قصي خولي ومحمد قيس: حوار الامتنان

حديث في الفن والإنسان وتقييم المراحل

قصي خولي ومحمد قيس... حديث في الإنسان والفن (المشهد)
قصي خولي ومحمد قيس... حديث في الإنسان والفن (المشهد)
TT

قصي خولي ومحمد قيس: حوار الامتنان

قصي خولي ومحمد قيس... حديث في الإنسان والفن (المشهد)
قصي خولي ومحمد قيس... حديث في الإنسان والفن (المشهد)

أغمض قصيّ خولي عينيه وعدَّد النِّعم: «أهلي، ابني، الصحة، العمل والإيمان». حين سأله محمد قيس عمّا ينقص، حلَّ صمت. فسَّر له أنه جراء التوق إلى كثير لم يتحقق، وهو يفكر من أين يبدأ. الغياب عن العائلة، الأصدقاء، الحب، الثقة، وبعض ما يفضّل إبقاءه بين أسرار القلب. افتتح الإعلامي اللبناني برنامجه «عندي سؤال» (المشهد) باستضافة اسم قلّما يطلّ. برَّر أفضلية التواري حين لا يكون لدى المرء ما يقوله. لنحو ساعتين، مرَّ الحديث على محطات في المهنة والإنسان.

حين شكر الضيف مُحاوِره في نهاية اللقاء، توقّف عند «النكش»؛ وهو تنقيب الأعماق وإيقاظ الذاكرة. بدءاً من «هل البال مرتاح؟»، وصولاً إلى جَمعة الرفاق وشغب البدايات. قيس، ورئيس تحرير البرنامج جورج موسى، باحثان عن الاختلاف. في السؤال وكيفية طرحه، وفي أناقة الحوار. شكرهما بالاسمين لإحساسه بأنه مُحتَضن، لا يُحشر في زاوية مُحرجة، ولا يسير في حقل ألغام. أطلق المواقف لأنه مرتاح، وخصَّ الحلقة بالسبق من دون أن يُزجّ بما لا يليق.

عاد صبياً بين أم وأربع فتيات، دلّلنه ومنحنه الدفء. حافظت الحلقة على حميمية الضيف وتركته يستعيد الصور: الجبل والبحر في قريته وأيام الشام العصية على النسيان. ليس مرتاحاً ما دام السوريون في الأصقاع، تؤلمهم البلاد. جرحُ الوطن تقابله عائلة شكّلت العوض. وإنْ سأل قيس، الآتي من أسرة لم تنجب الإناث، عن معنى الأخت، وهل هي سند أو «الهَمّ للممات»؟ كما تُلقِّن بعض المجتمعات، أجابه بأنّ الأخوات رفيقات وحنان ونعمة.

قصي خولي مع محمد قيس في لقاء بعد غياب (المشهد)

استوقفه سؤال «المرة الأولى»: الكف الأول، التمرّد الأول، الحب الأول، التحدّي الأول... عبَّرت ضحكة لم تغادر وجهه عن امتنان للدروس والمَفارق. أقرَّ بجدوى الندم، «فمَن لا يندم لم يخض التجارب». أخبر مُحاوِره عن حبيبة المدرسة وحيَل التقرُّب منها، وعمَّن حاول إطفاءه قبل الشُّهرة. تحدّث عن الفرص والرهانات، وذَكَر حاتم علي بالفضل. بين المغرم المُصاب بالخجل والتلميذ المنتفض على المنهج الدراسي، وثقَ قصيّ الممثل بالدرب. ورغم مقابلته ببعض الرفض، أثبت العكس: «أفرض احترامي بموهبتي، لا جراء أي دعم. هذا التحدّي الأول».

الجزء البديع في الحلقة هو قصيّ الإنسان. سُرَّ لهذه الاستعادة، ولإعلان أنه ابن أبيه، منه ينهل ويستمدّ الإلهام. أطلق اسمه على ابنه، لأنّ الوفاء نُبل. أما سؤال: «ماذا تعني لك كلمة بابا؟»، فأشعل تنهيدة: «الحب والأمان، وآمل أنني أحيطه بهما رغم المسافات».

غاب قصيّ خولي عن اللقاءات، وحملت عودته هذه الخلاصة: «أعتزّ بكل أخطائي. سقطتُ وفشلتُ، لكنهما دَرَجُ النجاح». تأثّر بفيديو استقبال ابنه له على المطار، هو المقيم في أميركا وقصيّ في الأسفار وحيث تنادي الأدوار. لمحه يكبُر بينما يخبره بما مرَّ وتعلَّم، وعن الخيارات الخطأ. يشاء للابن الاعتزاز بمساره، كما يعتز بإرث أبيه الصحافي وسمعته في عالم الحبر والقلم.

تفوح رائحة الضحكات المتصاعدة من الصور. واجهه قيس بكادر يقيم فيه مع تيم حسن وباسل خياط، ليعيده إلى أيام المعهد العالي والأحلام الكبرى. مراراً ذكّره أنه في دردشة والصحافي فيه لا يتدخّل إلا في حالات مُلحَّة. في الشأن الفني، سمح له بالظهور. أعطاه مقعده وكلَّفه طرح الأسئلة. حركش بهدوء ونقَّب باحترام. بقي كل ما هو مؤذٍ خارج الحوار.

قدَّر المنافسة وأعلى شأنها: «على مَن أمامك أن يكون قوياً، فيتغيّر كل شيء». شغبُ محمد قيس قابله ضيفه بانتباه، فردَّ على سؤال «لو جُمعتم بمسلسل، أنت وباسل خياط وتيم حسن، اسم مَن يسبق في ترتيب الشارة؟»، بالاعتراف بإشكالية المسألة ولعلها تقف وراء عدم المغامرة بهكذا مشروع ضخم.

المقابلة ملهمة، كرَّر ضيفها الدعوة إلى «تكبير الأحلام». فإنْ حصل المرء على مبتغاه خفُتت الجدوى؛ لذا، فتوسيع الحلم يُبقي معنى الأيام. حلَّ صمت حين سأله «ماذا بعد؟»، وردَّ بأنه سؤال صعب يطرحه على نفسه ولا يجد الجواب. الاحتمالات مفتوحة، والتأكيد الوحيد أنّ المهنة تسكنه وبها يتنفّس الحياة.

سجَّل عتاباً مبطّناً، ولم يُخفِ أنّ إنتاج جزء جديد من «2020»، بغيابه، يُسبب زعله. كشف عن بطلة إطلالته الرمضانية، دانييلا رحمة، مع «إيغل فيلمز»، ومرَّ على أدوار ومحطات، وعلى شارات وثنائيات. وإنْ دوَّر زوايا، حافظ على الصراحة، وما لم يقله بوضوح، مرَّره بين السطور. ردَّ على نقد مسلسل «وأخيراً» بتبرير ظروفه، ولم تَسْلم الدراما التركية المعرَّبة من ملاحظاته. يؤلمه الحسّ التجاري وتحوُّل الفن إلى سلعة، مع تأكيده على جهود واستثناءات.

كما بدأ، بعدّ النِّعم، ختم: «علّمتني الحياة الاستيقاظ كل يوم وشكر الله. أتطلّع على ما أملك وأعجز عن وصف الامتنان».


مقالات ذات صلة

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

يوميات الشرق برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

«يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند)».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق «البلوغر» والمذيعة المصرية داليا فؤاد بقبضة الشرطة (صفحتها في «فيسبوك»)

توقيف «بلوغر» مصرية لحيازتها مخدرات يجدّد أزمات صانعات المحتوى

جدَّدت واقعة توقيف «بلوغر» أزمات صانعات المحتوى في مصر، وتصدَّرت أنباء القبض على داليا فؤاد «التريند» عبر «غوغل» و«إكس».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق جود السفياني (الشرق الأوسط)

جود السفياني... نجمة سعودية صاعدة تثبّت خطواتها في «خريف القلب»

على الرغم من أن الممثلة جود السفياني ما زالت في بداية العقد الثاني من عمرها، فإنها استطاعت أن تلفت الأنظار إليها من خلال مسلسلات محليّة حققت نسب مشاهدة عالية.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».