زكي سلام... نحات فلسطيني جرفته أوجاع الشرق إلى حجارة الجزائر

يتخذ من فنّه إلهاماً لتجسيد أحداث حياته في «اللجوءين»

الفنان التشكيلي والنحات الفلسطيني زكي سلام (الشرق الأوسط)
الفنان التشكيلي والنحات الفلسطيني زكي سلام (الشرق الأوسط)
TT

زكي سلام... نحات فلسطيني جرفته أوجاع الشرق إلى حجارة الجزائر

الفنان التشكيلي والنحات الفلسطيني زكي سلام (الشرق الأوسط)
الفنان التشكيلي والنحات الفلسطيني زكي سلام (الشرق الأوسط)

زكي سلام، فنان تشكيلي ونحات فلسطيني، يعيش في الجزائر، جاءها من سوريا مع اندلاع الأزمة عام 2011. يقول في حوار لـ«الشرق الأوسط»، عن شعوره وهو يلتقي بأدوات فنّه في أول مدينة جزائرية احتضنته مع عائلته التي فرّت من جحيم الحرب: «الوادي الذي بجانب البيت كان مستودعاً كبيراً للحجارة، أتأملها وحين أرفع حجراً من مكانه أنظر بعينٍ شاكرة إلى الجبل على هذا العطاء، وتلمس يدي الماء عرفاناً وشكراً على حمله. فمن يتخيل أن حجراً قُدّ من الجبل ودحرجته المياه، ربما لآلاف السنين، يصل إلي أنا القادم من أوجاع الشرق ليصير تمثالاً يحمل أعباء اللجوء؟».

الفنان زكي سلام يعمل على إحدى منحوتاته (الشرق الأوسط)

الاحتكاك بالحجارة في بلدة أولاد سيدي إبراهيم قرب بوسعادة، (260 كيلومتراً جنوب العاصمة)، ملهمة الكثير من الفنانين والأدباء والشعراء، كان بمثابة «إحساس صوفي وروحاني غامر، يشعرني بأن هذه الحجارة قد حضرت من أجلي قبل أن أكون أصلاً، وحضرت لتنتشلني من بؤس الواقع، الذي وُضعتُ فيه وأنتشلها من حجريتها وأعطيها شكلاً ونوعاً من حياة جديدة. وفي مسعاي هذا ترفعني من مأساة لجوئي وما يملأ رأسي من غبار الحرب، التي تركتها ورائي تغيّب كل يوم تقريباً من أحبابي وتهدم ما بنيناه مادياً ومعنوياً بجهدنا وعرقنا ومالنا، طيلة حياتنا الماضية التي أصبحت حقاً من الماضي».

إحدى منحوتات زكي سلام البرونزية (الشرق الأوسط)

في ريف دمشق، وُلد زكي سلام عام 1958 لأبوين فلسطينيين لاجئين، «كان المكان رائعاً ذابت روعته أمام غربتنا وفقرنا».

انتقل الفنان مع أسرته إلى مخيم اليرموك، حيث درس الإعدادية والثانوية ودرس الفن إلى المرحلة الأولى من الدراسات العليا في جامعة دمشق قسم النحت. وعمل في معهد الفنون التطبيقية، مدرساً للتقنيات ورئيساً لقسم الخزف، حيث أسس مشغلاً لصبّ الأعمال الفنية بالبرونز وفرعاً للفخار والخزف، كما أسس صالة عرض سماها «بيت الرؤى للفنون الجميلة»، يقول عنها: إنها «ساهمت إلى حدٍ كبير في ربط الجمهور مع الفن التشكيلي، وبث ثقافة الفن».

توجّه زكي سلام في بداياته، إلى الفن التشكيلي بمعناه الواسع؛ إذ كانت له تجارب في التصوير والحفر والخزف. غير أن توجهه الأساس كان للنحت وتقنياته المختلفة، وبحثه المستمر عن إمكانات التعبير والتشكيل لهذه المواد، «كان التعبير دائماً هدف الفن لدي، متناولاً ما يدور حولي في الحياة، وحياة المخيم تحديداً، وهو بشكل ما صورة للصراع مع العدو وإفرازات هذا الصراع وأثره علينا. رصدت ذلك من الجانب الوجداني؛ إذ يحضر الإنسان عندي أو ما ينوب عنه معبراً عن حالات معينة».

من أعمال الفنان زكي سلام (الشرق الأوسط)

وباندلاع الأحداث في سوريا، قبل 12 عاماً، سافر زكي سلام إلى الجزائر على غرار الآلاف من المواطنين السوريين وغير السوريين. يقول عن هذه التجربة التي تركت فيه أثراً بالغاً، إنساناً وفناناً»: «وجودي هنا في الجزائر قصة لجوء إضافية. كنت أعيش لاجئاً في مخيم اليرموك بدمشق، وكان قرارنا العائلي أن نغادر جراء الأحداث التي شكّلت بداية الحرب في سوريا، والتي توقعنا أن تنجرف إلى أحداث أكثر عنفاً ودموية. قررنا التوجه إلى الجزائر وكانت أقرب ما تكون إلى صورة بنيناها في خيالنا كما نحب لا كما الواقع. وهكذا كان، تركنا الاحتمال الأكبر أن تنتهي الأحداث في سوريا ونسعد بزيارة الجزائر، ومن ثم نعود إلى بيتنا وحياتنا. إلّا أن الزمن قد طال لأكثر من 10 سنوات بحلوها ومرّها. كنا في مهب ريح اقتلعتنا الحرب بعيداً عن مسرح ماضينا ولم يعطنا المكان الجديد أيّ صورة واضحة لمستقبلنا، وكان لزاماً علينا في تلك الظروف أن نعيد بناء حياتنا حجراً حجراً، ونبتةً نبتة مستثمرين ما منحنا الخالق من حياة وصحة بأفضل الممكن. أشعر أحياناً بأن الزمن توقف، رغم محاولاتنا الدائمة للمضي قدماً وتجاوز العوائق والاستمرار بحمل رسالتي فناناً».

وفيما يخصّ الهجرة إلى الجزائر وأثرها على فنّه، يقول سلام: إنها تجربة معقّدة «تتعايش فيها متناقضات لا يُتوقع أن تتجاور وتتعايش، وقد بدت وكأنها قدر مكتوب على الرغم من إيماني بأن الإنسان حر الخيارات». المحطة الأولى كانت أولاد سيدي إبراهيم الديس قرب بوسعادة، لم يكن يعرف شيئاً عن المكان والمدينة التي تعدّ بوابة الصحراء، وملهمة الفنانين المعروفة بهدوئها وهو القادم من صخب عاصمة الأمويين. يحكي سلام عند وصوله إلى البلدة الصحراوية، فيقول «نزلنا في بيت كبير في ضيافة أحد الأصدقاء. بيتٌ يجاور الجبل والوادي في أقصى نقطة بالقرية، هذا المكان أعطاني إمكانية أن أكون مع ظرفي الشخصي نحاتاً بدوام كامل، حيث لا علاقات ولا التزامات اجتماعية، لا أهل ولا أصدقاء ولا عمل، كانت 24 ساعة في اليوم مُلكاً للنحات الذي يسكنني».

تسنى له في بوسعادة، مع الوقت، التعرف إلى العديد من الفنانين من أهل المنطقة، وهم كُثر وكانوا نعم الناس ونعم العون لنا». وتعرف سلام أيضاً إلى فنانين من التاريخ مرّوا ببوسعادة، التي كانت جاذبة للمبدعين؛ الأمر الذي وفّر له فرصة لبداية عرض أعماله، والتعرف إلى مزيد من الفنانين في المعارض التشكيلية التي شارك فيها.

بعدها انتقل إلى مدينة في غرب البلاد. يقول عن هذه التجربة الجديدة: «ساقني القدر مرة ثانية إلى مدينة أخرى، عريقة بتاريخها وفنها وثقافتها ومعمارها. تلمسان المختلفة تماماً كمدينة أخرى وتجربة أخرى، أستطيع القول إن فني في هذه الفترة أصبح ملتصقاً بي ويعبّر بحساسية أعلى عني، ورغم إحساسي بالوحدة هنا فأنا مؤمن بأن العالم الذي نعيشه هو تصور جماعي ينقله جيل إلى آخر، ويضيف إليه. وبذلت لكي أكون في سياق هذا مؤمناً بأن الفنان قادر أن يضيف انعكاسه، على الحياة في المكان والزمان».

نظّم زكي سلام معارض عدّة فردية طيلة مدة وجوده في الجزائر، وله العديد من المشاركات في المعارض التشكيلية بمختلف محافظاتها، وهو يعيش حالياً مع أسرته في تلمسان بأقصى غرب الجزائر.

منحوتة تظهر مجموعة من النساء المهاجرات (الشرق الأوسط)

ولكن، كيف ومتى اكتشف الفنان سلام قدرته على الإبداع، وما هي الأدوات التي يشتغل بها؟

يقول: «ما من اكتشاف هنا. كان الفن منذ بداية الوعي لدي مغرياً للتعبير. فالعملية الإبداعية هي في واحدة من جوانبها المهمة بناء صلة لا تنفصل مع الروح، فتعكس الحياة الداخلية لمنتجها وتبثها في الحاضر، وقد أسعفني الحظ بوجود بعض الأدوات البسيطة كأدوات الرسم وآلة التصوير والطين والجبس، إلى الخشب والحجر والفخار والخزف، ومن ثمّ إلى البرونز، وتجارب أخرى في مواد حديثة».

وعن موقع فلسطين وحياة اللجوء في سوريا والجزائر، بمنحوتاته، يوضح سلام: «الحياة المعاشة هي المصدر الأساسي على ما أعتقد. وقد كان صدق التجربة في الفن هو المعيار لقيمته، وبالتالي يعكس رؤيتنا الذاتية لما يدور حولنا وفي وجداننا حول الحياة والوجود. وكون جل حياتي في المخيم، فإن هذا أكثر ما أثّر فيّ عامة وبتجربتي خصوصاً، وأعطى لفني مساره الذي هو عليه وموضوعاته التي ما انفكت ترصد ما أُحس به، بالمعنى الشخصي لوجودي ومن حولي من فلسطينيي المخيم ومعاناتهم المختلفة جراء اللجوء والجرائم المتكررة في حقهم، منذ النكبة الأولى عام 1948 وإعادة إنتاجها مراراً وتكراراً إلى يومنا الحاضر، فالنسوة ينتظرن عودة رجالهن الغائبين ومواكب الشهداء تعبر بانتظام شوارع المخيم والوجوه الصامدة الصابرة المتحدية، جزءٌ من الموضوعات التي حضرت في أعمالي من دون جهد مني».



الذكاء الاصطناعي يعجز عن حل مسائل الرياضيات الصعبة

تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)
تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)
TT

الذكاء الاصطناعي يعجز عن حل مسائل الرياضيات الصعبة

تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)
تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع في الرياضيات الحديثة (arXiv - 2024)

قام فريق دولي من الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي وعلماء الرياضيات التابعين لعدة مؤسسات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتطوير مقياس رياضي، يسمح للعلماء باختبار قدرات أنظمة الذكاء الاصطناعي على حل مشاكل رياضية صعبة للغاية.

وأظهرت نتائج دراستهم المنشورة على منصة «أركيف بريبرنت (arXiv preprint)» للأوراق البحثية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التي حققت درجات جيدة من قبل، وفق كثير من المعايير والمقاييس التقليدية، لم تتمكن من تسجيل درجات أعلى من 2 في المائة في تقديم حلول للمسائل الرياضية الصعبة، وفق مقياس الاختبارات الجديد.

ووفق بيان منشور، الثلاثاء، على منصة «ساينس إكس نتورك» فإنه على مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت برامج الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق مثل «شات جي بي تي (ChatGPT)» أكثر تطوراً، وبالتالي تبدو في بعض الأحيان وكأنها تتمتع بمستوى عالٍ جداً من الذكاء يجعلها قادرة على حل كثير من المعضلات في كثير من المجالات المختلفة. إلا أنه وفقاً لنتائج الدراسة الأخيرة هناك مجال واحد لا يزالون يفشلون فيه، حل مشاكل الرياضيات الصعبة.

ومع استمرار عمل مطوري أنظمة الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين مهارات الرياضيات في نماذجهم، فقد طوروا عدداً من المقاييس لتكون بمثابة وسيلة لاختبار تقدمهم، ومنها اثنان هما الأكثر شعبية؛ MATH وGSM8K.

وبمرور الوقت، تحسنت برامج ذكاء اصطناعي إلى الحد الذي أصبحت فيه قادرة على تسجيل درجات تصل إلى 90 في المائة في هذه اختبارات تلك المقاييس.

ولكن كما لاحظ أعضاء فريق الدراسة، فإن مستوى صعوبة مثل هذه المقاييس ليس مرتفعاً بما يكفي، لذا قرروا أن هناك حاجة إلى مقياس جديد لاختبارات قدرات الذكاء الاصطناعي في حل المسائل الرياضية الصعبة، وعليه أنشأوا مقياساً جديداً يفي بهذا الغرض، أطلقوا عليه اسم FrontierMath، وهو الذي يقدم مقياساً مستمراً للتقدم في التفكير الرياضي المعقد للذكاء الاصطناعي.

ومن ثم تواصل فريق البحث مع بعض من ألمع العقول في مجال الرياضيات، وطلبوا منهم تقديم بعض مسائل الرياضيات الصعبة حقاً، وبالفعل تلقوا المئات منها.

وكما يقول الباحثون، فإن «مثل هذه المسائل ليست فريدة من نوعها فحسب، بل إنها تتطلب أيضاً مستوى عميقاً من الفهم للرياضيات. وقد يستغرق حل بعضها عدة أيام». كما تغطي هذه المسائل مجموعة واسعة من المواضيع، من نظرية الأعداد إلى الهندسة الجبرية (أحد فروع علم الجبر). وللحصول على درجات جيدة في معيار FrontierMath، يجب أن يتمتع نظام الذكاء الاصطناعي بالإبداع والبصيرة، وما يصفه فريق البحث بـ«الخبرة العميقة في المجال».

ويوضح الباحثون: «نجحت نماذج الذكاء الاصطناعي في حل أقل من 2 في المائة من المسائل الرياضية الصعبة فقط، مما يكشف عن فجوة هائلة بين قدراتها، وبراعة أفراد المجتمع العلمي الرياضي من العلماء والباحثين».

وأضافوا: «رغم تقدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في محاولة للوصول إلى القدرات الرياضية نفسها على مستوى الخبراء والمتخصصين، فإن منصة FrontierMath تقدم اختبارات صارمة تستطيع أن تقيس مدى هذا التقدم».