ما حدود الواقع والخيال في حياة روبرت أوبنهايمر؟

بعد رواج فيلم يقدم معالجة لسيرة أبو القنبلة الذرية

روبرت أوبنهايمر في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بنيوجيرسي الأميركية (أ.ب)
روبرت أوبنهايمر في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بنيوجيرسي الأميركية (أ.ب)
TT

ما حدود الواقع والخيال في حياة روبرت أوبنهايمر؟

روبرت أوبنهايمر في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بنيوجيرسي الأميركية (أ.ب)
روبرت أوبنهايمر في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون بنيوجيرسي الأميركية (أ.ب)

مع انطلاق وميض الكرة النارية التي أضاءت السماء فوق موقع الاختبار في لوس ألاموس بصحراء نيومكسيكو الأميركية، في يوليو (تموز) 1945، أصبح جوليوس روبرت أوبنهايمر، مدير مشروع مانهاتن لتطوير أول قنبلة ذرية بالعالم، أحد أشهر علماء جيله.

وأدى إنشاء القنابل الذرية وتدميرها مدينتَي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، في عام 1945 إلى قتل أكثر من 200 ألف إنسان، وبدء حقبة جديدة حولت أوبنهايمر أيقونةً تاريخية ينشغل العالم الآن، وبشغف كبير بها التعرف على كواليس حياتها، بفضل فيلم سينمائي أميركي يتناول سيرته، وسط تساؤلات عن حدود الواقع والخيال في حياة العالم الراحل.

احتاج مشروع مانهاتن إلى مجهود هائل، وإلى الآلاف من العلماء الذين عملوا بلا كلل أو ملل طوال فترة الحرب. لكن مع حلول الوقت وحين اكتمل صُنع القنبلة واختبروها بنجاح، انتابت أوبنهايمر حالة من الاضطراب وربما الندم، مستعيراً بالعبارة الهندوسية: «الآن أصبح الموت، مدمر العوالم». ومع ذلك، هو نفسه وفي الأسبوع نفسه، كان يعطي الجيش الأميركي المعلومات التي تمكّنه من تفجير القنبلة فوق اليابان بأكبر دقة ممكنة.

يقول كاي بيرد، المؤلف المشارك للكتاب الحائز جائزة «بوليتزر»، الذي تناول سيرة أوبنهايمر الذاتية، وكان مصدر إلهام صانعي الفيلم، في حوار مع موقع «لايف ساينس» في 15 يوليو: «إنها حكاية تمنحك إحساساً بالرجل وتعقيده وتناقضه فيما كان يفعل».

حقق أوبنهايمر ما كان يصبوا إليه، وشهد بعض من عملوا معه أنه لم يكن هذا ليحدث لو لم يكن هو من يدير المشروع، وفق بيرد، الذي قال: «لقد ألهمهم للعمل وبذل كل الجهد لحلّ المشكلات الهندسية المرتبطة بصناعة القنبلة بالوقت المناسب».

في حين يطلعنا ستيفن شابين، أستاذ أبحاث فرانكلين فورد لتاريخ العلوم، على جانب آخر من الصورة، عبر حواره مع صحيفة «ذا هارفارد غازيت» المنشور في 19 يوليو الحالي، قائلاً: «أوبنهايمر في الواقع كان خياراً غير مرجح تماماً للإدارة العلمية في لوس ألاموس، فقد كان يعتقد الكثيرون أنه يفتقر لأي قدرات تنظيمية وإدارية، قال أحد زملائه ذات مرة، إنه لا يستطيع إدارة كشك لبيع الهامبرغر».

وبينما اعتقد علماء لوس ألاموس أن نحافة أوبنهايمر بمنزلة «نموذج لزاهد ديني، لم يكن لديه لحم تقريباً، وأنه أصبح كله عقلاً، وكله روحاً، جراء حالة الزهد التي تسيطر عليه»، فسّر شابين ذلك «بأنه يعود لانشغاله الدائم بالعمل، وجزئياً بسبب المرض الذي ألمّ به، وبسبب حالة القلق الشديدة نتيجة إحساسه بالمسؤولية».

أما بالنسبة لدوافع أوبنهايمر، فقد كانت واضحةً تماماً. عندما كان شاباً درس فيزياء الكم بألمانيا، وكان يعلم أن العلماء الألمان كانوا قادرين على فهم فيزياء القنبلة الذرية وامتلاك سلاح دمار شامل. ومن المنظور السياسي، كان رجلاً يسارياً يخشى أن يسلّم العلماء الألمان هذا السلاح إلى هتلر الذي ما كان ليتردد في استخدامه، وكما يصف بيرد الأمر بأنه: «كان هذا أسوأ كابوس له».

ملاحظات مكتوبة بخط يد أوبنهايمر عُرضت في متحف برادبري للعلوم (أ.ب)

بعد الحرب، أصبح أوبنهايمر أكثر منتقدي الأسلحة النووية صراحةً - قاوم الجهود المبذولة لصنع قنبلة هيدروجينية، وأشار إلى خطط سلاح الجو الأميركي لقصف استراتيجي مكثف بأسلحة نووية على أنها إبادة جماعية. يقول بيرد: «علمنا من رسائل كتبتها زوجته (كيتي) إلى أصدقائها أن أوبنهايمر أصابه الاكتئاب بعد فترة وجيزة من حادثة هيروشيما».

عاد أوبنهايمر إلى واشنطن، وكان قد عرف باقتراب اليابانيين من الاستسلام في سبتمبر (أيلول)، كما عرف عن موقف إدارة ترومان من السلاح الجديد، وأنهم يريدون جعل الأمن القومي الأميركي يعتمد كلياً على ترسانة ضخمة من تلك الأسلحة.

في وقت مبكر من أكتوبر (تشرين الأول) 1945، ألقى أوبنهايمر خطاباً عاماً في فيلادلفيا قال فيه: إن هذه الأسلحة كانت أسلحة للمعتدين. إنها أسلحة إرهاب وليست أسلحة للدفاع وتحتاج الولايات المتحدة إلى إيجاد طريقة لبناء آلية مراقبة دولية لمنع انتشارها. كان ذلك تهديداً مباشراً لوزارة الحرب والجيش والبحرية والقوات الجوية الأميركية، الذين طالبوا جميعاً بميزانيات أكبر للحصول على المزيد من هذه الأسلحة.

وفي أواخر عام 1953 أصبح أوبنهايمر مصدر تهديد مباشراً للحكومة الأميركية؛ ما أدى إلى تجريده من تصريحه الأمني، وتقديمه للمحاكمة وإهانته علانية. وعن ذلك يقول بيرد: «لقد أرادوا إذلاله على الملأ، حتى يكون عِبرة لمن خلفه، لقد بعثوا من خلاله برسالة إلى العلماء في كل مكان: (لا تخرج عن مسارك الضيق، وغير مسموح لك أن تصبح مثقفاً عاماً، كما أنه ليس لك الحق أن تتحدث في السياسة)».

مجد شخصي

من جانبه، قال العالم الفيزيائي، محمد ثروت حسن، أستاذ الفيزياء والضوء في جامعة أريزونا بالولايات المتحدة: «أعتقد أن أوبنهايمر لم يُجبر على الأمر، ولكن كان ذلك اختياره، وعلى العَالِم أن يركّز في البحث العلمي الذي يكون له دور في زيادة المعرفة البشرية وإنتاج تطبيقات مفيدة».

وكان حسن قد نشر على صفحته على «فيسبوك»، بأنه «لا يحب روبرت أوبنهايمر ولا يحترمه، وأنه يمثل له كل ما لا يحبه في شخصية العَالِم»، قائلاً في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعلم ماذا يفعل جيداً ويعي خطورته، وعلى الرغم من ذلك أقدَم عليه؛ بحثاً عن مجد شخصي ولو على حساب آلاف الأرواح من البشر».

وعن تراجع أوبنهايمر ومعارضته السلاح النووي بعد ذلك، أضاف: «أعتقد أنه لم يتوقع أن تكون النتائج بهذا السوء، بعدما رأى صنيع ما قام به على أرض الواقع»، مشدداً على أن «هناك بعض العلماء الذين تركوا المشروع بعد تأكدهم من عدم قدرة ألمانيا - هتلر - على صنع القنبلة النووية».

ويرى الروائي المصري أحمد سمير سعد، ومدرس في قسم التخدير بكلية الطب، جامعة القاهرة، أن الفيلم قد يكون حاول تبرئة أوبنهايمر، لكنه لم يبرئ أبداً ساحة الحكومة الأميركية.

وربط الفيلم بين أوبنهايمر ونوبل، الاثنان هرعا وراء السبق العلمي، حيث عاد الأول وحارب تصنيع القنبلة الهيدروجينية والتسليح النووي، كما صنع الثاني جائزة للسلام، لقد حاول الفيلم الفصل بين الإنجاز العلمي والاستخدام السياسي له.

وأضاف سعد: «لا أجد فارقاً كبيراً فيما قرأت عن أوبنهايمر وبين ما عرضه الفيلم من أحداث، إلا أن الفيلم كان متعاطفاً معه بالطبع، لقد سلط الضوء على تأثره النفسي الشديد ومعارضته اللاحقة للتسليح النووي حتى اتهموه بالخيانة».

ولكن هل كان العلماء المشاركون بالمشروع على دراية بكيفية الاستخدام المميت والمدمر للقنبلة كما حدث بالفعل، يرى شابين أن علماء لوس ألاموس: «لم يكونوا يفكرون فيما يجب فعله بهذا السلاح، سواء كان سيُستخدم ضد ألمانيا أو ما إذا كان التهديد باستخدامه سيكون كافياً».

وأضاف: لقد كانت مشكلة علمية وتكنولوجية صعبة للغاية، وكانوا منخرطين تماماً في إنجاح المشروع. لذا؛ فإن الألم الأخلاقي والسياسي بشأن القنبلة وما يجب فعله بها بدأ يطفو على السطح خلال فترة وجيزة في نهاية المشروع، وهي الفترة التي شارك فيها عدد قليل نسبياً من الأشخاص.

منظر جوي بعد أول انفجار ذري بموقع اختبار ترينيتي في نيو مكسيكو بالولايات المتحدة في 16 يوليو 1945 (أ.ب)

وبعد هزيمة ألمانيا النازية، اعتقد بعض علماء المشروع أنه ليست هناك حاجة إلى إسقاط القنبلة على اليابان، وأنه قد يتم إخبار اليابان بوضوح أن القنبلة موجودة وما يمكن أن تفعله، لكن أوبنهايمر، وفق شابين، لم يفعل سوى القليل أو ربما لا شيء لمساعدتهم. كما أنه ليس من الواضح أيضاً أن أوبنهايمر كان بإمكانه فعل الكثير للتأثير على استخدام القنبلة. كانت لديه سلطة علمية ولكن ليس لديه قوة سياسية كبيرة. كانت قرارات هيروشيما وناغازاكي قرارات عسكرية وسياسية.

سياسي ساذج

يحاول بيرد رسم صورة بانورامية لأوبنهايمر قائلاً: «كان متعدد المواهب وكان منجذباً إلى التصوف الهندوسي». مضيفاً: «نعم، كان سياسياً غبياً وساذجاً. لم يكن لديه أي فكرة عمّا كان على وشك الدخول فيه». وعلى الرغم من ذلك، علّق بيرد على موقف أوبنهايمر من انتشار السلاح النووي بقوله: «هذا بالضبط ما نحتاج إليه الآن. نحن في حاجة إلى المزيد من العلماء المستعدين للتحدث عن الحقائق الصعبة في كيفية دمج العلم بالحياة وجعله غير مدمر».

وجاوب بيرد عن السؤال الأهم، وهو كيف سيتذكر الناس إرث أوبنهايمر، وقد ارتبط بسلاح مروع وقاتل؟: يعتمد هذا على ما سيحدث في المستقبل، فإذا وقعت حرب نووية أخرى، بالطبع سيُنظر إليه على أنه العالِم المسؤول عن ذلك أيضاً.

ولد أوبنهايمر عام 1904 لعائلة ثرية في مدينة نيويورك الأميركية، وتخرج في جامعة هارفارد عام 1925، حيث تخصص في الكيمياء. وبعد ذلك بعامين، أكمل شهادة الدكتوراه في الفيزياء في جامعة غوتنغن، بألمانيا، إحدى المؤسسات الرائدة في العالم للفيزياء النظرية. وعلى الرغم من اعترافه بعدم اهتمامه بالسياسة عقب نجاحه في اختراع القنبلة الذرية؛ فقد أيّد أوبنهايمر علانية الأفكار التقدمية اجتماعياً. وكانت شريكته، كيتي بوينينغ، متطرفة ذات ميول يسارية وتضمنت دائرتهما الاجتماعية أعضاء ونشطاء الحزب الشيوعي. وربما هذا كان أحد أسباب اتهامه في وقت لاحق بأنه متعاطف مع الشيوعية، قبل أن يتوفى عن عمر ناهز 62 عاماً في 18 فبراير (شباط) عام 1967.


مقالات ذات صلة

لماذا تفجر «الآراء السلبية» في الرموز الفنية معارك مجتمعية؟

يوميات الشرق شكري سرحان وشادية في أحد أفلامهما (يوتيوب)

لماذا تفجر «الآراء السلبية» في الرموز الفنية معارك مجتمعية؟

أثارت واقعة التشكيك في موهبة الفنان الراحل شكري سرحان التي فجرها رأي الممثلين أحمد فتحي وعمر متولي عبر أحد البرامج ردود فعل متباينة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة الأميركية الشهيرة كاميرون دياز (د.ب.أ)

كاميرون دياز: عشت أفضل سنوات حياتي أثناء اعتزالي للتمثيل

قالت الممثلة الأميركية الشهيرة كاميرون دياز إن فترة الـ10 سنوات التي اعتزلت فيها التمثيل كانت «أفضل سنوات في حياتها».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق في فيلمه السينمائي الثالث ينتقل الدب بادينغتون من لندن إلى البيرو (استوديو كانال)

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

الدب البريطاني المحبوب «بادينغتون» يعود إلى صالات السينما ويأخذ المشاهدين، صغاراً وكباراً، في مغامرة بصريّة ممتعة لا تخلو من الرسائل الإنسانية.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق المخرج العالمي ديفيد لينش (أ.ف.ب)

رحيل ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة

هل مات ديڤيد لينش حسرة على ما احترق في منزله من أرشيفات وأفلام ولوحات ونوتات موسيقية كتبها؟ أم أن جسمه لم يتحمّل معاناة الحياة بسبب تعرضه لـ«كورونا» قبل سنوات؟

محمد رُضا (بالم سبرينغز (كاليفورنيا))
يوميات الشرق أحمد مالك وآية سماحة خلال العرض الخاص للفيلم (الشركة المنتجة)

«6 أيام»... رهان سينمائي متجدد على الرومانسية

يجدد فيلم «6 أيام» الرهان على السينما الرومانسية، ويقتصر على بطلين فقط، مع مشاركة ممثلين كضيوف شرف في بعض المشاهد، مستعرضاً قصة حب في 6 أيام فقط.

انتصار دردير (القاهرة)

ليلة استثنائية في الرياض لتتويج نجوم الفن والترفيه بجوائز «جوي أووردز»

الفنانان العالميان مورغان فريمان وأنتوني هوبكنز خلال الحفل (موسم الرياض)
الفنانان العالميان مورغان فريمان وأنتوني هوبكنز خلال الحفل (موسم الرياض)
TT

ليلة استثنائية في الرياض لتتويج نجوم الفن والترفيه بجوائز «جوي أووردز»

الفنانان العالميان مورغان فريمان وأنتوني هوبكنز خلال الحفل (موسم الرياض)
الفنانان العالميان مورغان فريمان وأنتوني هوبكنز خلال الحفل (موسم الرياض)

شهدت العاصمة السعودية، مساء السبت، ليلة استثنائية خلال حفل توزيع جوائز النسخة الخامسة من جوائز «جوي أووردز (Joy Awards)» لعام 2025، المقامة ضمن فعاليات «موسم الرياض»، وحضرها نخبة من فناني ونجوم العالم، في أكبر وأهم حفل للجوائز الفنية العربية بالمعايير العالمية. وتوجهت الأضواء وعدسات الكاميرات إلى الرياض؛ حيث يقام الحدث الفني الذي أصبح علامة فارقة في المشهدين العربي والدولي، فيما تابع ملايين المشاهدين تفاصيله عبر البث المباشر الذي نقل ليلة متميزة احتفت بعدد من الرموز الفنية، وسلطت الضوء على مسيرتهم وإنتاجاتهم الفريدة التي أثرت المشهد الفني.

‏وقال سلمان الدوسري، وزير الإعلام السعودي، إن الرياض بوصلة الحضارة، وإنها تحتضن فناني العالم.‏ وأضاف في منشور على منصة «إكس»: «سعدت اليوم بحضور حفل جوائز (جوي أووردز)؛ إحدى أهم منصات تكريم الإبداع في العالم، حيث قدمت (جائزة صناع الترفيه الفخرية) لروّاد الفن الخليجي والعربي»، مقدماً في الوقت نفسه الشكر لرئيس هيئة الترفيه، تركي آل الشيخ، على احتفاء «الهيئة» بالرواد، خلال حدث «يمزج الأصالة بالابتكار».

من جهته، كتب المستشار تركي آل الشيخ، رئيس «هيئة الترفيه»، في منشور على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي: «بدعم مولاي الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو سيدي ولي العهد عراب (الرؤية) وقائدنا الملهم (الأمير محمد بن سلمان)، اليوم نشهد النجاح الكبير لحفل توزيع جوائز (جوي أووردز 2025)».

كريستينا أغيليرا تضيء مسرح «جوي أووردز 2025» بأدائها الاستثنائي (موسم الرياض)

الفائز بجائزة «شخصية العام» في «جوي أووردز 2025» النجم المتألق ماثيو ماكونهي (موسم الرياض)

حفل على مستوى الحدث

وصول النجوم إلى مقر الحفل بمدينة الرياض، واكبه عزف حي وعروض فنية، فيما امتلأت باحة الاستقبال بالجماهير الذين حيّوهم، وأبدى الضيوف سرورهم بالمشاركة في «هذا الحدث المتميز الذي يحتفي بالفن والفنانين». وانطلقت الأمسية الاستثنائية بعرضٍ مبهر من عمالقة الفن، مع المغنية والممثلة الأميركية كريستينا أغيليرا، وقدَّم تامر حسني ونيللي كريم عرضاً غنائياً مسرحياً، تبعه آخرَان؛ الأول للموسيقي العالمي هانز زيمر، فيما جمع الثاني وائل كفوري والكندي مايكل بوبليه، ثم عرض للأميركي جوناثان موفيت العازف السابق في فرقة مايكل جاكسون، قبل أن تُختَتم بـ«ميدلي» للمطرب التركي تاركان.

فنان العرب محمد عبده يتغنى بأجمل الأغاني مع الفنان آندريا بوتشيلي في حفل «جوي أووردز 2025»... (موسم الرياض)

«الماسيّة» للأمير بدر بن عبد المحسن

وشهد الحفل تكريم الأمير والشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن، الذي ترك بصمته الكبيرة في عالم الفن، بـ«جائزة صُنَّاع الترفيه الماسيَّة»، وتسلّمها نجله الأمير خالد، قبل أن يُقدِّم المغني الأوبرالي الإيطالي الشهير آندريا بوتشيلي، الذي جمعه «ديو» مع فنان العرب محمد عبده، مقطوعة موسيقية كلاسيكية إهداء للراحل. وبعد تكريم البدر بالجائزة، قُدم عرض مصور على مسرح الحفل، لقصائده، تكريماً لعطائه الكبير وتقديراً للإسهامات التي قدمها للأدب والثقافة السعودية والعربية.

‏وقدم وزير الإعلام السعودي، سلمان الدوسري، «جائزة صُنّاع الترفيه الفخرية» لكوكبة من ألمع وأهم نجوم الخليج والوطن العربي‏⁧‫، وتُوِّجت بها الممثلة مريم الصالح، والممثلون: إبراهيم الصلال، وسعد خضر، وعبد الرحمن الخطيب، وعبد الرحمن العقل، وعلي إبراهيم، وغانم السليطي، ومحمد الطويان. كما تُوٍّج رائد السينما السعودية المُخرِج عبد الله المحيسن، والفنان عبد الله الرويشد، والموسيقار بوتشيلي، والممثل مورغان فريمان، والموسيقي هانز زيمر، والمخرج الكوري جي كي يون، والفنان ياسر العظمة، والمُخرِج محمد عبد العزيز بـ«جائزة الإنجاز مدى الحياة»، في حين تُوّج بـ«الجائزة الفخرية» كل من: الممثل الأميركي ماثيو ماكونهي بـ«جائزة شخصية العام»، والمخرج العالمي جاي ريتشي، والممثل الهندي هريثيك روشان، والمصمم اللبناني زهير مراد.

الفنان ناصر القصبي يقدم إحدى الجوائز (موسم الرياض)

الرياض وجهة مهمة للفن

وعبّر عدد من الفنانين العرب والعالميين عن سرورهم بالمشاركة في «حدث استثنائي يحتفي بالفن والفنانين»، مؤكدين أن العاصمة السعودية «أصبحت وجهة مهمة للفن، يجتمع فيها النجوم، لتكريم رواد الفن والمميزين في أداءاتهم وإنتاجاتهم، بالإضافة إلى تشجيع المواهب الواعدة التي ينتظرها مستقبل واعد في مختلف وجوه الفن بالسعودية».

وقال الفنان العالمي مورغان فريمان إنه لمس دفء الترحيب منذ لحظة وصوله إلى السعودية، وأضاف: «لقد أثر فيّ كثيراً كرم الضيافة الذي يتميز به الشعب السعودي، كما أن الحفاوة التي لقيتها في الرياض لا يمكن وصفها بكلمة سوى أنها فريدة من نوعها، وستبقى في قلبي إلى الأبد»، وأضاف: «الحصول على (جائزة الإنجاز مدى الحياة) هو في الواقع شرف يفوق الكلمات، وأنا ممتن كثيراً للمستشار تركي آل الشيخ لدعمه، وجعله هذه اللحظة ممكنة. شكراً مدينة الرياض على هذه التجربة التي لا تُنسى».

نجوم العالم يتألقون بحضورهم المميز في حفل «جوي أووردز 2025»... (موسم الرياض)

من جهته، قال نجم الدراما السورية ياسر العظمة إن «الفن ليس مجرد رفاهية وتسلية؛ إنما هو شباك مفتوح ونافذة مشرعة نطل من خلالها على سلبيات الواقع وإيجابياته»، مبدياً سعادته بالأثر الذي تركه عمله التلفزيوني العابر للأجيال «مرايا». وقال العظمة في كلمته بمناسبة التكريم: «هذا التكريم هو لكل الزملاء ممن تركوا بصمات واضحة على كل أجزاء العمل»، مهدياً الجائزة لأبناء بلده سوريا وجمهوره في الفضاء العربي الكبير وزوجته وعائلته وكل من وقف معه.

ووجّه المخرج الكوري جي كي يون، شكره للسعودية على منحه الجائزة، وقال في كلمة بعد تتويجه بالجائزة إن جميع الكوريين لديهم تقدير خاص للسعودية، وأضاف: «في السبعينات، عمل كثير من الكوريين من جيل أمي وأبي، في مواقع البناء السعودية، وكسبوا لقمة العيش منها، وهذا المال لعب دوراً عظيماً وكبيراً في تطوير دولتنا... لذلك؛ كثير من الكوريين يشكرون السعودية».

وعبر المخرج السعودي عبد الله المحيسن عن سعادته «بما وصلت إليه السعودية من تألق في جميع القطاعات، والتي أصبح الجميع يتباهى بها، ويشيد بما وصلت إليه من تقدم وازدهار». وأشاد المحيسن بحدث «جوي أووردز» العالمي، وقال: «يقام هذا الحدث العالمي في الرياض؛ جوهرة السعودية، ملتقى بداية الإنسانية، كنز الحضارات، والطبيعة النادرة، التي أتمنى أن تروى قصصها من خلال مواهب الفن السابع، ليتعرف العالم على حضارة إنسان هذه الأرض».

تتويج الفنان عبد الله الرويشد بجائزة «الإنجاز مدى الحياة» وسط حضور زملائه الفنانين (موسم الرياض)

الفنانة هدى حسين تتسلم جائزتها وتلقي كلمة التتويج خلال الحفل (موسم الرياض)

منافسة قوية وإقبال جماهيري

شهدت الجوائز منافسة قوية في مختلف فئاتها: السينما، والمسلسلات، والموسيقى، والرياضة، والمؤثرون، والإخراج، مع التركيز على أهم الأعمال والشخصيات المتألقة خلال العام. ووجدت مرحلة التصويت مشاركة واسعة وإقبالاً غير مسبوق من الجمهور عبر التطبيق الخاص بها، ما يعكس تفاعله واهتمامه بتكريم أبرز المواهب والإبداعات بمختلف المجالات.

ففي فئة «المسلسلات»، فاز سامر إسماعيل بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في مسلسل «العميل»، وهدى حسين بـ«الممثلة المفضّلة» عن دورها في «زوجة واحدة لا تكفي»، والعنود عبد الحكيم بجائزة «الوجه الجديد المفضّل» عن مسلسل «بيت العنكبوت»، و«شباب البومب12» بـ«المسلسل الخليجي المفضَّل»، و«نعمة الأفوكاتو» بـ«المسلسل المصري المفضَّل»، و«مدرسة الروابي للبنات2» بـ«المسلسل المشرقي المفضَّل».

نجوم عالميون في أكبر وأهم حفل للجوائز الفنية العربية بالمعايير العالمية (موسم الرياض)

أسطورة كرة القدم الفرنسي تييري هنري على مسرح الحفل (موسم الرياض)

وفي فئة «الإخراج»، فازت رشا شربتجي بجائزة «مخرج المسلسلات المفضَّل» عن عملها «ولاد بديعة»، وطارق العريان بـ«مخرج الأفلام المفضَّل» عن «ولاد رزق3: القاضية».

وضمن فئة «السينما»، فاز هشام ماجد بجائزة «الممثل المفضَّل» عن دوره في «إكس مراتي»، وهنا الزاهد بـ«الممثلة المفضَّلة» عن «فاصل من اللحظات اللذيذة»، و«ولاد رزق3: القاضية» بـ«الفيلم المفضَّل». وفاز في فئة «الرياضة»، اللاعب سالم الدوسري كابتن فريق الهلال السعودي بجائزة «الرياضي المفضَّل»، ولاعبة الفنون القتالية السعودية هتان السيف بـ«الرياضيّة المفضَّلة». أما في فئة «المؤثرون»، ففاز أحمد القحطاني «شونق بونق» بجائزة «المؤثر المفضَّل»، ونارين عمارة «نارين بيوتي» بـ«المؤثرة المفضَّلة».

وضمن فئة «الموسيقى»، تقاسَمت «هو أنت مين» لأنغام، و«هيجيلي موجوع» لتامر عاشور، جائزة «الأغنية الأكثر رواجاً»، وذهبت «الأغنية المفضَّلة» إلى «الجو» لماجد المهندس، وفاز عايض بـ«الفنان المفضَّل»، وأصالة نصري بـ«الفنانة المفضَّلة»، وراكان آل ساعد بـ«الوجه الجديد المفضَّل».