مكتبة الإسكندرية تحتفي بروائع «شيخ الخطاطين» محمود إبراهيم سلامة

يحتضنها معرض يضم 60 عملاً وبعض «مقتنيات البدايات»

جانب من معرض «شيخ الخطاطين» (الشرق الأوسط)
جانب من معرض «شيخ الخطاطين» (الشرق الأوسط)
TT

مكتبة الإسكندرية تحتفي بروائع «شيخ الخطاطين» محمود إبراهيم سلامة

جانب من معرض «شيخ الخطاطين» (الشرق الأوسط)
جانب من معرض «شيخ الخطاطين» (الشرق الأوسط)

مجموعة قيّمة من روائع اللوحات الخطّية للفنان المصري الراحل محمود إبراهيم سلامة، صاحب لقب «شيخ الخطاطين»، يحتضنها المعرض التوثيقي «وقل رب زدني علماً» المُقام حالياً بمكتبة الإسكندرية.

المعرض اجتذب الجمهور لمشاهدة أعمال الفنان محمود سلامة (الشرق الأوسط)

يأتي المعرض، الذي ينظّمه «مركز دراسات الخطوط»، بالتعاون مع إدارة «المعارض والمقتنيات الفنية» بالمكتبة، لمناسبة إهداء أسرة الخطاط 15 عملاً خطياً للمكتبة، تتنوّع ما بين الخط الثلث والفارسي، والنسخ والديواني؛ وبطرق تنفيذ ثرية تعكس قدرة الفنان على فهم جماليات الخط وأسرار التكوين.

في هذا السياق، يقول الباحث الأول بالمركز ومنسّق المعرض الدكتور محمد حسن لـ«الشرق الأوسط»: «يكتسب الحدث أهمية خاصة لضمّه أعمال واحد من أهم فناني الخط العربي في مصر، اكتسب عن جدارة لقب (شيخ الخطاطين المعاصرين)».

مقتنيات المعرض تحفّز الجمهور على التعمّق في فن الخط العربي (الشرق الأوسط)

يضيء المعرض على مسيرة سلامة، المولود عام 1919، وقد أظهر في وقت مبكر موهبته في مجال الفن العربي الأصيل؛ لينال المركز الأول في «مدرسة تحسين الخطوط» عام 1939، كما حصل على دبلوم التخصّص عام 1941. يضيف حسن: «يبرز أيضاً كيف تأثّر سلامة بأساتذة كبار في هذا المجال، منهم الخطّاطون محمد حسني، وسيد إبراهيم، ومحمد علي مكاوي؛ من خلال أعماله، في مقدمتها اللوحة التي نال عبرها الإجازة عام 2005».

«التنوّع في الشكل والمضمون هو السمة الأساسية للمعرض»، وفق حسن. ويشرح: «يتضمّن نحو 60 عملاً، منها المجموعة التي أهدتها الأسرة للمكتبة (15 لوحة)، فضلاً عن أعمال أخرى تمت استعارتها من الأسرة؛ لعرضها على الجمهور، منها 6 نسخ للمصحف الشريف كتبها سلامة، كانت طُبعت في ليبيا والجزائر، إضافة إلى مجموعة من التصاميم الأخرى مثل أغلفة الكتب، والخطوط التي وضعها للحاسب الآلي في التسعينات، تاركاً علامة بصرية في (الفونتات) الخاصة بالكومبيوتر بالرقعة والديواني، وغير ذلك لبعض الشركات العاملة في هذا المجال؛ بوصفها نوعاً من الاستشراف للمستقبل».

يضيء المعرض على مسيرة الخطّاط محمود سلامة (الشرق الأوسط)

يضمّ المعرض بعض الأعمال التوثيقية لمشواره الفني، منها «الكراسة الأولى» التي تدرّب فيها عند التحاقه بـ«مدرسة تحسين الخطوط» وهو لا يزال طالباً في العشرين، ومجموعة اسكتشات لتصاميمه التي استُخدمت ترويسات للصحف التي عمل بها، في مقدمتها صحيفة «الجمهورية» منذ إنشائها بعد قيام ثورة 1952، علاوة على أعمال الخطاط في «أفيشات» أفلام جسّدت علامات في تاريخ السينما العربية، أمثال «أمير الانتقام» و«الرسالة» و«عمر المختار».

يبرز المعرض دور المدرسة المصرية في تطوير الخط العربي (الشرق الأوسط)

داخل القاعة، يلتقي الزوار بـ7 أعمال لتلامذة «شيخ الخطاطين»، فتؤكد أنّ هذا التراث البصري الفريد لسلامة لم ينتهِ برحيله، إنما هناك فنانون آخرون ممن تتلمذوا عليه يستكملون مسيرته، وفق حسن الذي يتابع: «هذه الأعمال المتنوّعة مختلفة التراكيب والألوان والأشكال لسلامة وتلامذته تجسّد تميُّز هذا الفنان، وهي تدعو الجمهور إلى إعادة قراءتها، والتعمّق في تاريخ الخط العربي. كما يبرز المعرض، من خلال هذه المقتنيات، الدور التاريخي لـ(مدرسة تحسين الخطوط)، ويجسّد التأثير الكبير للمدرسة المصرية بشكل عام في تطوّر الخط العربي».

ولا يُعد الحدث ممتعاً لمتذوّقي الفن فحسب، بل هو أيضاً مرجع علمي وفني للباحثين والمتخصّصين المهتمين في هذا المجال، وفق حسن.

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

يُذكر أنّ هذا الإهداء من أسرة محمود إبراهيم سلامة يُضاف إلى رصيد مقتنيات مكتبة الإسكندرية من لوحات الخط العربي، التي تتكوّن من مجموعة الفنانين محمد إبراهيم، وكامل إبراهيم، وخضير البورسعيدي، والشيخ محمد عبد الرحمن؛ وغيرهم من الأساتذة، ما يعزّز مكانة المكتبة في الحفاظ على التراث الخطي لفناني مصر عبر العصور.

رافقت المعرض المستمرّ حتى 9 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ندوة تحدّث فيها الكاتب الصحافي محسن عبد الفتاح، زوج ابنة محمود إبراهيم سلامة عن حياته وسيرته الفنية والعملية، كما تحدّثت مجموعة من أساتذة الخط العربي الحاصلين على الإجازة، وناقش الباحثان أحمد فهد ومحمد حسن مفهوم «الإجازة الخطية» في مدارس الخط العربي المختلفة.


مقالات ذات صلة

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

يوميات الشرق مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

بات «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، يشكل تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
يوميات الشرق الطبيعة بريشة الفنانة البرازيلية (متحف لوكسمبورغ)

تارسيلا دو أمارال... الفنانة المتمردة التي رسمت البرازيل

يأتي معرض الرسامة البرازيلية تارسيلا دو أمارال، في متحف دوقية لوكسمبورغ، ليشيع دفئاً لاتينياً جنوبياً يأخذ زواره إلى بقاع تحب الألوان الحارة والإيقاعات البدائية

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مشهد من معرض «آدم حنين... سنوات باريس» (مكتبة الإسكندرية)

روائع آدم حنين الباريسية ترى النور للمرة الأولى في مصر

تعكس أعماله الفنّية سمات ميَّزت آدم حنين في التصوير والنحت، إذ تكشف غلبة التجريد على لوحاته التصويرية، وسعيه إلى الوصول نحو آفاق روحية بالغة السمو والإنسانية.

حمدي عابدين (القاهرة)

«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
TT

«مخبأ» و«حكايات سميرة»... قصص حياة على الخشبة

المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)
المخرج شادي الهبر (شادي الهبر)

كان من المقرر أن يحتفل «مسرح شغل بيت» بذكرى تأسيسه الثامنة في سبتمبر (أيلول) الماضي، بيد أن اندلاع الحرب في لبنان حال دون إقامة الحفل، فأُلغيت البرمجة التي كانت مقررة حتى إشعار آخر.

ممثلون هواة تابعون لـ«مسرح شغل بيت» (شادي الهبر)

اليوم يستعيد «مسرح شغل بيت» نشاطاته الثقافية ويستهلها بمسرحيتي «مخبأ» و«حكايات سميرة». ويعلّق مخرجهما شادي الهبر لـ«الشرق الأوسط»: «كانتا من ضمن نشاطات روزنامة الاحتفال بسنتنا الثامنة، فقررنا نقلهما إلى الشهر الحالي، ونعرضهما على التوالي في (مسرح مونو) خلال 16 و17 و18 و19 يناير (كانون الثاني) الحالي». لكل مسرحية عرضان فقط، تشارك فيهما مواهب تمثيلية جديدة متخرّجة من ورش عمل ينظمها «مسرح شغل بيت». ويوضح الهبر: «الهدف من هاتين المسرحيتين هو إعطاء الفرص لطلابنا. فهم يتابعون ورش عمل على مدى سنتين متتاليتين. ومن هذا المُنطلق كتب هؤلاء نص العملين من خلال تجارب حياة عاشوها. وما سنراه في المسرحيتين هو نتاج كل ما تعلّموه في تلك الورش».

* «مخبأ»: البوح متاح للرجال والنساء

تُعدّ المسرحية مساحة آمنة اختارتها مجموعة من النساء والرجال للبوح بمكنوناتهم. فلجأوا إلى مخبأ يتيح لهم التّعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية. وفي هذا المكان الصغير بمساحته والواسع بأجوائه تجري أحداث العمل. ويشارك فيه 4 نساء و4 رجال. وتتراوح أعمارهم ما بين 20 و65 عاماً. وقد كتب محتوى النص كل واحد منهم انطلاقاً من تجاربه الحياتية. ويعلّق شادي الهبر: «إنها تجارب تنبع من واقع يشبه في موضوعاته وظروفه ما عاشه ناس كثر. وقد طلبت من عيسى بيلون أحد الممثلين فيها أن يضع لها التوليفة المناسبة. وخرج بفكرة محورها المخبأ. فحملت المسرحية هذا الاسم للإشارة إلى مشاعر نخبئها في أعماقنا».

يشارك في هذا العمل إيرما مجدلاني وكريستين مطر ومحمد علي بيلوني وغيرهم. وتتناول موضوعات اجتماعية مختلفة، من بينها ما يتعلّق بالعُقم والقلق والعمل بمهنة غير مرغوب بها. كما تطلّ على موضوع الحرب التي عاشها لبنان مؤخراً. فتحكي قصة شاب لبناني تعرّض منزله في الضاحية للقصف، فيقف أمام ما تبقّى منه ليتحدث عن ذكرياته.

مسرحية «مخبأ» تحكي عن مساحة أمان يتوق لها الناس (شادي الهبر)

ويتابع شادي الهبر: «تحمل المسرحية معاني كثيرة، لا سيما المتعلقة بما نخفيه عمّن هم حولنا، وأحياناً عن أنفسنا محاولين غضّ الطّرف عن مشاعر ومواقف تؤلمنا. فتكشف عن أحداث مرّ بها كلٌّ من الممثلين الثمانية، وتكون بمثابة أسرار يبوحون بها لأول مرة في هذا المكان (المخبأ). ويأتي المسرح كجلسة علاج تداوي الجراح وتبلسمها».

* «حكايات سميرة»: علاقات اجتماعية تحت المجهر

في المسرحية التي تُعرض خلال 18 و19 يناير على «خشبة مونو»، يلتقي الحضور بالممثلة لين جمّال بطلتها الرئيسة. فهي تملك كمية هائلة من القصص التي تحدث في منزلها. فتدعو الحضور بصورة غير مباشرة لمعايشتها بدورهم. وتُدخلهم إلى أفكارها الدفينة في عقلها الذي يعجّ بزحمة قصصٍ اختبرتها.

ويشارك في «حكايات سميرة» مجموعة كبيرة من الممثلين ليجسّدوا بطولة حكايات سميرة الخيالية. ومن الموضوعات التي تتناولها المسرحية سنّ الأربعين والصراعات التي يعيشها صاحبها. وكذلك تحكي عن علاقات الحماة والكنّة والعروس الشابة. فتفتح باب التحدث عن موروثات وتقاليد تتقيّد بها النساء. كما يطرح العمل قضية التحرّش عند الرجال ومدى تأثيره على شخصيتهم.

مسرحية «حكايات سميرة» عن العلاقات الاجتماعية (شادي الهبر)

مجموعة قصص صغيرة تلوّن المسرحيتين لتشكّل الحبكة الأساسية للنص المُتّبع فيها. ويشير الهبر إلى أنه اختار هذا الأسلوب كونه ينبع من بنية «مسرح شغل بيت».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مسرحنا قائم على المختبر التمثيلي والتجارب فيه. وأردت أن أعطي الفرصة لأكبر عددٍ ممكن من متابعي ورش العمل فيه. فبذلك يختبرون العمل المسرحي ويُبرزون مواهب حرفية يتحلّون بها. وما حضّني على اتباع الأسلوب القصصي هو اتّسام قصصهم بخبراتهم الشخصية. فيضعونها تحت الضوء ضمن تجربة مسرحية جديدة من نوعها. فأنا من المخرجين المسرحيين الباحثين باستمرار عن التّجدد على الخشبة. لا أخاف الإخفاق فيه لأني أُخزّن الخبرة من أي نتيجة أحصدها».

ويوضح شادي الهبر أنه انطلاقاً من موقعه مُخرجاً يرمي إلى تطوير أي عمل مكتوب يتلقاه من طلّابه. «أطّلع عليه لأهندسه على طريقتي، فأبتعد عن السطحية. كما أرنو من خلال هذا التّطوير لجذب أكبر عدد ممكن من المجتمع اللبناني على اختلاف مشاربه». ويتابع: «وكلما استطعت تمكين هؤلاء الطلاب ووضعهم على الخط المسرحي المطلوب، شعرت بفرح الإضافة إلى خبراتهم».

ويختم الهبر حديثه مشجعاً أيّ هاوي مسرح على ارتياد ورش عمل «مسرح شغل بيت»، «إنها تزوده بخبرة العمل المسرحي، وبفُرص الوقوف على الخشبة، لأنني أتمسك بكل موهبة أكتشفها».