أسرع عدّاءة لبنانية تُشارك «الشرق الأوسط» حكاية القوة الداخلية

عزيزة سبيتي تُلهم الانتصار على الخدوش

العدّاءة عزيزة سبيتي ترفع علم لبنان في المسابقات العالمية (حسابها في «فيسبوك»)
العدّاءة عزيزة سبيتي ترفع علم لبنان في المسابقات العالمية (حسابها في «فيسبوك»)
TT

أسرع عدّاءة لبنانية تُشارك «الشرق الأوسط» حكاية القوة الداخلية

العدّاءة عزيزة سبيتي ترفع علم لبنان في المسابقات العالمية (حسابها في «فيسبوك»)
العدّاءة عزيزة سبيتي ترفع علم لبنان في المسابقات العالمية (حسابها في «فيسبوك»)

قبل بلوغها الحادية والثلاثين، هذا العام، لم تذق أسرع عدّاءة في تاريخ لبنان عزيزة سبيتي حلاوة العمر. هذه سنة النضج المهني، منذ بداياتها في المنافسات الجدّية عام 2009. مؤخراً، حصدت ميدالية ذهبية في بطولة غرب آسيا وصُنِّفت بطلة عربية، وتأهلّت مرّتين إلى نهائي آسيا عن سباقَي الـ100 والـ200 متر. تقطُّع الاتصال لسوء واقع الخطوط في الكونغو، حيث تُشارك في افتتاح الألعاب الفرنكوفونية، يحاكي تقطُّعاً مشابهاً لاتصالات بيروت. مع ذلك، تروي لـ«الشرق الأوسط» حكاية الإلهام المذهل.

تُعلّمها التجارب استبعاد جَلْد النفس والقول، مثلاً، إنّ الأمور كان يمكن أن تحصل في السابق. إيمانها بالوقت المناسب يكثّف متعة حدوث الأشياء في موعدها. عزيزة سبيتي لبنانية لجهة الأب، وُلدت ونشأت في ليبيريا الأفريقية، أرض أمّها. لم تستجوب يوماً انتماءها أو تطرح أسئلة من نوع لِمَ أنا سمراء في بلد لم يتخطَّ بعض أبنائه التسرّع في إطلاق الأحكام. لم تأبه سوى لرفع علمه عالياً في المحافل، حيث الانتصارات الحقيقية.

عزيزة سبيتي تتطلّع إلى العالم متجاوزة ما يحدّ أحلامها (حسابها في «فيسبوك»)

تذكر إجازات العائلة الصيفية في لبنان، وأوقات اللهو حين كانت طفلة، فتُعرّف الانتماء: «إنه متعلق أيضاً بوَقْع الآباء على الأبناء. هويتي لبنانية، وإن تحلّيتُ ببشرة سمراء. لم تؤرقني أسئلة الهوية. منذ البداية، وهي واضحة. تتربّى الجاليات على حبّ الوطن، أضعاف ما يُحبّه شعبه. ليت اللبنانيين في الداخل يتفقون على التآخي، شأن لبنانيي المهجر. تمثيلي لبنان في مسابقات العالم أنبل ما أفعله».

تشعر باكتمال دائرة بدأت من نقطة مشاركتها عام 2009 بدورة الألعاب الفرنكوفونية (عُقدت في لبنان)، لتلتحم بنقطة مشاركتها حالياً بالمسابقة نفسها في دورتها بجمهورية الكونغو. حين ركضت عزيزة سبيتي للمرة الأولى، لم تعلم أنها بالركض ستجد ضالتها. في المدرسة شجَّع الأساتذة، وفي البيت دعم الأهل. وقبل اتّضاح المسار، استمالتها كرة السلة وحاولت احتواءها. تعود إلى الـ«Moment» الفاصلة بين المصائر؛ وإلى ذلك الإحساس العميق بإشارات القدر. شيء أشبه بومضة، يجعل المرء مدركاً الوُجهة: «إنه الركض. منذ 2009 وهو يشكّل وجودي. أشعر بتعلّق كبير حيال كل خطوة في اتجاه العالم. وأقدّر معنى أن يُحمَّل الرياضي مسؤولية تمثيل بلده أينما حلَّ».

في السباقات يوشك قلب عزيزة سبيتي على التوقّف (حسابها في «فيسبوك»)

منذ صغرها وهي تدوّن مذكراتها. تُقلّب الدفاتر، فتعثر على تساؤلات متعلّقة بجدوى الحياة. تقول: «كنتُ مراهِقة حين دهمتني أسئلة عن معنى وجودي. لِمَ أنا على هذه الأرض؟ بحثتُ كثيراً بين سطور أوراقي، إلى أن أتى الجواب مكتوباً بخط يدي وأنا في الخامسة عشرة: أنا هنا لأنّ الركض ناداني ولبّيتُ النداء. وجدتُني في الملاعب. أصبح لحياتي هدف جعلته يرتبط بالتصميم والإرادة. قاعدتي الأولى: التحرّر من القيود. لا حدود للأحلام».

ما المنافسة عند عزيزة سبيتي وعلى مَن تصوّبها؛ باتجاهها أم باتجاه الآخرين؟ تجيب: «أعشق المنافسة، وإن أُلحقت بقدر عالٍ من التوتر. في أحيان، أشعر أنّ قلبي على وشك التوقُّف. أقول: ماذا لو مُتّ ولم يعرف أحد السبب. لطالما اجتاحني هذا التوتر الرائع في الثواني الفاصلة بين مغادرة الكواليس إلى أرض السباق. المنافسات ترفعني إلى أعلى، بصرف النظر عن كسب الميداليات. كلما خضتها، وجدتُني أندفع باتجاه عبور الحدود. المنافسة تُشعل دواخلنا وتجعل أجمل ما فينا يطفو».

تتطلّع إلى مشاركتها في أولمبياد باريس العام المقبل (حسابها في «فيسبوك»)

ماذا عن الربح والخسارة؟ هل تتقبّل جميع الاحتمالات مع نهاية خطّ السباق؟ ترى الخسارة جزءاً من الربح: «الفوز الدائم يجعل طعم الانتصار أقل حلاوة. الخسارة تُعظّم هذه النكهة. لا أعني أنّ الإحباط لا يتسلّل، فأشعر أحياناً برغبة في التخلّي والدخول في استراحة طويلة. يأتي ذلك جرَّاء صعوبات وإصابات وما قد يعوق التقدّم. لكنه مجرّد برهة سرعان ما تتلاشى لإيماني بنفسي وإيمان كثيرين بي. الخسائر دروس تتيح الاندفاع، فأستحق الفرح بعد الربح المقبل».

«نظرتُ إلى التنمّر من زاوية أخرى، فرأيتُ أنه من الجيد حدوث هذه المضايقات لتُعرّف المتنمّرين على الآخر وتضعهم أمام احتمال التقبّل. ذلك أفضل ممَن لم يروا سوى مَن يشبههم. أعتزّ لإحداثي أثراً اجتماعياً إيجابياً»

العدّاءة اللبنانية عزيزة سبيتي

لا تكنّ للمنافس شعوراً بالحاجة إلى إطاحته والنيل منه: «نركض جميعنا لهدف. بالنسبة إليّ، أصبّ التركيز على نفسي ضمن الخطّين حيث أقف وأوجّه نظري. أشاء أن أكون أفضل مما كنت. المنافسة الحقيقية ليست في كسب الميداليات فقط. هي في التوق إلى النسخة الأفضل عن نفسي».  

سكنتها خدوش حفرها تنمّر رفاق الصف على تلميذة آتية من أفريقيا بوجه أسمر وملامح «غير لبنانية». لكن عزيزة سبيتي بارعة في التجاوز. تتابع: «الأذى موجود دائماً، والمهم كيف نتعامل معه. نظرتُ إلى التنمّر من زاوية أخرى، فرأيتُ أنه من الجيد حدوث هذه المضايقات لتُعرّف المتنمّرين على الآخر وتضعهم أمام احتمال التقبّل. ذلك أفضل ممَن لم يروا سوى مَن يشبههم. أعتزّ لإحداثي أثراً اجتماعياً إيجابياً. لمجرّد كوني سمراء في مجتمع لبناني، يعني أنني أخرق النمطية وأفرضُ كوني لبنانية بملامحي ولون بشرتي».

أنظارها على المشاركة في أولمبياد باريس السنة المقبلة. تفعل عزيزة سبيتي الكثير للبنان، ويبقى في مطاره مَن يشكّك بهويتها ويستغرب جواز سفرها اللبناني، مُسقطاً عليها نظرة تؤطّرها بعاملات المنازل. «حدث ذلك معي مؤخراً، لكنني على يقين بأنّ التغيير آتٍ».


مقالات ذات صلة

روما يكرم وفادة بارما بخماسية ويعود لسكة الانتصارات

رياضة عالمية باولو ديبالا (إ.ب.أ)

روما يكرم وفادة بارما بخماسية ويعود لسكة الانتصارات

عاد روما إلى سكة الانتصارات بإكرامه وفادة ضيفه بارما بخماسية نظيفة بنكهة أرجنتينية بينها ثنائية لصانع الألعاب باولو ديبالا، الأحد، على الملعب الأولمبي.

«الشرق الأوسط» (روما)
رياضة سعودية تتكون القائمة الرئيسية للمباريات في بطولة «كأس الخليج 26» من 23 لاعباً والمنتخب السعودي لديه الآن 25 (المنتخب السعودي)

قبل ساعات من مواجهة البحرين… الأخضر يستبعد فراس البريكان

تلقى المنتخب السعودي قبل ساعات من مواجهة البحرين الافتتاحية في كأس الخليج العربي السادسة والعشرين بالكويت ضربة موجعة بعد إعلانه استبعاد مهاجمه فراس البريكان.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
رياضة عالمية غاريث ساوثغيت (د.ب.أ)

ساوثغيت: كنت أعرف أني سأرحل عن تدريب إنجلترا قبل نهاية «اليورو»

كشف غاريث ساوثغيت، المدير الفني السابق للمنتخب الإنجليزي لكرة القدم، عن أنه اتخذ قراره بالرحيل عن تدريب الفريق قبل نهاية بطولة أمم أوروبا (يورو 2024).

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية جواو فونسيكا (رويترز)

البرازيلي فونسيكا يطمح للسير على خطى سينر بالفوز ببطولة الجيل القادم

يأمل اللاعب البرازيلي الصاعد جواو فونسيكا السير على خطى مَثَله الأعلى المصنف الأول عالمياً يانيك سينر عبر الفوز في المباراة النهائية للبطولة الختامية.

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عالمية دابو أفولايان (رويترز)

سانت باولي سيتخذ إجراء قانونياً بعد تعرض أحد لاعبيه لإساءات عنصرية

دعَّم فريق سانت باولي، المُنافس بالدوري الألماني لكرة القدم «بوندسليغا»، لاعبه دابو أفولايان، بعدما تعرَّض لإساءات عنصرية على الإنترنت.

«الشرق الأوسط» (برلين)

علماء يُثبتون قدرة خلايا القلب على التَّجدد

قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
TT

علماء يُثبتون قدرة خلايا القلب على التَّجدد

قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)
قصور القلب يؤثر على نحو 30 مليون شخص عالمياً (جامعة أريزونا)

أثبتَ فريق بحثي دولي بقيادة علماء من جامعة أريزونا الأميركية قدرة خلايا عضلة القلب على التّجدد لدى بعض مرضى قصور القلب الذين يعتمدون على القلوب الاصطناعية.

وأوضح الباحثون أن دراستهم تُغيّر المفهوم السائد منذ عقود بأن خلايا القلب لا تستطيع التّجدد، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية (Circulation).

وقُصور القلب، أو فشل القلب، هو حالة مُزمنة يعجز فيها القلب عن ضخ الدم بكفاءة كافية لتلبية احتياجات الجسم من الأكسجين والمغذيات. يحدث ذلك نتيجة ضعفٍ أو تصلُّبٍ في عضلة القلب، مما يؤدي إلى تراجع وظيفتها. يُصنّف قُصور القلب واحداً من أبرز تحدّيات الطّب الحديث، إذ يؤثر على نحو 30 مليون شخصٍ عالمياً، بما في ذلك نحو 7 ملايين بالغٍ في الولايات المتحدة، وفقاً للمراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.

وعلى الرغم من أن الأدوية والعلاجات المُتاحة تُساعد في تخفيف الأعراض وإبطاء تقدّم المرض، فإن العلاجات المتاحة للحالات المتقدمة تقتصر على زراعة القلب أو استخدام مضخّات اصطناعية مثل جهاز دعم البطين الأيسر لتقوية ضخِّ الدم.

وتشير الأبحاث إلى أن قدرة خلايا عضلة القلب على التّجدد بعد الأزمات القلبية تُعد محدودة للغاية، على عكس أنسجة أخرى في الجسم مثل الجلد أو الكبد. وعند تعرض القلب لضررٍ، تتعرض الخلايا للتلف ويُستبدل بها غالباً نسيجٌ ليفي غير قادرٍ على الانقباض أو المساهمة في ضخِّ الدم.

ويرجع ذلك إلى أن خلايا القلب العضلية تتوقف عن الانقسام الطبيعي بعد الولادة، وتُكرِّس وظيفتها لضخِّ الدم بشكل مستمر، مما يُضعف قدرتها على التّجدد.

لكن الدراسة أظهرت أن نحو 25 في المائة من المرضى الذين يعتمدون على القلوب الاصطناعية تمكّنوا من تجديد خلايا عضلة القلب بمعدل يفوق 6 أضعاف المعدل الطبيعي للقلوب السليمة.

وفسَّر الباحثون ذلك بأن الأجهزة الاصطناعية مثل جهاز دعم البطين الأيسر، تُخفّف العبء عن القلب وتمنحه «راحة» من ضخِّ الدّم، مما يُتيح للأنسجة القلبية فرصة للتّجدد.

وقال الدكتور هشام صادق، الباحث الرئيسي للدراسة ورئيس أقسام القلب في جامعة أريزونا، إن هذه النتائج تُقدّم أقوى دليلٍ حتى الآن على أن عضلة القلب البشرية قادرة على التّجدد.

وأضاف عبر موقع الجامعة أن «عدم قدرة القلب على الراحة المستمرة بعد الولادة هو العامل الأساسي الذي يُفقد خلايا القلب هذه القدرة الطبيعية».

وأشار الفريق إلى أن هذه النتائج تُمثّل خطوةً كبيرة نحو فهمٍ أعمقَ لقدرة القلب البشري على التّجدد، مما يفتح الباب لتطوير علاجات جذرية تستهدف تعزيز هذه القدرة بدلاً من الاكتفاء بإبطاء تقدم المرض. كما يهدف الباحثون إلى تحديد العوامل التي تُمكّن ربع المرضى فقط، من تجديد خلايا القلب بمعدلات مرتفعة، لتحسين هذه القدرة لدى المزيد من المرضى.