من بين الممثلين مَن يوازي ثقلُ غيابه عن الشاشة ثقلَ عودته إليها. هكذا هي رولا حمادة التي تطلّ بدور «رحاب» بعد 3 سنوات من البُعد. اختارت مسلسل «كريستال» نافذةً للّقاء بالجمهور. تصف في حديثٍ مع «الشرق الأوسط» تجربة هذا العمل الدراميّ بـ«المغامرة الممتعة والرحلة الجميلة، التي انتهت بعد 9 أشهر من التصوير في إسطنبول».
لا تسمح الممثلة اللبنانية المخضرمة للفراغ بأن يتسلّل إلى أيامها. «أنا مدمنة عمل» تقول: «ومواقع التصوير هي الأماكن الأحبّ إلى قلبي والتي أشعر فيها بأنّي أعيش». أتى مشروع «كريستال» الذي يُعرض على منصة «شاهد» وشاشة «إم بي سي» في أوانه، ليدعو رولا حمادة إلى فتح صفحة جديدة بعد ركودٍ قسريّ فرضته جائحة كورونا والأزمة الاقتصاديّة في لبنان.
في دهاليز «رحاب»
هي التي خاضت أصعب الأدوار وجسّدت أكثر الشخصيات تعقيداً على المسرح وفي التلفزيون والسينما، ندهتها «رحاب» حتى قبل أن تقرأ السيناريو بكامله. «تملك تلك المرأة لغة داخليّة. تحكي من دون أن تحكي... لا تتكلّم كثيراً، لكنها حاضرة رغم صمتها»، ما زالت تتحدّث حمادة عن «رحاب» باندهاش مع أنها شرّحت كل طبقاتها النفسية المعقّدة. «لعبتُ شخصيات شرّيرة لكن ليس بهذا القدْر من القسوة والعتمة... وكأنّ في داخلها طنجرة ضغط ممتلئة بكمّ هائل من الشرّ».
شكّل أداء الدور تحدّياً استلزم الدخول إلى دهاليز النفس البشريّة لاستخراج مشاعر وردود فعل فائقة التعقيد. تقول حمادة في هذا السياق إنّ «شغلة الممثل هي أن يمدّ يده إلى الداخل ويسحب من هذه الدهاليز ما يخدم الدور». رغم كل السواد الذي يسكن الشخصية، فرحت الممثلة بالدور لأنه جديد عليها: «كان عليّ أن أُظهر كل الشرّ من خلال الصمت والتعبير الجسماني والشحن الداخلي».
«رحاب» هي مدبّرة المنزل في المسلسل. لكنها أكثر من ذلك بكثير، فوجودها في الحكاية محوريّ. لم تتوقّف رولا حمادة عند عدد المشاهد التي تظهر فيها، ولا عند كمّية الكلام الذي تقوله. تؤمن الممثلة بأن ليس ثمّة دور كبير أو دور صغير، بل ممثّلٌ يكبّر الدور أو يصغّره. لا تُخفي أنها سمعت تعليقاتٍ معترضة تقول: «الدور صغير وليس لكِ»، لكنها اختارت عدم التعليق لأنها مدركة لتصاعديّة الشخصية وإلى أين هي متّجهة. «أعرف ماذا قدّمت، فلننتظر حتى الحلقة 90 والأخيرة... ثم إنّ هذا طبعي، لا أحب الأخذ والردّ ولا السجالات». لا إشكاليّة لدى حمادة في حجم الدور إذاً، «شرط أن يكون له معنى ووقع، وأن يُحدِث فراغاً إذا ما أُزيل».
التجربة التركيّة
تعلن رولا حمادة جاهزيّتها لخوض الدراما التركيّة المعرّبة من جديد، فهي استمتعت بالتجربة على المستوى المهني وفق ما تؤكّد: «كانت فرصة للعمل مع فريق محترف، ومراكمة تجربة جديدة». لكن بناءً على قناعتها بوجوب التنويع في الأدوار، ومن باب سعيها وراء الدهشة المتجددة، ترفض تكرار شخصية مشابهة لـ«رحاب».
تحضيراً للدور ولتركيب الشخصية، جلست مع المخرج التركي لفهم ماذا يريد منها، خصوصاً أنها لم تشاهد النسخة التركية من المسلسل بعنوان «حرب الورود». تكشف حمادة عن أنها خرجت عن خط السير المرسوم مُسبقاً لـ«رحاب»، حرصاً منها على «تطعيم الدور بنكهة عربية جديدة»، ومختلفة عن النسخة التركية الأصلية. لكنّ أكثر ما أحبّت، هو الوقت الذي منحه فريق العمل لشخصيّة «رحاب» على الشاشة، مع أنها لا تتكلّم كثيراً، وهذه ميزة في الصناعة الدراميّة التركية وفق قولها.
لجوّ العمل بين الممثّلين اللبنانيين والسوريين في «كريستال»، تضع رولا حمادة عنواناً عريضاً هو التعاون والأخذ برأي الآخر. وجود باميلا الكيك إلى جانبها ذكّرها بأحد أهمّ أدوارها في مسلسل «جذور»، والذي جمع الممثلتَين عام 2013.
«قلبي مهاجر»
تلوح في الذاكرة مسلسلاتٌ أخرى أثرت مسيرة رولا حمادة التمثيليّة الطليعيّة، على رأسها «العاصفة تهبّ مرّتين» و«نساء في العاصفة»؛ هذان العملان اللذان جعلا منها نجمة التسعينات من دون منازع، ووضعاها على رأس قائمة الممثلين المؤسسين للدراما اللبنانيّة الحديثة.
ثمّ جاءت أعمال ناجحة مثل «فاميليا»، و«وأشرقت الشمس»، و«ثورة الفلّاحين»، وغيرها الكثير كرّستها رائدة بين ممثّلات جيلها. لا تحصر حمادة مسيرتها المهنيّة بدورٍ أو اثنين، فالتمثيل كيانها والمسرح ملعبها. قدّمت مسرحياتٍ كثيرة من تأليفها، وهي تخبّئ في الأدراج مزيداً من النصوص لأنّ «التحدّيات المادية والظروف الحالية في لبنان لا تسمح بإنتاج عمل جديد».
في بال رولا حمادة حنين إلى فترة التسعينات في لبنان، ليس لأنها أحدثت ظاهرة تلفزيونيّة في تلك الآونة، بل «لأنّ العمل كان متواصلاً، ولأن لبنان كان في حالة غليان إنمائي واستقرار اقتصادي». هي التي ضاق صدرها بالأحلام الكبيرة حينذاك، غلبها انهيار البلد مؤخراً لكن رغم ذلك لم تفكّر في الهجرة من جديد. «أحاول تجاوز ما حصل لكنّ قلبي مهاجر، فابني غادر للتخصص الجامعي في الخارج».
وعمّا إذا كانت تستعدّ لدور جديد بعد «كريستال»، تقول حمادة: «هناك كلام حالياً لكن لا أستطيع الإفصاح عن شيء قبل أن يصبح العقد بين يديّ». وعلى قاعدة أن «لا جمرك على الكلام»، تنتظر الممثلة نافذةً تليق بإطلالتها الدراميّة الفريدة.