في ذكرى الغزو العراقي... فيلم سعودي يوثّق ما بقي في الذاكرة

المخرج عبد المحسن المطيري لـ«الشرق الأوسط»: هو إعادة ترميم لما علق في طفولة ذاك الجيل

يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت
يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت
TT

في ذكرى الغزو العراقي... فيلم سعودي يوثّق ما بقي في الذاكرة

يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت
يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت

في صباح الثاني من أغسطس (آب) من عام 1990، وقبل أن تكتمل إشراقة شمس ذاك اليوم الصيفي بدولة الكويت، اندلعت شرارة الغزو العراقي الذي ظل محفوراً في ذاكرة من عاصروه. وبعد غد (الثلاثاء)، تمر الذكرى الـ33 على ذاك الخميس الأسود، ليعود فتح ملفه وإرهاصاته الباقية إلى اليوم؛ إذ شكّل منعطفاً لا يمكن تجاوزه في تاريخ المنطقة ومعطياتها السياسية والثقافية والاجتماعية وكذلك الفنية.

وعلى الرّغم من أن صغار السن من مواليد عقد الثمانينات من القرن الماضي، لم يدركوا تداعيات ما حدث، فإنه ظل باقياً في ذاكرتهم، وهو ما دفع المخرج السعودي عبد المحسن المطيري لإخراج ما في جعبة ذاك الجيل عبر فيلمه الوثائقي «في ذاكرة الشمال»، الذي يُعرض للجمهور على منصة «شاهد» التابعة لقنوات «MBC»، تزامناً مع هذه الذكرى العصية على النسيان.

يُعرض الفيلم لأول مرة عبر المنصات الإلكترونية بالتزامن مع الذكرى الـ33 لغزو الكويت

ترميم الذاكرة

يتحدث المطيري لـ«الشرق الأوسط» واصفاً هذا المشروع بأنه «إعادة ترميم لذاكرة الطفولة»، مبيناً أن أغلب من كانوا خلف الكاميرا أو أمامها أثناء تصوير الفيلم، بدأت ذاكرتهم بالتشكّل تزامناً مع الحدث، مما كرس نمطاً ما، وهوية خاصة لأبناء جيل كامل، ويردف: «صحيح أنهم كانوا حينها أطفالًا، إلا أنهم سمعوا معظم الروايات من رؤية الكبار آنذاك، واستوعبوها بطريقة خاصة».

ومن ناحية أخرى، يرى المطيري في أحداث حرب الخليج الفرصة للغوص في فترة زمنية كثيفة حسّياً وتاريخياً؛ إذ إن ما جاء بعدها يختلف تماماً عمّا قبلها، ويشير إلى العديد من المستجدات التي تجعل الغزو العراقي فرصة لتوثيق المتغيرات المجتمعية اللاحقة، مثل انتشار الأطباق الفضائية على أسطح المنازل ونحو ذلك.

«حتى اليوم لم نُعطِ عقدي الثمانينات والتسعينات حقهما في الأعمال الفنية والأدبية، فمن المهم أن نُعيد إحياء ذاكرة التفاصيل الجميلة التي كانت في تلك الحقبة، وهو أمر يشغلني منذ زمن طويل، بالإضافة إلى واقعة حرب الخليج نفسها»

المخرج السعودي عبد المحسن المطيري

الثمانينات والتسعينات

ويزيد: «أسهمت الحرب في جعل المجتمع الخليجي أكثر ترابطاً مما سبق، نتيجة توزع أفراد المجتمع الكويتي في العديد من الدول الخليجية، علاوة على أن تلك الأحداث مرتبطة بذكريات تعني لي كثيراً». بسؤال المطيري عن ضرورة السرد القصصي لهذه الأحداث المفصلية عبر صناعة الأفلام، يشير إلى اهتمام السينما الأميركية الكبير بفترتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وأيضاً بالمتغيرات المجتمعية آنذاك، على الرغم من كونها تُعد فترة بعيدة زمنياً.

 

ويردف: «حتى اليوم لم نُعطِ عقدي الثمانينات والتسعينات حقهما في الأعمال الفنية والأدبية، فمن المهم أن نُعيد إحياء ذاكرة التفاصيل الجميلة التي كانت في تلك الحقبة، وهو أمر يشغلني منذ زمن طويل، بالإضافة إلى واقعة حرب الخليج نفسها»، عادّاً أن فيلمه يُسهم في خلق إعادة للتصوّر بشكل أو بآخر.

 

 

رواة الفيلم

يجمع الفيلم الكثير من الرواة والشهود الذين تناولوا ذكرياتهم إبان الغزو العراقي للكويت، وكثيرون منهم يفيدون بأنّ أعمارهم كانت تتراوح حينها ما بين 8 إلى 11 عاماً، بما يشكل حالة فريدة عن الأفلام الوثائقية التي تناولت هذه الحادثة التاريخية وسبقت العمل، وهنا يقول المطيري: «ميزة كل مُتحدث في الفيلم أنه يذكّرنا نحن البقية بأمور ربما غابت عنا».

المخرج عبد المحسن المطيري

ويشير المطيري إلى إحدى المتحدثات التي ذكرت كيف كانت أختها تضع الشريط اللاصق على النوافذ للتحرّز من تسرّب الغاز الكيماوي، ويُفصح آخر عن كونه وضع أغنامه في الخارج ليطمئن إلى أن الغاز لم يصل إلى المكان، وهناك من يسترجع ذكرى السواد المصاحب للمطر في ذاك الحين، ويتابع: «كلها تفاصيل موجودة في الذاكرة، لكنها لم تُحيَ بعد، وميزة هذا الفيلم أنه ساهم في إعادة ترميم جماعي للذاكرة المجتمعية؛ لأن الأطفال الذين كانوا في الفيلم يعادلهم مئات الآلاف الآخرين في دول الخليج ككل، وليس السعودية فقط».

 

والمطيري الذي يشير إلى أن فيلمه يمثل أغلب من عاصر حرب الخليج أو سمع عنها، أكد أنّه حاول تنويع وجهات النظر لرؤية شريط الذكريات من جوانب عدّة، بمن فيهم أولئك الذين وُلدوا بعد حرب الخليج ولم يعاصروا أحداثها، مبيناً أن الفيلم الذي تقارب مدته 43 دقيقة يؤكد أهمية الدور السعودي في إنهاء الحرب ويعرض فيديوهات خاصة ونادرة.

جوائز الفيلم

نال «من ذاكرة الشمال» جائزة «مهرجان أفلام السعودية» بصفته أفضل فيلم وثائقي، وجائزة أفضل فيلم وثائقي غير أوروبي في «مهرجان الفيلم الأوروبي المستقل» في باريس، مع جائزة تنويه لمهرجان لندن السينمائي الشهري، كذلك عُرض الفيلم في عدد من المهرجانات الإقليمية الأخرى مثل «مهرجان البحرين الدولي»، و«مهرجان القاهرة للأفلام القصيرة»، كما عُرض على هامش «مهرجان البحر الأحمر» ضمن فعالية سينما سعودية جديدة، وعُرض الفيلم في دور السينما الكويتية في عرض خاص في شهر أغسطس من العام الماضي، في ذكرى الغزو العراقي، ويتكرر العرض العام الحالي تزامناً مع ذكرى الغزو، لكن عبر منصة «شاهد».

مشهد من فيلم «من ذاكرة الشمال»

سيرة

جدير بالذكر أن عبد المحسن المطيري هو مخرج وكاتب ومنتج سينمائي، بدأ عشق السينما في مرحلة التسعينات التي سادت أشرطة الفيديو وقتها المحلات، وتعرّف على السينما أكثر من خلال موقع «سينماك»، الذي جمعه مع عاشقي السينما من العالم العربي بشكل عام والسعودية بشكل خاص، ومن ثمّ بدأ في عام 2004 مرحلة الكتابة النقدية السينمائية في الصحف السعودية، وفي عام 2008 أخرج أول أفلامه بعنوان «لا شيء»، وأسس بعدها مجموعة «تلاشي» مع عدد آخر من صناع الأفلام في السعودية، وساهمت المجموعة في صناعة عدد من الأفلام المحلية المتنوعة، وواصل المطيري إخراج الأفلام القصيرة والوثائقية، حتى الفترة من عام 2012 إلى عام 2017، وهي مرحلة دراسته للبكالوريوس في الولايات المتحدة، وتخرج وعاد إلى البلاد وأخرج فيلماً بعنوان «زوجة الورد»، وفي عام 2022 أخرج فيلمه الوثائقي «من ذاكرة الشمال» بعد عمل قارب سنتين.


مقالات ذات صلة

رقم قياسي جديد... سحب الجنسية الكويتية من 1535 حالة

الخليج في أكبر عملية سحب للجنسية في يوم... اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية قررت اليوم سحب وفقد الجنسية الكويتية من 1535 حالة تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء (كونا)

رقم قياسي جديد... سحب الجنسية الكويتية من 1535 حالة

قررت اللجنة العليا لتحقيق الجنسية الكويتية، اليوم، سحب وفقد الجنسية من 1535 حالة، تمهيداً لعرضها على مجلس الوزراء.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
الاقتصاد الأمير سلمان بن حمد مع أطقم الصقور السعودية المشاركة (الموقع الرسمي للمعرض)

ارتفاع نسبة المشاركة بأكثر من 30 % في معرض البحرين الدولي للطيران

افتتح ولي العهد البحريني الأمير سلمان بن حمد، معرض البحرين الدولي للطيران 2024 بقاعدة الصخير الجوية، وسط حضور إقليمي ودولي واسع لشركات الطيران، وصناع القرار.

عبد الهادي حبتور (المنامة)
الاقتصاد مستثمر ينظر إلى شاشة تعرض معلومات الأسهم في سوق أبوظبي للأوراق المالية (رويترز)

الأخضر يسيطر على الأسواق الخليجية بعد فوز ترمب 

أغلقت معظم أسواق الأسهم الخليجية تعاملاتها على ارتفاع في جلسة الأربعاء، وذلك بعد فوز الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية رسمياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مستثمران يتحدثان أمام شاشة تعرض معلومات الأسهم في السوق السعودية (رويترز)

افتتاحات خضراء للأسواق الخليجية بعد فوز ترمب

ارتفعت أسواق الأسهم الخليجية في بداية جلسة تداولات الأربعاء، بعد إعلان المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترمب فوزه على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص شعار وكالة «ستاندرد آند بورز» (رويترز)

خاص كيف سينعكس الخفض المرتقب للفائدة الأميركية على اقتصادات الخليج؟

وسط تنامي الترجيحات بخفض «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي أسعار الفائدة مرة أخرى خلال اجتماعه يوم الخميس، تتجه الأنظار نحو تأثير هذا الإجراء الذي يلي الانتخابات

زينب علي (الرياض)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.