«سيب نفسك»... دراما غنائية مُبهجة تدعو للتفاؤل

لوحات غنائية راقصة تهزم الأفكار الانهزامية والهواجس السوداوية

بوستر المسرحية
بوستر المسرحية
TT

«سيب نفسك»... دراما غنائية مُبهجة تدعو للتفاؤل

بوستر المسرحية
بوستر المسرحية

دعوة للتفاؤل والبهجة تقدمها مسرحية «سيب نفسك» التي تُعرض على مسرح «السلام» في القاهرة ضمن فعاليات «المهرجان القومي للمسرح المصري»، الذي يستمر حتى 14 أغسطس (آب) الحالي. ويشير صُناع العمل إلى أن «هشاشتنا وضعفنا هو ما يجب أن نشير إليه بأصابع الاتهام قبل أن نعلق فشلنا على الواقع». المسرحية مأخوذة من نص للكاتب الإسباني «مارك إيجيا»، قام بمعالجته وإخراجه جمال ياقوت.

ولا يقدم العمل رؤية عن ضعف الإنسان في بعض المواقف بشكل مباشر، وإنما بشكل ضمني. وتقوم الحبكة على واقعة بسيطة ومشوقة في آن واحد، حيث تفاجأ عاملة نظافة أثناء ورديتها الليلية في العمل بأحدهم وقد قرر الانتحار بإلقاء نفسه من فوق سطوح إحدى العمارات التي تتولى تنظيفها. لا تحاول السيدة البسيطة أن تثني الرجل عن فعلته، وإنما فقط ترجوه أن يؤجل الأمر قليلاً حتى ينتهي موعد عملها، لأنه لو انتحر الآن فسوف تضطر إلى النزول إلى الشارع وتنظيف المكان من أشلائه، وبالتالي ستتأخر على موعدها مع أحد باعة الملابس النسائية الذي يحتفظ لها بقطعة مميزة بسعر خاص، وحذّرها من أنها لو تأخرت فسيبيع هذه القطعة المميزة.

تجسيد لشخصية عاملة نظافة (الشرق الأوسط)

تتقمص العاملة روح «شهرزاد» وتبدأ في سرد كثير من الحكايات الإنسانية المؤثرة التي واجهتها في الحياة على مسمع الرجل الغامض الذي لا يظهر بشكل صريح للجمهور. من أبرز تلك الحكايات مصرع حبيبها ليلة زفافهما، ورفض أبيها استكمال تعليمها. ورغم الطابع المأساوي لهذه الوقائع، فإنها تسردها ببساطة وبحسّ فكاهي بعد أن تجاوزتها، وقررت أن ترفع شعار «سيب نفسك» أي دع ذاتك تجرب وتحلم وتغامر، وتعلم أن تقف ثانية مهما أجبرتك الحياة على السقوط، فلا معنى للعيش إذا ظللت مقيداً بسلاسل غير مرئية إلى الماضي وأوهامه وفرصه الضائعة.

وهنا يبدو التناقض صارخاً بين سيدة بسيطة عانت الأمرين، لكنها لم تستسلم وقررت أن تثقف نفسها وتتسلح بالمعرفة والأمل والقراءة، وبين رجل أعمال قرر إنهاء حياته مع أول مشكلة صادفته بعدما فشلت تجارته وأصبح على وشك الإفلاس.

يبدأ العرض بشكل غير تقليدي من خلال أغنية تؤديها الفنانة فاطمة محمد علي، التي تجسد شخصية عاملة النظافة، بين الجمهور قبل الصعود إلى خشبة المسرح. وتشكل الأغاني الحية الملونة بالبهجة والمُحرضة على الأمل والتفاؤل سمة أساسية في العمل. أشعار العمل كانت لمحمد مخيمر ومتولي عبد اللطيف. وتنوعت الألحان التي وضعها حاتم عزت ما بين الطابع الشرقي ونظيره الغربي، فضلاً عن الاستعراضات الراقصة التي صممها مناضل عنتر، لنكون في النهاية بإزاء لوحات غنائية راقصة صنعت حالة من الانتعاش القادر على هزيمة الأفكار الانهزامية والهواجس السوداوية.

لحظات من الشجن والدموع

وينتمي العرض إلى ما يسمى «مسرح المونودراما» ويقصد به وجود ممثل واحد فقط على خشبة المسرح يجسد بالحوار قصة العمل وتصاعده الدرامي. ويطلق الإنجليز على هذا النوع من الفن «one man show» أو «عرض الممثل الواحد»، بينما يسميه الألمان «solo play». أما كلمة «مونو» فهي ذات أصل يوناني وتعني «واحداً». ويرتبط فن المونودراما بفن آخر هو «المونولوج» وهو المناجاة أو حوار الشخص مع ذاته، على عكس «الديالوج» الذي يشير إلى حوار بين شخصيتين.

فاطمة محمد علي تتألق في المونودراما

وبحسب نُقاد، تتطلب عروض «المونودراما» ممثلاً متمكناً يستطيع القبض على الشخصية، والاستحواذ التام على انتباه الجمهور، فضلاً عن إجادته الغناء والاستعراض والرقص وغيرها من الفنون الأدائية التي ربما يتطلبها العمل، وهو ما ينطبق على فاطمة محمد علي، التي قدمت الشخصية بصدق وبساطة، جعلت الجمهور يتفاعل معها بشكل لافت.

العرائس بديل عن الممثلين

قالت فاطمة محمد علي إنها «شعرت بتحدٍ كبير في أن تظل لأكثر من ساعة وربع الساعة تمثل وترقص وتغني بمفردها أمام الجمهور، لكن جمال الفكرة وإنسانية الرؤية جعلاها سعيدة بهذا العمل الصعب»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يُميز العرض عن نظيره من العروض التي تنتمي إلى (المونودراما) هو وجود 5 أغنيات حية، فضلاً عن العرائس التي تمثل أداة فنية مهمة في حكايات البطلة». وأوضحت: «أحب أن أنظر إلى نفسي كشخصية قريبة جداً من الناس وأشبههم، حيث يرون أنفسهم من خلالي دون مسافة تفصلنا، وهذا ما وجدته في هذا العمل الذي أقبلت عليه بحماس».

وتابعت: «بكيت تأثراً من ردود فعل الجمهور، خاصة الشباب، فأحدهم أكد لي أنه كان على وشك إنهاء حياته وتراجع بسبب المسرحية، وآخر كان أسير اليأس، ومنحه العمل طاقة أمل».


مقالات ذات صلة

«غلاء البيض» يؤرق أسراً مصرية مجدداً

شمال افريقيا وزارة الزراعة المصرية تطلق منافذ متحركة لبيع بيض المائدة بأسعار مخفضة (وزارة الزراعة المصرية)

«غلاء البيض» يؤرق أسراً مصرية مجدداً

أرّق «غلاء البيض» أسراً مصرية مجدداً، وسط «اتهامات للتجار برفع الأسعار»، وتحركات حكومية بالتدخل لحل الأزمة.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من انتظام العملية التعليمية في المدارس المصرية (وزارة التعليم المصرية)

«التقييم الأسبوعي للطلاب»... هل يحدّ من الغياب بالمدارس المصرية؟

تأكيدات من وزارة التربية والتعليم المصرية بـ«استمرار تطبيق نظام التقييم والواجبات الأسبوعية» على الطلاب في المدارس.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا وزير الطيران المدني المصري سامح الحفني خلال لقاء عضو مجلس الوزراء السعودي عصام بن سعد بن سعيد (مجلس الوزراء المصري)

السعودية ومصر تعززان التعاون في مجال الطيران المدني

رحّب وزير الطيران المدني المصري بوزير الدولة السعودي والوفد المرافق له، وأشاد بقوة وعمق العلاقات الثنائية الممتدة بين مصر والمملكة العربية السعودية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقر وزارة الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة (الخارجية المصرية)

القاهرة تتابع ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك

تتابع وزارة الخارجية والهجرة المصرية ملابسات حادث إطلاق النار على مصريين في المكسيك.

أحمد عدلي (القاهرة )
شمال افريقيا الرئيس عبد الفتاح السيسي يكرّم خريجي الكليات العسكرية (الرئاسة المصرية)

تفاعل مصري مع عرض طلاب الكليات العسكرية خلال ذكرى «حرب أكتوبر»

شهد الحفل العسكري عروضاً أبهرت متفاعلين بمنصات التواصل، ومنها «ظهور مجموعة من طائرات الهليكوبتر طراز (الجازيل) تحمل علم مصر».

محمد الريس (القاهرة)

لُجين نعمة تلتقط الأمل المولود من رحم الخراب

على باب الله (الشرق الأوسط)
على باب الله (الشرق الأوسط)
TT

لُجين نعمة تلتقط الأمل المولود من رحم الخراب

على باب الله (الشرق الأوسط)
على باب الله (الشرق الأوسط)

«طريق العودة من المنفى أمل يولَد من رحم الخراب»، هو معرض مؤثر تستضيفه العاصمة الفرنسية باريس، يكشف العلاقة بين الحرب والوطن، من خلال أعمال مصوِّرة شابة هي لجين نعمة.

مسيحية تحتفل بعيد الشعانين (الشرق الأوسط)

تستخدم الفنانة كاميرتها وسيلة للتعبير، وتشارك تجربتها الشخصية في الصّمود، وحياتها المكتظة بالأحداث، والتنقل بين مُدن وطنها العراق والمنفى. تفتح الصور المعروضة نافذة على الدّمار الذي خلّفته الحرب، حيث تلتقط المنازل المدمَّرة، والذكريات المهجورة، والأطفال الذين يسيرون بين الأنقاض. تجسّد كلّ صورة من صورها تجربتها الحياتية، وتعكس التحديات التي واجهتها هي وكثيراً من العراقيين الذين اضطروا لسلوك دروب الهجرات.

هنا كان بيت (الشرق الأوسط)

تُركّز لجين نعمة على مواضيع التهجير، والفقدان، والمرونة، مسلّطة الضوء على قصص حياة مضطربة، لكنها قاومت ولم تُدمّر. ويُكرِّم هذا المعرض كل من اضطر للفرار من وطنه، ويُشيد بمن بقي متمسكاً بجذوره رغم الصّعاب.

حذاء بقي من لحظة هروب (الشرق الأوسط)

لا يكتفي «طريق العودة من المنفى» بتوثيق الماضي، بل ينفذ إلى قوة الروح البشرية في مواجهة المِحن. وبالنسبة للزوار من الفرنسيين والعرب، يشكل هذا المعرض دعوة لفهم المعاناة التي جرى تحملها، وأيضاً القدرة المدهشة على إعادة بناء الحياة وإعطائها معنى جديداً، حتى في أصعب الظروف.

وُلدت لجين نعمة في البصرة عام 1994، وترعرعت في بيئة هادئة بعيدة عن الاضطرابات السياسية التي عصفت ببلدها. بدأت تُدرك وحشية الحرب مع الغزو الأميركي للعراق.

أرض الخيرات (الشرق الأوسط)

وفي عام 2005، بعد الاختطاف المأساوي لوالدها، لجأت عائلتها إلى مدينة قرقوش في ضواحي الموصل. لكن في عام 2014، ومع تهديد تنظيم «داعش»، أُجبرت العائلة على الفرار، هذه المرة، إلى لبنان، ومن ثَمّ إلى فرنسا حيث حصلت العائلة على اللجوء. وخلال هذه الفترة من المنفى، أصبح التصوير الفوتوغرافي وسيلة المرأة الشابة للبقاء والتعبير، مما ساعدها على اجتياز المحن والتواصل مع ماضيها.