وائل جسار لـ«الشرق الأوسط»: إذا اقتضت العادات القتل فأنا بريء منها

رصاصة طائشة أُطلقت في زفاف كادت تتسبّب بمأساته

وائل جسار يحمل الطلقة بيده لتعمُّد الإشارة إلى خطرها (لقطة من الفيديو)
وائل جسار يحمل الطلقة بيده لتعمُّد الإشارة إلى خطرها (لقطة من الفيديو)
TT

وائل جسار لـ«الشرق الأوسط»: إذا اقتضت العادات القتل فأنا بريء منها

وائل جسار يحمل الطلقة بيده لتعمُّد الإشارة إلى خطرها (لقطة من الفيديو)
وائل جسار يحمل الطلقة بيده لتعمُّد الإشارة إلى خطرها (لقطة من الفيديو)

يشكر وائل جسار الرحمة الإلهية على النجاة؛ فالرصاصة الطائشة لم تصبه أو أفراد أسرته. اتجاهها صبَّ بالقرب منه، فجنَّب العائلة الويلات. كادت زيارته لوالديه في قريته البقاعية تستدعي الجنازة، لولا اللُّطف. شغّل كاميرا ووجّه نداء ضد الرصاص. حمل الطلقة بيده، لتعمُّد الإشارة إلى خطرها. يرشقها لبنانيون في الأعراس وخلال الدفن، متسببين بتعاسة أبرياء.

يبدأ حديثه مع «الشرق الأوسط» بالامتنان: «يمكن للخسارة أن تفوق القدرة على تحملها». ويكرر النداء: «على الدولة التحرك بحزم. في لبنان لا تزال عادة إطلاق الرصاص متجذرة. لستُ أعمم، لكن ما يحصل يتطلب إجراءات فورية. حاملو السلاح المتفلت يتغاضون عن كارثيته. هذه الظاهرة شاذة وينبغي التصدي لها».

صرخة الفنان اللبناني اتخذت مساحتها على مواقع التواصل، فانهالت تعليقات من صنفين: الأول يهنئ بالسلامة، والثاني يشجع على رفع الصوت. يشاء أن تبلغ الآذان وتمس الضمائر، وتُحدِث وَقْعاً مؤثراً: «لا نريد للفرح الانطواء على احتمال ترح. المتحمسون في الأعراس والعزاء ونجاح الشهادات الرسمية والولادات مدعوون للتوقف عن إطلاق الرصاص، فلا تتسبب مناسباتهم بترويع عائلات».

في لبنان، تتكرر عبارة «على الدولة الضرب بيد من حديد»، من دون أن تخيف أحداً. الجميع يعلم عبثيتها ورخاوة العقاب. مع ذلك، ترِد على لسان وائل جسار هذه الاستحالة: «الضرب بيد من حديد»، مُرفَقة بنبرة أهدأ: «لن نعلم المسؤولين ما يجب فعله، لكن يمكن فرض غرامات أو الزج في السجون».

يرى في التقاعس الرسمي «خطأ كبيراً يجدر حده»، ويتساءل: «إنْ أهملت الدولة؛ فماذا عن المسؤولية الفردية؟ لِمَ لا يصحو الضمير؟ لا يعقل تسبب أفراح البعض بتشرذم آخرين».

الفنان اللبناني وائل جسار يرفض ربط الرجولة والبطولة بالسلاح (فيسبوك)

يُكثر الأسئلة، وهي حالة التائهين في دوامات الوطن الممزق: «هل ينقصنا مزيد من الدم؟ قُتل لبنانيون في الحروب، فهل نكتفي؟ آلة الموت هذه، متى تتوقَّف؟ ألم يعنِ شيئاً ما حدث للمرفأ وما أصاب بيروت، والموت المتنقل هنا وهناك؟ ماذا يريدون بعد؟».

مرة أخرى، يصوِّب إصبعه نحو الجهة المعنية: «يتبجَّحون بالقانون، ويدعون إلى تطبيقه. هذا كله ادّعاء. العجز يتربّص، والأقوال لا تُقرَن بالأفعال. أين سلطتكِ يا دولة؟ للدول هالة، وفي لبنان، لا يخشى أحد هيبة دولته».

يستوقفه السلاح غير المرخَّص، وهو منتشر بكثافة بين اللبنانيين، يمتشقونه عند أول مفترق: «ليت قانوناً يفرض ترخيص جميع الأسلحة ويحاسب المخالفين، يُعمم ويُطبق تحت طائلة المسؤولية. ذلك، ربما، قد يحد من انتشار السلاح المتفلت». نسأله عن بعضٍ يربط حَمْل سلاحه بالبطولة، ويُنشئ أبناءه على قاعدة أن السلاح للرجال وهو مرآة الأقوياء. يرد: «أناهض السلاح وأقف ضده. لم احتمِ يوماً به، ولا أتيح لأولادي حمله. إنه اختزال للخطر، إلا أن ضُبط بأيدي الجيش والأمن. هم وحدهم المخوّلون بالتسلح من أجل أمان اللبنانيين. لا أحبذ تنشئة الأبناء على فكرة السلاح. المسألة غير واردة إطلاقاً».

يعلّق على شرط السلاح لاكتمال الرجولة: «الأمر ينطبق على السجون. ألا يُقال إن (الحبس للرجال)؟ هذا المنطق يخلو من أي منطق! يحمل السلاح مَن يدَّعون القوة الخارجية لكنهم في الصميم فاقدو الأمان، ومُصابون بالهشاشة. يعزون أنفسهم فقط».

بعضٌ، حين ينتقد خصالاً في مجتمعه، يواجه على الفور مَن يخوّنه. فهل طاله شيء من هذا حين خرج بالفيديو المُندّد، مُرفَقاً بإدانة علنية للرصاص؟ بجرأة، يجيب: «إذا اقتضت العادات والتقاليد قتل أبرياء، فأنا بريء منها. التسبب بموت البشر ليس مسألة بهذه السذاجة. على العكس تماماً، فقد انهالت الإشادة بالرسالة حتى من أبناء البقاع. شجعوا انطلاقاً من كونهم متضررين أيضاً. جميعنا معرض لأن يسير أحد أفراد أسرته أو أقربائه في شارع ينهمر في أجوائه رصاص قد ينهي حياتهم».

وائل جسار يطلق صرخة ضد الرصاص الطائش ويُنبّه من خطورته (فيسبوك)

«أناهض السلاح وأقف ضدّه. لم أحتمِ يوماً به، ولا أتيح لأولادي حمله. إنه اختزال للخطر، إلا إنْ ضُبط بأيدي الجيش والأمن. هم وحدهم المخوّلون بالتسلّح من أجل أمان اللبنانيين. لا أحبّذ تنشئة الأبناء على فكرة السلاح. المسألة غير واردة إطلاقاً»

الفنان اللبناني وائل جسار

أغنية وموقف

يُصدر قريباً أغنية «كلي وعد» باللهجة المصرية، من ألحان أحمد زعيم. بالنسبة إليه، ثمَّة الجيد والأقل جودة في كل عصر: «يتّجه معظم الفنانين نحو الغناء الشعبي لكونه الدارج. أنا أسير عكس التيار. لم ألحق بالرائج، بل أفرض العودة إلى الأصل. أقدِّم الفن الراقي لاعتقادي بأن ثمة مَن لا يزال يجيد الاستماع».

برأي وائل جسار، «إننا مَن يعطي الجمهور ما يتذوَّقه». يدرك أن الهابط يغزو السوق، لكن «علامات الاستفهام تلاحقه». الغزو مردُّه إلى أن «فنانين ربوا جيلاً على هذه النوع، والإعلام يتورَّط بالدعم. في السابق، انطفأ الفن الهابط حين لم يجد مَن يشجِّع على صنفه. لو قوبل أصحاب الرخاوة بمَن يعترض، لأُرغموا على الاعتزال أو تعديل المسار. إعلام اليوم يضيء على ما لا يليق، فتتكاثر الرداءة».


مقالات ذات صلة

«كريسماس أون آيس 2»... الحبّ يُغيِّر العالم

يوميات الشرق الفنانون حضروا من الخارج رغم جميع الاحتمالات (الشرق الأوسط)

«كريسماس أون آيس 2»... الحبّ يُغيِّر العالم

لنحو الساعة ونصف الساعة، تقول الشخصيتان الرئيسيتان ومعهما الراقصون إنّ الحبّ يستطيع مدَّ الحياة بالسحر. «ماجيك» على هيئة تفهُّم واحتضان وحكاية في قصر.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق منصور الرحباني ترك روائعه قبل الرحيل (أرشيف مروان وغدي الرحباني)

عامٌ من الاحتفالات بمئوية منصور الرحباني «الشاعر النادر»

كان هنري زغيب قد رافق منصور الرحباني، مما أتاح له التعرُّف إليه وإلى أعماله وشخصيته من قرب. يرى فيه شاعراً كبيراً لا يقلّ مستوى شعره عن الكبار في لبنان.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق كيف تحركنا الموسيقى؟ (رويترز)

«تشبه نشوة المخدرات»... كيف تثير الموسيقى المشاعر؟

تتميز الموسيقى بقدرتها على استحضار المشاعر العميقة لدى المستمعين، كما أن التأثر العاطفي بالموسيقى تجربة ممتعة بطبيعتها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق عصام صاصا وحمو بيكا (حساب بيكا على «فيسبوك»)

مصر: توقيف «حمو بيكا» بتهمتَي «حيازة سلاح» و«الهروب من أحكام»

ألقت أجهزة الأمن في مصر (الخميس) القبض على مؤدي المهرجانات «حمو بيكا» بتهمتَي «حيازة سلاح أبيض»، و«الهروب من 3 أحكام قضائية».

يوميات الشرق بهاء سلطان يطرح ميني ألبوم «كأنك مسكن» (حسابه في فيسبوك)

زخمٌ غنائي عربي يختم عام 2024

تنوَّعت موضوعاتها ما بين الرومانسي والاجتماعي وعلاقات الحبّ والزواج والخيانة.

داليا ماهر (القاهرة)

مصر لترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد

استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)
استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر لترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد

استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)
استكمال أعمال ترميم وتطوير المناطق الأثرية في محافظات الصعيد بمصر (وزارة السياحة والآثار)

تستعد مصر لترميم وتطوير عدد من المناطق الأثرية بمحافظات الصعيد (جنوب مصر) مع انطلاق موسم الشتاء،

من بينها منطقة أبيدوس الأثرية، و«الأوزيريون» ومعابد كل من الملك سيتي الأول والملك رمسيس الثاني بمحافظة سوهاج.

وتولي مصر اهتماماً كبيراً بمشروعات الترميم والتطوير الجارية، خصوصاً بمحافظات الصعيد؛ بما يساهم في الحفاظ على المواقع الأثرية وفتح أماكن سياحية جديدة لجذب مزيد من السائحين، وفق وزير السياحة والآثار المصري، شريف فتحي، في بيان الجمعة.

وتابع الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، آخر مستجدات الأعمال التي تقوم بها البعثة المصرية الأمريكية المشتركة العاملة في منطقة (الأوزيريون) بسوهاج، منها أعمال التوثيق الأثري وحفظ وترميم وصيانة جميع المعالم الأثرية بالمنطقة وخلق مسارات زيارة جديدة، وعمل لوحات إرشادية وتعريفية؛ لتسليط الضوء على ما تتميز به المنطقة من آثار فريدة، وتطوير وتهيئة المنطقة تمهيداً لإعادة افتتاحها مرة أخرى أمام الزائرين بشكل متكامل.

ويرى المؤرخ والمحاضر الدولي في التاريخ والحضارة، بسام الشماع، أن معبد أبيدوس يستحق الاهتمام به لما يشكله من تاريخ موغل في القدم بالنسبة للحضارة المصرية القديمة، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المنطقة وجدت فيها آثار ونقوش لعصور ما قبل بناء الأهرامات، والبدايات الأولى للكتابة الهيروغليفية كانت في هذا المكان».

ودعا المؤرخ المصري إلى الاهتمام بأبيدوس تماماً بالدرجة نفسها التي يتم بها الاهتمام بمنطقة الأهرامات وأبو الهول، مشيراً إلى أنه يعد «أبيدوس مع سقارة مع طرخان يشكلون أهم 3 جبانات مصرية قديمة، وأن أبيدوس مازال بها كثير من الأسرار التي لم يتم اكتشافها بعد».

وكما ثمن الشماع اهتمام الوزارة بمبنى الأوزيرون، عادّاً هذا المبنى لم يأخذ حقه، لما يمتلكه من تاريخ باهر وحضارة عريقة وتفاصيل متنوعة.

وخلال جولته بسوهاج تفقد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار معبد الملك سيتي الأول، لمتابعة أعمال التطوير وتنظيف أسقف صالتي الأعمدة بالمعبد وإزالة السناج والأتربة التي تغطيها، مما يساهم في إظهار الألوان الأصلية للمعبد ورؤية النقوش بشكل أوضح. وتابع أيضاً أعمال الترميم الجارية بمعبد الملك رمسيس الثاني التي تقوم بها البعثة الأميركية من جامعة نيويورك.

قطع أثرية تحكي سيرة حاكم الصعيد وني (وزارة السياحة والآثار)

وتضمنت الجولة أيضاً متحف سوهاج القومي، ومعرض مقتنيات مقبرة حاكم الصعيد «وني» التي تم اكتشافها عام 1858 على يد عالم الآثار الفرنسي مارييت.

وهو ما وصفه المؤرخ المصري بأنه «كانت له أياد بيضاء على العلوم العسكرية في مصر القديمة»، موضحاً أن «القائد العسكري وني أضاف استراتيجيات جديدة في الحروب، وأعدّه من الشخصيات البارزة في زمنه فلم يكن مجرد حاكم أو قائد عسكري بل كان عقلاً مدبراً ومخططاً ومنجزاً للعديد من الانتصارات المصرية، لذلك أتمنى أن يجوب معرضه كل أنحاء مصر».

ومن بين مقتنيات مقبرة وني، وفق مدير متحف سوهاج القومي الدكتور علاء القاضي، «أعمدة الأركان الحجرية ذات النقوش، وصورة بانورامية لبناء من الطوب اللبن الضخم الخاص بالمقبرة، وعدد من المسلات الحجرية الصغيرة المنقوشة لـوني، والأبواب الوهمية للمقبرة ومجموعة من كتل عناصر المقصورة المزينة بنصوص هيروغليفية ومناظر جنائزية، ونحو 50 لوحة تعليمية مزودة بالصور والخرائط والرسوم التوضيحية الفوتوغرافية والبانورامية لتعريف الزائرين بالمعلومات الأثرية والتاريخية عن الحاكم وني ومقبرته».