أثريون يطالبون بإزالة تمثال في معبد الأقصر وُصف بـ«المشوَّه»

«نُفّذ بطريقة القصّ واللصق حول رأس أصلي فقط»

واجهة معبد الأقصر قبل إضافة التماثيل (الشرق الأوسط)
واجهة معبد الأقصر قبل إضافة التماثيل (الشرق الأوسط)
TT

أثريون يطالبون بإزالة تمثال في معبد الأقصر وُصف بـ«المشوَّه»

واجهة معبد الأقصر قبل إضافة التماثيل (الشرق الأوسط)
واجهة معبد الأقصر قبل إضافة التماثيل (الشرق الأوسط)

جدّد أثريون مصريون مطالبهم بإزالة تمثال يعود إلى رمسيس الثاني، رُمِّم قبل عامين ووُضع أمام المقصورة الرئيسية في معبد الأقصر، متحدّثين عن «تشوهات صارخة».

ونشر أستاذ الآثار المصرية القديمة في جامعة القاهرة الدكتور أحمد عيسى، صورة لتمثال رمسيس الثاني المُرمَّم، على صفحته في «فيسبوك»، وتساءل: «متى يمكن أن يزاح هذا التمثال، ذو التاج المزدوج لملك (حي) حاكم، بوضع أوزيري لملك (ميت)، وبهيئة أوزيرية دون العباءة، وجسد مضموم كالمومياء؟»، واصفاً إياه بأنه «تمثال مسخ» لكبير الرعامسة الفرعون رمسيس الثاني، وموضحاً أنه «لا يصح وجوده أصلاً في مكان كهذا، كما أنه أحدب الظهر (الرأس مغروس في الكتفين من دون نسبة رقبة ملائمة)، ورفيع الذراعين والساعدين بما لا يتناسب وحجم أجزاء الجسد، مع بطن منتفخ نسبياً، وطوله أقصر مما اعتاد الفنانون المصريون القدماء تمثيله في تماثيلهم الواقفة (بالنسبة المعتادة حيث تكون الرأس 1/7 من طول الجسم)».

التمثال المثير للجدل (صفحة أحمد عيسى)

وقال عيسى إنه أُعفي من منصبه من عضوية اللجنة الدائمة للآثار المصرية، منذ 3 سنوات، لاتّهامه بأنه «صاحب الصوت المشاغب وغير المطيع في المجلس»، ولموقفه من هذا التمثال الذي «نُفّذ بطريقة القصّ واللصق حول رأس أصلي فقط»، وفق تعبيره.

وفي عام 2018، باشرت البعثة الأثرية المصرية الأميركية المشتركة أعمال ترميم التمثال الأخير للملك رمسيس الثاني، وتجميعه، هو الموجود أمام الصرح الأول في معبد الأقصر.

وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري، حينها، إنّ الأعمال تتم بالتعاون مع معهد «شيكاغو هاوس»، وتشمل تجميع التمثال وترميمه وإعادة تركيبه ورفعه وعرضه بمكانه الأصلي في الصرح الأول لمعبد الأقصر، ضمن 5 تماثيل للملك رمسيس الثاني، جمعتها وزارة الآثار خلال عامي 2016 و2017 ورمّمتها.

لكن عيسى يشدد على أن «وضعه أمام واجهة معبد الأقصر، يأتي مغايراً للمنطق والدليل الآثاري الصريح لصورة هذه الواجهة داخل هذا المعبد عينه».

وكُشف عن بقايا التمثال أثناء أعمال حفائر البعثة الأثرية المصرية برئاسة محمد عبد القادر داخل المعبد بين عامي 1958 - 1960، حيث وُجد وغيره من تماثيل مدمّرة، يُرجّح أنها دُمّرت نتيجة تعرّضها قديماً لزلزال في العصر الفرعوني، وكانت عبارة عن أجزاء مبعثرة.

ويرى الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الأسبق الدكتور محمد عبد المقصود، أنّ ملاحظات عيسى العلمية بشأن هذا التمثال جديرة ومهمّة، لأنه أحد أبرز علماء الحضارة المصرية القديمة.

يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «إلى انتقاد علماء مصريين لعملية ترميم هذا التمثال، انتقده خبراء أجانب كذلك؛ لأنه لا يجوز استكمال تمثال لا يوجد من جسمه الأثري سوى 20 في المائة فقط؛ أو بالأحرى سوى رأسه وقدميه، وبالتالي فإنّ هذا التمثال مخالف لكل قواعد الترميم العالمية»، لافتاً إلى أنّ «وضع هذا التمثال (المشوَّه) أمام معبد الأقصر المسجّل في قوائم (اليونسكو)، يسيء إلى الحضارة المصرية، ووظيفة الترميم هي حماية الآثار لا تصميمها كما حدث مع هذا التمثال».

وشُيّد معبد الأقصر لعبادة أمون رع، ويبدأ مدخله بالصرح الذي شيّده رمسيس الثاني، وفي داخله تمثالان ضخمان يمثلانه جالساً. وتتقدّم المعبد مسلتان؛ إحداهما لا تزال قائمة والأخرى موجودة في ميدان الكونكورد بباريس.

ويلي هذا الصرح فناء رمسيس الثاني المُحاط من ثلاثة جوانب بصفّين من الأعمدة على هيئة حزمة البردى المدعّم، وفي الجزء الشمالي الشرقي بُني مسجد أبو الحجاج حالياً.

وشيَّد باقي أجزاء المعبد أمنحتب الثالث، ويبدأ بقاعة الأعمدة الضخمة ذات الـ14 عموداً مقسّمة إلى صفّين، ثم الفناء الكبير المفتوح، ويحيط به من ثلاثة جوانب صفّان من الأعمدة.

وإذ يرى رئيس «الجمعية المصرية للتنمية السياحية والأثرية في الأقصر» أيمن أبو زيد، أنّ ترميم تماثيل واجهة الأقصر «جهد محمود»، يؤكد أنه «كان ينبغي توضيح إجراء عمليات الترميم لبعض تماثيل واجهة المعبد من خلال لافتة تشرح تاريخ التمثال المعاد ترميمه وتفاصيله، لئلا يظنّ السائح أنه تمثال أصلي بالكامل بسبب طريقة العرض الراهنة، ويُكوّن وجهة نظر غير صحيحة».

ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنه يوضح هذا الأمر للوفود السياحية التي يرافقها خلال جولات في المعبد، لافتاً إلى «تقبّلهم الأمر بعد معرفة الحقيقة».

ويشير أبو زيد إلى أنّ الصورة الراهنة للمعبد التي تضمّ 6 تماثيل في واجهة الأقصر، «أفضل من ذي قبل، لكن ينبغي الاستفادة من آراء جميع المتخصِّصين عند التصدّي لترميم تمثال مهمّ أو إنشاء أي تصميم أيقوني في ميدان ما».


مقالات ذات صلة

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

العالم العربي الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال كلمته (سبأ)

اليمن يسترد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية

في لحظة وصفت بـ«التاريخية»، أعلنت الحكومة اليمنية استرداد 14 قطعة أثرية ثمينة تعود للحقبة القتبانية، ووضعها بمتحف المتروبوليتان للفنون بمدينة نيويورك بشكل مؤقت…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
يوميات الشرق دهشة الذكاء الاصطناعي (رويترز)

الذكاء الاصطناعي «نجم» رسوم عمرها 2000 عام في بيرو

تُعدّ خطوط نازكا، التي تعود إلى 2000 عام مضت، رسوم لنباتات وحيوانات، يمكن رؤيتها فقط من السماء. وقد أُعلنت ضمن مواقع التراث العالمي لـ«يونيسكو» عام 1994.

«الشرق الأوسط» (بوينس آيرس)
يوميات الشرق إطلالة على مدينة طرابلس اللبنانية من أعلى قلعتها الأثرية (الشرق الأوسط)

«جارة القلعة» تروي حكاية طرابلس ذات الألقاب البرّاقة والواقع الباهت

لا يعرف معظم أهالي طرابلس أنها اختيرت عاصمة الثقافة العربية لهذا العام، لكنهم يحفظون عنها لقب «المدينة الأفقر على حوض المتوسط».

كريستين حبيب (طرابلس)
شمال افريقيا مبنى المتحف القومي السوداني في الخرطوم (متداول)

الحكومة السودانية تقود جهوداً لاستعادة آثارها المنهوبة

الحكومة السودانية عملت على اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتأمين 76 موقعاً وصرحاً أثرياً تاريخياً في ولايات نهر النيل والشمالية، وجزء من ولاية الخرطوم.

وجدان طلحة (بورتسودان)
يوميات الشرق من أعمال التنقيب في موقع زبالا التاريخي المهمّ على درب زبيدة (واس)

السعودية... آمالٌ تُفعّلها المساعي لالتحاق مواقع بقائمة التراث العالمي

العمل قائم على تسجيل مواقع جديدة في القائمة الدولية للتراث العالمي، من أهمها دروب الحج القديمة، لا سيما درب زبيدة، بالإضافة إلى ملفات أخرى تشمل الأنظمة المائية.

عمر البدوي (الرياض)

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
TT

سمير نخلة لـ«الشرق الأوسط»: ولادة الأغاني الوطنية صعبة

مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)
مع الفنان ناجي الأسطا (سمير نخلة)

يسجّل الشاعر سمير نخلة حالة خاصة بكلام الأغاني التي يكتبها. يتعرّف سامعها بسرعة على أنه هو موقّعها. تعاون مع أهم النجوم في لبنان والعالم العربي. حقق نجاحات متتالية مع فنانين مشهورين أمثال عاصي الحلاني، ونانسي عجرم، ووائل كفوري، ونجوى كرم، وراغب علامة وغيرهم.

كتب «بزعل منّك» لديانا حداد و«أنا هيفا» لهيفاء وهبي و«كلما غابت شمس» لملحم زين، فشكّلت مجموعة أغنيات من فئة العمر المديد. وفي «لون عيونك غرامي» لنانسي عجرم حقق نجاحاً هائلاً. فهو لا يزال يحصد صدى أعماله تلك حتى اليوم.

مع الفنان الراحل وديع الصافي (سمير نخلة)

وكما في الأغنية الرومانسية كذلك في الأعمال الوطنية استطاع سمير نخلة أن يحفر في ذاكرة اللبنانيين، ولعلّ أغنية جوزيف عطيّة «الحق ما بموت» من أشهر ما قدّمه في هذا الإطار.

فقلّة من الأغاني الوطنية التي تستطيع أن تحقق الانتشار الواسع على مدى سنوات طويلة. عمرها الذي ناهز الـ15 عاماً لم يقهره الزمن، وتُعدّ اليوم بمثابة نشيد وطني يتفاعل معه اللبنانيون في كلّ مرّة يستمعون إليها.

يقول الشاعر سمير نخلة في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن للأغنية الوطنية صفات خاصة كي تنجح. وإن كلاماً كثيراً اختصرته أغنيات وطنية لم تحقق هدفها.

ويتابع: «لا بدّ أن تنبع من الروح فلا تكون مجرّد صفّ كلام»، وهذا ما يفعله في كلمات أغنياته الوطنية وغيرها. وتابع: «لذا تصل إلى قلوب الناس بسرعة. فما ينبع من القلب لا يمكن أن يخطئ. كما أن التركيبة الثلاثية للأغنية من شاعر وملحن ومغنٍّ، تلعب دوراً مهماً».

يتشارك نخلة ملاحظات العمل مع الملحن والمغني، يقول: «أحياناً تُعدّل عبارة أو نوتة موسيقية أو أسلوب أداء. فالأمر يتطلّب اجتماع الركائز الثلاث على قاعدة الانسجام».

أغنية «الحق ما بموت» التي لحّنها هشام بولس وكتبها سمير نخلة وغناها جوزيف عطية نجحت في الامتحان. وهي اليوم تعدّ من ريبرتوار الأغاني الوطنية الأشهر في لبنان. ونسأل الشاعر نخلة عن سبب الوقت الطويل الذي يفصل بين أغنية وطنية ناجحة وأخرى مثلها، يوضح: «الأغنية الوطنية صعبة الولادة وعندما كتبت (الحق ما بموت) استلهمتها من حلم يراودني. كنت حينها أحلم بلبنان ينتفض من كبوته ويستعيد دوره الريادي في العالم العربي. كل هذا الحب والشغف تجاه وطني فرّغته في كلمات هذه الأغنية. وهذه الأحاسيس الدفينة والعميقة لا يمكن أن تحضر بسهولة».

الشاعر سمير نخلة يرى أن ولادة الأغنية الوطنية صعبة (سمير نخلة)

وإذا ما تصفّحنا مشهدية الأغنيات الوطنية في لبنان، لاحظنا أن الرحابنة كانوا الأشهر فيها. وقد استطاعوا أن يُنتجوا كثيراً منها بصوت فيروز. ويعلّق نخلة: «كانت مسرحيات الرحابنة لا تخلو من الأغاني الوطنية. ويعدّونها أساسية بحيث تؤلّف مساحة لا يستهان بها من باقي الأعمال الغنائية المغناة بصوت فيروز. وأنا شخصياً معجب بعدد كبير من تلك الأغنيات. ومن بينها (رُدّني إلى بلادي) و(بحبك يا لبنان) و(وطني) وغيرها».

ولكن، ما ينقص الساحة اليوم لتوليد أغنيات بهذا المستوى؟ يقول: «زمن اليوم تبدّل عن الماضي، وأصبح العمل الرديء يطغى. ولكن لا شيء يمكن أن يمحو الأصالة. وعلى هذا الأساس نلحظ موت تلك الأغنيات بسرعة. ولكن ولحسن الحظ لا يزال لبنان ولّاداً لشعراء أصحاب أقلام جيدة. فإضافة إلى مخضرمين مثلي تلوح على الساحة أسماء جيل شاب يمكن التّعويل على الكلام الذي يكتبونه».

حالياً يعيش لبنان حالة حرب قاسية، فهل ألهمته كتابة أغنية وطنية؟ يردّ في سياق حديثه: «ما نعيشه اليوم مليء بالمآسي. ولا أستطيع شخصياً أن أكتب في هذه الأجواء. أميل أكثر إلى كتابة الكلام المفعم بالأمل وقيامة لبنان».

عادة ما يحصد المغني شهرة أغنية معينة، ويغيّب - إلى حدّ ما - اسم كلّ من ملحنها وكاتبها. يعلّق الشاعر سمير نخلة: «الكلمة في الأغنية هي الأساس، وهناك ألحان جميلة لم تلفت النظر بسبب ضعف الكلمة المغناة. وبشكل عام الملحن والشاعر لا يُسلّط الضوء عليهما. بعض الأحيان، نلاحظ أن الملحن يحاول الترويج لعمله من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك بالكاد تبقى مكانته محفوظة في الأغنية».

يعتب نخلة على المطرب الذي لا يذكر اسم ملحن وشاعر أغنية يقدّمها، «لا أتوانى عن التدخل مباشرة إذا ما لاحظت هذا الأمر. أتصل بالمغني وأصارحه بأنه نسي ذكر اسمي شاعراً، فأنا متابع جيد لعملي. وأحياناً، عندما يُكتب اسم شاعر آخر بدل اسمي على قناة تلفزيونية ألفت نظرهم إلى ضرورة تصحيح الخطأ».

يعاني الشعراء في لبنان من عدم حصولهم على حقوق الملكية لمؤلفاتهم، «هل تعرفين أنه على المغني دفع نسبة 8 في المائة من أرباح حفلاته للملحّن والشاعر. وهذا بند مدرج ضمن نص حقوق الملكية الفكرية في لبنان، ولكنه لا يُطبّق. في الدول الأجنبية الأمر طبيعي. وأركان العمل الغنائي تصلهم حقوقهم بلا أي معاناة. ولكن مع الأسف حقوقنا في لبنان مهدورة ولا أحد يهتمّ بها».