في ذكرى الغزو العراقي... فيلم سعودي يوثّق ما بقي في الذاكرة

المخرج عبد المحسن المطيري لـ«الشرق الأوسط»: هو إعادة ترميم لما علق في طفولة ذاك الجيل

يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت
يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت
TT

في ذكرى الغزو العراقي... فيلم سعودي يوثّق ما بقي في الذاكرة

يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت
يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت

في صباح الثاني من أغسطس (آب) من عام 1990، وقبل أن تكتمل إشراقة شمس ذاك اليوم الصيفي بدولة الكويت، اندلعت شرارة الغزو العراقي الذي ظل محفوراً في ذاكرة من عاصروه. وبعد غد (الثلاثاء)، تمر الذكرى الـ33 على ذاك الخميس الأسود، ليعود فتح ملفه وإرهاصاته الباقية إلى اليوم؛ إذ شكّل منعطفاً لا يمكن تجاوزه في تاريخ المنطقة ومعطياتها السياسية والثقافية والاجتماعية وكذلك الفنية.

وعلى الرّغم من أن صغار السن من مواليد عقد الثمانينات من القرن الماضي، لم يدركوا تداعيات ما حدث، فإنه ظل باقياً في ذاكرتهم، وهو ما دفع المخرج السعودي عبد المحسن المطيري لإخراج ما في جعبة ذاك الجيل عبر فيلمه الوثائقي «في ذاكرة الشمال»، الذي يُعرض للجمهور على منصة «شاهد» التابعة لقنوات «MBC»، تزامناً مع هذه الذكرى العصية على النسيان.

يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت

ترميم الذاكرة

يتحدث المطيري لـ«الشرق الأوسط» واصفاً هذا المشروع بأنه «إعادة ترميم لذاكرة الطفولة»، مبيناً أن أغلب من كانوا خلف الكاميرا أو أمامها أثناء تصوير الفيلم، بدأت ذاكرتهم بالتشكّل تزامناً مع الحدث، مما كرس نمطاً ما، وهوية خاصة لأبناء جيل كامل، ويردف: «صحيح أنهم كانوا حينها أطفالًا، إلا أنهم سمعوا معظم الروايات من رؤية الكبار آنذاك، واستوعبوها بطريقة خاصة».

ومن ناحية أخرى، يرى المطيري في أحداث حرب الخليج الفرصة للغوص في فترة زمنية كثيفة حسّياً وتاريخياً؛ إذ إن ما جاء بعدها يختلف تماماً عمّا قبلها، ويشير إلى العديد من المستجدات التي تجعل الغزو العراقي فرصة لتوثيق المتغيرات المجتمعية اللاحقة، مثل انتشار الأطباق الفضائية على أسطح المنازل ونحو ذلك.

«حتى اليوم لم نُعطِ عقدي الثمانينات والتسعينات حقهما في الأعمال الفنية والأدبية، فمن المهم أن نُعيد إحياء ذاكرة التفاصيل الجميلة التي كانت في تلك الحقبة، وهو أمر يشغلني منذ زمن طويل، بالإضافة إلى واقعة حرب الخليج نفسها»

المخرج السعودي عبد المحسن المطيري

الثمانينات والتسعينات

ويزيد: «أسهمت الحرب في جعل المجتمع الخليجي أكثر ترابطاً مما سبق، نتيجة توزع أفراد المجتمع الكويتي في العديد من الدول الخليجية، علاوة على أن تلك الأحداث مرتبطة بذكريات تعني لي كثيراً». بسؤال المطيري عن ضرورة السرد القصصي لهذه الأحداث المفصلية عبر صناعة الأفلام، يشير إلى اهتمام السينما الأميركية الكبير بفترتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأيضاً بالمتغيرات المجتمعية آنذاك، على الرغم من كونها تُعد فترة بعيدة زمنياً.

 

ويردف: «حتى اليوم لم نُعطِ عقدي الثمانينات والتسعينات حقهما في الأعمال الفنية والأدبية، فمن المهم أن نُعيد إحياء ذاكرة التفاصيل الجميلة التي كانت في تلك الحقبة، وهو أمر يشغلني منذ زمن طويل، بالإضافة إلى واقعة حرب الخليج نفسها»، عادّاً أن فيلمه يُسهم في خلق إعادة للتصوّر بشكل أو بآخر.

 

 

رواة الفيلم

يجمع الفيلم الكثير من الرواة والشهود الذين تناولوا ذكرياتهم إبان الغزو العراقي للكويت، وكثيرون منهم يفيدون بأنّ أعمارهم كانت تتراوح حينها ما بين 8 إلى 11 عاماً، بما يشكل حالة فريدة عن الأفلام الوثائقية التي تناولت هذه الحادثة التاريخية وسبقت العمل، وهنا يقول المطيري: «ميزة كل مُتحدث في الفيلم أنه يذكّرنا نحن البقية بأمور ربما غابت عنا».

المخرج عبد المحسن المطيري

ويشير المطيري إلى إحدى المتحدثات التي ذكرت كيف كانت أختها تضع الشريط اللاصق على النوافذ للتحرّز من تسرّب الغاز الكيماوي، ويُفصح آخر عن كونه وضع أغنامه في الخارج ليطمئن إلى أن الغاز لم يصل إلى المكان، وهناك من يسترجع ذكرى السواد المصاحب للمطر في ذاك الحين، ويتابع: «كلها تفاصيل موجودة في الذاكرة، لكنها لم تُحيَ بعد، وميزة هذا الفيلم أنه ساهم في إعادة ترميم جماعي للذاكرة المجتمعية؛ لأن الأطفال الذين كانوا في الفيلم يعادلهم مئات الآلاف الآخرين في دول الخليج ككل، وليس السعودية فقط».

 

والمطيري الذي يشير إلى أن فيلمه يمثل أغلب من عاصر حرب الخليج أو سمع عنها، أكد أنّه حاول تنويع وجهات النظر لرؤية شريط الذكريات من جوانب عدّة، بمن فيهم أولئك الذين وُلدوا بعد حرب الخليج ولم يعاصروا أحداثها، مبيناً أن الفيلم الذي تقارب مدته 43 دقيقة يؤكد أهمية الدور السعودي في إنهاء الحرب ويعرض فيديوهات خاصة ونادرة.

جوائز الفيلم

نال «من ذاكرة الشمال» جائزة «مهرجان أفلام السعودية» بصفته أفضل فيلم وثائقي، وجائزة أفضل فيلم وثائقي غير أوروبي في «مهرجان الفيلم الأوروبي المستقل» في باريس، مع جائزة تنويه لمهرجان لندن السينمائي الشهري، كذلك عُرض الفيلم في عدد من المهرجانات الإقليمية الأخرى مثل «مهرجان البحرين الدولي»، و«مهرجان القاهرة للأفلام القصيرة»، كما عُرض على هامش «مهرجان البحر الأحمر» ضمن فعالية سينما سعودية جديدة، وعُرض الفيلم في دور السينما الكويتية في عرض خاص في شهر أغسطس من العام الماضي، في ذكرى الغزو العراقي، ويتكرر العرض العام الحالي تزامناً مع ذكرى الغزو، لكن عبر منصة «شاهد».

مشهد من فيلم «من ذاكرة الشمال»

سيرة

جدير بالذكر أن عبد المحسن المطيري هو مخرج وكاتب ومنتج سينمائي، بدأ عشق السينما في مرحلة التسعينات التي سادت أشرطة الفيديو وقتها المحلات، وتعرّف على السينما أكثر من خلال موقع «سينماك»، الذي جمعه مع عاشقي السينما من العالم العربي بشكل عام والسعودية بشكل خاص، ومن ثمّ بدأ في عام 2004 مرحلة الكتابة النقدية السينمائية في الصحف السعودية، وفي عام 2008 أخرج أول أفلامه بعنوان «لا شيء»، وأسس بعدها مجموعة «تلاشي» مع عدد آخر من صناع الأفلام في السعودية، وساهمت المجموعة في صناعة عدد من الأفلام المحلية المتنوعة، وواصل المطيري إخراج الأفلام القصيرة والوثائقية، حتى الفترة من عام 2012 إلى عام 2017، وهي مرحلة دراسته للبكالوريوس في الولايات المتحدة، وتخرج وعاد إلى البلاد وأخرج فيلماً بعنوان «زوجة الورد»، وفي عام 2022 أخرج فيلمه الوثائقي «من ذاكرة الشمال» بعد عمل قارب سنتين.


مقالات ذات صلة

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

العالم العربي وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

تأكيدات مصرية خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الخليج في أكبر عملية سحب للجنسية في يوم... اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية قررت اليوم سحب وفقد الجنسية الكويتية من 1535 حالة تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء (كونا)

رقم قياسي جديد... سحب الجنسية الكويتية من 1535 حالة

قررت اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، اليوم، سحب وفقد الجنسية من 1535 حالة، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الاقتصاد الأمير سلمان بن حمد مع أطقم الصقور السعودية المشاركة (الموقع الرسمي للمعرض)

ارتفاع نسبة المشاركة بأكثر من 30 % في معرض البحرين الدولي للطيران

افتتح ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد، معرض البحرين الدولي للطيران 2024 بقاعدة الصخير الجوية، وسط حضور إقليمي ودولي واسع لشركات الطيران، وصناع القرار.

عبد الهادي حبتور (المنامة)
الاقتصاد مستثمر ينظر إلى شاشة تعرض معلومات الأسهم في سوق أبوظبي للأوراق المالية (رويترز)

الأخضر يسيطر على الأسواق الخليجية بعد فوز ترمب 

أغلقت معظم أسواق الأسهم الخليجية تعاملاتها على ارتفاع في جلسة الأربعاء، وذلك بعد فوز الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية رسمياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مستثمران يتحدثان أمام شاشة تعرض معلومات الأسهم في السوق السعودية (رويترز)

افتتاحات خضراء للأسواق الخليجية بعد فوز ترمب

ارتفعت أسواق الأسهم الخليجية في بداية جلسة تداولات الأربعاء، بعد إعلان المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب فوزه على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.