كيف يموت إنسان بسبب ارتفاع درجات الحرارة؟

توفي 60 ألف شخص في أوروبا وحدها الصيف الماضي

رجل يلجأ إلى نافورة خلال يوم صيفي حارّ في مدريد (أ.ب)
رجل يلجأ إلى نافورة خلال يوم صيفي حارّ في مدريد (أ.ب)
TT

كيف يموت إنسان بسبب ارتفاع درجات الحرارة؟

رجل يلجأ إلى نافورة خلال يوم صيفي حارّ في مدريد (أ.ب)
رجل يلجأ إلى نافورة خلال يوم صيفي حارّ في مدريد (أ.ب)

بلغت درجات الحرارة العالمية مستويات غير مسبوقة، ما أثار حفيظة سكان كوكب الأرض وقلقهم. ويقول خبراء إنّ «مثل هذه الموجات الحارة أصبحت أكثر شيوعاً بسبب تغيُّر المناخ، ويمكن أن تضع أجسامنا تحت ضغط شديد، ما يؤدّي في بعض الأحيان إلى الإصابة بالجفاف وضربات الشمس والموت».

وتضرب موجات الحرّ التي حطّمت أرقاماً قياسية معظم بلدان العالم، ما يطرح تساؤلات عدّة عن مدى تأثير درجات الحرارة الشديدة في صحة الإنسان البدنية والعقلية، والمقدار الذي يتحمّله الجسم؟ وهل يمكن أن تؤدّي تلك التأثيرات إلى الموت؟

فمع ارتفاع الحرارة، يكافح الجسم للحفاظ على درجة حرارته الطبيعية عند معدّل 37 درجة مئوية. إذ يرفع القلب وتيرته ويرسل العرق لتهدئة سطح الجلد. كما تتمدّد الأوعية الدموية في الجلد أيضاً وتُطلق الحرارة. لكن إذا طغت الحرارة على منظِّمات درجة الحرارة في الجسم، فقد تسبّب أعراضاً مثل «التعب والصداع والحمى واضطراب النوم»، وفق الخبراء. وتُعدّ ضربات الشمس من أخطر الأمراض المرتبطة بالحرارة.

مشهد من طوكيو حيث تُحمل الشماسي للوقاية من حرارة الشمس (أ.ف.ب)

في هذا السياق، حذّرت «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية»، في 18 يوليو (تموز) الماضي، من أنّ درجات الحرارة المرتفعة «تشكّل خطورة على صحة الإنسان، لأنّ الجسم لا يحصل على فرصة للتعافي». وقدّرت دراسة نشرت في الشهر عينه، بـ«نيتشر ميديسين»، حصيلة أعداد الوفيات جراء الارتفاع الشديد للحرارة الصيف الماضي بأوروبا وحدها بما يزيد على 60 ألف شخص.

وتشيع الآن ظاهرة موجات حرّ متزامنة تشمل أميركا الشمالية وأجزاء من آسيا وشمال أفريقيا وإقليم البحر الأبيض المتوسط، مع درجات حرارة تتخطى 40 درجة مئوية، لأيام طويلة.

من هنا، يقول أستاذ علوم البحار الفيزيائية في جامعة الإسكندرية المصرية، الدكتور محمد شلتوت السيد، إنّ «ارتفاع درجات الحرارة عالمياً يُعدّ نتيجة لزيادة معدّلات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، حيث تمنع الأشعة المرتدّة من الكرة الأرضية من مغادرة هذا الغلاف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «المشكلة الأكبر هي ما ينتج عن ذلك من ظواهر مناخية مثل الموجات الحرارية (زيادة درجات الحرارة عن المعدّلات الطبيعة لفترة تصل إلى 5 أيام أو أكثر)، ما سيؤثر بشدّة في صحة سكان الكوكب».

الهروب إلى الشاطئ الملاذ الأخير للنجاة من هستيريا الحرّ (أ.ف.ب)

ويمكن أن يكون للتعرّض لدرجات الحرارة الشديدة «تأثير كبير في نظام القلب والأوعية الدموية»، كما يشير أستاذ مساعد أمراض القلب والأوعية الدموية في كلية الطب بجامعة بنها المصرية، الدكتور أحمد محمود بنداري. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «استجابة الجسم الطبيعية للحرارة تتمثّل في زيادة معدّل ضربات القلب وضغط الدم لتوزيع الدم بشكل أكثر كفاءة وتبديد الحرارة، ما قد يشكل ضغطاً على نظام القلب والأوعية الدموية. إلى ذلك، فإنّ التعرق هو الطريقة الأساسية لتهدئة الجسم، لكنه قد يؤدّي إلى الجفاف».

ويوضح: «يمكن أن يتسبّب الجفاف بانخفاض ضغط الدم، ما قد يزيد من إجهاد القلب. وقد تزيد الحرارة أيضاً من خطر الإصابة بجلطات الدم التي تمنع تدفّق الدم إلى القلب أو الدماغ أو الأعضاء الأخرى، ما قد يؤدّي إلى نوبة قلبية أو سكتة دماغية أو مضاعفات خطيرة تنتهي بالوفاة».

ويمكن للرطوبة أثناء موجات الحرارة أن تطغى على الجسم. ويساعد التعرّق على تبريده عن طريق تبخّر الجلد، لكن إن كان الجوّ شديد الرطوبة، فلا يمكن للعرق أن يتبخّر.

ويقاس مزيج الحرارة والرطوبة بما يُعرف بدرجة حرارة «البُصَيلة الرطبة». عنها قال الباحث في وكالة «ناسا» كولين ريموند: «إذا كانت الرطوبة منخفضة ودرجة الحرارة مرتفعة، أو العكس، فمن المحتمل ألا تقترب درجة حرارة البصيلة الرطبة من نقطة تحمّل جسم الإنسان. لكن عندما تكون الرطوبة ودرجة الحرارة مرتفعتَيْن، فيمكن أن تقترب درجة حرارتها من مستويات خطيرة على حياته».

وأضاف في تصريح سابق لموقع «الوكالة»: «عندما تكون درجة حرارة الهواء 38.9 درجة مئوية والرطوبة النسبية 77 في المائة مثلاً، تصبح درجة حرارة البصيلة الرطبة نحو 35 درجة مئوية، وهي أعلى درجة حرارة للبصيلة الرطبة يمكن أن يتحمّلها جسم الإنسان»، مشدداً على أنّ «درجات حرارة البصيلة الرطبة تشهد الآن ارتفاعاً في جميع أنحاء العالم».

وعن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الصحة النفسية والعقلية والسلوك الإنساني، يعلّق استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان الدكتور إيهاب الخراط: «تشير دراسات كثيرة إلى ارتباط ارتفاع درجة الحرارة بالسلوك العدواني والعنف الصريح، بسبب الشعور بالانزعاج من الحرّ والتأثير غير المباشر جراء ارتفاع إفرازات هرمونات مرتبطة بالعدوانية، منها التستوسترون، أو الاختيار بين العدوانية والهروب، منها الأدرينالين».

يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت البحوث العلمية أيضاً أنّ ارتفاع درجة الحرارة يرتبط بارتفاع معدّلات القلق عند كثيرين، كما يرتبط بزيادة حالات الانتحار وانتكاس مرضى ثنائي القطب (الهوس والاكتئاب) ومرضى الفصام».

يبقى البحر وُجهة الساعين إلى تحدّي الحرارة (أ.ف.ب)

الفئات الأكثر عرضة

أما رئيس «منظمة الصحة العالمية» تيدروس أدهانوم غيبريسوس، فقال إنّ «الحرارة الشديدة تُلحق أكبر الخسائر بأولئك الأقل قدرة على إدارة عواقبها، مثل كبار السن والرضَّع والأطفال والفقراء والمشرّدين». وأضاف خلال مؤتمر صحافي في يوليو (حزيران) الماضي: «التعرّض للحرارة المفرطة له تأثيرات واسعة النطاق على الصحة، وقد يؤدّي إلى الوفاة المبكرة والعجز».

كذلك أبدت مديرة الصحة العامة والبيئة في المنظمة، ماريا نيرا، قلقها بشكل خاص بشأن النساء الحوامل والأشخاص المصابين بداء السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والربو.

ويُعدّ الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن خمس سنوات، أكثر الفئات عرضة للمخاطر خلال موجات الحرّ. ومع تقدُّم العمر، تقلّ الغدد العرقية، ما يجعل كبار السنّ أقل قدرة على التحكّم بدرجة حرارتهم. وتعمل هذه الغدد خلال موجات الحرّ ليلاً ونهاراً. وبعد بضعة أيام، تُنهك وتنتج عرقاً أقل، ما يزيد من درجة حرارة الجسم.

ما يجب القيام به

عن سبل الوقاية، يقول بنداري: «ينبغي الحفاظ على رطوبة الجسم بشرب السوائل، وتجنّب النشاط الشاق وضرورة أخذ فترات راحة، وارتداء ملابس فضفاضة فاتحة اللون وواقية من الشمس»، مؤكداً أهمية «العناية الطبية إن كان الشخص يعاني أعراض الإجهاد الحراري، أو ضربة شمس، أو غيرها من مضاعفات القلب والأوعية الدموية».

أما كبير مستشاري «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية» جون نيرن، فيُلخّص: «من الضروري الاستعداد والتكيف». ووفق المنظمة، ثمة حاجة لاستراتيجيات استجابة وخطط اتصال مجرَّبة ومُختَبرة ومحدَّثة لاستهداف عامة السكان والفئات الضعيفة والمهمّشين.


مقالات ذات صلة

القطب الشمالي يسجّل أعلى معدل حرارة سنوي بتاريخ السجلات

بيئة قِطع جليد عائمة في المحيط المتجمد الشمالي (رويترز-أرشيفية)

القطب الشمالي يسجّل أعلى معدل حرارة سنوي بتاريخ السجلات

سجّل العام المنصرم أكثر السنوات حرارة على الإطلاق في المنطقة القطبية الشمالية، وفق تقرير صادر عن وكالة أميركية مرجعية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم بحلول نهاية القرن لن يتبقى سوى 9 في المائة من الأنهار الجليدية (رويترز)

باحثون يتوقعون ذوبان آلاف الأنهر الجليدية سنوياً بحلول منتصف القرن

أظهرت دراسة حديثة أن آلاف الأنهر الجليدية ستختفي سنوياً خلال العقود المقبلة، ولن يتبقى منها سوى جزء ضئيل.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية- رويترز)

2025 قد يكون ضمن أكثر 3 أعوام حرارة في التاريخ

أعلنت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ -وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي- أن عام 2025 يسير في اتجاه أن يصبح واحداً من أكثر 3 أعوام حرارة منذ بدء تسجيل القياسات.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق المريخ أكثر دفئاً من الأرض ليوم واحد (ناسا)

مدينة أميركية تتجمّد... وحرارتها تهبط إلى ما دون المريخ!

شهدت مدينة منيابوليس، كبرى مدن ولاية مينيسوتا الأميركية، انخفاضاً لافتاً في درجات الحرارة الشهر الماضي، حتى باتت، لبرهة، أبرد من كوكب المريخ نفسه.

«الشرق الأوسط» (مينيسوتا (الولايات المتحدة))
بيئة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يلقي كلمة خلال الجلسة العامة للقادة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «كوب 30» في بيليم بولاية بارا بالبرازيل 6 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

غوتيريش للدول في قمة المناخ: إما أن نقود أو نُساق إلى الدمار

رأى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الخميس، أن العالم فشل في الوفاء بالتزاماته للحد من ارتفاع حرارة الأرض عند مستوى 1.5 درجة.

«الشرق الأوسط» (بيليم (البرازيل))

«إن غاب القط»... كوميديا رومانسية تتناول العلاقات «التوكسيك»

أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«إن غاب القط»... كوميديا رومانسية تتناول العلاقات «التوكسيك»

أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يجمع الفيلم المصري «إن غاب القط» بين الكوميديا والرومانسية ومشاهد الأكشن في أجواء مثيرة، من خلال حكايته التي تنطلق من عملية سرقة جريئة لإحدى اللوحات الفنية، مستعيداً حادث سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» للفنان العالمي فان غوخ، التي سُرقت قبل 15 عاماً من متحف محمد محمود خليل في القاهرة، ولم يُستدل عليها حتى الآن.

يجمع الفيلم بين «زين» (آسر ياسين) الطبيب البيطري، وخطيبته «هند» (أسماء جلال) التي تعمل في ترميم اللوحات، وتربطهما قصة حب لا يُعكّر صفوها من وجهة نظر «هند» سوى أن خطيبها يبدو دائماً شخصاً خجولاً ولا يُسمعها كلمات الغرام.

تتقاطع حياة «زين» مع شقيقه التوأم، اللص الشهير بـ«القط»، لتُعجب به «هند» وبجرأته، ونظراً إلى التشابه الكبير بينهما، يجد نفسه في موقف صعب بين مطاردات عصابتَين تريدان الاستيلاء على اللوحة. كما تطارده نساء من مختلف دول العالم يرغبن في الانتقام من «القط»، ومن بينهن «ميادة» التي تؤدي دورها الفنانة اللبنانية كارمن بصيص.

يشارك في الفيلم محمد شاهين، وسماح أنور، وكارمن بصيص، وسامي مغاوري، وعلي صبحي، وانتصار. كما يحل ضيوف شرف من نجوم الكوميديا، وهم: سامي مغاوري، وهشام ماجد، وطه دسوقي. والفيلم من تأليف أيمن وتار، وإنتاج هاني عبد الله، وإخراج سارة نوح.

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

يؤدي آسر ياسين شخصيتَين متناقضتَين، فهو اللص الذكي الذي يرتبط بعلاقات متعددة ويصبح مطارداً من الجميع، وشخصية الطبيب الذي تزدحم عيادته بالحيوانات، وهو الشخصية «التوكسيك» التي تتسم بالازدواجية.

واحتفل صناع «إن غاب القط» بالعرض الخاص، الأحد، بحضور أصدقائهم من الفنانين وصناع الأفلام، ومن بينهم مايان السيد، ومريم الخشت، وطه دسوقي الذي يشارك في الفيلم، والمخرج محمد شاكر خضير، ومحمد الشرنوبي، وعمر رزيق، والمخرج خالد الحلفاوي، والمنتج محمد حفظي.

وحضر آسر ياسين بصحبة زوجته، وأبدى في تصريحات صحافية سعادته بالفيلم، قائلاً إن الفكرة جذبت اهتمامه، لأنها غير تقليدية، والعمل نفسه تجربة مختلفة أتاح له تقديم مشاهد كوميدية وشخصيتَين مختلفتين، من بينهما شخصية الرجل «التوكسيك» الذي يرى أنه رجل أناني وكذاب يجب أن تحذر الفتيات من الارتباط به. وظهر ياسين في فيديو ترويجي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستنكراً: «هل الرجل (التوكسيك) أصبح موضة هذه الأيام؟». وكتب عبر حسابه على «إنستغرام» مروجاً للعمل: «فيلم الإثارة والتشويق والأكشن والرومانسية والدراما والكوميديا وفوق ذلك كله علاقة (توكسيك)».

وقدّمت أسماء جلال مشاهد غنائية استعراضية عبر أغنية «ماتفكروش يا بنات» لفرقة المصريين، جمعتها مع ياسين، كما قلّدت الفنانة شويكار في مشهد آخر.

وحققت أغنية الفيلم «قلبك تلاجة» اهتماماً لافتاً منذ طرحها، وصُوِّر فيديو كليب في مشاهد رومانسية جمعت بين آسر وأسماء في تركيا، والأغنية للمطرب فارس سكر، ومن كلمات منة عدلي القيعي، وألحان عزيز الشافعي.

آسر ياسين وزوجته خلال العرض الخاص (الشركة المنتجة)

ورأى المؤلف أيمن وتار أن الفيلم «يطرح زاوية للعلاقات بين الرجل والمرأة من خلال جريمة سرقة، مع ميل تجاه الرومانسية بشكل أكبر»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «أسباب الربط بين سرقة لوحة زهرة الخشخاش وقصة الحب هي السعي لتقديم الفكرة عبر علاقة عاطفية تكون هي المحركة للأحداث بالفيلم، وكذلك كوميديا تعتمد على المواقف الدرامية لا على الإفيهات التي لا أحبها، فقد أردت من خلال التداخل بين قصة الحب وسرقة اللوحة كشف حالة الازدواجية عند الرجل الذي يحب وتتعدد علاقاته قبل الزواج، وحين يقرر الزواج يبحث عن فتاة تتسم بالبراءة، مثل (قطة مغمضة)».

ويشير إلى أنه بدأ العمل على الفيلم قبل عام ونصف العام مع المخرجة، ومن ثم أُتيح لهما الوقت الكافي للاستقرار على السيناريو، مؤكّداً أن سارة نوح مخرجة موهوبة، ولا تتنازل عن الإتقان في كل لقطة، ووصف آسر ياسين بأنه «ممثل محترف للغاية وله حضور مميز، وقد منح السيناريو لكل ممثل وممثلة مساحتهم».

وشارك أيمن وتار في أداء دور بالفيلم، إنقاذاً للموقف حسبما يقول: «كانت الشخصية التي أديتها تتطلّب أن يطلق الممثل شعره ولحيته لمدة 4 أشهر قبل التصوير، وهو دور لن يتحمس له أغلب الممثلين؛ لأنه سيعطّلهم عن أعمال أخرى».

ويُعد فيلم «إن غاب القط» ثاني أفلام المخرجة سارة نوح بعد فيلمها الأول «أعز الولد»، وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنها كانت تبحث عن عمل مختلف تماماً عن فيلمها الأول، وقد وجدته في سيناريو أيمن وتار الذي قدم من خلاله تناولاً ذكياً وبسيطاً يتمتع بروح كوميدية تحفز أي مخرج للعمل عليه.

وأضافت أن ما يحركها تجاه عملها هو النجاح في خلق عالم موازٍ لعالمنا، بحيث يستطيع الجمهور الاستمتاع بالفيلم، مؤكدة أنها «لا ترى صعوبة في الكوميديا لأنها ترى الأشياء دائماً بشكل كوميدي».


«هوس التنبؤات» يتصدر الاهتمام مع اقتراب العام الجديد

التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)
التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)
TT

«هوس التنبؤات» يتصدر الاهتمام مع اقتراب العام الجديد

التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)
التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)

مع اقتراب العام الجديد، يزداد «الهوس بالتنبؤات»، وتتصدر أخبار من يقدمونها مواقع التواصل الاجتماعي و«الترند»، على الرغم من تحذير مرصد الأزهر منها واعتبارها مخالفة للدين وغير عقلانية، وصدور قرار من الهيئة الوطنية للإعلام في مصر يمنع ظهور المنجمين والعرافين على القنوات الرسمية.

تصدر اسم ليلى عبد اللطيف، التي اعتادت في هذا الوقت من العام على المشاركة في برامج عدّة لتقديم تنبؤاتها للعام الجديد «الترند» على منصة « إكس» في مصر، الاثنين، مع انتشار مقاطع فيديو لها تتناول تنبؤاتها السابقة وإعلانها عن حلقة جديدة، وسط انتقادات من صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

سبق أن حذر مرصد الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية من البرامج التي تدعي التنبؤ بالمستقبل، مؤكداً في فتوى نشرها على «فيسبوك» أن »ادِّعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل من خلال ظواهر أفكار وممارسات تخالف صحيح الدين والعلم، وتُضلل العقل، وامتهانها جريمة، ولا يليق إذا كان المُنجِّم يهدم القيم، ويرسخ التَّعلُّق بالخرافة، أن يُقدَّم للجمهور ويُسمَع قوله ويُحتفَى بتنبؤاته وخرافاته».

وأوضح أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر، الدكتور حسن القصبي، أن هذه التنبؤات حرام لأنها تدَّعي ما اختص الله به نفسه، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «دار الإفتاء والأزهر الشريف حرَّما هذه التنبؤات لأن من الثوابت أن علم الغيب استأثر الله به لنفسه، وهذا من رحمات الله بالبشر، فلو علموا الغيب ما عاشوا الواقع»؛ وأضاف أن هذا الأمر جاء صريحاً في قوله تعالى «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت». ووصف من ينجمون ويتنبأون بالمستقبل بأنهم «يأخذون بعقول الناس وعواطفهم فيما لا ينفعهم ولذلك هذا حرام كما أفتت دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف».

وأوضح الخبير في الإعلام الرقمي و«السوشيال ميديا»، محمد فتحي، أن هوس التنبؤات السنوي «يرجع لمزيج من العوامل النفسية والاجتماعية، مدفوعاً بالرغبة البشرية في اليقين والسيطرة على المجهول». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «مع نهاية العام يزداد القلق بشأن المستقبل، وتوفر التوقعات الفلكية إشباعاً نفسياً ووهماً بمعرفة ما هو قادم».

وتُظهر الإحصائيات العالمية انتشاراً واسعاً لهذا الاعتقاد، حيث يشير استطلاع لمركز بيو للأبحاث إلى أن 30 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة يستشيرون الأبراج أو قارئي الطالع سنوياً، في حين أظهرت دراسة عربية أن نحو 64.6 في المائة يتابعون معلومات التنجيم وتنبؤاته.

ويرجع فتحي تعزيز هذا الانتشار إلى «التضخيم الإعلامي والرقمي من خلال المتابعات التلفزيونية والصحفية ومنصات «السوشيال ميديا»، ما يحوِّل التنبؤات إلى موضة موسمية تحقق أرباحاً من المشاهدات والإعلانات أو المنتجات والسلوكيات التي تتحول إلى عملية شراء.


«ما وراء اللوحة» لراوية زنتوت... حكايات ملونة بطبقات التجارب

الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)
الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)
TT

«ما وراء اللوحة» لراوية زنتوت... حكايات ملونة بطبقات التجارب

الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)
الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)

تبعث أعمال الفنانة التشكيلية راوية غندور زنتوت شعوراً بالسكينة والهدوء. تتحول اللوحة إلى تجربة مريحة لمشاهدها من الضغوطات اليومية، وتأخذه في رحلة خيالية، حيث يمتد خياله في فضاء حر وزاهر، مع جرعات من الأمل التي يتركز الضوء فيها على محورها الأساسي.

في معرضها «ما وراء اللوحة» في مبنى بارك بالاس، تجمع زنتوت نحو 27 لوحة من أعمالها الأخيرة. وقد أنجزتها بين بيروت ومكان إقامتها في الجبل، مستندة على الطاقة الإيجابية لتعكس إحساساً بالفرح والراحة، مبلسمة الجراح والندوب.

تسكن لوحات زنتوت قصص من الحياة، مشبعة بتجارب متراكمة، وقد عبّرت عنها بعدد من طبقات الألوان الأكريليكية، المشرقة أحياناً والقاتمة أحياناً أخرى. ومن خلالها حاكت حوارات صامتة مع زائر المعرض، فبنت جسر تواصلٍ متين وغير منظور في الوقت نفسه، وحوّلته إلى مسار طويل يقود المشاهد نحو الرجاء.

وتحت عناوين مختلفة، ارتكزت أعمالها غالباً على عناصر الطبيعة، لتوضح وجهة نظرها تجاه حياة تتقلب أيامها بين الحلاوة والمرارة. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في لوحات مثل «دائرة الحياة»، و«همسات فجر ذهبي»، وكذلك في أعمال أخرى تحمل عناوين «مشهد مزهر»، و«أفق ذهبي».

تستلهم زنتوت من ألوان طبيعة لبنان موضوعات لوحاتها (راوية زنتوت)

توضح راوية غندور زنتوت، التي اشتهرت باقتباسها من بيروت ومناطق لبنان موضوعات لأعمالها، لـ«الشرق الأوسط» عن معرضها الحالي: «هذه المرة تحتل الطاقة الإيجابية الحيز الأكبر من رسوماتي». وأضافت: «كل لون فيها استخرجته من قصة حياة ومن رموز الطبيعة. فكما قلب الإنسان الأحمر، تناولت الأحلام الزرقاء. وبين الأصفر والأخضر والذهبي، حِكتُ الشمس والفجر والغروب والبحر وغيرها من عناصر الطبيعة».

تقول زنتوت: «أنا عاشقة لبلدي، ولأشجاره وسمائه، وطبيعته هي ملهمتي الأولى، لا سيما أنها تحتوي على مجموعة ألوان لا نهاية لها. وأعدّ نفسي من الفنانين الذين يحبون التعامل مع الألوان واستخدامها كلغة تعبيرية عندما تنتهي الكلمات. أستمد من خلال الألوان إيقاع يومياتي وحياتي ككلّ، وفي عملي (ما وراء اللوحة) رغبت في نقل مشاعري هذه إلى الآخرين».

تتأكد من أفكار زنتوت وأنت تتجول في المعرض، حيث تجد مجموعة من لوحات متراصة تحكي قصصها بالبرتقالي والبنفسجي والأحمر والأزرق والترابي.

وفي أخرى تمزج بريشتها المبدعة بين مجموعة ألوان متناسقة. فتبرز من خلالها انسيابية في تفكيرها وفي طريقة تعاملها مع الأمور. وتعلّق: «الألوان تستحضر شخصية اللوحة وتقودنا إلى أعماقها الدفينة. لم أشأ أن تكون لوحاتي مجرَّد أشكال جميلة وجذّابة. بل حاولت أن تتضمن النحت والمشاعر والأحاسيس والتجارب القابعة وراء اللوحة».

«دوائر الحياة» حكايات وتجارب متراكمة في معرض «ما وراء اللوحة» (راوية زنتوت)

وتشير زنتوت إلى أنها غالباً ما تواكب في أعمالها الأحداث العالمية اليومية، فتتضمن الحروب والمعارك وعوامل الطقس والمناخ، مستخدمة هذه الصور للتعبير عن آرائها ومشاعرها. وتوضح: «في بعض اللوحات اعتمدت الحركة النافرة لتعكس اضطرابات داخلية تسكننا، فتنبثق ألوان ورسوم تمنح شعوراً بالراحة. أما في لوحات أخرى، يطالعك الهدوء بشكل واضح، فيبعث الأمل والحب والرومانسية».

تتمسك زنتوت دائماً بالأمل بوصفه مخرجاً لأي موقف أو حالة حرجة، وتفسّر هذا التأرجح بين الحاضر والغد المجهول من خلال حوارات ملونة بالطموح، مطبقة بذلك القول المأثور: «ما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل».

وتشرح زنتوت في حديثها: «هذا الأمل أستحضره دائماً في أعمالي من خلال الضياء، فيلاحظ ناظر اللوحة، مهما بلغت قتامة ألوانها، أن هناك بقعة نور تحيط بها».

تكمل جولتك في المعرض لتستوقفك طبقات من مادة الأكريليك ذات أبعاد ثلاثية، تمثل نبض حياة عصرية وذاكرة بصرية مشبعة بالوجدانيات والحس الصادق.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنه نوع من الحوار بين جميع هذه الحالات، فتكون اللوحات بمثابة مرآة للخبرات والتجارب. وعندما ينظر إليها المشاهد، يُجبر على الغوص في أعماقها بعيداً عن السطحية، ليكتشف ما تختزنه كل طبقة من ذكريات وتجارب».