معرض السيرة النبوية بالرباط... زيارة «مستقبلية» للتاريخ

عدد زائريه تجاوز المليونين

هكذا تبدو الغرفة النبوية من خلال استخدام تقنية الواقع المعزز (الشرق الأوسط)
هكذا تبدو الغرفة النبوية من خلال استخدام تقنية الواقع المعزز (الشرق الأوسط)
TT
20

معرض السيرة النبوية بالرباط... زيارة «مستقبلية» للتاريخ

هكذا تبدو الغرفة النبوية من خلال استخدام تقنية الواقع المعزز (الشرق الأوسط)
هكذا تبدو الغرفة النبوية من خلال استخدام تقنية الواقع المعزز (الشرق الأوسط)

هي بالفعل رحلة عبر الزمن، يمتزج فيها عبق الماضي، ببشائر المستقبل وتقنياته، ليصنع المكان حالة فريدة من التجانس والتعايش مع سيرة، ربما يعرف كثير من الزوار بعض جوانبها، لكنهم يخوضون في هذه الرحاب تجربة مختلفة تماماً، تجعلهم يعودون 14 قرناً من الزمان، وهم يقطعون خطوات معدودة.

هنا في العاصمة المغربية الرباط، استطاع أكثر من مليوني زائر الطواف في جنبات التاريخ النبوي الشريف، حيث حطّت النسخة المتجولة الأولى لمتاحف السيرة النبوية، التي تحتضن المملكة العربية السعودية مقرها الرئيس بالمدينة المنورة، بيد أن القائمين على هذه النسخة أرادوا أن يمنحوا ملايين الزوار حول العالم الفرصة للتعرف على تلك التجربة الفريدة من دون مغادرة أوطانهم، على الرّغم من أن هذه النسخة لا تمثّل سوى 30 في المائة من حجم المعرض الأصلي بالمدينة المنورة.

جانب من المقتنيات التي استُلهمت من كتب السيرة وتوضح بساطة الغرفة النبوية حيث كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم (الشرق الأوسط)
جانب من المقتنيات التي استُلهمت من كتب السيرة وتوضح بساطة الغرفة النبوية حيث كان يعيش النبي صلى الله عليه وسلم (الشرق الأوسط)

يستضيف مقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) بالرباط «المعرض الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية»، وكان من المقرر أن يدوم 6 أشهر فقط، بدأ في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، لكن الإقبال المتزايد، وطلبات الزيارة التي تنهال عبر الموقع الإلكتروني للمعرض، دفعت بالمسؤولين إلى تمديد زمن إقامته 6 أشهر أخرى، الأمر الذي استقبله المغاربة وضيوف المغرب من مختلف الجنسيات بسعادة بالغة، وسط مطالب رسمية من أكثر من 20 دولة عربية وإسلامية باستضافة نسخ مشابهة من المعرض الفريد.

معايشة بكل الحواس

يحتاج من يزور معرض السيرة النبوية إلى أن يشحذ كل حواسه من أجل الاستمتاع بجميع التفاصيل، ففي رحابه يخطو الزائرون وكأنهم يعودون إلى مكة والمدينة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشاهدون مكونات الحياة اليومية لذلك العصر، ويعاينون مجسمات للمدينتين اللتين صنعتا تاريخ الإسلام في صدره الأول.

تبدأ الرحلة داخل المعرض الذي يضم 5 قاعات، في بهو الاستقبال الرئيسي، حيث تُعرض مجسمات بالخط العربي تحوي أسماء الأنبياء، مصحوبة بتجسيد لأبرز ما تتناوله قصته، فمثلاً تجد اسم نبي الله موسى مصحوباً برسم لثعبان يجسد أبرز ملامح المواجهة بين كليم الله وسحرة فرعون، كما يُعرض في البهو مجموعة من أحاديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبة بخط عربي بديع، تجسد حكمة خاتم المرسلين وتعكس مبادئ رسالته العالمية.

بعض أدوات الحياة اليومية المستخدمة في الزمن النبوي كما يقدمها المعرض (الشرق الأوسط)
بعض أدوات الحياة اليومية المستخدمة في الزمن النبوي كما يقدمها المعرض (الشرق الأوسط)

يدلف بعدها الزائرون بصحبة مرافقين من القائمين على المعرض، إلى مجسمات لغرف تحاكي واقع البيوت والحجرات على زمن النبوة، وهنا يفاجأ الزائر بأنه لا يرى فقط أدوات الحياة البسيطة آنذاك، ويشاهد الأسرة وأدوات الطهي وحتى أسلحة القتال المستخدمة في ذلك الزمن، بل إنه يشمّ أيضاً رائحة المكان الذي تغلب عليه مكونات النخيل.

عند خروج الزائر من تلك الغرفة التي تناظر مقاييس الغرف الشائعة في مكة والمدينة قبل 14 قرناً، ومنها الغرفة النبوية الشريفة، يتوقف أمام مجسمين للمدينتين، يقدم كل منهما وصفاً مرئياً للبيوت والشوارع والتضاريس الأساسية في زمن النبي، وعبر الإضاءة يمكن أن يرى الزائرون موقع البيت الذي ولد فيه خاتم المرسلين بمكة، والبيت الذي عاش فيه، وبيوت الصحابة البارزين، علاوة على موقع بيت الندوة الذي كان بمثابة «برلمان» قبيلة قريش وموقع اتخاذ قراراتها الكبرى، وغير ذلك من المعالم البارزة في المدينة التي كان ولا يزال بيت الله الحرام والكعبة المشرفة هما درتها التي تتوسط كل شيء.

يتكرر الأمر في «ماكيت» المدينة المنورة، حيث يتعرف الزائرون على أبرز معالمها في العصر النبوي، من أين دخلها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأين أقام، وموقع مسجده الأول، والحجرات الشريفة وسقيفة بني ساعدة والبقيع وغيرها.

مجسم للكعبة المشرفة في الزمن النبوي كما يقدمها متحف السيرة النبوية بالرباط (الشرق الأوسط)
مجسم للكعبة المشرفة في الزمن النبوي كما يقدمها متحف السيرة النبوية بالرباط (الشرق الأوسط)

لوحات نابضة بالحياة

تتحوّل جدران المعرض نفسه إلى لوحات نابضة بالحياة، بفضل 50 شاشة ذكية وزعت في جنبات إحدى قاعاته الفسيحة، وهي تروي لمحات من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، إحداها تصف جسده الشريف وملابسه، وأخرى تروي مواقف من سيرته، وثالثة تستعرض علاقاته بأصحابه، ورابعة تقدم سيراً لأبرز الصحابة والصحابيات، فضلاً عن شاشات تستعرض جوانب من المواقف والوصايا النبوية في المواقف المختلفة، وتجسد سمو أخلاقه وصوراً من رحمته.

البهو الرئيسي للمعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية في نسخته الأولى بالرباط (الشرق الأوسط)
البهو الرئيسي للمعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية في نسخته الأولى بالرباط (الشرق الأوسط)

اللافت كما يقول المدير العام للمعرض الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية، توفيق بن علي الشريف، والذي رافق «الشرق الأوسط» في جولتها، أن المعلومات التي تحتويها كل هذه الشاشات مستقاة ومدققة من أصحّ كتب السيرة، وهو ما ينطبق على كل المعروضات، ويشير إلى أن ذلك كان أحد الأسباب التي استدعت أن يستغرق إعداد المعرض وتجهيزه 17 عاماً كاملة، معظمها في عمليات البحث والتدقيق ومقارنة المعلومات بين كتب السيرة، حتى تكون كل كلمة ومعلومة وقطعة تُعرض أقرب ما تكون إلى ما استقر عليه علماء السيرة.

ويضيف الشريف أن الإقبال الهائل على المعرض الذي يصل إلى أكثر من 10 آلاف زائر يومياً، وما يزيد على ضعف هذا العدد في الإجازات ويومي الجمعة والسبت، دفع إدارة المعرض إلى تمديد إقامته، مشيراً إلى أن هناك مطالب رسمية من أكثر من 22 دولة عربية وإسلامية حول العالم لاستضافة هذه النسخة من المعرض المتجول.

وبالفعل تتطلب زيارة المعرض حجزاً مسبقاً يمتد إلى ثلاثة أشهر لتحديد موعد الزيارة، عبر الموقع الإلكتروني له، الذي يفتح أبوابه للزيارة أمام الجمهور العام مجاناً، من الساعة العاشرة صباحاً إلى الساعة الخامسة مساءً، طوال أيام الأسبوع، ما عدا يوم الاثنين.

جانب من الغرفة النبوية كما يعرضها متحف السيرة النبوية بالرباط (الشرق الأوسط)
جانب من الغرفة النبوية كما يعرضها متحف السيرة النبوية بالرباط (الشرق الأوسط)

وتحول المعرض إلى وجهة محببة لمعظم الوفود الرسمية التي تزور العاصمة المغربية، وكذلك للآلاف من طلاب المدارس والجامعات والمنظمات الأهلية التي باتت تنظم رحلات أسبوعية ليتمكن منتسبوها من الاستمتاع بمعايشة العديد من تفاصيل الحياة والسيرة النبوية الشريفة بأساليب غير مسبوقة من التفاعل والعرض.

توظيف أحدث التقنيات

من الأمور اللافتة بالفعل داخل المعرض هو ذلك التوظيف المدروس لأحدث التقنيات سواء في العرض، أو في عمل معايشة وسرد عصري لجوانب السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي في العصر الأول، وعن هذا يقول المدير العام للمعرض إن الأمر بالفعل دُرس بعناية، فهناك أجيال عديدة تزور المعرض، ويحتاج تقريب السيرة النبوية إلى أذهانهم أدوات متنوعة لتقديم هذه الرحلة المشوقة، ولهذا يمزج المعرض بين تقنيات العرض البصري والصوتي، كما تُستخدم تقنيات «الهولوغرام» في عرض بعض التصورات المبنية على معلومات مدققة للمقتنيات النبوية مثل خاتمه وسيفه وبعض الأدوات التي استخدمها، كما تُستخدم الشاشات ثلاثية الأبعاد لتقديم بعض جوانب السيرة في تجربة معايشة فريدة من نوعها، يراها الزائرون للمرة الأولى، إلى أن تصل تلك التجربة إلى ذروتها في آخر قاعات المعرض عندما يعيش الزائر عبر استخدام تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، ومن دون الحاجة إلى النظارات المعتادة في هذه التقنية داخل الغرفة النبوية الشريفة، حيث عاش الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، ودفن فيها بعد وفاته، وتحوّلت اليوم إلى مزار لمئات الملايين من المسلمين.

داخل قاعة عرض الـVR، يجد الزائر نفسه وكأنه يسير بالفعل داخل مسجد الرسول في صورته الأولى بالزمن النبوي، تُفتح أمامه الأبواب ليرى تقسيم المسجد، وموقع بيت الرسول منه، وغرفة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، التي قضى فيها الرسول الكريم أيامه الأخيرة، وفيها دُفن صلى الله عليه وسلم، ومن بعده دُفن إلى جواره الخليفتان أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب. كما يرى الزائر شكل البنيان الذي يحيط بالمقام النبوي الشريف، وهي صور لا يراها حتى الزائر الفعلي للمسجد النبوي؛ إذ تقتصر رؤيته على واجهة جدار السلام على الرسول صلى الله عليه وسلم، من دون أن تتاح له الفرصة ليرى ما وراء ذلك الجدار، لكنه في هذه القاعة وعبر أحدث تقنيات العرض والمعايشة، يدخل إلى ما وراء ذلك الجدار في رحلة بانورامية تستعرض تطور حجرة أم المؤمنين عائشة منذ إغلاقها بعد وفاتها ودفنها بالبقيع إلى البناء المخمّس الذي أقامه عمر بن عبد العزيز، ثم شكل الغرفة والجدران المتعددة التي بنيت حول الحجرة حتى العصر الحاضر.

يتضمن المعرض كذلك جزءاً آخر يُعرض في قاعة منفصلة هو «معرض صلة المغاربة بالجناب النبوي الشريف، جمال المحبة والوفاء»، الذي تشرف عليه الرابطة المحمدية للعلماء بالمغرب.

ويضم هذا المعرض كنوزاً تراثية مغربية، تتنوع ما بين مخطوطات تاريخية، ولوحات وعملات نادرة، ونماذج من العمارة والزخارف والنقوش المغربية، التي تجسد ارتباط المغاربة عبر العصور بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم.


مقالات ذات صلة

دول الخليج استقبلت 68 مليون سائح بين 2019 و2023 بعائدات تتجاوز 110 مليارات دولار

الاقتصاد أثناء اجتماع يضم وزراء السياحة لدول مجلس التعاون الخليجي في الكويت (المجلس)

دول الخليج استقبلت 68 مليون سائح بين 2019 و2023 بعائدات تتجاوز 110 مليارات دولار

استقبلت دول مجلس التعاون الخليجي 68 مليون سائح دولي من 2019 وحتى 2023، بقيمة عائدات من السياحة بلغت 110.4 مليار دولار، وفق الأمين العام جاسم البديوي.

«الشرق الأوسط» (الكويت )
يوميات الشرق لقطة من كواليس التصوير (حساب زاهي حواس على فيسبوك)

مصر: تفاعل واسع مع أول أفلام «مستر بيست» عن الأهرامات

حظي أول أفلام «اليوتيوبر» الأميركي «مستر بيست» عن الأهرامات بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، محققاً ما يزيد على 40 مليون مشاهدة خلال ساعات.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق نحو 120 ماركة عالمية تعرض منتجاتها في معرض اليخوت (رئاسة مجلس الوزراء)

مصر تعلن «حزمة تحفيزية» لجذب سياحة اليخوت

أعلنت مصر إطلاق منصة محلية تعمل على الترويج لـ«حزمة تحفيزية» من القرارات والإجراءات التي تستهدف تعظيم سياحة اليخوت في مصر.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الآثار المصرية القديمة تجذب كثيراً من السياحة الوافدة (وزارة السياحة والآثار)

السعودية وألمانيا وروسيا أبرز الدول المصدرة للسياحة إلى مصر

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن تصدر المملكة العربية السعودية وألمانيا وروسيا حركة السياحة الوافدة إلى مصر خلال عام 2024.

محمد الكفراوي (القاهرة)
عالم الاعمال فندق كورت يارد الرياض - الطريق الشمالي

«نهاية الأسبوع» في «كورت يارد الرياض» مزيج من توفير الاستجمام وتجارب الترفيه

أعلن فندق كورت يارد الرياض - الطريق الشمالي عن إطلاق عرضه الجديد لعطلات نهاية الأسبوع.


المنتدى السعودي للإعلام ينطلق بمبادرات واعدة

الأمير عبد العزيز بن سلمان في حوار يديره الوزير سلمان الدوسري (تصوير: مشعل القديد)
الأمير عبد العزيز بن سلمان في حوار يديره الوزير سلمان الدوسري (تصوير: مشعل القديد)
TT
20

المنتدى السعودي للإعلام ينطلق بمبادرات واعدة

الأمير عبد العزيز بن سلمان في حوار يديره الوزير سلمان الدوسري (تصوير: مشعل القديد)
الأمير عبد العزيز بن سلمان في حوار يديره الوزير سلمان الدوسري (تصوير: مشعل القديد)

انطلقت في الرياض، أمس، أعمال المنتدى السعودي للإعلام 2025، في نسخته الرابعة، بمشاركة أكثر من ألفي متحدث وإعلامي في مجالات السياسة والطاقة والإعلام والاقتصاد وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

وفي كلمته الافتتاحية، أعلن وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري عن أولويات عام التأثير الإعلامي التي تتضمن تطوير استراتيجية الإعلام غير الربحي، وتنظيم مؤتمر دولي لمستقبل الأخبار في الرياض وافتتاح مقر الزمالات الصحافية الإخبارية، والعمل على وثيقة حوكمة قطاعات الإعلانات الرقمية، وإنشاء معمل الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة للإعلام.