كيف تنحاز «السوشيال ميديا» ضد «طوفان الأقصى»؟

طفل صغير وعلى وجهه علم فلسطين في مسيرة تأييد لفلسطين في لندن (أ.ف.ب)
طفل صغير وعلى وجهه علم فلسطين في مسيرة تأييد لفلسطين في لندن (أ.ف.ب)
TT

كيف تنحاز «السوشيال ميديا» ضد «طوفان الأقصى»؟

طفل صغير وعلى وجهه علم فلسطين في مسيرة تأييد لفلسطين في لندن (أ.ف.ب)
طفل صغير وعلى وجهه علم فلسطين في مسيرة تأييد لفلسطين في لندن (أ.ف.ب)

«ما نكتبه لا يصل»... بهذه الكلمات عبّرت الصحافية الفلسطينية نسرين الرزاينة، بأن ما تكتبه على صفحتها الخاصة بموقع «فيسبوك» يتم حذفه، بعدما بدأت في نقل ما يدور على أرض وطنها منذ أن شنّت إسرائيل هجومها على غزة رداً على هجوم حركة «حماس» المُسمى بـ«طوفان الأقصى».

تقول الرزاينة لـ«الشرق الأوسط» إن المحتوى الفلسطيني يتعرّض للحذف، ومنشوراتها لا تصل للمتابعين أو ما يطلق عليه «قلة الريتش»، خصوصاً صور الأطفال الذين يتعرضون للعنف من قبل الجيش الإسرائيلي. في الوقت الذي تؤكد فيه وصول رسائل لها من الموقع تفيد التقييد.

ونشر متابعون عبر «فيسبوك» و«إنستغرام»، في الأسبوع الماضي، انتقادات للمنصات المملوكة لشركة «ميتا» بخصوص حذف محتوى يناصر القضية الفلسطينية، بوصفها أصبحت ساحات لتشكيل الرأي العام. ونشر عدد من المتابعين في اليومين الماضيين رسالة منسوخة متداولة تشير إلى أن كثيراً من التدوينات للأصدقاء تضيع، وتطالب بتعديل الخوارزميات لموقع «فيسبوك»، وفيها: «(فيسبوك) يريني فقط الأصدقاء الّذين يختارهم هو، ولا نحتاج إلى (فيسبوك) لاختيار أصدقائنا، ويمكننا تجاوز سياسته للضّبط والتّحكّم».

وأفادت تقارير إعلامية بأنه يتم إخفاء الوسوم المتعلقة بـ«حماس» و«طوفان الأقصى»، في الوقت الذي ارتفعت فيه حصيلة القتلى في قطاع غزة، نتيجة القصف الإسرائيلي، إلى 2215، بينهم 724 طفلاً، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة التابعة لحركة «حماس»، صباح السبت.

وواجه خبير الشؤون الدولية والاستراتيجية وقضايا الصراع الدولي أنس القصاص، التقييد على حسابه بـ«فيسبوك» في الأيام الأخيرة بعد نشر رابط لقصة من مجلة «بوليتيكو» عن الأخبار الزائفة في العدوان الإسرائيلي على غزة، ويقول القصاص لـ«الشرق الأوسط»: «وصلتني رسالة تقييد لمدة يومين... الخوارزميات مجنونة».

وعلى الرغم من ذلك، فإن الباحث حاول أن يتفادى نشر أي معلومات أو منشورات حتى ولو صحيحة لدعم القضية تفادياً لوقف حسابه على منصة «فيسبوك» ، ويفسر: «حتى البيانات الرسمية يحاول (فيسبوك) التقييد عليها، بالإضافة إلى أن هناك منشورات لي تحصل على إعجابَين فقط، وهذا ليس المعتاد».

ويعدّ الباحث السياسي أن ذلك التقييد يقلل من احترام منصة «فيسبوك» لمتابعيها، مشيراً إلى أنه دليل على ازدواجية المعايير في السماح لنشر محتوى يروّج لوجهة النظر الإسرائيلية، وقال: «لدي حساب على (فيسبوك) منذ 16 عاماً، ولم يحدث هذا المنع من قبل».

وتقول ندى الشبراوي، وهي مدونة فيديو تنشر محتوى يخص الكتب في منصات مختلفة باسم قناة «دودة كتب»، لـ«الشرق الأوسط» إنها قامت برفع فيديو على منصة «إنستغرام» يتناول القضية الفلسطينية، وتم حذف الفيديو 3 مرات، وإيقاف الصوت، مضيفة أنها حاولت مجدداً نشر الفيديو.

وفي سياق متصل، حاولت «الشرق الأوسط» نشر رابط لموضوع يخص الأطفال في الحرب عبر منصة «إنستغرام»، فظهرت رسالة مفادها: «نحن نحظر أنشطة معينة لحماية مجتمعنا».

رسالة تظهر من موقع «إنستغرام» تفيد بمنع نشر رابط لقصة صحافية عن غزة (الشرق الأوسط)

* تدابير... أم منع؟

وكانت شركة التكنولوجيا الأميركية العملاقة «ميتا»، التي تمتلك موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قد قالت إنها ستتخذ تدابير إضافية ضد نشر المحتوى غير القانوني والمضلل على الإنترنت، وذلك في أعقاب بدء الصراع في غزة.

وقالت «ميتا» أمس (الجمعة)، في بيان نقلته «وكالة الأنباء الألمانية»، إنه في الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت هجوم مقاتلي «حماس»، قامت الشركة «بحذف 795 ألف محتوى أو تصنيفها على أنها مزعجة» باللغتين العبرية والعربية لانتهاكها سياساتها وتوجيهاتها. وأوضحت «ميتا»: «بالمقارنة بالشهرين الماضيين، في الأيام الثلاثة التي أعقبت يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، قمنا بحذف 7 أضعاف المحتوى على أساس يومي لانتهاك سياسة المنظمات والأفراد الخطرين لدينا باللغتين العبرية والعربية فقط».

وأضافت «ميتا» أنها تلتزم بالحذر بشكل خاص فيما يتعلق بمنصتي «فيسبوك» و«إنستغرام»، حيث هددت «حماس» بعرض الرهائن على هاتين المنصتين. وقالت الشركة إنها وضعت قيوداً على بعض المستخدمين الذين انتهكوا من قبل سياسات المنصة.

وفي سياق متصل، أعلنت منصة «إكس» التي يملكها إيلون ماسك أنها أزالت أو صنفت «عشرات الآلاف» من المنشورات في الأيام التي أعقبت هجوم «حماس» على إسرائيل. وكتبت الرئيسة التنفيذية للشركة، ليندا ياكارينو، في رسالة مؤرخة الأربعاء؛ رداً على انتقادات الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن: «منذ الهجوم الإرهابي على إسرائيل، اتخذنا إجراءات لإزالة أو تصنيف عشرات الآلاف من المنشورات». وكانت الرسالة موجهة إلى مفوض الاتحاد الأوروبي للسوق الداخلية تييري بروتون، الذي انتقد ماسك على وسائل التواصل الاجتماعي، الثلاثاء.

وطالب بروتون في، رسائل أرسلها، الثلاثاء، إلى ماسك ومارك زاكربرغ الذي تضم مجموعته «ميتا» منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام»، بتقديم تفاصيل في غضون 24 ساعة حول طريقة إزالة «المحتوى غير القانوني والمعلومات الكاذبة» من منصاتهما بما يتماشى مع قانون الخدمات الرقمية الجديد للاتحاد الأوروبي، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ورغم تلك «التدابير» التي تتخذها منصات رقمية، فإن تقريراً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أفاد بأن حجم المعلومات المضللة والسرعة التي انتشرت بها عبر الإنترنت في أعقاب الصراع الذي مرّ عليه أسبوع، لم يسبق لهما مثيل. ونقلت الوكالة أن خبراء قالوا إن هذا الصراع بين إسرائيل و«حماس» يقدم دراسة حالة قاتمة عن تضاؤل قدرة المنصات البارزة مثل «فيسبوك» و«إكس»، على مكافحة المعلومات الكاذبة.

* خوارزميات منحازة

إلى ذلك، يقول عمرو العراقي، عضو هيئة التدريس بكلية الشؤون الدولية والسياسات العامة، في الجامعة الأمريكية في القاهرة إن ما يحدث من التقييد على المحتوى الخاص بالقضية الفلسطينية يعبر عن انحياز آيديولوجي واضح من تلك المنصات بوصف حركة «حماس» حركة إرهابية تواجه جيشاً نظامياً وهو الجيش الإسرائيلي. ويضيف العراقي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التقييد يرسخ أن تلك المنصات ليست مصدراً جيداً للمعلومات، خصوصاً في أوقات الأزمات والصراع، كما أنها تتأثر بالاستقطاب السياسي.

ويفيد العراقي بأن الخوارزميات أشبه بمعادلة رياضية، من يدخل مدخلاتها ويضع شروطها يكون وفقاً لانحيازاته، مضيفاً أن منصات مثل «فيسبوك» ليست منصات حيادية، وأن الأزمة الحقيقية أن هذه الخوارزميات لا تعمل وفق علاقتنا ودوائر أصدقائنا وانحيازاتنا، وبالتالي فهي لم تعد منصات تواصل اجتماعي بالمعنى الحرفي، وإنما تعبر عن انحيازات أصحابها الذين عبّروا عن انحيازاتهم بالفعل في الصراع الدائر.

ورصد العراقي في الأيام الماضية محتوى كردياً يظهر في «المقترحات» يدعم الرواية الإسرائيلية في العدوان على قطاع غزة، مشيراً إلى أن ذلك يعد جزءاً من الحرب النفسية التي تقوم بها إسرائيل في الفترة الأخيرة لرفع الروح المعنوية لجنودها.

لكن ما الحل؟ منصة أخرى؟ رد العراقي على هذا التساؤل بأن من حق أي مجتمع أن ينشئ منصته الخاصة، لكن الأزمة تكمن في الانتشار والتأثير، فـ«فيسبوك» لها قيمة سوقية كبيرة، ونموذج ربحي تأسس منذ 20 عاماً، مضيفاً أن هناك منصات جديدة ظهرت واندثرت في الآونة الأخيرة لم تلقَ الاستمرارية التي تلقاها «فيسبوك» و«إنستغرام».


مقالات ذات صلة

فحص منزلي جديد للكشف عن سرطان عنق الرحم لتجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء

صحتك تأخذ النساء في أول فحص منزلي للكشف عن فيروس الورم الحليمي البشري «إتش بي في» مسحة مهبلية لتتجنب بذلك الفحص التقليدي باستخدام منظار المهبل في العيادة وترسلها لإجراء الفحص (بيكسباي)

فحص منزلي جديد للكشف عن سرطان عنق الرحم لتجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء

بات بإمكان النساء المعرضات لخطر متوسط ​​للإصابة بسرطان عنق الرحم، تجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء، وإجراء فحص منزلي آمن للكشف عن الفيروس المسبب للمرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا منصة «إكس»

شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

شريحة «نيورالينك» تُمكّن مرضى الشلل من تحريك أطراف روبوتية بالتفكير فقط، مع استمرار التجارب السريرية وتوسع مشاركة المرضى في التقنية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الرئيس التنفيذي لـ «إنفيديا» جنسن هوانغ يتحدث قبل انطلاق مؤتمر تقنية وحدات معالجة الرسوميات في واشنطن - 28 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

جنون الذكاء الاصطناعي يخلق أزمة جديدة في سلاسل الإمداد العالمية

يُشعل النقص العالمي الحاد في رقاقات الذاكرة سباقاً محموماً بين شركات الذكاء الاصطناعي والإلكترونيات الاستهلاكية لتأمين إمدادات آخذة في التراجع.

«الشرق الأوسط» (لندن )
تكنولوجيا خاصية إشعارات ارتفاع ضغط الدم في «أبل ووتش» تستند إلى مستشعر نبضات القلب البصري في الساعة (الشرق الأوسط)

«أبل ووتش» تتيح خاصية التنبيه المبكر لارتفاع ضغط الدم في السعودية والإمارات

قالت شركة «أبل» إنها أتاحت خاصية إشعارات ارتفاع ضغط الدم على ساعات «أبل ووتش» لمستخدميها في السعودية والإمارات.

«الشرق الأوسط» (دبي)

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
TT

«البحر الأحمر» يُعيد للسينما سحرها... افتتاح مدهش يُكرّم مايكل كين ويحتفي بالبدايات الجديدة

‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)
‎لحظة تاريخية لتكريم النجم البريطاني مايكل كين في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

في لحظة يصعب نسيانها، ظهر النجم الأميركي فين ديزل، وهو يدفع الأسطورة البريطانية مايكل كين على كرسيه المتحرّك فوق خشبة مسرح حفل افتتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، مساء الخميس، في مشهد بدا كأنه يُلخّص روح دورة خامسة تجمع بين شغف السينما وامتنانها لرموزها، وبين حضور دولي يُرسّخ جدة منصةً تلتقي فيها قصص نجوم «هوليوود» و«بوليوود» والعالم العربي.

وقف ديزل على المسرح لتقديم الجائزة التكريمية، قائلاً: «هذه الليلة مميّزة بالنسبة إليّ، لأنني أقدّم جائزة لشخص تعرفونه جميعاً بأنه من أفضل الممثلين الذين عاشوا على الإطلاق... مايكل كين يملك من الكاريزما ما يفوق ما لدى معظم نجوم هوليوود». أمّا كين، الذي بلغ التسعين من عمره، فصعد إلى المسرح بدعم 3 من أحفاده، وقال مازحاً: «أتيتُ لأتسلم جائزة، ولا يفاجئني ذلك... فقد فزت بأوسكارين».

مايكل كين متأثّراً خلال كلمته على المسرح (إدارة المهرجان)

كان ذلك المشهد الشرارة التي أعطت مساء الافتتاح طابعاً مختلفاً؛ إذ لم تكن الدورة الخامسة مجرّد احتفاء بفنّ السينما، وإنما إعلان عن نقلة نوعية في موقع السعودية داخل الخريطة العالمية، حيث تتقاطع الأضواء مع الطموح السينمائي، ويتحوَّل الافتتاح من استقطاب للنجوم وعروض الأفلام، إلى قراءة لصناعة تتشكَّل أمام العالم.

وانضم إلى مايكل كين في قائمة النجوم المكرّمين لهذا العام: سيغورني ويفر، وجولييت بينوش، ورشيد بوشارب، وستانلي تونغ، فيما استمرَّت أسماء عالمية في التوافد إلى جدة في اليومين الماضيين، من بينهم جيسيكا ألبا، وأدريان برودي، والمخرجة كوثر بن هنية.

وينسجم ذلك مع كلمة وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، خلال الحفل، بأنّ المهرجان أصبح منصةً تعكس التحوّل الكبير الذي يشهده القطاع الثقافي في المملكة، ويُظهر دور الشباب في تشكيل مشهد سينمائي ينسجم مع طموحات «رؤية 2030»، مشيراً إلى أنّ الثقافة تُعد إحدى أقوى أدوات التأثير عالمياً.

حشد سينمائي عالمي كبير في الحفل (إدارة المهرجان)

السعودية... بدايات هوليوود

ومثل عادة المهرجانات، اتّجهت الأنظار نحو السجادة الحمراء، فامتلأت «الريد كاربت» الواقعة في منطقة البلد التاريخية بطيف نادر من نجوم السينما العالمية؛ من داكوتا جونسون، وآنا دي أرماس، ورئيس لجنة التحكيم شون بيكر وأعضاء اللجنة رض أحمد، وناعومي هاريس، ونادين لبكي، وأولغا كوريلنكو، إضافة إلى كوين لطيفة، ونينا دوبريف؛ اللتين شاركتا في جلسات حوارية مُعمَّقة قبل الافتتاح.

وخلال الحفل، أكد رئيس لجنة التحكيم شون بيكر، أنه متحمّس جداً للحضور في السعودية، التي شبَّهها بـ«هوليوود في أيامها الأولى»، مضيفاً: «بينما نُقاتل للحفاظ على دور العرض في الولايات المتحدة، افتُتِحت هنا مئات الصالات خلال 5 سنوات، لتصبح السعودية أسرع أسواق شباك التذاكر نمواً في العالم. ما يحدث هنا مُلهم ودافئ للقلب».

رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد (إدارة المهرجان)

من جهتها، تحدَّثت رئيسة مجلس أمناء مؤسّسة «البحر الأحمر السينمائي»، جمانا الراشد، عن أثر المؤسّسة خلال السنوات الخمس الماضية، قائلة: «لقد بنينا بهدوء ما كان كثيرون يرونه مستحيلاً: منظومة تمنح صنّاع الأفلام من آسيا وأفريقيا والعالم العربي القدرة على القيادة». وأشارت إلى أنّ 7 أفلام دعمها «صندوق البحر الأحمر» اختارتها بلدانها لتمثيلها في «الأوسكار»، وهو دليل على أثر الصندوق الذي دعم أكثر من 130 مشروعاً خلال 5 سنوات فقط. وأوضحت أنّ الدورة الخامسة تضم هذا العام 111 فيلماً من أكثر من 70 دولة، وتسلّط الضوء على 38 مُخرجة، مؤكدة أنّ حضور المرأة في هذه الدورة يُسهم في إعادة تعريف حدود السرد السينمائي، ويشكّل جزءاً أساسياً من روح المهرجان.

 

«العملاق»... فيلم الافتتاح

وفي نهاية الحفل، بدأ عرض فيلم الافتتاح «العملاق» للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، وهو عمل يستعيد سيرة الملاكم البريطاني - اليمني الأصل نسيم حمد «برنس ناز»، والفيلم من إنتاج سيلفستر ستالون، ويقدّم فيه الممثل المصري - البريطاني أمير المصري أهم أدواره حتى الآن، بينما يلعب بيرس بروسنان دور المدرّب الذي شكّل مسيرة ناز.

ورغم أنّ السِّير الرياضية مألوفة في السينما العالمية، فإنّ اختيار هذا الفيلم تحديداً يحمل دلالة ضمنية؛ فهو عن شاب صنع مساراً لم يكن موجوداً، وعَبَر حدود التصوّرات الطبقية والثقافية ليصنع له مكاناً يُشبهه. بما يُشبه إلى حد كبير قصة الصناعة السينمائية المحلّية التي تُحاول إعادة تعريف صورتها أمام العالم، وتبني حضورها من نقطة البدايات، بمزيج من الحلم والهوية والإصرار، لتصل اليوم إلى مرحلة النضج في دورة تحتفي بشعار «في حبّ السينما»، وتحمل معها 10 أيام من عروض وتجارب تُعيد إلى الفنّ السابع قدرته الأولى على الدهشة.


ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».