«الفئة المنسية» للمسكوكات الأموية تعود للواجهة

باحث حدد فترتها ما قبل 74 للهجرة مع وجود نقود نحاسية شاهدة عليها

دينار الخليفة الواقف - ضرب دمشق (الشرق الأوسط)
دينار الخليفة الواقف - ضرب دمشق (الشرق الأوسط)
TT

«الفئة المنسية» للمسكوكات الأموية تعود للواجهة

دينار الخليفة الواقف - ضرب دمشق (الشرق الأوسط)
دينار الخليفة الواقف - ضرب دمشق (الشرق الأوسط)

أعاد بحث علمي نُشر في مايو (أيار) الماضي الوهج للمسكوكات الأموية، مع دعوة إلى ضرورة إنقاذ تلك الفئة من المسكوكات الأموية والمحافظة عليها، ودعم البحوث العلمية التي تهتم بتلك الحقبة.

وأشار الباحث يزن خلف التل، إلى أنه في عصر صدر الإسلام وبدايات الدولة الأموية ظلت النقود المستعملة في التعاملات هي النقود البيزنطية والساسانية، حيث تتمثل النقود البيزنطية بصفة عامة في الدينار وهو المصنوع من الذهب، وفي عملة الفلس وهي المصنوعة من النحاس، في الوقت الذي تتمثل النقود الساسانية في الدرهم والذي سُكّ من الفضة.

وأضاف، أنه حينما بدأ الخليفة عبد الملك بن مروان في رحلة الإصلاح الشامل للمسكوكات الإسلامية ليكون أول خليفة يعطي أولوية قصوى للمسكوكات وإصلاحها، وبحسب المسكوكات التي أصدرها الخلفية الأموي عبد الملك بن مروان منذ توليه الخلافة سنة 65 هجرية (684 ميلادية)، فإنه بدأ توحيد شكل المسكوكات وأوزانها والانتقال من لامركزية الإصدار إلى المركزية، ومن ثم التعريب الشامل؛ وهو الهدف الأخير الذي وصل إليه مع نهاية عام 77هـ (696م)، لتمر رحلة الإصلاح النقدي بمراحل عدة كانت فيها إصدارات مختلفة للمسكوكات من فئات (العربي - البيزنطي) و (العربي - الساساني) والخليفة الواقف انتهاءً بفئة المسكوكات العربية الصِّرف مع نهاية السنة المذكورة.

رحلة الإصلاح النقدي

وذكر الباحث، أن الخليفة عبد الملك بن مروان، الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية والمؤسس الثاني للدولة الأموية، كان يتبع سياسة إعطاء أهمية للمكان على التاريخ على مسكوكاته، حيث كان مكان الضرب على المسكوكات إثباتاً لسيادة الخليفة عبد الملك على الأماكن المكتوبة على تلك النقود (المسكوكات)، وذلك في مواجهة عبد الله بن الزبير وأخيه مصعب في السنوات السابقة لسنة 74هـ.

وبيّن الباحث يزن التل في بحثه المنشور في موقع «أكاديميا Academia»، وهو موقع بحثي للمسكوكات والمخطوطات التاريخية، أنه بعد إحكام الخليفة عبد الملك بن مروان سيطرته بشكل كامل على الحجاز والعراق لم يعد لمكان الضرب على المسكوكة أهمية كما كان من قبل وأصبح تاريخ الضرب أكثر أهمية.

وقال التل: إن رحلة الإصلاح النقدي الأموية للمسكوكات الذهبية مرت بأربع مراحل وليس 3 كما هو يتداول، تتضمن حقبة الدينار العربي - البيزنطي، وحقبة دينار الخليفة الواقف غير المؤرخ (المغفل) قبل 74هـ (693م) على الأغلب بين 72 - 73هـ، وحقبة دينار الخليفة الواقف المؤرخ بين 74 - 77هـ، وحقبة الدينار العربي الصِّرف مع نهاية 77هـ.

وقدّر الباحث التل في حديث لـ«الشرق الأوسط» بداية إصدار دينار الخليفة الواقف غير المؤرخ قبل سنة 74هـ (693م) بناءً على أماكن السك المكتوبة على القطع النحاسية، والتي تعود جميعها إلى أماكن كانت تحت سيطرة الخليفة عبد الملك بن مروان قبل السنة المذكورة.

واجتهد التل في بحثه بأن عبد الملك بن مروان كان يستخدم أماكن الضرب على المسكوكات في تلك الحقبة إثباتاً لسيادته على تلك الأماكن، خاصة خلال فترة خلافه مع عبد الله بن الزبير وأخيه مصعب، وما يدل على ذلك اختفاء مكان الضرب على مسكوكات الخليفة الواقف الذهبية سنة 74هـ بعد مقتل ابن الزبير في مكة سنة 73هـ، فلم يعد لمكان الضرب على تلك المسكوكات أهمية كما كانت من قبل وأصبح تاريخ الضرب الأكثر أهمية.

قطع نحاسية مرتبطة بقالب الدينار (الشرق الأوسط)

الفئة المنسية

حقبة دينار الخليفة الواقف غير المؤرخ تلك الحقبة المهمة التي يعتقد التل أنها غابت عن المختصين والخبراء في العصر الحالي لعقود، والتي من شأنها إعادة قراءة لحقبة ما قبل الإصلاح النقدي من أكثر من جانب.

«الفئة المنسية» اللقب أُطلق على هذه الفئة من مسكوكات عبد الملك بن مروان التي تمثل تلك الحقبة بسبب ما يشير فيه التل إلى أن رحلة البحث فيها ودراستها تعطلت بشكل علمي ودقيق خلال السنوات الماضية؛ نتيجة أخطاء شابت دراستها الأولى، حيث دعا إلى إعادة الاعتبار لها والمحافظة عليها لكونها «الأهم».

معركة سيباستوبولس

وبحسب الباحث التل، فإنه على الرغم من قصر مدتها نسبياً تعدّ حقبة ما قبل الإصلاح النقدي الأموية من أكثر الحقب التاريخية التي تفتقر بشكل حاد للمخطوطات المعاصرة لها التي تتحدث عنها، وكذلك افتقارها للمسكوكات الناجية منها التي يمكن أن تخبر عما كان يحدث فيها على الرغم من احتواء تلك الحقبة أحداثاً تاريخية مهمة، وعلى رأسها معركة سيباستوبولس التي وقعت سنة 72هـ - 692م -والتي تعدّ من أهم المعارك في التاريخ.

وأضاف التل: «على الرغم من أن اندلاع المعركة يتمحور بسبب فئة لمسكوكة أموية لم يتم إصدار مثيل لها، والتي أرسلها الخليفة عبد الملك بن مروان لدفع الجزية إلى الإمبراطور جستنيان الثاني والتي رفضها الأخير؛ ما اشعل فتيل الحرب بينهما، وانتهت بانتصار الأمويين، فإنه وحتى اليوم لا أحد يستطيع وبشكل قاطع تأكيد ماهية وفئة المسكوكة التي أدت إلى اندلاعها، حيث اجتهد البعض من باب غير محسوم، بأن المسكوكة هي من فئة الدينار العربي - البيزنطي الثلاثي، ولكن الإجابة القاطعة لا تزال مجهولة حتى الآن.

وتساءل الباحث التل عن الفئة النقدية الأموية التي أدت إلى اندلاع تلك المعركة، معتقداً أن ما يدعو إلى إدخال فئة دينار الخليفة الواقف غير المؤرخ إلى دراستها كمسببة للمعركة، وهي من النقاط التي دعا فيها الخبراء إلى إعادة القراءة في مرحلة ما قبل الإصلاح النقدي عطفاً على ما استجد وفق ما يقول.

غياب الدينار

وبحسب ورقة الباحث التل، كان لغياب الدينار دور كبير في فهم جانب الصواب في دراسة قطع نحاسية تمتاز بلغز تطابق قوالبها مع أماكن سك مكتوبة عليها تابعة لأكثر من جند، ليأتي الدينار معطياً خيارات علمية لتفسير هذا اللغز، والتي كان من أهمها أن القطع النحاسية أُصدِرت بشكل مركزي من قِبل الخلافة في دمشق أو تحت إشرافها.

ومن التفسيرات التي طرحها التل في البحث، هي، إما أن يكون هناك خطأ بالإصدار تم تداركه فيما بعد بإلغاء هذه الفئة، أو أن هذه الفئة كانت لاستخدام محصور بطبقة معينة أو مناسبة أو أغراض محددة حصراً، إلا أن التل يميل لتفسير أن القطع النحاسية كانت عبارة عن دنانير نحاسية تجريبية أصدرت من قِبل الخلافة بدمشق تمهيداً لإصدار الدينار، حيث إن القطع النحاسية كانت على نوعين: النوع الأول دنانير نحاسية تجريبية، خاصة منها المطابق بشكلها الدائري المنتظم للدينار، والنوع الآخر فلوس تم إصدارها بشكل لامركزي من قِبل بعض أماكن الضرب و الأجناد على قالب الدينار بعد إلغائه، خاصة منها الذي يمتاز بالشكل الدائري غير المنتظم أو الأقل انتظاماً.

قوالب نحاسية مطابقة لقالب الدينار «القطع النحاسية» أو «النقود النحاسية» (الشرق الأوسط)


مقالات ذات صلة

علماء يفجّرون صدمة: حجر المذبح الضخم نُقل من أسكوتلندا إلى ستونهنج

يوميات الشرق أصلُه ظلَّ لغزاً (إ.ب.أ)

علماء يفجّرون صدمة: حجر المذبح الضخم نُقل من أسكوتلندا إلى ستونهنج

أظهرت معطيات جديدة أنّ حجر المذبح الذي يزن 6 أطنان، الواقع في قلب ستونهنج، جاء من أقصى شمال أسكوتلندا، وليس من جنوب غربي ويلز، كما اعتُقد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم رئيس بلدية مدينة ناغازاكي اليابانية شيرو سوزوكي يتحدث إلى وسائل الإعلام في مبنى البلدية في ناغازاكي في 8 أغسطس 2024 قبل يوم واحد من إحياء الذكرى التاسعة والسبعين للقصف الذري للمدينة (أ.ف.ب)

سفراء مجموعة السبع يمتنعون عن حضور ذكرى قصف ناغازاكي لعدم دعوة إسرائيل

قال شيرو سوزوكي رئيس بلدية ناغازاكي اليابانية، إنه متمسك بقراره عدم دعوة السفير الإسرائيلي لحضور فعالية مقررة غداً (الجمعة) لإحياء ذكرى القصف النووي على المدينة

«الشرق الأوسط» (ناغازاكي (اليابان))
يوميات الشرق وجه «مومياء المرأة الصارخة» التي اكتشفت عام 1935 في الدير البحري بالقرب من الأقصر ويرجع تاريخها لنحو 1500 قبل الميلاد خلال فترة المملكة الحديثة في مصر القديمة تظهر بالمتحف المصري في القاهرة - 18 يناير 2023 (رويترز)

تفاصيل جديدة عن حياة وموت «المومياء الصارخة» في مصر

رجّح علماء آثار أن مومياء امرأة مصرية دُفنت منذ نحو 3500 عام، وتبدو على وجهها علامات صراخ، «ماتت وهي تتألّم».

شادي عبد الساتر (بيروت)
يوميات الشرق تجربة استثنائية يجدها الزائر في جناح وزارة الثقافة بمنطقة «سيتي ووك» بجدة (الشرق الأوسط)

«عام الإبل»... مبادرة سعودية تعزز القيم الثقافية الفريدة لأبناء الجزيرة العربية

تحتفي السعودية في كل عام بعنصر مميز من العناصر الثقافية وتعرّف بقيمته ودلالته عبر مبادرات وبرامج متنوعة.

إبراهيم القرشي (جدة)
يوميات الشرق شكلت القرى التراثية مرتكزاً سياحياً في عسير التي تحتضن أكثر من 4275 قرية تراثية (واس) play-circle 02:08

4 آلاف قرية تاريخية في عسير تعكس التراث الثقافي والإنساني للمرتفعات السعودية

أكثر من 4 آلاف قرية تاريخية ما زالت قائمة بمنطقة عسير منذ مئات السنين، وربما أبعد، من ذلك تتفاوت في أحجامها ونمطها العمراني وتتفق على ما تعكسه من إرث إنساني.

عمر البدوي (أبها)

جهاز منزلي لقياس التوتر

التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
TT

جهاز منزلي لقياس التوتر

التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)
التوتر يشكل جزءاً من حياتنا اليومية (جامعة ستانفورد)

طوّر باحثون من الصين والمملكة المتحدة جهازاً جديداً، للكشف عن مستويات التوتر في الدم من المنزل، وأوضح الباحثون، أن الجهاز يمكن أن يسهم في تحسين دقة وسهولة قياس مستويات التوتر، ما يجعل من الممكن مراقبة الصحة النفسية والتعامل مع التوتر بشكل أفضل، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Talent».

ويشكّل التوتر جزءاً من حياتنا اليومية، بدءاً من متطلّبات العمل المستمرة، وصولاً إلى ضغوط الحياة اليومية، مثل توصيل الأطفال إلى المدرسة، ويمكن لتجاهُل مستويات التوتر المرتفعة أن يؤدي لمشاكل صحية ونفسية خطيرة، مثل الاكتئاب ومرض ألزهايمر، ولرصد هذه الحالة ابتكر فريق البحث الجهاز الذي يمكنه قياس مستويات هرمون الكورتيزول، وهو مؤشر حيوي للتوتر في الدم بدقة.

ويُعَد الكورتيزول من أهم الهرمونات التي تعكس مستويات التوتر، ومن ثم فإن قياسه بدقة يمكن أن يُحدث فرقاً كبيراً في تشخيص التوتر. ويستخدم الجهاز الجديد جزيئات نانوية من أكسيد الإيريديوم، وهي جزيئات صغيرة جداً تعمل على تحسين فاعلية الجهاز، وهذه الجزيئات تغطي الأقطاب الكهربائية في الجهاز.

وأكسيد الإيريديوم مركب كيميائي يستخدم في الإلكترونيات والمحفزات الكيميائية بفضل استقراره وحساسيته العالية، ويُعدّ مثالياً لتحسين أداء أجهزة قياس الكورتيزول بفضل فاعليته في ظروف متنوعة.

ويقيس الجهاز مستويات الكورتيزول من خلال وضع عينة من الدم على الجهاز، حيث يتفاعل الكورتيزول مع الأقطاب الكهربائية المُعدّلة بالجزيئات النانوية من أكسيد الإيريديوم.

ويولد التفاعل بين الكورتيزول والجزيئات النانوية إشارات كهربائية، وهذه الإشارات تُترجَم إلى قراءة لمستويات الكورتيزول في العينة، كما يقيس الجهاز التغيرات في الإشارات الكهربائية بدقة لتحديد كمية الكورتيزول.

ووجد الباحثون أن الجهاز قادر على قياس مستويات الكورتيزول بدقة حتى عندما تكون الكميات منخفضة جداً، ما يجعله مناسباً لاستخدامه في المنزل، ويتفوق الجهاز الجديد على الأجهزة المماثلة الحالية التي غالباً ما تكون أقل حساسية ولا يمكنها قياس الكورتيزول بكفاءة في التركيزات المنخفضة.

كما يستطيع الجهاز تمييز الكورتيزول عن هرمونات مشابهة مثل التستوستيرون والبروجيستيرون، بفضل التحسينات في الأقطاب الكهربائية، بينما تواجه الأجهزة الحالية صعوبة في هذا التمييز، ما قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة بجامعة شيان جياوتونغ - ليفربول في الصين، الدكتور تشيوشن دونغ: «هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها أكسيد الإيريديوم بهذه الطريقة، حيث أنتجنا جهازاً بسيطاً وقليل التكلفة لقياس الكورتيزول».

وأضاف عبر موقع «يوريك أليرت» أن الجهاز يمكنه الكشف عن جزيئات الكورتيزول بتركيز أقل بمقدار 3000 مرة من النطاق الطبيعي في الدم.

وأشار الباحثون إلى أن هذا التقدم في التكنولوجيا يعزّز الآمال في إمكانية إجراء اختبارات التوتر في المنزل بطريقة دقيقة وسهلة، ما قد يُحدِث ثورة في كيفية إدارة مستويات التوتر بشكل يومي.