«فريدة»: مونودراما تحاكي انحسار الأضواء عن المشاهير

العرض المصري يستعدّ للمشاركة في «مهرجان بلغاريا الدولي»

لقطة من العرض (مسرح الطليعة)
لقطة من العرض (مسرح الطليعة)
TT

«فريدة»: مونودراما تحاكي انحسار الأضواء عن المشاهير

لقطة من العرض (مسرح الطليعة)
لقطة من العرض (مسرح الطليعة)

كيف تكون مشاعر المرء حين يتوقّف عن العمل جراء تقدّمه في السنّ، خصوصاً بالنسبة للذين كانت الأضواء والشهرة والنجاح تملأ حياتهم؟ وكيف له أن يواصل الحياة بعد تبدُّل أحواله؟ سؤالان يضعهما العرض المسرحي المصري «فريدة» بين يدي المتلقّي فيجعلانه يعيش المشاعر نفسها، كأنه صاحب التجربة الأليمة للشخصية الرئيسية والوحيدة في العمل، التي تؤدّيها الفنانة عايدة فهمي.

تدور أحداث العرض، بموسمه الثاني، على «مسرح الطليعة» في القاهرة، حول ممثلة تتذكر رحلتها الفنية وما آلت إليه من لحظات نجاح وفشل خلال حياتها، وهو سبق وشارك في الاحتفالات الخاصة باختيار مدينة إربد عاصمة للثقافة العربية لعام 2022. ويستعدّ للمشاركة في «مهرجان بلغاريا الدولي للمونودراما» في أغسطس (آب) المقبل، علماً بأنه من كتابة أكرم مصطفى وإخراجه، وتصميم ديكور وإضاءة عمرو عبد الله، وموسيقى محمد حمدي رؤوف.

في بداية العرض، يصعب على المتلقّي الإفلات من المقارنة مع العمل الأصلي المُستَلهم منه، وهو «أغنية البجعة» للمؤلّف الروسي أنطون تشيخوف (1887)، إلا أنه سرعان ما يلمح التباعد بين العملين، إذ لا ينتمي «أغنية البجعة» إلى مسرح المونودراما؛ بل يتكوّن من شخصيتين هما الممثل والمُلقن، كما أنّ بطل العمل (الممثل) رجل وليس امرأة، وهو شيخ عجوز وحيد، لم يتزوج ولا أبناء له، وهب حياته للمسرح، وأدّى أدواراً عظيمة من الأدب العالمي، وحين كبر في السنّ لم يعد أحد يتذكره أو يهتمّ بحاله.

مسرحية «فريدة» تجسّد حياة فنانة انحسرت عنها الأضواء (مسرح الطليعة)

في المقابل، تقدّم «فريدة» حياة إحدى النجمات الشهيرات السابقات في عالم المسرح بعدما أصبحت عجوزاً. خلال العرض (نحو 45 دقيقة)، تستدعي أدوارَها طوال مشوارها الفني، بينما تشهد على «بروفات» إحدى المسرحيات، فإذا بها تظلّ وحيدة لا يتذكرها أحد، بعدما كان الجميع يلتفّ حولها.

ووفق المخرج والمؤلّف أكرم مصطفى، فإنّ العمل ترجمة للتأثّر بقضية إنسانية عميقة المشاعر، تحاكي حال الإنسان حين يتبدّل أمره من النقيض إلى النقيض. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «المرأة التي اخترتها بطلة للعمل هي رمز لبلوغ هذه الأحاسيس أقصى درجات الألم. فكم حزنت حين كبرت وملأت وجهها التجاعيد وتراجع جمالها، فما بالنا حين يتعلق الأمر بفنانة شهيرة كانت تلاحقها الأضواء والمعجبون والمعجبات؟!».

أسهم تعدّد الأدوار التي استدعتها عايدة فهمي من ذاكرتها الفنية، بإثراء العمل وقطع الطريق على ملل قد يشوب بعض مسرحيات المونودراما. فتنقل المشاهد ما بين شخصية «الليدي ماكبث» بكل قسوتها، وشخصية «ميديا» بدمويتها، إلى المرأة المغلوبة على أمرها التي يسيطر عليها شعور بالقهر والظلم، والفتاة الريفية الطيبة، وغير أدوار كانت أدّتها على المسرح في الماضي، وفق أحداث العرض.

ورغم أنّ مسرح المونودراما في مصر لا يسجّل حضوراً بارزاً، فقد وقع اختيار أكرم مصطفى عليه. فهل كان مجرّد تمرّد على العمل الأصلي «أغنية البجعة»؟ ينفي، ويقول: «صحيح أنّ المونودراما ليست حاضرة بوضوح على الساحة الفنية، لكن ذلك لا يعني أنّ الجمهور المصري لا يحبّها أو ينجذب إليها ويفهمها، بل بالعكس، لذلك لم أتردّد، ولي مطلق الحرية في تقديمه بمعالجة فنية جديدة ومختلفة».

ويتابع: «مسرحيات الممثل الواحد صعبة بالنسبة إلى المؤلّف والمخرج والممثل. هي أصعب أنواع الكتابة المسرحية، وتتطلّب من المخرج خبرة فنية طويلة وثقافة عالية، كما تبحث بالضرورة عن الممثل المبدع الذي يحلّ محل ممثّلين عدّة، ويكون قادراً على سرد نص مطوَّل عن طريق الحوار بهدف إيصال رسالة المسرحية ودلالاتها إلى الجمهور، وربما لذلك يبتعد صنّاع المسرح عن المونودراما».

كما يؤكد أنه يحبّ هذا النوع من المسرح، فهو في الأصل ممثل، والمونودراما تُعظّم دور الممثل: «هنا، يسيطر الممثل على الصالة، فيُستَعاض عن أشخاص عدّة وأصوات عدّة من خلال قدرته على فرض رؤية متكاملة على الخشبة، إلى توظيف عناصر العرض جميعها؛ مثل الجسد والحركة والكلام والانفعالات العاطفية والتعبير والموسيقى والصوت وسائر المفردات السينوغرافية؛ للاستحواذ على الجمهور لنحو ساعة بلا ملل».


مقالات ذات صلة

«زقاق» ينظم ورش عمل فنية لإحياء الدور الثقافي في زمن الحرب

يوميات الشرق تدريبات منوعة على الأداء الفني (مسرح زقاق)

«زقاق» ينظم ورش عمل فنية لإحياء الدور الثقافي في زمن الحرب

كان من المفروض أن تحتفل خشبة «زقاق» بعيد تأسيسها الـ18 هذه السنة؛ ولكن مع نشوب الحرب في لبنان قرّرت تأجيلها بعد عام كامل من التحضير لها.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

«مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل».

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

أمعاء الديناصورات تكشف كيفية هيمنتها على عالم الحيوانات

صورة تعبيرية لديناصورين في  بداية العصر الجوراسي (أ.ب)
صورة تعبيرية لديناصورين في بداية العصر الجوراسي (أ.ب)
TT

أمعاء الديناصورات تكشف كيفية هيمنتها على عالم الحيوانات

صورة تعبيرية لديناصورين في  بداية العصر الجوراسي (أ.ب)
صورة تعبيرية لديناصورين في بداية العصر الجوراسي (أ.ب)

أظهرت دراسة حديثة أن عيَّنات من البراز والقيء وبقايا أطعمة متحجرة في أمعاء الديناصورات توفّر مؤشرات إلى كيفية هيمنة الديناصورات على عالم الحيوانات قبل أكثر من 200 مليون سنة.

تُعرف معلومات كثيرة عن وجود الديناصورات وانقراضها قبل 66 مليون سنة. لكن «لا نعرف سوى القليل عن كيفية هيمنتها» على العالم قبل نحو ثلاثين مليون سنة، وفق ما يقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» مارتن كفارنستروم من جامعة أوبسالا السويدية، وهو عالم متحجرات والمعد الرئيس للدراسة التي نشرت نتائجها مجلة «نيتشر».

وقدّم فريق الباحثين الذي أشرف عليه عالم المتحجرات غجيغوج نيدفيدسكي الموجود أيضاً في جامعة أوبسالا، مراجعة شاملة لأكثر من 500 بروماليت، وهي بقايا متحجرة لما هضمته ديناصورات الحوض البولندي وتقيأته وأفرغته كبراز.

ومن خلال تحديد محتواها وربطه بمنتجيها، تمكّن الباحثون من «تحديد أي ديناصور تناول أي حيوان أو أغذية»، بحسب كفارنستروم، و«إظهار تالياً كيف تغيّر الدور البيئي للديناصورات مع مرور الوقت».

وفُحص الكوبروليت، وهو براز متحجر، باستخدام تقنيات متطورة مثل التصوير المقطعي السنكروتروني الدقيق؛ مما كشف عن خنافس سليمة تقريباً وفقرات أو أسنان أسماك وقطع نباتات وعظام مطحونة.

ومن خلال تقاطع هذه البيانات مع تلك الخاصة بعلم المتحجرات وتطور المناخ والغطاء النباتي، وضع الباحثون نموذجاً للهيمنة التدريجية للديناصورات على الطبيعة.

صورة تظهر براز ديناصورات آكلة للنباتات متحجرة تم العثور عليها في سولتيكوف - بولندا (أ.ب)

«أسلاف»

تتضح هذه السيطرة من خلال متوسط قطر وطول البروماليت الفقارية الذي زاد بنحو ثلاث مرات لدى الديناصورات الموجودة في الحوض البولندي على مدى 30 مليون سنة.

وزاد أيضاً حجم الديناصورات صاحبة البقايا المتحجرة، خلال هذه المرحلة الممتدة من نهاية العصر الترياسي إلى بداية العصر الجوراسي.

وكان «سلف» هذه السلالة من الديناصورات، وهو السيليصور، «صغيراً نوعاً ما»؛ إذ بلغ طوله متراً تقريباً عند الرقبة ووصل وزنه في أفضل الأحوال إلى 15 كيلوغراماً.

وفي حين أنّ الحيوان المهيمن آنذاك وهو ديسينودونتس الذي يزن بضعة أطنان، كان يتغذى حصراً على الأشجار الصنوبرية، كان السيليصور آكلاً للحوم.

ويقول كفارنستروم: «من خلال دراسة فضلاتها، نرى أنها كانت تأكل مختلف الأشياء والكثير من الحشرات والأسماك والنباتات».

وهذه الحيوانات الانتهازية وآكلة اللحوم، تكيّفت بسرعة مع التغيرات الجذرية في البيئة، مثل حلقة أمطار كارنيان. وبما أنها حاملة للرطوبة؛ تسببت بتنوع كبير في النباتات، وهو ما فاجأ الحيوانات العاشبة الكبيرة آنذاك، والتي كانت عاجزة عن التكيف مع هذا التغيير في النظام الغذائي.

وأصبحت السيليصورات ولاحقاً الديناصورات العاشبة طويلة العنق - أسلاف الدبلومودوكس - «تتغذى على هذه النباتات الجديدة». وحفَّزت هذه الحيوانات التي تزايد حجمها، نمو الثيروبودات، وهي ديناصورات تقف على قدمين وتأكل اللحوم.

وفي بداية العصر الجوراسي، كانت الحيوانات العاشبة وآكلة اللحوم الشرسة تهيمن على المشهد الطبيعي.

صورة تظهر براز ديناصورات آكلة للنباتات متحجرة تم العثور عليها في سولتيكوف - بولندا (أ.ب)

«نظريتان»

يقول كفارنستروم: «لقد كانت الديناصورات محظوظة بعض الشيء، لكنها كانت أيضاً تتكيف بشكل جيد مع البيئة المتغيرة». وقد حرصت الدراسة على عدم حسم الجدل القائم بشأن أسباب هذا التفوق.

وثمة نظريتان رئيستان لهيمنة الديناصروات، تشير الأولى إلى أنّ الديناصورات المبكرة استخدمت المزايا الفسيولوجية الرئيسة للتغلب على الحيوانات المنافسة لها، بينما تلفت الثانية إلى أن الاضطرابات البيئية، مثل الانفجارات البركانية أو تغير المناخ، قتلت حيوانات كثيرة كانت مهيمنة سابقاً؛ مما أدى إلى فجوة في رأس الهرم.

ويرى فريق أوبسالا أن النظريتين مجتمعتين أدتا إلى سيطرة الديناصورات، مع تغيرات بيئية تزامنت مع التكيف الغذائي.

ويرى الباحث في كلية لو موين في نيويورك، لورانس تانر، أنّه ينبغي النظر إلى هذه الدراسة بوصفها «نقطة انطلاق لأعمال بحثية مستقبلية».

فحتى لو كانت الدراسة تستند إلى «منهجية إبداعية بشكل خاص»، مستخدمة مجموعة من الوسائل التقنية المذهلة، تبقى «محدودة في سياقها ومداها» بالنسبة إلى الحوض البولندي، الذي كان آنذاك جزءاً من قارة بانجيا.

ويأمل كفارنستروم أن يكون «النموذج المبني في منطقة واحدة قابلاً للتطبيق في أخرى»، خصوصاً في جنوب بانجيا الذي شهد ظهور أول الديناصورات الفعلية.