من كان يظن أن أعظم الممثلين في بريطانيا اليوم يدينون بشهرتهم لسلسة أفلام «هاري بوتر» المعتمدة على روايات للأطفال كتبتها جيه كيه راولينغ؟
عندما أعلن عن وفاة الممثل البريطاني الآيرلندي القدير سير مايكل غامبون اليوم عرفت عنه كل وسائل الإعلام بأنه بطل أفلام «هاري بوتر» قبل أن تسرد مسيرته الفنية على المسرح القومي في البلاد وأدواره التلفزيونية التي جعلت منه نجماً في بيوت بريطانيا.
مايكل غامبون بقامته الشامخة وصوته العميق ترك علامات كثيرة في أدوار مسرحية في مسرحيات لشكسبير وهارولد بنتر، كما شارك في أفلام كثيرة وأعطى صوته لشخصيات في أعمال أخرى من أشهرها شخصية العم «باستوزو» في فيلم «بادنغتون».
مثل كوكبة العمالقة التي شاركت في أفلام هاري بوتر أمثال ماغي سميث وآلان ريكمان وريتشارد هاريس، عرف غامبون الشهرة العالمية مع جمهور أفلام بوتر، وظلت أعماله الفنية الأخرى في الظل، ولكن ذلك لا ينقص من أدائه وتقمصه لشخصية «ألباس دمبلدور» ناظر مدرسة السحر «هوغوارتس» التي تسلمها في الجزء الثالث بعد وفاة الممثل المخضرم ريتشارد هاريس الذي قدم الشخصية في الفيلمين الأول والثاني.
في الجزء الثالث المعنون «هاري بوتر وسجين أزكبان» أسبغ غامبون على شخصية الناظر صاحب الذقن الطويلة والنظارات الهلالية الشكل، صبغة جديدة، رسم الشخصية وطبعها بطابع مختلف عن الشخصية التي قدمها ريتشارد هاريس. بدا غامبون في الشخصية الأسطورية التي تميزت بقوة الشخصية وعمق النظرة والقدرات الهائلة، أسطورياً في أدائه وإن كان أيضاً غريب الأطوار يجنح للفكاهة، والنظرات العميقة التي وصفتها راولينغ في كتبها بأنها تصدر من عيون زرقاء نافذة النظرات، اكتسبت مع غامبون عمقاً جديداً ولمسة حانية مختبئة كان يعرف التحكم في ظهورها متى اقتضت الحاجة لذلك.
تميز غامبون في أعماله بذلك الصوت العميق الذي يسحب المشاهد للأعماق. يعرفه المشاهد بصوته قبل أن يراه وهذه ميزة لا يعرفها غير من حمل تلك الهبة الإلهية، وقام بدوره بتطويعها لتصبح الأداة التي ترسم ملامح الشخصيات المختلفة. استخدمها بحرفية في أدواره الشكبيرية وفي أدواره التلفزيونية، وكان عنده لكل مقام طبقات صوت مختارة، في التلفزيون كانت النبرات أهدأ وأقرب للمشاهد في المنزل، في مسلسل «ذا سينغينغ ديتكتيف» (المحقق المطرب) للكاتب دينيس بوتر حيث قام بتمثيل دور كاتب روائي يعالج في المستشفى من مرض يمنعه من الحركة، تجلت قدرات غامبون التمثيلية بتعبيرات الوجه ونظرات العين وبالصوت.
في المسرح، كان المجال مفتوحاً أمامه على مصراعيه ليعبر ذلك الصوت من خشبة المسرح ويطوف بالحاضرين المتسمرين في مقاعدهم. في أفلام «بوتر» كان صوته المصاحب لشخصية بطل الفيلم مثل القيثارة في يده، تنوعت تعبيراته ما بين الحانية المساندة لبوتر في لحظاته السعيدة وفي أحزانه ومواجهاته مع الساحر الشرير «فولدرمور». وفي المشاهد المعتمدة على الحركة وفي المعارك السحرية، التي لا شك استفادت من الحيل البصرية الرقمية، استطاع غامبون بأدائه وقامته الشامخة وبصوته العميق المدوي أن يحمل المشاهد لعوالم غير بشرية... ويا لها من عبقرية في الأداء.
فاز غامبون بأربع جوائز بافتا في التلفزيون وبجائزة أوليفييه خلال مسيرته التمثيلية التي امتدت لعقود عبر التلفزيون والسينما والإذاعة والمسرح.
غامبون العظيم
بدأ غامبون الذي لقبه زملائه بـ«غامبون العظيم» بالظهور على خشبة المسرح في 1962 بتمثيل دور أوثيلو في رائعة شكسبير بالاسم نفسه وتعلم على يد السير لورانس أوليفييه في فرقة المسرح الوطني «ناشونال ثييتر». ولد مايكل جون غامبون في 1940 في دبلن بآيرلندا وأعلنت عائلته أمس في بيان أنه توفي في المستشفى بعد إصابته بالتهاب رئوي، وجاء في البيان: «بحزن شديد نعلن رحيل السير مايكل غامبون»، مضيفة: «مايكل الزوج والأب الحبيب، توفي بسلام في المستشفى محاطاً بزوجته آن وابنه فيرغوس، بعد نوبة من الالتهاب الرئوي». منح غامبون لقب «فارس» في عام 1998 تكريماً لخدماته في مجال الترفيه.
رثاء الأصدقاء
تذكر عنه الممثلة فيونا شو التي شاركت في بطولة أفلام «هاري بوتر» أنه «محب للمقالب وأنه كان يعشق التمثيل وقام بأدوار كثيرة متنوعة»، مضيفة: «لم يكن هناك مثله في التعامل مع النص».
وقال عنه الكاتب الشهير ديفيد هير إنه قدوة لجيل بأكمله، مضيفاً أن غامبون كان محل تقدير أشهر الممثلين في العالم حتى مارلون براندو الذي عمل معه في فيلم «فصل أبيض جاف» في عام 1989 قال إنه «سحر» بأداء غامبون.
وتذكرت الممثلة هيلين ميرين صديقها مايكل غامبون في حديث لـ«بي بي سي» بأنه كان «شقياً جداً ومرحاً، وأنه كان ممثلاً بالفطرة». وأضافت ميرين أن غامبون كان يضحكها دائماً. وقد تشاركت ميرين مع غامبون في تمثيل مسرحية «أنطوني وكليوباترا».
أما الممثل رايف فاينس الذي عمل مع غامبون في أفلام «هاري بوتر» فقد أعرب عن حزنه الشديد لرحيل الممثل القدير في رسالة على «إنستغرام» قائلاً: «سنحمل ذكراه في قلوبنا للأبد».