قصور تاريخية سعودية في طريق استعادة وهج الماضي والدور الثقافي

تعدّ هيئة التراث مرجعاً لآثار وتراث السعودية التي بناها الإنسان وأنتجها وكيّفها تبعاً لظروف بيئته وبقيت شاهدة على أثر التاريخ في الأرض (واس)
تعدّ هيئة التراث مرجعاً لآثار وتراث السعودية التي بناها الإنسان وأنتجها وكيّفها تبعاً لظروف بيئته وبقيت شاهدة على أثر التاريخ في الأرض (واس)
TT

قصور تاريخية سعودية في طريق استعادة وهج الماضي والدور الثقافي

تعدّ هيئة التراث مرجعاً لآثار وتراث السعودية التي بناها الإنسان وأنتجها وكيّفها تبعاً لظروف بيئته وبقيت شاهدة على أثر التاريخ في الأرض (واس)
تعدّ هيئة التراث مرجعاً لآثار وتراث السعودية التي بناها الإنسان وأنتجها وكيّفها تبعاً لظروف بيئته وبقيت شاهدة على أثر التاريخ في الأرض (واس)

قصر جبرة التاريخي زادته السنوات عراقة وثباتاً في أرض التاريخ، يتميز بإطلالته على حقل أخضر بمحاذاة ضفة أحد أودية الطائف، قامت أركانه منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وبقي صامداً في وجه الزمن، شاهداً على التاريخ. تحتفظ نقوش قصر جبرة الإسلامية ببراعة المعماريين في مرحلة تاريخية مهمة، حين قامت ثم دالت دولة الأمويين وبقي القصر نحتاً على وجه الأرض. قصر جبرة، يحمل اسم السيدة المخزومية، زوجة أمير مكة محمد بن هشام، أحد أمراء العهد الأموي، أصبح أخيراً في عهدة هيئة التراث السعودية لإعادة بعث المكان من طيّ التجاهل والنسيان إلى صدارة الظهور والحضور بوهج الماضي وإشعاع التاريخ.

بدأ مشروع نوعي لإعادة تأهيل وترميم القصور واستئناف إشعاعها الثقافي ودورها الحضاري في السعودية (واس)

وإلى جانب «جبرة» تضم مدينة الطائف عدداً من القصور التاريخية، فالطائف كانت بلدة مؤثرة وحاضرة في متن التاريخ، وتزخر بسجل حافل من الآثار، التي تعكس صلتها العميقة بفصول التاريخ، وعراقة المكان بوصفها بوابة للحرمين وموطناً لأقدم الأسواق العربية ومصيفاً ومقصداً لعِلية القوم عبر العصور.

ومن تلك القصور قصر الكعكي، الذي يقف شامخاً في المنطقة التاريخية بالطائف منذ نحو تسعة عقود، ناطقاً بإبداع العمارة الإسلامية والعربية، وبراعة الفنون الهندسية التي جمعت خشب العرعر، وحجر الغرانيت، والزجاج الملوّن، التي اجتمعت لتشكيل وبناء القصر على الطراز الروماني القديم، ومزجت روح مجتمع الحجاز في تصميم نوافذ القصر، وفي الزخارف الحجازية الممتدة حتى السطح. هناك أيضاً قصر البوقري، وهو تحفة معمارية على الطراز المحلي، بأعمدة من الحجر والأقواس المزيّنة بالنقوش الإسلامية، وسكنه آل بوقري.

وعلى الغرب من مدينة الطائف تقوم قصور ومواضع تاريخية مهمة، ارتبطت بقصة المسلمين في صدر الإسلام ومطلع العهد النبوي، مثل الموقع الذي شهد أول صلح في تاريخ الإسلام، حيث البئر والشجرة والمسجد الذي ارتبط بصلح الحديبية وبيعة الرضوان وغيرها من المواقع.

ومن المواقع التاريخية في خطة التأهيل الاكتشاف الأثري الجديد بمحافظة الحائط في منطقة حائل، حيث يجري حالياً تنفيذ مشروع «تأهيل موقع صخرة الملك البابلي نابونيد الثاني» لتمكين مجتمع المتخصصين والمهتمين، من الاطلاع من كثب على النقوش الصخرية التي تعود للملك البابلي نابونيد في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، التي تُعطي دليلاً إضافياً على الدور التاريخي للجزيرة العربية وتواصلها الحضاري مع معظم حضارات الشرق الأدنى القديم.

قصر جبرة من أهم وأجمل معالم مدينة الطائف ويضم 3 طوابق وبهواً ضخماً وقبواً والعديد من الغرف (واس)

قصر جبرة... شاهد تاريخي وعمراني

ومؤخراً آلت ملكية عدد من القصور التراثية والمواقع التاريخية التي تزخر بها مناطق مختلفة في السعودية، إلى هيئة التراث السعودية، لتبدأ مشروعاً نوعياً لإعادة تأهيلها وترميمها واستئناف إشعاعها الثقافي ودورها الحضاري، شاهداً على تاريخ وعراقة المدن والمناطق السعودية التي احتفظت بملاحم وقصص وسيرة عربية وإسلامية سخيّة.

وقال أحمد الجعيد، مرشد سياحي ومنظم رحلات في الطائف، إن صدور الموافقة بنزع ملكية قصر جبرة وسواه، وإشراف هيئة التراث عليه سيساهم في المحافظة عليه والاستفادة منه كمعلم تاريخي بمحافظة الطائف، يمكن تحويله لمتحف أو مطعم تراثي، وتطوير الموقع والمحافظة عليه من الاندثار ليصبح أيقونة تاريخية ونقطة جذب سياحي مهمة. وقال الجعيد إن قصر جبرة، من أهم وأجمل معالم مدينة المصيف، التي تستحق المحافظة عليها، ويضم 3 طوابق وبهواً ضخماً والعديد من الغرف وقبواً، ومدخلاً مزيناً بالزخارف الجميلة، وتتوسط باحة القصر نافورة ماء. وقد صمدت ملامح شكله وأسلوب بنائه بالرغم من تقادم السنين عليه، وتعلو الجدران والسقوف كثير من نقوش النحت البديعة، وتحكي ردهاته تفاصيل تاريخ عريق امتد على مر السنين، وقد اتخذه الملك المؤسس عبد العزيز مقراً له لفترة من الزمن، وشهد أول لقاء له مع أول رئيس لمصر آنذاك محمد نجيب في عام 1952.

صمدت ملامح القصور بالرغم من تقادم السنين عليها وتحكي ردهاتها تفاصيل تاريخ عريق امتد على مر السنين (واس)

استئناف الدور الحضاري للمواقع التاريخية

وتمتلك المناطق السعودية سجلاً حافلاً من المواقع والآثار وبقايا العصور الماضية، تفطّنت له رؤية السعودية 2030 وإلى المقومات الهائلة التي تتمتع بها المملكة ولدورها في دعم التوجهات الثقافية والسياحية المتطلعة في البلاد. وتمثّل استراتيجية الآثار والتراث العمراني محاور في عمل الهيئة، لرعاية وتأهيل وصون كل ما شيّده الإنسان من مدن وقرى وأحياء ومبانٍ، وقطع لها قيمة عمرانية أو تاريخية وعلمية، أو ثقافية. ولوحظت خلال السنوات الست الأخيرة جهود السعودية في قطاعي التراث والسياحة، وتضمنت تطوير المحتوى التاريخي والتراثي المأهول بآثار الماضي وأطلال التاريخ، فيما يستمر السعي الدائب لتطوير جوانب أخرى، وتحقيق أهداف رؤية 2030 في هذا القطاع.

وتولّت هيئة التراث السعودية، ترميم نحو 32 موقعاً من أبرز المشاريع التراثية، إلى جانب مشاريع التدخل الطارئ من الهيئة في 18 موقعاً؛ تم إنجاز 11 موقعاً منها، ومشاريع للتدعيم الإنشائي وعددها 28 موقعاً، بالإضافة إلى مشروع توريد وتركيب اللوحات التعريفية والتحذيرية لجميع مناطق المملكة. وحول أبرز المشاريع المستقبلية للهيئة خلال عام 2023، تعتزم الهيئة العمل على 25 مشروعاً في مجال الآثار، و18 مشروعاً في مجال التراث العمراني، مع الاستمرار في استقبال البلاغات بشأن المواقع والمباني التراثية، وتعزيز دورها في الإشراف الفني عليها، إلى جانب توعية المواطنين بضرورة دراسة حالة كل مبنى.

البدء بتنفيذ مشروع تأهيل موقع صخرة الملك البابلي نابونيد الثاني لتمكين المتخصصين والمهتمين، من الاطلاع عليه (واس)

وقال ممدوح بن مزاوم، الباحث في النقوش الثمودية، إن صحاري وجبال ومدن السعودية، تزخر بكنوز من الآثار والنقوش، وتحتفظ بسردية غير عادية لتاريخ المنطقة ودورها عبر العصور، وإن حائل واحدة من المناطق السعودية التي حظي ثراها بصولة الحضارات ودولة الثقافات والأمم والمجتمعات، وإن إعادة الاعتبار لهذا التاريخ المدفون في الأرض، وإعادة بثّه من جديد لجمهور الناس والمتخصصين، يعزز من مكانة السعودية الجديرة والمستحقة في التاريخ، وتعمق البعد الحضاري للمملكة، وتعيد ارتباط المجتمع بتاريخ المنطقة وآثارها وحضارتها. وأكّد مزاوم، أن المبادرات السعودية في إعادة تأهيل المواضع التاريخية المهمة، سيكون له أثره في إشاعة ثقافة حب الموروث وحفظه وصيانته بين الناس، وزيادة دور السياحة الثقافية والتاريخية في الاقتصاد الوطني، وتعميق التنوع والثراء الثقافي الوطني، وإبراز ما تكتنزه أراضي المملكة من إرث مادي، فضلاً عن تشجيع الباحثين وأهل الاختصاص لإعادة اكتشاف هذه الكنوز التراثية.


مقالات ذات صلة

ما سبب تنكيس الأعلام الأميركية يوم تنصيب ترمب؟

الولايات المتحدة​ الأعلام الأميركية ترفرف منكّسة في نصف السارية قرب مبنى الكونغرس الأميركي حداداً على وفاة الرئيس الأسبق جيمي كارتر... واشنطن 11 يناير 2025 (رويترز)

ما سبب تنكيس الأعلام الأميركية يوم تنصيب ترمب؟

التنكيس الحالي للعلم الأميركي إجراء اتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن لتكريم الرئيس الراحل جيمي كارتر، الذي توفي الشهر الماضي عن عمر يناهز 100 عام.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق نال الراشد منحة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتاريخ الجزيرة العربية عام 2017 (واس)

«سعد الراشد» حياة في الآثار ودراسة حضارات الجزيرة العربية

مسيرة مهنية فذّة للبروفيسور سعد الراشد في مجال الآثار ودراسات الحضارة والنقوش في الجزيرة العربية انطلاقاً من جوهرة أعماله في استكشاف طريق الحج من الكوفة إلى مكة

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق الأثر ثلاثي الأصبع (جامعة برمنغهام)

من هنا مرَّت الديناصورات...

اكتشف عامل محاجر بريطاني أكبر موقع لآثار الديناصورات في البلاد، وذلك في محجر بمقاطعة أكسفوردشاير، جنوب شرقي إنجلترا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك (يسار) يتحدث مع رئيس الوزراء البريطاني حينها توني بلير بعد لقائهما في 11 مايو 2007 أمام قصر الإليزيه في باريس (أ.ف.ب)

وثائق: شيراك أغضب بريطانيا برفضه عملاً عسكرياً في العراق عام 2003

كشفت وثائق بريطانية، نُشرت الثلاثاء، عن غضب رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من الرئيس الفرنسي جاك شيراك بسبب عرقلة عمل عسكري على العراق سنة 2003.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال اجتماع مع الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

نتنياهو: سنتذكّر دائماً دور الرئيس كارتر في اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر

غداة وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، بدور كارتر في إحلال السلام بين إسرائيل ومصر.

«الشرق الأوسط» (القدس)

«متل قصص الحب»... رحلة سينمائية استغرقت 7 سنوات

لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)
لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)
TT

«متل قصص الحب»... رحلة سينمائية استغرقت 7 سنوات

لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)
لقطة من الفيلم صوّرته الحاج في أثناء «ثورة أكتوبر» (ميريام الحاج)

بعد فيلمها الوثائقي الأول «هدنة» تقدّم اليوم المخرجة ميريام الحاج ثاني أعمالها السينمائية الطويلة «متل قصص الحب»، تصحبنا خلاله في رحلة مع 3 شخصيات، جومانا وجورج وبيرلا. كل منهم يعمل في مجال مختلف، ولكن أمراً واحداً يجمعهم هو أمل تغيير بلدهم لبنان إلى الأفضل.

يأخذنا الفيلم منذ لحظاته الأولى إلى عالم سينما واقعي، مختلف بموضوعه وبأسلوب تصويره، بحيث تثبت مخرجته حرفيتها في هذا المجال. حواراته سريعة ومشاهده عفوية.

نقلت ميريام واقع أبطال الفيلم من دون أي «رتوش»، فكانوا بردود أفعالهم التلقائية وعباراتهم المحكية، يشبهون أي مواطن لبناني آخر.

تطوي الحاج مع «متل قصص الحب» صفحة لبنان المعاناة (ميريام الحاج)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» تشير مخرجة الفيلم ميريام الحاج إلى أن الرسالة الرئيسية التي يحملها هي فكرة التغيير. «إنها تراودنا جميعاً في لبنان، وغالباً ما نعترف بها علناً في أي موقف نواجهه، فننتقد مشاهد اجتماعية وبيئية وسياسية تطالعنا في يومياتنا. وفي كل مرة نردد عبارة واحدة: (يجب أن نغيّر). وما رغبت في إبرازه في الفيلم هو إخبار المشاهد كيف باستطاعتنا تطبيق هذا التغيير، كلٌّ على طريقته».

استغرق تصوير الفيلم وإعداده وتنفيذه نحو 7 سنوات. استلهمت ميريام الحاج فكرته منذ عام 2017، حقبة ارتفاع صوت المجتمع المدني، وتفتحت براعم الفكرة بشكل لافت مع انطلاق أولى شرارات ثورة 17 أكتوبر في عام 2019، فالأجواء يومها كانت تحمل الإيجابية، وتدلّنا على طريق واحد يمشي باتجاه التغيير. سلسلة التوقف عن العمل واجهتها المخرجة بسبب أزمات ومشكلات واجهها لبنان، فكانت تقفل كاميرتها فترة لتعود وتحملها مرة أخرى.

جورج مقاتل لبناني سابق كان فاتحة موضوعات الفيلم، تلته الإعلامية جومانا حداد التي ترشحت إلى النيابة في عام 2018، وصُدمت بخسارتها بعد إعلان فوزها. أما البطلة الثالثة بيرلا فهي نموذج حي عن فكر الشباب اللبناني المستقبلي. ناشطة بارزة في حقبة الثورة، شكّلت بيرلا صوت كل أبناء جيلها.

وتوضح الحاج: «جورج يرمز إلى الماضي الحاضر دائماً في لبنان. علاقته بزمن الحرب وطيدة كونه محارباً أسبق فيها. وتجربته شكّلت مادة دسمة كي نتعلّم منها الدروس. ومع جومانا نقلت مشاعر خيبات الأمل التي يتلقاها اللبناني باستمرار، في حين بيرلا التي تعرّفت إليها بالصدفة، تمثّل صوت شبابنا الثائر».

جومانا حداد إحدى بطلات الفيلم (ميريام الحاج)

لماذا اسم «متل قصص الحب»؟ تردّ الحاج إن «علاقتنا ببلدنا لبنان تشبه قصص الحب بكل أشكالها. نفترق عن الحبيب، نتجادل معه، ويشعرنا بالغضب والقهر. نقرر الانفصال عنه، إلا أن عشقنا له يمنعنا من ذلك. وهذه العبارة استوحيتها من حديث جرى بيني وبين جومانا حداد. تفاجأت بها تلملم الردم الذي خلّفه انفجار بيروت وتحضّر لمشروع جديد. يومها قالت لي: (أنا مضطرة إلى الإيمان ببلدي، وأتطلّع معه نحو الغد. فقصتي معه تشبه قصص الحب. هذه هي علاقتنا مع بلدنا لبنان)».

منذ عام 2017 حتى عام 2022 جالت ميريام الحاج بكاميرتها في بيروت ومناطق أخرى. مرّت على شاطئها وبحرها وعلى أزقتها وأحيائها، وتوقفت في جبال لبنان المكسوة بالذهب الأبيض. فهي رغبت بالتعريف ببلدها بشاعرية معينة، كما تقول.

على شكل مذكرات، تروي الحاج 4 سنوات مضطربة من زمن لبنان. تُبرز فيها مكافحة صلبة للتخلّص من أغلالها. فالبلاد كانت تمر باهتزازات متتالية. وهي من جهتها تتمسّك بالأمل من أجل حبّ البقاء وتحقيق الأحلام. صورة سينمائية مشبّعة بالتناقض تعرضها الحاج في هذا الشريط، فتعكس التفاؤل في نفوس اللبنانيين.

صورة لمرفأ بيروت بُعيد تعرّضه لانفجار في 4 أغسطس 2020 (ميريام الحاج)

وتعلّق: «أتمنى أن يعجب الفيلم اللبنانيين؛ لأنه يخاطبهم بلسان حالهم. ويغمرني حماس كبير لموعد عرضه في مهرجان (شاشات الواقع). صحيح أنه تنقّل بين مهرجانات عالمية، ولكن يبقى لعرضه في لبنان مذاقاً خاصاً عندي».

تعترف الحاج أن الفيلم استنزف طاقتها، كونه تطلّب منها نقل واقع صعب فتعلّقت بشخصياته. عاشوا معها في فكرها ويومياتها، كما أن السينما بحد ذاتها في لبنان تعدّ نوعاً من النضال. «كنت أشعر كمن يصارع الأمواج لوحده. والأسوأ هو أنني رفضت إيقاف هذه المصارعة. فهدفي كان واضحاً، ومحوره اختراع أسلوب حياة يليق بنا لنكمل مشوارنا في هذا البلد».

لن تعود بعد اليوم ميريام الحاج إلى هذا النوع من الموضوعات التي تربط ما بين ماضي لبنان وحاضره. وتختتم: «سأتوقف عند هذا الحد؛ لأنني أتطلّع إلى موضوعات تصبّ في غد أفضل. أعتقد أنني قلت كل ما أريده في فيلمي السابق (هدنة) وفي الحالي (متل قصص الحب). ومع هذا الأخير، أطوي صفحة طويلة من المعاناة والأزمات والحروب. ومع وصول رئيس الجمهورية الجديد العماد جوزيف عون، نشعر بالأمل. لقد حاولت في أفلامي التخلص من حمل ثقيل على أكتافنا. جمعت فيها الحزن وخيبات الأمل والإخفاقات. واليوم يخطر على بالي الانكباب على شريط سينمائي مفعم بالأمل، وبغدٍ مزدهر».