ساحة جامع الفنا في مراكش تستعيد حيويتها بعد «زلزال الحوز»

«الشرق الأوسط» ترصد جوانب من ديناميتها ليلاً

«ساحة جامع الفنا» في مراكش (الشرق الأوسط)
«ساحة جامع الفنا» في مراكش (الشرق الأوسط)
TT

ساحة جامع الفنا في مراكش تستعيد حيويتها بعد «زلزال الحوز»

«ساحة جامع الفنا» في مراكش (الشرق الأوسط)
«ساحة جامع الفنا» في مراكش (الشرق الأوسط)

بعد مرور أسبوعين على زلزال الحوز، الذي خلّف أضراراً بشرية ومادية كبيرة على مستوى ستة أقاليم في المغرب، يمكن القول إن «ساحة جامع الفنا» بمراكش استعادت كثيراً من نشاطها السياحي المعتاد.

وتعد الساحة القلب النابض لمراكش، على المستوى السياحي. وهي مؤشر تقاس عليه أحوال المدينة، من حيث مستوى جاذبيتها وواقع الإقبال عليها؛ فكلّما زاد الصخب فيها، ودبت الحركة في أوصالها، وأقبل الزائرون على مطاعمها والأسواق والمقاهي المحيطة بها، كان ذلك مؤشراً على درجة الانتعاش السياحي، الذي تعيش على إيقاعه هذه المدينة، التي يعدّ القطاع السياحي أحد محركات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيها، إلى درجة أن دراسات عديدة أكدت أنّها لا يمكن أن تعيش من دون سياحة.

تعد الساحة القلب النابض لمراكش على المستوى السياحي (الشرق الأوسط)

كسكس أم طاجين؟

هكذا سأل عبد الله سائحَين قصدا مطعمه في ساحة جامع الفنا. وحرص على أن يغلّف سؤاله بابتسامة تمنح السائحَين كل شروط الضيافة والانشراح والأمان النفسي.

قال عبد الله، لـ«الشرق الأوسط»، جواباً على سؤال كيف كانت درجة الإقبال على ساحة جامع الفنا ومطاعمها الشعبية، بعد كارثة الزلزال: «من الطبيعي أن تخفّ درجة إقبال الزائرين والنشاط السياحي في الأيام الأولى للكارثة». واستدرك قائلاً إن الأمور سرعان ما بدأت تعود إلى طبيعتها، بعد أن بدا كما لو أن الجميع اختار أن يترك خلفه صدمة الزلزال، الذي هو حدثٌ طبيعي لا راد لقدره، ويمكن أن يحدث في أي مكان من العالم.

غير بعيد عن المطاعم الشعبية، كان هناك مروضو قردة وثعابين. من عادتهم أن يحثوا زائري الساحة على أخذ صور مع قرد أو ثعبان، بمقابل.

وقال أنور لـ«الشرق الأوسط»، وهو يلاعب قردين صغيرين، إن الأمور بدأت تعود إلى طبيعتها بشكل تدريجي، مشدداً على أنه لاحظ أن النشاط لم يتأخر بالعودة إلى الساحة بعد كارثة الزلزال، مشيراً إلى أن إقبال السائحين عليها لم يتراجع كثيراً، وأن الأيام المقبلة ستكون أفضل.

ساحة جامع الفنا ليلاً (الشرق الأوسط)

فكاهة وضحك ومقاهٍ

في الجهة الأخرى من الساحة، في اتجاه «كلوب ميد» وصومعة «الكتبية»، كان الفكاهي «المْسيح» قد شكل حلقته، التي غصت بمغاربة جاءوا لاقتناص لحظات من الفكاهة والضحك.

لزائري ساحة جامع الفنا اختيارات عديدة، تحملهم على زيارتها. منهم من يقصدها للاستمتاع بجوّها، انطلاقاً من أسطح المقاهي المحيطة بها، خصوصاً «فرنسا» و«غلاسي» و«أركانة». وهناك من يقصدها للتسوق من «السمارين» و«ممر البرانس»، أو للأكل والشرب والفرجة.

على سطح مقهى «غلاسي» حرص سائحون يتكلمون بخليط من اللغات، على أن يلتقطوا صوراً توثق مشهد غروب الشمس، الذي كان يلقي بظلاله، وقتها، على ساحة جامع الفنا. كان مشهداً ساحراً، جمع بين الموسيقى وصراخ الباعة وهدير الدراجات النارية، فيما تخلله الدخان المنبعث من المطاعم الشعبية، وزيّنته الأضواء والألوان التي تقترحها العربات والمطاعم، بمأكولاتها ومشروباتها.

«مشهد رائع»، هكذا خاطبت سائحة إيطالية صاحبها وهي تلتقط صوراً بانورامية لساحة جامع الفنا. لم يجد رفيقها إلا أن يوافقها الرأي وهو يرسم على وجهه ابتسامة انشراح.

«ساحة جامع الفنا» تستعيد كثيراً من نشاطها السياحي (الشرق الأوسط)

سياحة في أحسن حال

في مراكش، كلما غصت ساحة جامع الفنا بزوارها تأكد للمهتمين والمتتبعين والمسؤولين أن الوضع السياحي بالمدينة في أحسن حال، سواء تعلق بأعداد السائحين الوافدين، أو ليالي المبيت بالمؤسسات الإيوائية السياحية، وغيرها، أو بالدينامية الاقتصادية التي تشمل المدينة ككل.

جرت العادة أن يسارع المسؤولون إلى البحث عن حلول للأزمات التي يمكن أن تعصف بالقطاع السياحي في المدينة، كلما استدعى الأمر ذلك. يعرفون أن كل أزمة تضرب القطاع سيكون لها تأثير سلبي، سريع ومباشر، على المدينة بأكملها.

دينامية ملحوظة تعرفها ساحة جامع الفنا أياماً بعد زلزال الحوز (الشرق الأوسط)

تحتفظ ذاكرة المراكشيين، خصوصاً من يشتغل منهم بشكل مباشر في القطاع السياحي، بعدد من الأزمات التي مرّت بمدينتهم. يذكرون، بشكل خاص، تلك التي تمخضت عن حادث فندق أسني في 1994، وحرب الخليج، وتفجير مقهى أركانة في 2011، فضلاً عن أزمة «كورونا»، التي أفرغت الساحة من زوارها لأشهر، بفعل التدابير والإجراءات التي اتُخذت عالمياً ومحلياً للحد من تفشي الجائحة.

ونظراً لخصوصية القطاع السياحي، بوصفه واحداً من أكثر القطاعات حساسية وتأثراً بالظروف السياسية والاقتصادية والمناخية والصحية، الشيء الذي ينعكس بشكل سلبي على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لفئات عريضة من المراكشيين، التي تشكل السياحة مصدر دخلها الوحيد، فقد دأب المسؤولون المغاربة باستمرار، على اتخاذ إجراءات لمواجهة كل مستجد، محلياً ووطنياً. لذلك كان عادياً أن تقوم فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، مؤخراً، بزيارة تفقدية لمراكش وإقليم الحوز للاطلاع على النشاط السياحي وتقييم وضعية المؤسسات والمواقع السياحية التي تضررت جرَّاء الزلزال، بشكل يمنح الثقة للفاعلين في القطاع وطمأنة الشركاء والسائحين فيما يخص الوضع المستقر في المدينة بشكل خاص، والمناطق المتضررة من الزلزال بشكل عام.

وأكدت الوزيرة فاطمة الزهراء عمور، خلال زيارتها، أنَّ العديد من مؤسسات الإيواء السياحي أبانت عن صمود ومرونة كبيرين في مواجهة الزلزال، مشيرة إلى أن بعضها تعرض لأضرار تتطلب إصلاحات.

سائحون يتناولون وجبة العشاء في مطاعم جامع الفنا (الشرق الأوسط)

والتقت فاطمة الزهراء عمور، خلال وجودها في الحوز، ببعض السكان ومهنيي المنطقة، للاطلاع على أوضاعهم وتبادل الحديث في احتياجاتهم من حيث التشغيل، لا سيما في قطاعات السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، التي لها وقع ملموس على هذه المنطقة. كما زارت المدينة العتيقة في مراكش، التي شملت مجموعة من المواقع السياحية كساحة جامع الفنا، وسوق السمارين، ورحبة العطارين. وأكدت أن النشاط السياحي فيها استعاد وتيرته العادية، مؤكّدة ذلك من خلال جولتها في المدينة العتيقة التي ما زالت تستقطب السائحين بفضل جاذبيتها القوية، مضيفة أن هناك بالتأكيد بعض الأضرار التي لحقت بالمدينة، إلا أنه تم التكفل بها بسرعة.


مقالات ذات صلة

الخطيب: 5 % نسبة مساهمة السياحة في الاقتصاد السعودي

الاقتصاد جانب من الجلسة الحوارية في «ملتقى ميزانية 2025» بالرياض (الشرق الأوسط)

الخطيب: 5 % نسبة مساهمة السياحة في الاقتصاد السعودي

قال وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب إن القطاع السياحي حقق تقدماً كبيراً حيث ارتفعت مساهمته في الاقتصاد إلى 5 % بنهاية العام الماضي

«الشرق الأوسط» (الرياض)
شمال افريقيا ناجون من غرق المركب في مقهى بمرسى علم أمس (أ.ب)

مصر: البحث عن مفقودين في غرق مركب سياحي

عملت فرق الإنقاذ المصرية، على مدار الساعة، على إنقاذ العدد الأكبر من 45 شخصاً كانوا على متن «لنش» سياحي، تعرض للغرق بمنطقة سطايح شمال مدينة «مرسى علم».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا اللنش السياحي «سي ستوري» (محافظة البحر الأحمر - فيسبوك)

إنقاذ 28 شخصاً والبحث عن 17 آخرين بعد غرق مركب سياحي في مصر

أفادت وسائل إعلام مصرية، اليوم (الاثنين)، بغرق أحد اللنشات السياحية بأحد مناطق الشعاب المرجانية بمرسي علم بالبحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق ستقدم للزوار رحلة فريدة لمعايشة أجواء استثنائية مشابهة لسلسلة الأفلام الأيقونية الشهيرة (منصة ويبوك)

تركي آل الشيخ و«براذرز ديسكفري» يكشفان عن «هاري بوتر: مغامرة موسم الرياض»

في حدث يجمع المتعة والإثارة، سيكون زوار موسم الرياض 2024 على موعد لمعايشة أجواء استثنائية مشابهة لسلسلة الأفلام الأيقونية الشهيرة «هاري بوتر: موسم الرياض».

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق المجدف الهولندي يبدأ رحلته من بني سويف حتى القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

هولندي يروّج للسياحة المصرية بالتجديف في النيل لمدة أسبوع

دشن المجدف الهولندي المحترف، روب فان دير آر، مشروع «التجديف من أجل مصر 2024»، بهدف الترويج لمنتج السياحة الرياضية المصرية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
TT

افتتاح «مركز الدرعية» الوجهة الأولى لفنون الوسائط الجديدة في الشرق الأوسط وأفريقيا

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)
المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

نحو إثراء المشهد العالمي لفنون الوسائط الجديدة عبر تقديم وجوه إبداعية من المنطقة، تجمع بين الفن، والتكنولوجيا، والابتكار، افتتح مركز الدرعية لفنون المستقبل أبوابه رسمياً، اليوم (الثلاثاء)، بوصفه أول مركز مخصص لفنون الوسائط الجديدة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، متخذاً من منطقة الدرعية التاريخية المسجّلة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي موقعاً له.

ويأتي المركز في مبادرة تجمع بين وزارة الثقافة، وهيئة المتاحف، وشركة الدرعية في السعودية، في الوقت الذي انطلق ببرنامج متنوع يشمل أنشطة ومعارض فريدة ومبادرات تفاعلية مع الجمهور، مع التركيز على تمكين الفنانين والباحثين ومتخصصي التكنولوجيا من داخل المنطقة وخارجها، في بيئة إبداعية مجهزة بأحدث المختبرات والاستوديوهات الرقمية ومساحات العرض المبتكرة.

وقالت منى خزندار المستشارة في وزارة الثقافة السعودية إن «مركز الدرعية لفنون المستقبل يجسّد التزامنا بتطوير الإنتاج الفني المبتكر واحتضان أشكال جديدة من التعبير الإبداعي، فمن خلاله نسعى إلى تمكين الفنانين والباحثين ودعمهم لإنتاج أعمال بارزة والخروج بأصواتهم الإبداعية إلى الساحة العالمية».

وأشارت إلى أن المركز سيُوظّف مساحاته للتعاون والإبداع لترسيخ مكانة المملكة في ريادة المشهد الثقافي والتأكيد على رؤيتها في احتضان أشكال التعبير الفني محلياً وعالمياً.

من جانبه، بين الدكتور هيثم نوار مدير مركز الدرعية لفنون المستقبل أن افتتاح المركز يمثّل منعطفاً في السردية القائمة حول فنون الوسائط الجديدة، لكونه يخرج بالمرئيات والتصوّرات الإقليمية إلى منابر الحوار العالمية.

المركز يقدم وجوهاً إبداعية تجمع بين الفن التكنولوجيا والابتكار (واس)

وقال: «إن المركز سيتجاوز حدود الإبداع المتعارف عليها نحو آفاق جديدة، وسيقدّم للعالم مساحة للابتكار والنقد الفني البنّاء عند تقاطع الفن والعلوم والتكنولوجيا».

وتتزامن انطلاقة مركز الدرعية لفنون المستقبل مع افتتاح معرضه الأول بعنوان «ينبغي للفنّ أن يكون اصطناعياً... آفاق الذكاء الاصطناعي في الفنون البصرية» خلال الفترة من 26 نوفمبر (تشرين ثاني) إلى 15 فبراير (شباط) المقبل، حيث يستكشف المعرض، الذي أشرف عليه القيّم الفني جيروم نوتر، تاريخ فن الحاسوب منذ نشأته في ستينات القرن الماضي وحتى يومنا الحاضر، من خلال أعمال فنية متنوعة تحمل توقيع أكثر من 30 فناناً إقليمياً وعالمياً.

وسيحظى الزوار بفرصة استكشاف أعمال من صنع قامات في الفن أمثال فريدر نايك (ألمانيا) وفيرا مولنار (هنغاريا/فرنسا) وغيرهما من المُبدعين في ميادين الابتكار المعاصر مثل رفيق أناضول (تركيا) وريوجي إيكيدا (اليابان).

وسيكون للفنانين السعوديين لولوة الحمود ومهند شونو وناصر بصمتهم الفريدة في المعرض، حيث يعرّفون الزوّار على إسهامات المملكة المتنامية في فنون الوسائط الجديدة والرقمية.

وبالتزامن مع الافتتاح، يُطلق المركز «برنامج الفنانين الناشئين في مجال فنون الوسائط الجديدة»، بالتعاون مع الاستوديو الوطني للفن المعاصر - لوفرينوا في فرنسا. ويهدف البرنامج، الذي يمتد لعام كامل، إلى دعم الفنانين الناشئين بالمعدات المتطورة والتوجيه والتمويل اللازمين لإبداع أعمال متعددة التخصصات.

وأعلن المركز عن برنامج «مزرعة» للإقامة الفنية، المخصص لفناني الوسائط الرقمية، في الفترة من فبراير (شباط) حتى أبريل (نيسان) 2025، ويهدف إلى استكشاف العلاقة بين الطبيعة والتكنولوجيا والمجتمع من خلال موارد المركز.

ويجسد مركز الدرعية لفنون المستقبل «رؤية السعودية 2030»، التي تسعى إلى تعزيز الابتكار، والتعاون العالمي، وترسيخ مكانة المملكة بوصفها وجهة رائدة في الاقتصاد الإبداعي العالمي.