الشرق الأوسط في مهرجان فينيسيا
مع إعلان لجنة التحكيم جوائزها في نهاية كل مهرجان كبير، مثل مهرجان فينيسيا الذي أسدل ستاره الرسمي في 9 من الشهر الحالي، يصبح من العبث محاولة فهم كيف تصل لجنة التحكيم لقراراتها. ويشبه ذلك النظر ملياً في جدار عليه كتابة غير مفهومة أو مثل الإمعان في لوحة سريالية تحتاج لصاحبها لكي يكشف عن أسرارها.
ما أثبتته الدورة الـ80 هو أنه من الممكن القيام بدورة كبيرة وناجحة من دون أن تتمتع بنجوم يثبون عليها من كل صوب. النخبة المختارة من الأفلام عوّضت ذلك الجانب، وما بدا أن الدورة ستكون من النوع الذي يترحم فيها الحضور على دورات ماضية - وهذه عادة دائمة لدى البعض بنجوم أو من دونها - فقد انعكس إيجاباً ليس بعدد الحضور فقط، بل على صعيد منح المهرجان فاعلية كبيرة على أساس أنه مهرجان للفن وللمخرجين وليس للممثلين.
هذا الوضع ليس جديداً بل طالما تبلور في السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية. الحاصل أن إدارة مهرجان برلين الحالية لا تملك دفتر التليفونات الذي يملكه مهرجانا فينيسيا وكان. و«كان» بدوره منصرف للاحتفاء بنجومه وزبائنه المعتادين من ممثلين ومخرجين. و«فينيسيا»، في المقابل، باب مفتوح على الإبداع بلا شروط مسبقة ولا تقسيم بين ذكور وإناث ولا بين جيل جديد وآخر قديم ولا يهتم بانتماء الأفلام لشركات أوروبية محددة كما الحال في «كان»، الذي يعتمد في الغالب على أفلام، إما منتجة جزئياً أو كلياً من فرنسا أو اشترتها شركات توزيع وتقدّمت للمهرجان الفرنسي بها.
أسماء وجوائز
إعلان مهرجان فينيسيا قائمة الفائزين بجوائز هذه الدورة يواكب حجم الحضور والمشاركة الكبيرة. وبالطبع، لم تكن كل الأفلام متساوية الحسنات، لأن هذا مستحيل ونادر الحدوث، لكن العديد منها كان بديعاً ومتميّزاً. ومن هذا العدد جاءت الجوائز الممنوحة في مكانها الصحيح، باستثناء ما كان يفضله هذا الناقد أو ذاك لأفلام دون أخرى.
تألّفت لجنة التحكيم من مجموعة من الأسماء المهمّة في عالم اليوم، قادها المخرج الأميركي داميان شازيل «لا لا لاند» وشارك فيها الممثل الفلسطيني صالح بكري والمخرجة النيوزيلندية جاين كامبيون «قوّة كلب» والمخرجة التسجيلية لورا بويتراس «سيتيزِن فور» والمخرج الآيرلندي مارتن مكدونا «أشباح إنيشرين» والمخرج الأرجنتيني سانتياغو متري «أرجنتينا 1985» والإيطالي غبريال مانتي «خليج النمور».
وكل هؤلاء المخرجين، باستثناء مانتي، كانت لهم جولات عدّة مع الأوسكار، مما يشي أن الرغبة في هذا المجال هي تشييد سياج حول المناسبة الأميركية مقرها مهرجان فينيسيا من باب تعزيز الصلة بين المناسبتين.
خارج الأوسكارات هناك سجل حافل من النجاحات للبعض: جاين كامبيون خرجت بأول سعفة ذهبية تنالها مخرجة في مهرجان «كان» عن «البيانو» سنة 1993، ورئيس لجنة التحكيم داميان شازيل كان قد نال الأسد الذهبي في فينيسيا عن «لا لا لاند» في 2016، والمخرجة التسجيلية لورا بيوتراس حصدت جائزة أفضل فيلم روائي في العام الماضي عن فيلمها «كل الجمال وسفك الدماء».
كيف يمكن والحال هذه أن تأتي النتائج مخيبة للآمال.
* الأسد الذهبي لأفضل فيلم: «أشياء مسكينة» (Poor Things) للمخرج اليوناني يورغوس لانتيموس.
هذا الفيلم هو تكملة لمشوار المخرج الخارج عن المألوف بالنسبة لاختياراته من التشكيل الفني المعتمد، إلى حدٍ كبير، على غرابة المعالجة وسريالية المواقف.
* جائزة لجنة التحكيم الكبرى، نالها «الشر ليس موجوداً» (Evil Does Not Exist) للياباني ريوسوكي هاماغوتشي. هذا الفيلم دراما تمتاز بتلك العناصر التي تؤلف للأفلام اليابانية جمالياتها. مشروع بناء سيضر بصفاء النهر الذي يمر بالقرية.
* جائزة أفضل مخرج ذهبت إلى الإيطالي ماتيو غاروني عن «أنا كابتن»، أحد فيلمين شوهدا حول موضوع الهجرة غير الشرعية.
* جائزة لجنة التحكيم الخاصة نالتها البولندية أنغييشكا هولاند عن «حدود خضراء» الرائع حول الهجرة غير الشرعية الذي يتعمّق في وضع المهاجرين ووضع شرطة الحدود. وعيّنت المخرجة محاميين لرفع دعوى قضائية ضد وزير العدل البولندي زبنييف جيوبرو، الذي وصف فيلمها بـ «ببروباغاندا (دعاية) نازية».
* جائزة أفضل ممثل حصدها الأميركي بيتر سارسغارد عن الفيلم الجيد «ذاكرة» لمارتن كامبل.
* جائزة أفضل ممثلة نالتها كايلي سبايني عن دورها في «بريسيليا» لصوفيا كوبولا.
* جائزة أفضل ممثل جديد ذهبت إلى السنغالي سيدو سار عن دوره في «أنا كابتن».
بهذه النتيجة، وبنتائج لجوائز أخرى رسمية وغير رسمية، انتهت دورة مشعّة وحافلة أنجزها المدير العام ألبرتو باربيرا، الذي بزّ معظم، إن لم يكن كل، المدراء العامين السابقين للمهرجان، في تفعيل وتنشيط مهرجان دؤوب على عرض الأفضل.
«فينيسيا» يؤكد موقع قدم متساو مع «كان»، وكلاهما جوهر دعم السينما العالمية المستقلّة عن الإنتاج السائد.
يتساءل هذا الناقد وهو يتابع غروب الشمس فوق صفحة مياه جزيرة ليدو حيث يُقام المهرجان، عن أي واقع ستكون السينما المختلفة عن السائد عليه في زمن يرمي بثقله على كل إبداع ومبدع لولا هذين المهرجانين تحديداً.