الأمهات المعرّضات لتلوث الهواء يلدن أطفالاً أصغر حجماً

الأطفال ذوو الوزن المنخفض عند الولادة يواجهون خطراً أكبر للإصابة بأمراض تنفسية (بابليك دومين)
الأطفال ذوو الوزن المنخفض عند الولادة يواجهون خطراً أكبر للإصابة بأمراض تنفسية (بابليك دومين)
TT

الأمهات المعرّضات لتلوث الهواء يلدن أطفالاً أصغر حجماً

الأطفال ذوو الوزن المنخفض عند الولادة يواجهون خطراً أكبر للإصابة بأمراض تنفسية (بابليك دومين)
الأطفال ذوو الوزن المنخفض عند الولادة يواجهون خطراً أكبر للإصابة بأمراض تنفسية (بابليك دومين)

كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة بيرغن النرويجية، الخميس، أن «النساء المعرَّضات لتلوث الهواء يلدن أطفالاً أصغر حجماً»، كما أن «النساء اللاتي يعشن في مناطق أكثر خضرة يلدن أطفالاً أكبر حجماً». ووفق الدراسة التى ستعرض، ضمن فعاليات «المؤتمر الدولي للجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي» بمدينة ميلانو الإيطالية، خلال الفترة من 9 إلى 13 سبتمبر (أيلول) الحالي، فإن «هناك علاقة قوية بين الوزن عند الولادة وصحة الرئة».

وتفيد نتائج دراسات سابقة بأن الأطفال ذوي الوزن المنخفض عند الولادة، يواجهون خطراً أكبر للإصابة بأمراض كالانسداد الرئوي المزمن والربو، مع تقدمهم في السن.

وقال الباحث الرئيسي للدراسة، روبن مزاتي سينسامالا، من قسم الصحة العامة والرعاية الأولية بجامعة بيرغن، الخميس، إن «الوقت الذي ينمو فيه الجنين في الرحم أمر بالغ الأهمية لنمو الرئة». وأضاف: «نعلم أن الأطفال ذوي الوزن المنخفض عند الولادة يكونون عرضة للإصابة بالتهابات الصدر، مما قد يؤدي إلى مشاكل مثل الربو ومرض الانسداد الرئوي المزمن، في وقت لاحق».

وفيما يتعلق بدور المناطق الخضراء في الحد من تلك المخاطر، أكد سينسامالا أن «النباتات تساعد على تنقية الهواء من التلوث، وأن المناطق الخضراء قد تعني أنه من الأسهل على النساء الحوامل ممارسة الأنشطة البدنية، أو ربما لانخفاض حركة المرور في تلك المناطق الخضراء».

وشملت الدراسة 4286 طفلاً وأمهاتهم يعيشون في 5 دول أوروبية (الدنمارك والنرويج والسويد وأيسلندا وإستونيا)، حيث قاس الباحثون مستويات الخضرة في المناطق التي كانت تعيش فيها النساء المشارِكات بالدراسة أثناء الحمل عن طريق قياس كثافة الغطاء النباتي عبر صور الأقمار الصناعية، كما استخدم الباحثون بيانات 5 ملوثات «ثاني أكسيد النيتروجين، والأوزون، والكربون الأسود، ونوعين من الجسيمات صغيرة الحجم التي تَعلق في الهواء، وفق معايير الاتحاد الأوروبي في هذا الإطار».

وقارن الباحثون هذه المعلومات مع وزن الأطفال عند الولادة، مع الأخذ في الاعتبار العوامل المعروفة بتأثيرها على الوزن عند الولادة، مثل عمر الأم، وما إذا كانت الأمهات مدخنات أو يعانين من أي ظروف صحية أخرى. ووجد الباحثون أن المستويات الأعلى من تلوث الهواء مرتبطة بانخفاض الوزن عند الولادة، بمقادير تراوحت بين 56 جراماً و46 جراماً، وفق كل نوع من أنواع الملوثات الأربعة.

وعندما أخذ الباحثون اللون الأخضر في الاعتبار، انخفض تأثير تلوث الهواء على الوزن عند الولادة، إذ وجدت النتائج أن النساء اللاتي يعشن في مناطق أكثر خضرة، أنجبن أطفالاً بوزن أعلى قليلاً (27 جراماً أثقل في المتوسط)، مقارنة بالأمهات اللاتي يعشن في مناطق أقل خضرة.

من جهته قال أرزو يورجانجي أوغلو، من «جمعية الجهاز التنفسي الأوروبية» - لم يشارك في الدراسة: «تضيف نتائج هذه الدراسة إلى مجموعة متزايدة من الأدلة حول الضرر الذي يُلحقه تلوث الهواء بصحتنا، وخصوصاً عند الرُّضّع والأطفال الصغار المعرَّضين للخطر». وأضاف: «باعتبارنا أطباء وباحثين مهتمين بصحة الأطفال، نحتاج إلى الضغط على الحكومات لخفض مستويات التلوث في الهواء».


مقالات ذات صلة

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

يوميات الشرق عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

حذر علماء من أن الأنشطة المنزلية اليومية مثل طي الملابس والجلوس على الأريكة قد تنبعث منها سحب من البلاستيك الدقيق.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)
يوميات الشرق صورة نشرها العلماء للدودة الجديدة المكتشَفة

دودة تأكل البلاستيك... اكتشاف لتقليل التلوث بسرعة وكفاءة

اكتشف عدد من العلماء دودة آكلة للبلاستيك  في كينيا، قالوا إنها يمكن أن تُحدث ثورة في تقليل التلوث بسرعة وكفاءة.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وسط الأجواء المثقلة بالهموم والخوف أعادت رسالة هاتفية بعض الأمل إلى سكان مدينة بيروت، معلنةً عودة أمسيات «مترو المدينة». يتحدث أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، مع «الشرق الأوسط» عن ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها إلى ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطلَ هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إنْ توقّفت النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إنْ تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة، «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».