بين قرمشة «السمسمية» و«الفولية»، ولذة «الحمصية» و«اللوزية»، وذوبان «الملبن» و«النوغا»، لا تزال «حلوى المولد النبوي» قادرة على نشر البهجة في مصر، رغم مرارة ارتفاع الأسعار التي يعاني منها الملايين في البلد وحول العالم.
إنه تقليد سنوي، بدأ من مئات السنين؛ حيث تشهد شوارع مصر وميادينها في هذه الأيام التي تسبق ذكرى مولد النبي –صلى الله عليه وسلم- شوادر ومحال بيع الحلوى، جاذبة الصغير والكبير، والغني والفقير، كل على قدر مقدرته، لشراء أصناف وأنواع الحلوى المتعددة، إلى جانب شراء «عروسة المولد» هدية للفتيات، و«الحصان» المصنوع من السكر هدية للأولاد.
وتشتهر أماكن بعينها في القاهرة العاصمة ببيع حلوى المولد، منها ميدان السيدة زينب العتيق الذي تجولت فيه «الشرق الأوسط»، راصدة تجاور السرادقات والشوادر على جنباته، بينما تمتلئ بأصناف مختلفة المكونات والنكهات والألوان التي تتراص بعضها بجوار بعض، في مشهد يحفز الشهية، ويبعث البهجة في النفس.
أزمة اقتصادية
إلا أن العام الحالي انعكست الأزمة الاقتصادية وما تشهده مصر من ارتفاعات في أسعار السلع الأساسية، بسبب تداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية ومن قبلها جائحة «كورونا»، على أسعار الحلوى بشكل كبير التي ارتفعت بدورها مقارنة بالأعوام الماضية، مما أدى إلى فقد الشوادر كثيراً من زوارها ومرتاديها من مُحبي الحلوى.
يقول جمال حامد، أحد أصحاب الشوادر في ميدان السيدة زينب بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: «ارتفعت الأسعار عن العام الماضي، وهناك زيادة في الكيلوغرام لكل صنف بنحو 20 إلى 50 جنيهاً (الدولار الأميركي يعادل نحو 31 جنيهاً مصرياً)، وهو ما يعود إلى ارتفاع أسعار السكر في الأسواق الذي يعد المكون الأساسي في جميع الأصناف».
وحسب غرفة الصناعات الغذائية في اتحاد الصناعات المصرية، وصل متوسط سعر طن السكر بنهاية الأسبوع الماضي إلى 30 ألف جنيه، مقابل 24300 جنيه في بداية سبتمبر (أيلول) الحالي، بينما يبلغ حجم استهلاك مصر من السكر بين 3 و3.2 مليون طن سنوياً.
قطعت حديثنا إحدى المشتريات التي جاءت للسؤال عن أسعار علب الحلوى الجاهزة (المُشكَّلة من عدة أصناف)، ليجيبها: «سعر العلبة وزن كيلوغرام واحد يبدأ من 50 جنيهاً، وتزيد حسب الجودة».
يعود حامد للحديث، لافتاً إلى أن أسعار بيع حلوى المولد في شوادر السيدة زينب هي الأرخص في مصر، لذا تجد إقبالاً من مُحبي الحلوى كل عام، ما يعمل على ازدحام الشوادر، إلا أن العام الحالي هناك قلة في عدد المترددين.
في داخل الشادر، وقف الأربعيني حاتم صقر ينتقي من بين الأصناف ما يرغبه، بينما يتبعه أحد الباعة صغار السن ممسكاً بعلبة يضع فيها ما يختاره. يقول حاتم الذي يعمل موظفاً حكومياً: «اعتدت الحضور إلى شوادر السيدة زينب كل عام لشراء الحلوى؛ لأن أسعارها تناسب دخلي، مقارنة بالأماكن الأخرى الراقية التي تشهد ارتفاعاً كبيراً في قيمتها، ودائماً ما أختار مكونات العلبة بنفسي، ولا أشتري الجاهزة منها، إذ إنها قد تضمّ أصنافاً لا يرغبها أطفالي».
كميات قليلة
«أمام ارتفاع أسعار الحلوى، اضطر كثيرون إلى تقليل الكمية التي يشترونها كل عام»، حسب أحمد أبو كامل، صاحب أحد الشوادر؛ مشيراً إلى أنه خلال الأيام السابقة يكتفي المترددون عليه بشراء كيلوغرام أو اثنين فقط من الحلوى، معللين ذلك بحالة الغلاء والظروف المعيشية الصعبة.
ويوضح أبو كامل أن أسعار العام الحالي زادت بنحو 50 في المائة عن العام الماضي، مبيناً أن الأنواع الأكثر شهرة وإقبالاً من الجمهور، هي «الفولية» و«السمسمية» و«الحمصية» أو ما تسمى شعبياً بـ«العلف»، ويبدأ بسعر 100 جنيه للكيلوغرام الواحد، وتصل إلى 170 جنيهاً، ويبدأ «الملبن السادة» من 40 جنيهاً، ويبدأ «الملبن المحشو عين الجمل» من 150 جنيهاً، أما «العروسة المزركشة» و«الحصان الحلاوة»، فتتراوح أسعارهما حسب الحجم، وتبدأ من 40 جنيهاً إلى 150 جنيهاً، أما العرائس البلاستيكية فتبدأ أسعارها من 30 إلى 300 جنيه وفق حجمها.
من بين الزبائن، قال الشاب العشريني محمد حمدي، ويعمل محاسباً، إنه لأول مرة يتردد على حي السيدة زينب لشراء الحلوى؛ حيث جاء لشراء علبة منها إلى جانب «عروسة» لخطيبته، لافتاً إلى أنه خطبها منذ 3 أشهر فقط، وهذه أول ذكرى للمولد تمر عليهما وهما معاً، ومن العادات المعروفة خلال هذه المناسبة أن يقدم الخاطب لخطيبته «عروسة» وحلوى، كإحدى الهدايا الأساسية في فترة الخِطبة.
يتدخل صاحب الشادر في الحديث، موضحاً أن الخاطبين من أكثر الفئات تردداً عليه، ناصحاً الشاب بأخذ إحدى العرائس المضيئة كبيرة الحجم بسعر 300 جنيه، حتى لا تتهمه خطيبته وأسرتها بالبخل. وهو ما وافقه فيه الخاطب، مُردداً بسخرية وهو يهم بدفع قيمتها: «مُجبر أخاك لا بطل».