«جادّة قباء» نموذج أنسنة المسارات التاريخية وتأهيلها ثقافياً

يكتسب ممشى جادة قباء أهميته من كونه يصل بشكل مباشر بين مسجد قباء والمسجد النبوي (واس)
يكتسب ممشى جادة قباء أهميته من كونه يصل بشكل مباشر بين مسجد قباء والمسجد النبوي (واس)
TT

«جادّة قباء» نموذج أنسنة المسارات التاريخية وتأهيلها ثقافياً

يكتسب ممشى جادة قباء أهميته من كونه يصل بشكل مباشر بين مسجد قباء والمسجد النبوي (واس)
يكتسب ممشى جادة قباء أهميته من كونه يصل بشكل مباشر بين مسجد قباء والمسجد النبوي (واس)

بين موضعين تاريخيين مهمين في تاريخ المسلمين، يمتدّ مسارٌ بطول 3 كيلو مترات، تحول الآن إلى واحد من المعالم المدينية المهمة، يعيد عبق ذكرى النبي محمد عندما كان يقطعه ماشياً أو راكباً كل يوم سبت، في رحلة أسبوعية قصيرة تمتد من المسجد النبوي حتى منطقة قباء التي بُني على ثراها أول مسجد في الإسلام.

القرية القريبة من عوالي مركز المدينة المنورة، تحولت إلى موضع تاريخي جوهري في قصة الإسلام، وأعاد مشروع أنسنة حديث، ربط الموضعين التاريخيين وإعادة صِلة المعاصرين من المسلمين بنافذة جغرافية وتاريخية تطلّ عبر الزمن.

يمثّل مشروع جادّة قباء الذي عملت عليه هيئة تطوير المدينة المنورة جزءاً من مشروع أوسع لأنسنة المكان (واس)

أنسنة المدن

يمثّل مشروع جادّة قباء الذي عملت عليه هيئة تطوير المدينة المنورة، جزءاً من مشروع أوسع لأنسنة المكان، وإحياء سيرة النبي محمد، وتحويله إلى معلم تاريخي ومشروع ثقافي، وتوظيفه في تسهيل الوصول بين الحرم النبوي ومسجد قباء، من خلال تحويل الطريق الواصل بينهما والمكتظ بالسيارات سابقاً، إلى جادة آمنة ومخصصة للمشاة مع خلق ساحات ونقاط تجمع عمراني وتطوير المحلات والمباني السكنية على طول الجادة لتحسين هويتها البصرية.

وتشهد جادة قباء تدفقاً من عموم زوار المدينة النبوية وسكانها، حيث يرتادونه باستمرار بين الجهتين، إذ تحول المكان إلى وجهة فريدة تجمع التاريخ بالمعاصرة، بما يتميّز به مسار المشاة من موقع فريد، ومساحة واسعة، ومواصفات فنية وتصميم جمالي، ومساحات مهيئة لخدمة المجتمع، بعد تقليص استخدام المركبات في وسط المدن والتجمعات السكانية.

ويكتسب ممشى جادة قباء أهميته كونه يصل بشكل مباشر بين مسجد قباء والمسجد النبوي، ويستفيد منه الأهالي في قضاء أوقاتهم بين الصلوات، بما يحويه من أرصفة وإنارة ضمن برنامج تحسين المشهد الحضري، إضافةً إلى توفير أماكن للجلوس، ومسار للدراجات والعربات يسهل تنقّل الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير خدمات عامة وتجارية متاحة على امتداد الطريق، مضفياً طابعاً بيئياً جاذباً للزائرين.

تشهد جادة قباء تدفقاً من زوار المدينة وسكانها وقد تحولت إلى وجهة فريدة تجمع التاريخ بالمعاصرة (واس)

إعادة تأهيل المواقع التاريخية

طوّرت السعودية نوافذ معرفية وثقافية لإثراء تجربة الزوار وقاصدي الحرمين الشريفين، بوصفها أحد الأهداف الاستراتيجية لبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، أحد برامج «رؤية 2030»، وذلك للتعريف بالسعودية والإرث التاريخي العربي والإسلامي الذي تضمّه على أراضيها، وتتنوع النوافذ بين رعاية المواقع التاريخية والمعالم الأثرية، وبين إقامة الأنشطة والفعاليات والمعارض التي تعكس حجم التاريخ العريق.

ومكّنت خطوة تأهيل المواقع التاريخية المرتبطة بقصة الإسلام، حيث كانت المناطق السعودية مسرحاً لمعظم أحداثها وملاحمها، الفرصة واسعة للتشبّع من تفاصيل المواضع التاريخية التي التقت مع قصة الإسلام، وسلسلة الحكايات التي بقيت محفوظة في السطور وحيّة بين الشواهد والآثار والصخور.

وبتشجيع من «رؤية 2030» لتطوير تجربة قاصدي الحرمين الشريفين وتأهيل المواقع التاريخية وتنظيم الفعاليات الإثرائية، التي تنعش ذاكرة المكان وتثري تجربة الإنسان، وتعيد صلة الحاضر بالماضي العريق، تمّت تهيئة عدد من المواقع التاريخية الإسلامية والثقافية، وتأهيلها وإدارتها والإسهام في تفعيل روزنامة إثرائية خاصة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، كما تم تطوير محتوى المواقع التاريخية الإسلامية والثقافية، وهي المبادرة التي أطلقتها وزارة الثقافة في السعودية لرفد المواقع التاريخية بالمحتويات التعريفية وإثرائها بالمعلومات والبيانات في عدد من المواقع التاريخية في المدينة المنورة، وتمكين الراغبين في زيارتها من الوصول إليها بيسر وسهولة، والاستمتاع بتجربة سخية بالمعرفة تلامس المشاعر المرتبطة بتأثير المواضع التاريخية التي ارتبطت بقصة الإسلام والعهد النبوي ومهد الأمة.


مقالات ذات صلة

باكستان: اعتقال شخص بتهمة إهانة القرآن بعد محاولة حشد إعدامه

آسيا الشرطة الباكستانية تُلقي القبض على رجل متهم بإهانة القرآن (إ.ب.أ)

باكستان: اعتقال شخص بتهمة إهانة القرآن بعد محاولة حشد إعدامه

ألقت الشرطة الباكستانية القبض على رجل متهم بإهانة القرآن، في شمال غربي البلاد، اليوم الثلاثاء، بعدما تلقت بلاغاً يفيد بأن مجموعة من الناس تسعى لإعدامه.

«الشرق الأوسط» (بيشاور (باكستان))
الخليج الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)

العيسى يناقش «تفهم الاختلاف ومعالجة سوء الفهم بين الإسلام والغرب» في سويسرا

حَلّ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (رويترز)

متعهداً بإنهاء صراع الشرق الأوسط... ترمب يسعى لأصوات المسلمين في ميشيغان

سعى المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى استمالة الناخبين المسلمين في ولاية ميشيغان.

«الشرق الأوسط» (ديترويت)
أوروبا مظاهرة لدعم غزة في ميدان ترافالغار بلندن (رويترز)

دراسة: نصف مسلمي الاتحاد الأوروبي يتعرضون للتمييز

أفاد نحو نصف المسلمين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي بأنهم يتعرضون للتمييز في حياتهم اليومية، مع تسجيل «زيادة حادة في الكراهية» عقب حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
الخليج الدكتور محمد العيسى دشن أعمالَ المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» (الشرق الأوسط)

العيسى يدشن المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» للتصدي لشبهات الإلحاد

دشن الشيخ الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، أعمالَ المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير».

«الشرق الأوسط» (الرباط)

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
TT

الخفافيش تتكيف مع فقدان السمع بخطة بديلة

الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)
الخفافيش تعتمد على حاسة السمع للتنقل والتواصل (رويترز)

كشفت دراسة أميركية عن استراتيجية بديلة تلجأ إليها الخفافيش عندما تفقد قدرتها على السمع، وهي حاسة أساسية تستخدمها للتوجيه عبر تقنية الصدى الصوتي.

وأوضح الباحثون من جامعة جونز هوبكنز أن النتائج تثير تساؤلات في إمكانية وجود استجابات مشابهة لدى البشر أو الحيوانات الأخرى، مما يستدعي إجراء مزيد من الدراسات المستقبلية، ونُشرت النتائج، الاثنين، في دورية (Current Biology).

وتعتمد الخفافيش بشكل أساسي على حاسة السمع للتنقل والتواصل عبر نظام تحديد المواقع بالصدى (Echolocation)، إذ تُصدر إشارات صوتية عالية التّردد وتستمع إلى صدى ارتدادها عن الأشياء المحيطة لتحديد موقعها واتجاهها. وتعد هذه القدرة إحدى الحواس الأساسية لها.

وشملت الدراسة تدريب الخفافيش على الطيران في مسار محدد للحصول على مكافأة، ومن ثم تكرار التجربة بعد تعطيل مسار سمعي مهمٍّ في الدماغ باستخدام تقنية قابلة للعكس لمدة 90 دقيقة.

وعلى الرغم من تعطيل السمع، تمكنت الخفافيش من إتمام المسار، لكنها واجهت بعض الصعوبات مثل التصادم بالأشياء.

وأوضح الفريق البحثي أن الخفافيش تكيفت بسرعة بتغيير مسار طيرانها وزيادة عدد وطول إشاراتها الصوتية، مما عزّز قوة الإشارات الصدوية التي تعتمد عليها. كما وسّعت الخفافيش نطاق الترددات الصوتية لهذه الإشارات، وهي استجابة عادةً ما تحدث للتعويض عن الضوضاء الخارجية، لكنها في هذه الحالة كانت لمعالجة نقص داخلي في الدماغ.

وأظهرت النتائج أن هذه الاستجابات لم تكن مكتسبة، بل كانت فطرية ومبرمجة في دوائر الدماغ العصبية للخفافيش.

وأشار الباحثون إلى أن هذه المرونة «المذهلة» قد تعكس وجود مسارات غير معروفة مسبقاً تعزّز معالجة السمع في الدماغ.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة، الدكتورة سينثيا موس، من جامعة جونز هوبكنز: «هذا السلوك التكيفي المذهل يعكس مدى مرونة دماغ الخفافيش في مواجهة التحديات».

وأضافت عبر موقع الجامعة، أن النتائج قد تفتح آفاقاً جديدة لفهم استجابات البشر والحيوانات الأخرى لفقدان السمع أو ضعف الإدراك الحسي.

ويخطط الفريق لإجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى تطبيق هذه النتائج على الحيوانات الأخرى والبشر، واستكشاف احتمال وجود مسارات سمعية غير معروفة في الدماغ يمكن أن تُستخدم في تطوير علاجات مبتكرة لمشكلات السمع لدى البشر.