة الرحباني (تصوير: إسلام شلبي)
أسامة الرحباني (تصوير: إسلام شلبي)
TT

أسامة الرحباني: الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا «فنية ساذجة»

أسامة الرحباني (تصوير: إسلام شلبي)
أسامة الرحباني (تصوير: إسلام شلبي)

قال الموسيقار اللبناني أسامة الرحباني إن الوضع القائم في دولة لبنان يزداد سوءاً يوماً بعد يوم بسبب تردي الحالتين الاقتصادية والأمنية، ويرجع ذلك للنظام الطائفي، الذي يتحكّم في البلاد. وتحدث الرحباني في حواره مع «الشرق الأوسط» عن تفاصيل رحلته في توثيق أرشيف والده منصور الرحباني، وعمه عاصي الرحباني للأجيال القادمة، ورؤيته لمستقبل الموسيقى العربية، وسبب تراجع حال المسرح الغنائي في لبنان وجميع البلدان العربية.

ورأى الرحباني أن «الأوضاع في لبنان تزداد سوءاً يوماً بعد يوم... الناحية الأمنية ضعيفة، والشأن الاقتصادي متردٍ تماماً، كما أن التعاطي والتجاوب مع المشاكل يتم بطريقة سيئة ولا يعطي حلولاً».

وبسؤاله عن إمكانية إقامة ليلة ثانية من حفل «ليلة أمل»، الذي نظّمه منذ أكثر من عام للوقوف بجانب الدولة اللبنانية في أزمتها، قال: «أعترف بأن تنظيم مثل هذه الحفلات في الوقت الراهن أمر صعب للغاية، حفل (ليلة أمل) أخذ وقتاً طويلاً من أجل التحضير له، وكان عبارة عن صرخة ضد الوضع القائم في لبنان، وجاء بعد أسبوع واحد من الانتخابات النيابية التي ترشح لها ألف شخصٍ همّشوا جميعهم الفن والثقافة من مخططاتهم السياسية، كما أن الحفل أقيم في مسرح (الفوروم دو بيروت)، الذي كان يبعد فقط 200 مترٍ عن موقع انفجار مرفأ بيروت لكي يتذكر الجميع ما حدث في هذا اليوم الأسود».

أسامة الرحباني مع هبة طوجي وإليسا من كواليس حفل «ليلة أمل» (حسابه على «إنستغرام»)

وبشأن استعانته بصوت والده الموسيقار الراحل منصور الرحباني في مقدمة أغنية «راجع من رماده»، التي طُرحت ضمن ألبوم الفنانة هبة طوجي، قال: «الأغنية هذه هي رسالة عفوية هدفها استرجاع أصل الإنسان من البداية، وتتضمن رحلة نوستالجيا غرامية بين الإنسان وبلده، بما أني أمتلك شعر الأغنية بصوت منصور الرحباني، فلم أجد أفضل من أن أبدأها بصوته وهو يتلو الكلمات، قبل أن تدخل هبة طوجي بصوتها، كما أنني فضلت في هذه الأغنية أن أجعل الموسيقى حزينة، عكس حال الكلمات ليتعلق الإنسان ببلده بصورة أقوى».

وكشف نجل منصور الرحباني تفاصيل رحلته رفقة أشقائه للحفاظ على تراث والدهم: «بدأت منذ فترة مع أشقائي مروان وغدي رحلة إحياء تراث والدنا من خلال إنشاء قناة نضع عليها جميع أشعاره وموسيقاه ولقاءاته وحواراته، لتكون مرجعاً للأجيال الجديدة، بدلاً من النسخ الضعيفة والمقلدة المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي».

ويرى أسامة أن لقاءات وحوارات منصور الرحباني ليست مجرد لقاءات عابرة، بل هي عبارة عن كتاب ثقافي لا بدّ من التعلم منه، فهو كان إنساناً عبقرياً استطاع مع عاصي الرحباني والفنانة فيروز صناعة الحلم والوطن داخل كل إنسان، كما أن منصور وعاصي كانت لديهما جرأة كبيرة في الكتابة الشعرية.

وأكد أن منصور الرحباني هو صاحب مدرسة فنيّة تفوقت على جميع المدارس العربية: «لم يكُن في العالم العربي مدارس فنية سوى في مصر، إلى أن جاء منصور الرحباني وصنع مدرسته مع عاصي وفيروز، واستطاعوا أن يتغلبوا على جميع المدارس، لأنهم كانوا ملوكاً في الشعر والموسيقى والصوت والمسرح والتوزيع الأوركسترالي والفكر، فقبل الأخوين الرحباني لم يكن هناك فكر في الفن».

وأشار سليل عائلة الرحباني إلى اقتراب عرض مسرحيته الغنائية «نفرتيتي»، التي بدأ العمل عليها منذ أكثر من 12 عاماً، مؤكداً أن المشروع أصبح في مراحله النهائية، وسيبصر النور خلال الأشهر المقبلة، رافضاً وضع موعد محدد لعرضها.

الرحباني يرى أن الذكاء الاصطناعي غير مؤثر على مستقبل الموسيقيين (تصوير: إسلام شلبي)

وفسّر الموسيقار اللبناني سبب تراجع أو اختفاء المسرح الغنائي في الوطن العربي بتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، متابعاً: «لا يوجد مسرح غنائي كبير في الوطن العربي إلا في لبنان لأننا تربينا عليه منذ بدايات القرن العشرين، من خلال تجارب الأخوين رحباني وفيروز، وبعض إسهامات روميو لحود، ومصر كان لديها مسرح غنائي في ثلاثينات القرن الماضي، ولكنه كان يختلف جذرياً عن مصطلح المسرح الغنائي المعروف. والمسرح الغنائي سيظل متدهوراً في وطننا العربي بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية التي مرّ بها، مع أن المسرح الغنائي متاح في جميع دول العالم، وحتى في أوقات الحروب لم يتوقف قط، فقد كان المسرح الغنائي يعمل طيلة أيام الحرب العالمية الثانية في لندن، رغم قصف قوات هتلر للأراضي البريطانية».

ويرى أسامة الرحباني أن تدهور حال الموسيقى في العالم العربي يعود إلى فشل بعض الحكومات والوزارات والمدارس في تقويم النشء، قائلاً: «لا أريد أن أعطي صورة قاتمة عن الحالة الموسيقية في الوطن العربي، بل هناك موسيقيون رائعون في أغلبية البلدان العربية، ولديهم رؤية موسيقية واضحة، لكن سبب انتشار أنماط موسيقية غير جيدة يقع على عاتق الحكومات والوزارات والمدارس والعائلات».

أسامة الرحباني مع هبة طوجي (حسابه على «إنستغرام»)

وسخر الموسيقار اللبناني من تخوف بعض الموسيقيين والفنانين من مشاريع وأفكار الذكاء الاصطناعي الذي أحدث ضجة واسعة حول العالم خلال الأشهر الأخيرة: «لا أفهم سبب خوف البعض من هذا الشيء الذي يُسمى ذكاءً اصطناعياً، هذه التكنولوجيا المستحدثة ما هي إلا اختلاس ونكات غير محببة، ستندثر مع مرور الوقت مثلما اندثرت باقي أنواع التكنولوجيا التي سبق وظهرت، وفشلت في البقاء أمام قدرة الإنسان وإبداعه».

وأضاف: «هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يقدم لنا مواهب مارلون براندو؟ أم سيقدم أداء مارلون الذي قدمه في أفلامه القديمة، ويعيدها، هل سيكون قادراً على تقديم مقطوعات ومعزوفات موسيقية مثل التي قدمها بيتهوفن، الذي كان يعمل ويكتب ويجرب النوتة الموسيقية لكي يبهر الجميع؟ أم أنه سيأخذ نمطه الموسيقي ويقلده... الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا (فنية ساذجة) وسخيفة، ولن يفيد المجتمعات بأي شيء».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.