تحت شعار «لا تسرقوا أصواتنا»... العاملون في الدبلجة يدخلون المعركة ضد «وحش» الذكاء الاصطناعي

يستعد الممثلون المتخصصون في دبلجة الأصوات في الأعمال السينمائية والتلفزيونية لخوض مواجهة مع الذكاء الاصطناعي الذي يهدد مستقبلهم المهني (شاترستوك)
يستعد الممثلون المتخصصون في دبلجة الأصوات في الأعمال السينمائية والتلفزيونية لخوض مواجهة مع الذكاء الاصطناعي الذي يهدد مستقبلهم المهني (شاترستوك)
TT

تحت شعار «لا تسرقوا أصواتنا»... العاملون في الدبلجة يدخلون المعركة ضد «وحش» الذكاء الاصطناعي

يستعد الممثلون المتخصصون في دبلجة الأصوات في الأعمال السينمائية والتلفزيونية لخوض مواجهة مع الذكاء الاصطناعي الذي يهدد مستقبلهم المهني (شاترستوك)
يستعد الممثلون المتخصصون في دبلجة الأصوات في الأعمال السينمائية والتلفزيونية لخوض مواجهة مع الذكاء الاصطناعي الذي يهدد مستقبلهم المهني (شاترستوك)

يثير الذكاء الاصطناعي مخاوف كثير من العاملين في حقول متنوعة من أن يتسبب في فقدانهم وظائفهم، ففي أميركا أضرب كتاب السيناريو وهدد الممثلون بالإضراب أيضا، وذلك بسبب الخطر الذي تمثله أدوات الذكاء الاصطناعي على مهنهم.

ويستعد الممثلون المتخصصون في دبلجة الأصوات في الأعمال السينمائية والتلفزيونية، وقارئو الكتب المسموعة في مختلف أنحاء العالم لخوض مواجهة مع الذكاء الاصطناعي الذي يهدد مستقبلهم المهني، ويرون فيه «وحشاً ضخماً» قادرا على إنشاء أصوات رقمية مطابقة للأصوات البشرية.

وبحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية فقد أنشأت عشرون نقابة ومنظمة عمالية من أوروبا والولايات المتحدة وأميركا اللاتينية «منظمة الأصوات المتحدة»، التي تقوم بحملات تحت شعار «لا تسرقوا أصواتنا» من أجل الدفع نحو إقرار تشريع يوائم بين الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري.

وتحذر المنظمة من الاستخدام «العشوائي وغير المنظم» للذكاء الاصطناعي، ما قد يؤدي إلى القضاء على «التراث الفني للإبداع (...) الذي لا تستطيع الآلات إنتاجه».

في السنوات الأخيرة، لم يُبدِ العاملون في مجال الدبلجة قلقاً كبيراً عند انتشار تكنولوجيا «Text To Speech» («تكست تو سبيتش»)، وهي تقنية تجعل من الممكن تحويل نص مكتوب إلى كلام صادر من صوت بشري بإلقاءٍ آلي، وهي وسيلة مستخدمة في خدمات المساعدة الصوتية مثل «سيري» و«أليكسا».

لكنّ الذكاء الاصطناعي أضاف «التعلم الآلي» الذي يسمح للبرنامج بمقارنة عينة صوتية بملايين العينات الأخرى.

وتُقدّم منصات عاملة بالذكاء الاصطناعي، مثل revoicer.com («ريفويسر دوت كوم»)، مجموعة واسعة من الخدمات الصوتية مقابل رسم شهري قدره 27 دولاراً، وهو مبلغ زهيد مقارنة مع ما يتقاضاه الأشخاص المحترفون في هذا المجال.

وتقول المنصة عبر موقعها الإلكتروني إن الخدمة «لا تهدف إلى استبدال الأصوات البشرية»، لكنّها تقدم بديلاً فعّالاً من حيث التكلفة.

وتوضح رئيسة الجمعية المكسيكية للعاملين في مجال الإلقاء الصوتي التجاري أن هذه التكنولوجيا الجديدة «تغذيها أصوات قدّمناها على مدى سنوات».

وتضيف: «نحن نتحدث عن حق الإنسان في استخدام الصوت والترجمة الفورية من دون موافقة».

وتواصل شركات التكنولوجيا هذه توظيف مترجمين، لكنّ هؤلاء يدركون أن خدماتهم تسهم في تغذية أرشيف صوتي ضخم.

وينادي فنانو الصوت هؤلاء بإقرار قوانين لمنع استخدام أصواتهم من دون موافقتهم، وفرض «حصص عمالة بشرية»، كما يوضح المدبلج الكولومبي دانيال سولر دي لا برادا الذي مثّل «منظمة الأصوات المتحدة» في الأمم المتحدة والمنظمة العالمية للملكية الفكرية.

في المكسيك، أحد أهم البلدان في مجال الدبلجة في أميركا اللاتينية، جرى أيضاً تقديم مشروع قانون يهدف إلى تنظيم هذه التكنولوجيا.

في الأرجنتين، هناك قانون يحصر الدبلجة بالأشخاص المتخصصين في المجال، ما يعني استبعاد المدبلجين الآليين وفق فرناندو كوستا، الذي يكافح مع اتحاد فناني الدبلجة ضد شعار شركات الخدمات الصوتية الرقمية «توقفوا عن الاستعانة بالمدبلجين، وفّروا المال».

«ثورة» لكن «ليس بأي ثمن»

لكن الذكاء الاصطناعي يفتح إمكانات لا حصر لها. في المستقبل، على سبيل المثال، يمكن دبلجة الصوت الحقيقي للممثل ويل سميث بلغات عدة، مع طريقة نطق محترفة شبيهة بأداء ممثلي الصوت المحترفين، بحسب الراوي والمدبلج المكسيكي ماريو فيليو.

ويقول فيليو الذي تولى الأداء الصوتي بالإسبانية لدور قدّمه ويل سميث، ووضع صوته على شخصيات شهيرة بينها «أوبي-وان كينوبي» (حرب النجوم)، و«ويني ذي بوه»: «نحن نقاتل ضد وحش ضخم».

ويشير إلى إمكانية عقد اتفاقات تحافظ على المكاسب التي يتوخاها الجمهور وتحفظ الوظائف، «بشرط أن نتقاضى رواتب عادلة»، مشدداً على «نقص الحماية» في هذه المهنة المستقلة.

اتصلت وكالة الصحافة الفرنسية بستّ شركات للخدمات الصوتية الرقمية، لكن لم يرد أي منها على أسئلتها.

ومع ذلك، توقفت وكالة الصحافة الفرنسية عند بند تعاقدي ينص على أن بيع الحقوق يشمل «وسائل وطرقاً غير موجودة أو غير معروفة (...) يمكن أن تظهر في المستقبل». ويرى العاملون بمجال الدوبلاج أن هذا البند «ينتهك» حقوقهم.

وتُجري ماكلوفيا غونزاليس، وهي مدبلجة مكسيكية تتعاون مع علامات تجارية بارزة، حالياً مفاوضات مع شركة للذكاء الاصطناعي رفضت ذكر اسمها.

قبل الالتزام معها، تقول غونزاليس إنها تطرح الكثير من الأسئلة، لكنها تحصل فقط على إجابات جزئية تقتصر على تقديم وعود بالعائدات. ومنذ أول اتصال بين الجانبين قبل خمسة أشهر، تم التعاقد مع ممثلين صوتيين آخرين. وتؤكد غونزاليس: «أريد أن أكون جزءاً من هذه الثورة، لكن ليس بأي ثمن».

وصدر التحذير ذاته عن شركة Art Dubbing («آرت دابينغ») للدبلجة، بعد طلبات تلقتها للحصول على عروض أسعار من عملاء يريدون الاستعانة بأصوات بواسطة الذكاء الاصطناعي.

ويرفض مدير الشركة، المكسيكي أنور لوبيز دي لا بينيا، التضحية بالمواهب البشرية، لكنه يدرك أنه يواجه الآن معضلة «إما التكيّف أو الزوال».

وتوقف ماريو فيليو عن إعطاء صوته للكثير من العملاء، رافضاً «الاستسلام لكل شيء». ويقول: «حان الوقت لدعم زملائي»، مبدياً قناعته بأن الذكاء الاصطناعي «لا يمكن» أن يحل محل البشر لأنه ببساطة «بلا روح».


مقالات ذات صلة

روبوت يسبح تحت الماء بشكل مستقل مستخدماً الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا يبرز نجاح «أكوا بوت» الإمكانات التحويلية للجمع بين الأجهزة المتطورة والبرامج الذكية (أكوا بوت)

روبوت يسبح تحت الماء بشكل مستقل مستخدماً الذكاء الاصطناعي

الروبوت «أكوا بوت»، الذي طوّره باحثون في جامعة كولومبيا، قادر على تنفيذ مجموعة متنوعة من المهام تحت الماء بشكل مستقل.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
تكنولوجيا غالبية القُرَّاء يرون أن الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد شعر أفضل من البشر (رويترز)

دراسة: الذكاء الاصطناعي يكتب قصائد أفضل من البشر

أكدت دراسة جديدة أن قصائد الشعر التي تكتب بواسطة أنظمة الذكاء الاصطناعي أفضل من تلك التي يكتبها البشر.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك استخدام الذكاء الاصطناعي للقيام بالكشف الأولي على المريض يمكن أن يؤدي للكشف عن كسور بالعظام قد يغفل عنها الإنسان (أ.ف.ب)

4 طرق لتحسين الرعاية الصحية بواسطة الذكاء الاصطناعي

يمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة على تحقيق ثورة في الرعاية الصحية العالمية، خصوصاً مع وجود 4.5 مليار شخص لا يستطيعون الحصول على خدمات الرعاية الصحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «الشورت» يحسّن كفاءة المشي في الهواء لدى كبار السنّ (نيتشر)

«شورت» ذكي لتحسين حركة المرضى وكبار السنّ

أعلن باحثون في «جامعة ميونيخ التقنية» عن تطوير «شورت» ذكي يساعد الأشخاص على المشي بسهولة مع تقليل ملحوظ في استهلاك الطاقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«مُستعد للرحيل»... سردية تشكيلية عن الهجرة ونوستالجيا القاهرة

ثيمات مسرحية وأغراض متنوعة في العمل التركيبي (الشرق الأوسط)
ثيمات مسرحية وأغراض متنوعة في العمل التركيبي (الشرق الأوسط)
TT

«مُستعد للرحيل»... سردية تشكيلية عن الهجرة ونوستالجيا القاهرة

ثيمات مسرحية وأغراض متنوعة في العمل التركيبي (الشرق الأوسط)
ثيمات مسرحية وأغراض متنوعة في العمل التركيبي (الشرق الأوسط)

تستقبل زائر معهد جوته الألماني بالقاهرة سيارة حمراء قديمة، فوق سقفها أغراض ومتعلقات شخصية متراصة بصورة تدعوك للتوقف وتأملها في محاولة لاستكشاف مغزى ما يطرحه الفنان المصري - الألماني سامح الطويل، بهذا التكوين في معرضه «مُستعد للرحيل»، الذي يستمر حتى 12 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

تبدو السيارة القديمة كما يشي عنوان المعرض مُتأهبة للرحيل والمغادرة، لتكون بما يعلوها من أغراض تشبه المنحوتة أو أعمال التشكيل في الفراغ، ليصنع الفنان حالة تتقاطع مع تجربته الشخصية وانفعالاته بقرار الهجرة الذي اتخذه منذ سنوات، وكأن المشروع الفني ينطلق من سؤال: «ما الذي أريد أن أصطحبه معي من وطني وأنا أرحل بعيداً عنه؟»

يشير فنان الوسائط المتعددة سامح الطويل إلى السيارة التي تم اختيارها بموديل شركة نصر «128» التي تعد أكثر سيارة شعبية في تاريخ مصر، ويقول إنها تُعادل سنوات عمره، فهي تنتمي لفترة السبعينات التي وُلد فيها، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «السيارة تُعادل الانتقال الذي قمت به، والأغراض التي أحملها معي تُمثل هُويتي وتاريخي الشخصي الذي أريد أن أحمله معي وأنا أنتقل إلى بلد جديد بثقافة جديدة مُغايرة تماماً لما تربيت عليه».

مفردات شعبية وأغراض قديمة في العمل التركيبي «مستعد للرحيل» (الشرق الأوسط)

تبدو التفاصيل التي تحملها السيارة مُنتزعة من سياقات شخصية متعددة، بداية من أصابع البيانو، إلى قطعة خشب الأرابيسك، وهناك قماش الخيامية الشهير الذي يقول الفنان إنه «في مفارقة لافتة يُستخدم في مصر خلال مناسبات الفرح والعزاء على السواء، بالإضافة إلى استخدام مصابيح الإضاءة، في عملي التركيبي لتكسبه انفعالات لونية متباينة»، كما يشير إلى كرسي خشبي يرتبط عادة بالمقاهي الشعبية في مصر تحمله السيارة على سطحها، ويقول: «أردت لو أنني أصطحب معي القهوة البلدي التي لا يشبهها شيء، كما اصطحبت معي تفاصيل شرقية كالتي ارتبطت بها منذ سنوات طفولتي في منطقة الإمام الشافعي»، وصولاً إلى استخدام مُكبرات صوت، تبدو وكأنها تبعث نداءات المؤذنين، أو ربما الصوت الخاص للفنان الذي يحمله معه أينما ارتحل.

وتنتشر مفردات الطفولة في تفاصيل عديدة في العرض، منها الدُمى القطنية، وحتى لعبة «الديناصور» التي تحوّلت إلى أيقونة فنية يوظفها الفنان المصري الألماني في أعماله، ومن اللافت أيضاً استخدامه أقنعة مُجردة تستعيد روح المسرح، وكذلك «مانيكان» بشري مُفكك أعلى سطح السيارة، الذي يقول إنه «كان يريد توظيفه بوصفه عنصراً بشرياً في العمل التركيبي»، فيما تظل دلالة كل عنصر في العمل متروكة للمتلقي الذي يمكنه تفسير العمل بوصفه تجربة سفر أو هجرة أو حتى انتقال للعالم الآخر: «رغم ذاتية الفكرة فإنها تظل لها تأويلاتها الخاصة عند كل متلقٍ، فبمجرد أن انتهيت منه صار مفتوحاً للتلقي الفني الخاص بكل متفرج على حدة». هكذا يقول الفنان الذي حصل على دبلوم عالٍ من أكاديمية الفنون الجميلة فى ميونيخ بألمانيا، وتابع دراسات الماجستير الحرة فى تاريخ فنون الوسائط في جامعة الدانوب كرمس في النمسا.

وسائط جديدة في معرض «مستعد للرحيل» (الشرق الأوسط)

ويضفي عرض العمل التركيبي «مستعد للرحيل» داخل الساحة المفتوحة لمعهد جوته (وسط القاهرة) ملامح عرض مسرحية على العمل الذي يتحاور مع المحيط المفتوح من عمارات قديمة تحيط بالمعهد الألماني العريق، لتبدو السيارة بوصفها جزءاً من هذا السياق الثقافي المُتسع.

ويبحث الفنان عن طرق متعددة للتعبير عن فلسفته الفنية عبر وسائط مختلفة، منها النحت والرسم والتصوير والقوالب الفنية التجريبية، وكذلك تقنيات الفيديو، ومنها مشروعه الذي يتم عرضه بعنوان «باتجاه عقارب الساعة» الذي يطرح من خلاله أفكاراً حول الوجود والموت والحياة بوصفها دائرة غامضة متصلة، دون أن يستخدم حواراً منطوقاً في فيلمه القصير، فيما يعتمد على لغة الجسد ودراما أشخاص الفيلم الذين يجسدون مرادفات أخرى لثيمة الرحيل.