اكتشاف وتطوير «الجسيمات النانوية» يمنح 3 علماء «نوبل الكيمياء»

التونسي الأصل منجي الباوندي من بينهم

الفائزون بـ«نوبل الكيمياء» لعام 2023 (صفحة جائزة نوبل على فيسبوك)
الفائزون بـ«نوبل الكيمياء» لعام 2023 (صفحة جائزة نوبل على فيسبوك)
TT

اكتشاف وتطوير «الجسيمات النانوية» يمنح 3 علماء «نوبل الكيمياء»

الفائزون بـ«نوبل الكيمياء» لعام 2023 (صفحة جائزة نوبل على فيسبوك)
الفائزون بـ«نوبل الكيمياء» لعام 2023 (صفحة جائزة نوبل على فيسبوك)

مثلما كان لـ«الأتوثانية» وهي أقصر مقياس زمني حققه العلماء على الإطلاق، دور في فوز 3 علماء بـ«نوبل الفيزياء» 2023، وساهم تطوير «النقاط الكمومية»، وهي «جسيمات نانوية صغيرة جداً لدرجة أن حجمها يتحكم في خصائصها»، في حصد 3 علماء آخرين، أحدهم تونسي الأصل، جائزة «نوبل الكيمياء».

وأعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم المانحة لجائزة «نوبل الكيمياء»، الأربعاء، فوز منجي الباوندي (فرنسي المولد وتونسي الأصل)، ولويس بروس (من الولايات المتحدة) وأليكسي إكيموف (المولود في روسيا)، وهم علماء يعملون في الولايات المتحدة في مجال الجسيمات النانوية، بالجائزة «لاكتشاف وتطوير النقاط الكمومية».

والنقاط الكمومية هي جسيمات صغيرة جداً، يتراوح قطرها بين 2 إلى 10 نانومترات، وتستخدم هذه المكونات الأصغر من تكنولوجيا النانو الآن في نشر الضوء من أجهزة التلفزيون والمصابيح الثنائية الباعثة للضوء «LED»، ويمكنها أيضاً توجيه الجراحين عند إزالة أنسجة الورم، إذ تستخدم في تحفيز تفاعلات كيميائية محددة، ويمكن لضوئها الساطع تحفيز تألق الأنسجة الورمية وإضاءتها لتوجيه الجراحين في أثناء إزالة الأنسجة السرطانية وفي استخدامات أخرى»، وفق بيان الأكاديمية.

وكشفت لجنة «نوبل»، أن الفائزين جميعهم كانوا رواداً في استكشاف العالم النانوي، الذي يُقاس فيه حجم المادة بأجزاء من المليون من المليمتر.

منجي الباوندي

منجي الباوندي كيميائي أميركي نشأ في فرنسا وتونس، ويعمل في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة الأميركية.

منجي الباوندي (إ.ب.أ)

ولد الباوندي في باريس عام 1961، وهو ابن الأميركي الجنسية والتونسي الأصل محمد صالح الباوندي، الذي عمل أستاذاً فخرياً لعلم الرياضيات في جامعة كاليفورنيا.

هاجر منجي منذ صغره إلى الولايات المتحدة بعد أن أمضى سنوات طفولته الأولى في فرنسا ثم في تونس، وحصل على شهادة الماجستير في الكيمياء من جامعة هارفارد سنة 1983 والدكتوراه في الكيمياء من جامعة شيكاغو سنة 1988، وأنشأ مختبرا للكيمياء؛ حيث انطلق في إجراء البحوث المتعددة بهدف مزيد من استكشاف العلوم وتطوير تكنولوجيا البلورات النانوية وغيرها من الهياكل النانوية المُصنّعة كيميائيا.

وتتركز أبحاث الباوندي بشكل كبير على دراسة النقاط الكمومية لأشباه الموصلات الغروية، وتنقسم مشروعاته البحثية في التحليل الطيفي وعلم الأحياء والأجهزة.

أما لويس بروس، فقد ولد عام 1943 في كليفلاند بولاية أوهايو الأميركية، وحصل على الدكتوراه عام 1969 من جامعة كولومبيا، ويعمل أستاذا بجامعة كولومبيا.

فيما ولد أليكسي إكيموف عام 1945 في روسيا وحصل على الدكتوراه عام 1974 من معهد يوفي الفيزيائي التقني، بسانت بطرسبرغ، ويعمل حاليا في شركة «نانوكريستلز تكنولوجي»، ومقرها الولايات المتحدة.

«النقاط الكمومية»

النقاط الكمومية هي عبارة عن بلورات صغيرة من أشباه الموصلات، يبلغ حجمها بضع ذرات فقط، وهي عبارة عن جزيئات ولكنها تحتوي على بعض خصائص الذرات المفردة.

ويتيح ذلك ضبطها حتى تتمكن من إصدار أطوال موجية محددة من الضوء. على سبيل المثال، يمكن للنقاط الكمومية من مركب «سيلينيد الكادميوم» أن تبعث ضوءاً أزرق إذا كانت الجسيمات صغيرة، لكنها تبعث ضوءا أحمر بالنسبة للبلورات الأكبر حجما.

وتُستخدم النقاط الكمومية في التطبيقات التي تحتاج إلى أطوال موجية محددة من الضوء، بدءا من شاشات التلفزيون الأكثر سطوعا وحتى التصوير البيولوجي، وفق «نيتشر».

كما تستخدم النقاط الكمومية في تطبيقات صناعية متعددة، منها مصابيح «ليد» (LED) التي تنتج ضوءا أكثر كفاءة من المصابيح التقليدية، بالإضافة لدورها في صنع أجهزة كومبيوتر أصغر وأكثر كفاءة.

وفي المجالات الطبية، يمكن استخدام النقاط الكمومية لتصوير الخلايا والأعضاء بدقة أكبر، كما يمكن استخدامها لعلاج السرطان عن طريق توجيه العلاج إلى الخلايا السرطانية فقط.

ماذا قدم الفائزون؟

لعقود من الزمن، كانت الظواهر الكمومية في العالم النانوي مجرد تنبؤ. وعندما أنتج أليكسي إكيموف ولويس بروس، النقاط الكمومية الأولى، عرف العلماء بالفعل أنها يمكن أن تتمتع بخصائص غير عادية من الناحية النظرية. ومع ذلك اعتقد عدد قليل من الناس أنه يمكن الاستفادة من التأثيرات الكمومية.

وأثناء حصوله على درجة الدكتوراه، درس إكيموف أشباه الموصلات، وهي مكونات مهمة في الإلكترونيات الدقيقة. وفي هذا المجال، تُستخدم الطرق البصرية بصفتها أدوات تشخيصية لتقييم جودة المواد شبه الموصلة. ويسلط الباحثون الضوء على المادة ويقيسون امتصاصها، ويكشف هذا عن المواد التي تتكون منها المادة ومدى ترتيب البنية البلورية، وفق بيان الأكاديمية.

وكان إكيموف على دراية بهذه الطرق، لذلك بدأ في استخدامها لفحص الزجاج الملون. وعقب إجراء بعض التجارب الأولية، قرر إنتاج الزجاج الملون بكلوريد النحاس بشكل منهجي. وقام بتسخين الزجاج المنصهر إلى نطاق من درجات الحرارة بين 500 درجة مئوية و700 درجة مئوية، مما أدى إلى تغيير وقت التسخين من ساعة واحدة إلى 96 ساعة. وبمجرد أن يبرد الزجاج ويتصلب، يقوم بتصويره بالأشعة السينية.

وأظهرت الأشعة المتناثرة أن بلورات صغيرة من كلوريد النحاس قد تشكلت داخل الزجاج وأن عملية التصنيع أثرت على حجم هذه الجزيئات. وفي بعض عينات الزجاج كان حجمها حوالي 2 نانومتر فقط، وفي عينات أخرى كان يصل إلى 30 نانومترا.

ومن المثير للاهتمام أنه تبين أن امتصاص الزجاج للضوء يتأثر بحجم الجزيئات، إذ امتصت الجسيمات الأكبر الضوء بنفس الطريقة التي يمتصها كلوريد النحاس عادة، ولكن كلما كانت الجسيمات أصغر، كان الضوء الذي امتصته أكثر زرقة.

وبصفته فيزيائياً، كان إكيموف على دراية جيدة بقوانين ميكانيكا الكم، وسرعان ما أدرك أنه لاحظ تأثيراً كميا يعتمد على الحجم، وكانت هذه هي المرة الأولى التي ينجح فيها شخص ما في إنتاج النقاط الكمومية عمداً، وهي جسيمات نانوية تسبب تأثيرات كمية تعتمد على الحجم. وفي عام 1981 نشر إكيموف اكتشافه في مجلة علمية سوفياتية. وأثبت إكيموف أن حجم الجسيمات يؤثر على لون الزجاج من خلال التأثيرات الكمية.

لويس بروس (أ.ف.ب)

في المقابل، لم يكن لويس بروس على علم باكتشاف أليكسي إكيموف عندما أصبح في عام 1983 أول عالم في العالم يثبت التأثيرات الكمومية المعتمدة على الحجم في الجسيمات التي تطفو بحرية في السائل.

وفي عام 1993، أحدث مونجي الباوندي ثورة في الإنتاج الكيميائي للنقاط الكمومية؛ ما أدى إلى إنتاج جسيمات مثالية تقريباً، وكانت هذه الجودة العالية ضرورية لاستخدامها في التطبيقات.

الحلم يتحقق

وقال الدكتور يوهان أكفيست، رئيس لجنة جائزة «نوبل الكيمياء» التابعة للأكاديمية، خلال المؤتمر الصحافي للإعلان عن الفائزين بالجائزة: «لفترة طويلة، لم يعتقد أحد أنه يمكنك فعلاً صنع مثل هذه الجسيمات الصغيرة". وعرض أمامه 5 قوارير ملونة قال إنها تحتوي على نقاط كمومية في محلول سائل، وقال: «لكنّ الفائزين هذا العام نجحوا».

ولكي تكون النقاط الكمومية مفيدة للغاية، قال أكفيست، إنه يجب أن يتم تصنيعها في محلول «مع تحكم رائع في حجمها وسطحها»، مشيراً إلى أن الباوندي اخترع طريقة كيميائية بارعة «للقيام بذلك».

وتضيء النقاط الكمومية الآن شاشات الكومبيوتر وشاشات التلفزيون المعتمدة على تقنية (QLED)، كما أنها تضيف فارقا بسيطا إلى ضوء بعض مصابيح (LED)، ويستخدمها علماء الكيمياء الحيوية والأطباء لرسم خريطة للأنسجة البيولوجية، وبالتالي فإن النقاط الكمومية تحقق أكبر فائدة للبشرية، حسب بيان اللجنة.

ويعتقد الباحثون أنه في المستقبل يمكنهم المساهمة في الإلكترونيات المرنة، وأجهزة الاستشعار الصغيرة، والخلايا الشمسية الأرق، والاتصالات الكمومية المشفرة، لذلك بدأنا للتو في استكشاف إمكانات هذه الجسيمات الصغيرة.


مقالات ذات صلة

تدهور صحة السجينة الإيرانية نرجس محمدي ونقلها إلى المستشفى

شؤون إقليمية نرجس محمدي (رويترز)

تدهور صحة السجينة الإيرانية نرجس محمدي ونقلها إلى المستشفى

وافقت السلطات الإيرانية على نقل السجينة الحائزة على جائزة نوبل للسلام نرجس محمدي إلى المستشفى بعد نحو تسعة أسابيع من معاناتها من المرض.

«الشرق الأوسط» (دبي)
الاقتصاد الخبير الاقتصادي سايمون جونسون بعد فوزه المشترك بجائزة نوبل في الاقتصاد بمنزله في واشنطن يوم الاثنين 14 أكتوبر 2024 (أ.ب)

الفائز بـ«نوبل الاقتصاد»: لا تتركوا قادة شركات التكنولوجيا العملاقة يقرّرون المستقبل

يؤكد الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد سايمون جونسون على ضرورة أن يستفيد الأشخاص الأقل كفاءة من الذكاء الاصطناعي، مشدداً على مخاطر تحويل العمل إلى آلي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق خلال إعلان الأكاديمية الملكية السويدية عن فوز ثلاثة أميركيين بجائزة نوبل للاقتصاد (رويترز)

«نوبل الاقتصاد» لـ 3 أميركيين

فاز خبراء الاقتصاد الأميركيون دارون أسيموغلو وسايمون جونسون وجيمس روبنسون، بجائزة «نوبل» في العلوم الاقتصادية، أمس، عن أبحاثهم في مجال اللامساواة في الثروة.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد شاشة داخل «الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم» خلال الإعلان عن جائزة «نوبل الاقتصاد» في استوكهولم (رويترز)

عقد من التميز... نظرة على الفائزين بجائزة «نوبل الاقتصاد» وأبحاثهم المؤثرة

على مدار العقد الماضي، شهدت «الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم» تتويج عدد من الأسماء اللامعة التي أحدثت تحولاً جذرياً في فهم الديناميات الاقتصادية المعقدة.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
الاقتصاد خلال إعلان الأكاديمية الملكية السويدية عن فوز ثلاثة أميركيين بجائزة نوبل للاقتصاد (رويترز)

الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل للاقتصاد... سيرة ذاتية

تنشر «الشرق الأوسط» سيرة ذاتية للفائزين الثلاثة بجائزة نوبل للاقتصاد والذين فازوا نتيجة أبحاثهم بشأن عدم المساواة بتوزيع الثروات.

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
TT

ضجيج المدن يحجب فوائد الطبيعة في تهدئة الأعصاب

ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)
ضوضاء المرور تؤثر سلباً على الصحة النفسية والجسدية (وكالة الأمن الصحي بالمملكة المتحدة)

أثبتت دراسة بريطانية حديثة أن الضوضاء البشرية الناتجة عن حركة المرور يمكن أن تخفي التأثير الإيجابي لأصوات الطبيعة في تخفيف التوتر والقلق.

وأوضح الباحثون من جامعة غرب إنجلترا أن النتائج تؤكد أهمية أصوات الطبيعة، مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة الطبيعية، في تحسين الصحة النفسية؛ ما يوفر وسيلة فعّالة لتخفيف الضغط النفسي في البيئات الحضرية، وفق النتائج المنشورة، الخميس، في دورية «بلوس وان».

وتسهم أصوات الطبيعة في خفض ضغط الدم ومعدلات ضربات القلب والتنفس، فضلاً عن تقليل التوتر والقلق الذي يتم الإبلاغ عنه ذاتياً، وفق نتائج أبحاث سابقة.

وعلى النقيض، تؤثر الأصوات البشرية، مثل ضوضاء المرور والطائرات، سلباً على الصحة النفسية والجسدية، حيث ترتبط بزيادة مستويات التوتر والقلق، وقد تؤدي إلى تراجع جودة النوم والشعور العام بالراحة.

وخلال الدراسة الجديدة، طلب الباحثون من 68 شخصاً الاستماع إلى مشاهد صوتية لمدة 3 دقائق لكل منها. تضمنت مشهداً طبيعياً مسجلاً عند شروق الشمس في منطقة ويست ساسكس بالمملكة المتحدة، احتوى على أصوات طبيعية تماماً مثل زقزقة الطيور وأصوات البيئة المحيطة، دون تدخل أي أصوات بشرية أو صناعية، فيما تضمن المشهد الآخر أصواتاً طبيعية مصحوبة بضوضاء مرور.

وتم تقييم الحالة المزاجية ومستويات التوتر والقلق لدى المشاركين قبل الاستماع وبعده باستخدام مقاييس ذاتية.

وأظهرت النتائج أن الاستماع إلى الأصوات الطبيعية فقط أدى إلى انخفاض ملحوظ في مستويات التوتر والقلق، بالإضافة إلى تحسين المزاج.

بالمقابل، أدى إدخال ضوضاء المرور إلى تقليل الفوائد الإيجابية المرتبطة بالمشاهد الطبيعية، حيث ارتبط ذلك بارتفاع مستويات التوتر والقلق.

وبناءً على النتائج، أكد الباحثون أن تقليل حدود السرعة المرورية في المناطق الحضرية يمكن أن يعزز الصحة النفسية للإنسان من خلال تقليل الضوضاء؛ ما يسمح بتجربة أصوات الطبيعة بشكل أفضل.

كما أشارت الدراسة إلى أهمية تصميم المدن بشكل يقلل من الضوضاء البشرية، ما يوفر للسكان فرصاً أكبر للتفاعل مع الطبيعة.

ونوه الفريق بأن هذه النتائج تفتح المجال لإعادة التفكير في كيفية تخطيط المدن بما يعزز التوازن بين التطور الحضري والحفاظ على البيئة الطبيعية، لتحقيق فوائد صحية ونفسية ملموسة للسكان.