في وداع شينيد أوكونور فنانة الصخب والجدل والمنعطفات

مسيرة تدخّل الاكتئاب في تشكيلها والمشكلات في تنغيص مجدها

 المغنّية الآيرلندية شينيد أوكونور رحلت مصطحبة صخب العُمر (أ.ف.ب)
 المغنّية الآيرلندية شينيد أوكونور رحلت مصطحبة صخب العُمر (أ.ف.ب)
TT

في وداع شينيد أوكونور فنانة الصخب والجدل والمنعطفات

 المغنّية الآيرلندية شينيد أوكونور رحلت مصطحبة صخب العُمر (أ.ف.ب)
 المغنّية الآيرلندية شينيد أوكونور رحلت مصطحبة صخب العُمر (أ.ف.ب)

بصخب، مرَّت سنوات المغنّية الآيرلندية شينيد أوكونور الـ56، مُعلنة بلوغ النهاية. فالفنانة المشاكسة التي اشتُهرت في التسعينات قبل أن تبدأ مساراً انحدارياً، غادرت هذا العالم تاركة «عائلتها وأصدقاءها محطمين»، وفق بيان نشرته محطة «آر تي إي» العامة، وهي تعلن «ببالغ الحزن وفاة حبيبتنا شينيد».

في الواقع، كادت تتساوى شهرتها الفنية، مع ميلها إلى إثارة الجدل في محطات كثيرة من مسيرتها.

وهي بلغت ذروة المجد عام 1990، بفضل أغنية «ناثينغ كومبيرز تو يو» التي كتبها الفنان الأميركي برنيس. لكنّ ضوءاً من نوع آخر سُلّط على أوكونور، واسمها الحقيقي ماغدا ديفيت، لحديثها عن تعرُّض لسوء معاملة من والدتها خلال طفولتها، ولاعتناقها الإسلام عام 2018، وعزمها على تغيير اسمها إلى «شُهدة».

ومما عُرف عنها أيضاً انتقادها بشدّة الكنيسة الكاثوليكية، متّهمة إياها بعدم حماية الأطفال ضحايا الاعتداء الجنسي، ليصل بها الأمر، في عام 1992، إلى حد تمزيق صورة البابا يوحنا بولس الثاني على شاشة التلفزيون الأميركي.

شينيد أوكونور وجدت العزاء في الموسيقى (أ.ف.ب)

وتسبّبت مرة أخرى في فضيحة عندما أعلنت كنيسة آيرلندية منشقة سيامتها «كاهنة» عام 1999.

شيئاً فشيئاً، غابت الفنانة ذات الرأس الحليق من صدارة المشهد الفني، بعدما حقّق أول ألبومين لها؛ «ذي لاين أند ذي كوبرا» و«آي دو نات وانت وات آي هافنت غت»، نجاحات تجارية كبيرة، مُفضّلة خوض غمار موسيقى الريغي في عام 2005 من خلال ألبومها «ثرو داون يور أرمز»، بعدما استقرت لفترة في غامايكا واستكشفت معتقدات الراستافاري. وعبَّرت، في السنوات الأخيرة، عن تقلّباتها النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي، وهدّدت شركاءها السابقين باتّخاذ إجراءات قانونية ضدّهم، كما تحدّثت عن مشكلات صحتها الجسدية والعقلية، وأظهرت ميولها الانتحارية، وتطرّقت إلى علاقتها المُعقّدة مع عائلتها وأطفالها.

في يوم رحيلها، أسف رئيس الوزراء الآيرلندي ليو فاردكار «جداً لسماع النبأ»، مضيفاً في تغريدة: «كانت موسيقاها محبوبة في جميع أنحاء العالم، وموهبتها لا مثيل لها، ولا تضاهى».

شينيد أوكونور اعترضت على التمييز بحلق رأسها (أ.ف.ب)

من حانات دبلن إلى الاعتراض بحلق الرأس

استعادت «وكالة الصحافة الفرنسية» مسيرة أوكونور المهنية التي بلغت ذروتها في التسعينات، اختزلها إصدارها 10 ألبومات فردية، بدءاً من عام 1987 من خلال ألبوم «ذي لاين أند ذي كوبرا»، وانتهاء بـ«آيم نات بوسي آيم ذي بوس» عام 2014، متطرّقة في هذه الأعمال المتعدّدة إلى مختلف الأنماط، من الموسيقى الآيرلندية التقليدية إلى موسيقى البلوز والريغي.

شينيد المولودة في 8 ديسمبر (كانون الأول) 1966 في دبلن، عاشت طفولة صعبة، إذ تعرّضت في صغرها إلى إساءات «جنسية وجسدية ونفسية وروحية وعاطفية ولفظية»، وقُبض عليها مرات عدّة على خلفية اتّهامها بالضلوع في عمليات سرقة، قبل إرسالها إلى إصلاحية تديرها الكنيسة، حيث شجّعتها راهبة على تنمية شغفها بالموسيقى من خلال شراء غيتار لها.

وكانت بداياتها من شوارع دبلن وحاناتها، حيث ساعدتها الحاجة إلى إسماع كلمتها وسط الضجيج السائد على إعلاء صوتها.

في سنّ العشرين، انتقلت إلى لندن، وسجّلت ألبومها الأول عندما كانت حاملاً بطفلها الأول. وقد طلبت منها شركة الإنتاج آنذاك اعتماد مظهر أنثوي أكثر، ما أثار استياءها. في ذلك الوقت من العام 2014، صرّحت لصحيفة «الديلي تلغراف»، قائلة: «لقد دعوني لتناول الغداء وقالوا إنهم يرغبون في رؤيتي أرتدي تنانير قصيرة وأحذية ذات كعبٍ عالٍ، وأن أترك شعري ينمو». وكردّ فعل لاحقاً، طلبت المغنّية من مصفّف شعر يوناني شاب أن يحلق رأسها: «لم يكن يريد أن يفعل ذلك، لقد كاد يبكي. أما أنا فقد كنت سعيدة بالأمر».

شينيد أوكونور هزّها انتحار ابنها وقلَب حياتها العاصفة (أ.ف.ب)

«أعتقد أن عليّ القول إنّ الموسيقى أنقذتني. لقد كنت أمام خيارَي السجن أو الموسيقى. كنت محظوظة»

المغنّية الآيرلندية شينيد أوكونور

كانت محظوظة لتدخُّل الموسيقى في إنقاذها

أثار ألبومها الأول «ذي لاين أند ذي كوبرا» ضجة كبيرة فور صدوره. تلاه بعد ذلك بـ3 سنوات ألبوم «أي دو نات وانت وات أي هافنت غت» الذي ضمّ أغنية «ناثينغ كومبيرز تو يو»، العامل الرئيسي في شهرتها العالمية، من تأليف برينس. في عام 2013، صرّحت: «أعتقد أن عليّ القول إنّ الموسيقى أنقذتني. لقد كنت أمام خيارَي السجن أو الموسيقى. كنت محظوظة». 

وقد جعلها رأسها الحليق ونظراتها الثاقبة وصوتها الرقيق نجمة في جميع أنحاء العالم، ودائماً ما كانت تقدّم حفلات استُنفدت كل تذاكرها، هي التي كانت معروفة أيضاً بمناصرتها لحقوق المرأة وانتقادها للاعتداءات الجنسية داخل الكنيسة الكاثوليكية في آيرلندا.

إلا أنّ مسيرتها بدأت بالتراجع من منتصف التسعينات، ولم تعد ألبوماتها تثير الاهتمام عينه. وفيما كانت تخوض معركة حضانة ابنتها رويزين، باتت مشكلاتها الشخصية تغطّي على أعمالها الموسيقية.

وقرّرت عام 2003 وضع حد لمسيرتها الموسيقية، لكنها عادت وأصدرت بعد عامين ألبوماً لموسيقى الريغي بعنوان «ثرو داون يور آرمز».

تزوجت أوكونور 4 مرات، ورُزقت بـ4 أطفال، وُلِد آخرهم في نهاية عام 2006.

صدر ألبومها الأخير عام 2014 بعنوان «آيم نات بوسي، آيم ذي بوس»، ولقيَ استحساناً نقدياً. لكنها ألغت كل حفلاتها في منتصف عام 2015 بداعي «الإرهاق».

انتحار نجلها شاين (17 عاماً)، العام الفائت، شكّل صدمة هزّت كيانها، فأُدخلت إلى المستشفى بعدما كشفت عبر شبكات التواصل الاجتماعي أنها تعتزم الانتحار هي الأخرى.


مقالات ذات صلة

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يوميات الشرق لها في كل بيتٍ صورة... فيروز أيقونة لبنان بلغت التسعين وما شاخت (الشرق الأوسط)

فيروز إن حكت... تسعينُها في بعضِ ما قلّ ودلّ ممّا قالت وغنّت

يُضاف إلى ألقاب فيروز لقب «سيّدة الصمت». هي الأقلّ كلاماً والأكثر غناءً. لكنها عندما حكت، عبّرت عن حكمةٍ بسيطة وفلسفة غير متفلسفة.

كريستين حبيب (بيروت)
خاص فيروز في الإذاعة اللبنانية عام 1952 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص «حزب الفيروزيين»... هكذا شرعت بيروت ودمشق أبوابها لصوت فيروز

في الحلقة الثالثة والأخيرة، نلقي الضوء على نشوء «حزب الفيروزيين» في لبنان وسوريا، وكيف تحول صوت فيروز إلى ظاهرة فنية غير مسبوقة وعشق يصل إلى حد الهوَس أحياناً.

محمود الزيباوي (بيروت)
خاص فيروز تتحدّث إلى إنعام الصغير في محطة الشرق الأدنى نهاية 1951 (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز... من فتاةٍ خجولة وابنة عامل مطبعة إلى نجمة الإذاعة اللبنانية

فيما يأتي الحلقة الثانية من أضوائنا على المرحلة الأولى من صعود فيروز الفني، لمناسبة الاحتفال بعامها التسعين.

محمود الزيباوي (بيروت)
يوميات الشرق فيروز في صورة غير مؤرّخة من أيام الصبا (أرشيف محمود الزيباوي)

فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

منذ سنوات، تحوّل الاحتفال بعيد ميلاد فيروز إلى تقليد راسخ يتجدّد يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث تنشغل وسائل الإعلام بمختلف فروعها بهذه المناسبة، بالتزامن

محمود الزيباوي ( بيروت)
خاص فيروز وسط عاصي الرحباني (يمين) وحليم الرومي (أرشيف محمود الزيباوي)

خاص فيروز في التسعين... يوم ميلاد لا تذكر تاريخه

عشية عيدها الـ90 تلقي «الشرق الأوسط» بعض الأضواء غير المعروفة على تلك الصبية الخجولة والمجهولة التي كانت تدعى نهاد وديع حداد قبل أن يعرفها الناس باسم فيروز.

محمود الزيباوي (بيروت)

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
TT

عمرو سعد: أعود للشاشة بفيلم «الغربان»... وأحل ضيفاً على «الست»

عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)
عمرو سعد يتحدث عن مشواره الفني (إدارة المهرجان)

قال الفنان المصري عمرو سعد إن غيابه عن السينما في السنوات الأخيرة جاء لحرصه على تقديم أعمال قوية بإمكانات مادية وفنية مناسبة، وأكد أنه يعود للسينما بأحدث أفلامه «الغربان» الذي قام بتصويره على مدى 4 سنوات بميزانية تقدر بنصف مليار جنيه (الدولار يساوي 49.73 جنيه)، وأن الفيلم تجري حالياً ترجمته إلى 12 لغة لعرضه عالمياً.

وأضاف سعد خلال جلسة حوارية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الخميس، أنه يظهر ضيف شرف لأول مرة من خلال فيلم «الست» الذي يروي سيرة سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وتقوم ببطولته منى زكي وإخراج مروان حامد، ومن إنتاج صندوق «بيج تايم» السعودي و«الشركة المتحدة» و«سينرجي» و«فيلم سكوير».

وعرض سعد لقطات من فيلم «الغربان» الذي يترقب عرضه خلال 2025، وتدور أحداثه في إطار من الحركة والتشويق فترة أربعينات القرن الماضي أثناء معركة «العلمين» خلال الحرب العالمية الثانية، ويضم الفيلم عدداً كبيراً من الممثلين من بينهم، مي عمر، وماجد المصري، وأسماء أبو اليزيد، وهو من تأليف وإخراج ياسين حسن الذي يخوض من خلاله تجربته الطويلة الأولى، وقد عدّه سعد مخرجاً عالمياً يمتلك موهبة كبيرة، والفيلم من إنتاج سيف عريبي.

وتطرق سعد إلى ظهوره ضيف شرف لأول مرة في فيلم «الست» أمام منى زكي، موضحاً: «تحمست كثيراً بعدما عرض علي المخرج مروان حامد ذلك، فأنا أتشرف بالعمل معه حتى لو كان مشهداً واحداً، وأجسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، ووجدت السيناريو الذي كتبه الروائي أحمد مراد شديد التميز، وأتمنى التوفيق للفنانة منى زكي والنجاح للفيلم».

وتطرق الناقد رامي عبد الرازق الذي أدار الحوار إلى بدايات عمرو سعد، وقال الأخير إن أسرته اعتادت اصطحابه للسينما لمشاهدة الأفلام، فتعلق بها منذ طفولته، مضيفاً: «مشوار البدايات لم يكن سهلاً، وقد خضت رحلة مريرة حتى أحقق حلمي، لكنني لا أريد أن أسرد تفاصيلها حتى لا يبكي الحضور، كما لا أرغب في الحديث عن نفسي، وإنما قد أكون مُلهماً لشباب في خطواتهم الأولى».

عمرو سعد في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

وأرجع سعد نجاحه إلي «الإصرار والثقة»، ضارباً المثل بزملاء له بالمسرح الجامعي كانوا يفوقونه موهبة، لكن لم يكملوا مشوارهم بالتمثيل لعدم وجود هذا الإصرار لديهم، ناصحاً شباب الممثلين بالتمسك والإصرار على ما يطمحون إليه بشرط التسلح بالموهبة والثقافة، مشيراً إلى أنه كان يحضر جلسات كبار الأدباء والمثقفين، ومن بينهم الأديب العالمي نجيب محفوظ، كما استفاد من تجارب كبار الفنانين.

وعاد سعد ليؤكد أنه لم يراوده الشك في قدرته على تحقيق أحلامه حسبما يروي: «كنت كثيراً ما أتطلع لأفيشات الأفلام بـ(سينما كايرو)، وأنا أمر من أمامها، وأتصور نفسي متصدراً أحد الملصقات، والمثير أن أول ملصق حمل صورتي كان على هذه السينما».

ولفت الفنان المصري خلال حديثه إلى «أهمية مساندة صناعة السينما، وتخفيض رسوم التصوير في الشوارع والأماكن الأثرية؛ لأنها تمثل ترويجا مهماً وغير مباشر لمصر»، مؤكداً أن الفنان المصري يمثل قوة خشنة وليست ناعمة لقوة تأثيره، وأن مصر تضم قامات فنية كبيرة لا تقل عن المواهب العالمية، وقد أسهمت بفنونها وثقافتها على مدى أجيال في نشر اللهجة المصرية.

وبدأ عمرو سعد (47) عاماً مسيرته الفنية خلال فترة التسعينات عبر دور صغير بفيلم «الآخر» للمخرج يوسف شاهين، ثم فيلم «المدينة» ليسري نصر الله، وقدمه خالد يوسف في أفلام عدة، بدءاً من «خيانة مشروعة» و«حين ميسرة» و«دكان شحاتة» وصولاً إلى «كارما»، وقد حقق نجاحاً كبيراً في فيلم «مولانا» للمخرج مجدي أحمد علي، وترشح الفيلم لتمثيل مصر في منافسات الأوسكار 2018، كما لعب بطولة عدد كبير من المسلسلات التلفزيونية من بينها «يونس ولد فضة»، و«ملوك الجدعنة»، و«الأجهر»، بينما يستعد لتصوير مسلسل «سيد الناس» أمام إلهام شاهين وريم مصطفى الذي سيُعْرَض خلال الموسم الرمضاني المقبل.