مي متّى لـ«الشرق الأوسط»: لم تُغرني الكاميرا وما اكترثتُ للشهرة

إطلالتها بعد غياب أشعلت الحنين إلى «الزمن الجميل»

مي متّى عادت إلى الضوء من خلال «مهرجان الزمن الجميل» (حسابها الشخصي)
مي متّى عادت إلى الضوء من خلال «مهرجان الزمن الجميل» (حسابها الشخصي)
TT

مي متّى لـ«الشرق الأوسط»: لم تُغرني الكاميرا وما اكترثتُ للشهرة

مي متّى عادت إلى الضوء من خلال «مهرجان الزمن الجميل» (حسابها الشخصي)
مي متّى عادت إلى الضوء من خلال «مهرجان الزمن الجميل» (حسابها الشخصي)

أدمع حاضرون في «مهرجان الزمن الجميل»، المُقام مؤخرا بـ«كازينو لبنان»، وهم يستعيدون أيام مي متّى، الإعلامية العريقة المتوارية. راحت صور تتدفّق، فتُسيّل في العيون فيض المشاعر. كانت تعدّ الفتوش للغداء، حين طلبت التمهّل لإجراء الحوار. هكذا هي، تتروّى لضمان الإتقان. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن «الصدق والجمال المفقودين» وسطوة الرخاوة.

كان قرارها الغياب كلياً منذ تقديم استقالتها على هواء الـ«LBC» عام 2010. كثّف الابتعاد الأشواق، فحين أطلّت بدت «مثل فاكهة في الشتاء». لم تكن مي متّى، مع أسماء بحجم مي شدياق وجورج غانم ونوفل ضو، مجرد مذيعي أخبار ومحاورين عاديين، بل شكّلوا مجد لبنان الإعلامي وذروة الاحتراف. تذكُر تلك الأيام: «كنا أيضاً نهتم بالحضور والمظهر. اعتُمدت تسريحة شَعرنا في كل لبنان. ملابسنا شكلت مضربَ مثل. كان (التايور) مَعْلم الإطلالة الأنيقة. الآن، يختلف كل شيء. لا ألوم الجيل الجديد، فهذا الزمن خفيف. اعتدنا إتقان الملبس والتسريحة، اليوم يخرجون بأي ثياب وأي شَعر».

مي متّى في زمن العزّ (حسابها الشخصي)

نعود إلى يوم الوداع وإسدال الستارة بعد سنوات من تقديم برنامجها «أجندة». لم تحدث الأمور فجأة، فتروي: «بدأت تلوح ملامح ضائقة مالية، فتوقف إنتاج البرامج الجديدة. أراد جيل الشباب أن يحاول. ومَن أتوا كانوا بنصف سنّي. شعرتُ بأنّ المكان لم يعد لي، ولن أُسلَّم برنامجاً يليق بخبرتي. اتّضحت المرحلة المقبلة، فأردتُ الانسحاب».

تؤكد أنّ الودّ لم يُمسّ، فلا تزال تتبادل و«المؤسسة اللبنانية للإرسال» الاحترام والمحبة. «الظرف فرض القرار بتوافق بيني وبين الإدارة. إنها الحياة، ولستُ من النوع المُكابر. لم أتلقَّ عروضاً لائقة ولم أطرق باباً. لفحني التعب، فحان وقت الاستراحة. التلفزيون كان هواية أكثر مما هو حاجة. ثم أكد ظرفي الشخصي صواب قراري، فعانى زوجي المرض وتبدّلت الأولويات».

لعشر سنوات، علّمت مي متّى أصول المهنة لطلاب في جامعات. كانت لهم نموذجاً في بلوغ القمة ومن ثَمّ الانكفاء حين لم يعد الزمن لأصحاب القمم. لكن ألم يُلحّ إغراء الضوء؟ ألم يُصَب الداخل بغصّة العمر جراء الانتقال من الوهج إلى الصمت؟ وذلك الشوق إلى البريق، ألا يوقظ الصنف المُعذّب من الحنين إلى ما فات؟ تردّ: «في عزّ الشهرة، لم أكترث للضوء. لم تُمارس عليَّ الكاميرا إغراءاتها. تفرّغتُ لمهنة عشقتها، فشكّلت وحدها محطّ اهتمامي».

«يرتكب مذيعون كمّاً من الأخطاء اللغوية خلال قراءة النشرة. لم تعد تُولى أهمية للمدققين. يختلط الرفع بالنصب والفتحة بالكسرة والضمّة. مَن يصوّب؟»

الإعلامية مي متّى

بدأت الرحلة في منتصف الثمانينات، خلالها كرّست بصمة الكبار. تعدّدت البرامج، من «صارت الساعة 8»، فـ«أهلا بهالطلة»، و«كأس النجوم» و«أجندة»، إلى تقديمها أبرز مهرجانات لبنان. وتركت مع أعلام المؤسسة حضوراً فريداً في البرنامج الصباحي المستمر إلى اليوم، «نهاركم سعيد»، فحاورت بثقافة واحترام. تسأل وتصغي إلى الجواب. تدرك وقت المقاطعة وفائدة الاسترسال. والأهم، «أقدّر ضيفي كائناً مَن يكون. لا آتي بضيف لأقلل من شأنه. أحاوره إنسانياً».

تشرح أسباب تبدّل الأحوال وغلبة الركاكة: «لا ألوم المذيعين أنفسهم. إنها سلسلة تتعلق بالتربية والمدارس. يتراجع إصرار الأهل على تعليم أولادهم اللغة العربية السليمة، والمناهج ليست على أفضل ما يرام. يرتكب مذيعون كمّاً من الأخطاء اللغوية خلال قراءة النشرة. لم تعد تُولى أهمية للمدققين. يختلط الرفع بالنصب والفتحة بالكسرة والضمّة. مَن يصوّب؟ الجميع يلهث لتأمين عيشه وسط الاختناق الاقتصادي. في زمن الانهيار، قلّما ينجو أحد».

 

هي قامة بين مؤسِّسي الـ«LBC» وصانعي عزّها. لم يأتِ ذلك من فراغ، فالذين تقدّموا لقراءة النشرة الإخبارية، خضعوا لاختبارات من لجنة متخصّصة، ضمنت تحلّيهم بلغة عربية سليمة، أو كما يحلو لها التأكيد: «ولا غلطة». وهم لم يُسلَّموا ثقة إدارة الحوار إلا عن جدارة. كانوا شهوداً على العصر الذهبي للإعلام اللبناني.

الإعلامية مي متّى أشعلت الحنين إلى مجد التلفزيون اللبناني (حسابها الشخصي)

المقارنات مؤلمة. ومؤلم أكثر أفول المراحل. تتحسّر مي متّى على شرخ كامن بين حوارات الماضي والحاضر. لا تُعمّم، لكنّ الاستخفاف يطغى: «يفتقر الحوار التلفزيوني اليوم إلى المادة. مذيعون ومذيعات يكتفون بذاتهم، ولا يجدون ضرورة للتحضير والإعداد. يأتي الضيف فيُلقي محاضرة ويرحل! وكثر يفتقدون المخزون الثقافي. يغلب الحوارَ النقصُ في الاطلاع، فلا يضيف المُحاور شيئاً، سوى مقاطعة الضيف والقفز فوق كلامه».

 

تكمل عدّ الفوارق: «مذيعون ومذيعات تُعطى الأسئلة إليهم ويكتفون بطرحها. من المهين التحدّث إلى ضيف من خلال قراءة ما كُتب على ورقة. هذا لا يليق به وبالمُحاوِر. كانت قاعدتي ثابتة: إن أتى ضيف إليّ حجمه مائة، غادر الاستوديو وحجمه ألف. (يا ستّ مي كبّرتيني)، كانوا يقولون لي».

من المزايا النادرة في مي متّى، شبع النفس. علمت مكانتها وأدركت قيمتها، فواجهت المناكفات بثقة وتجاوزت الصغائر بكِبر. تشير أيضاً إلى أهمية إتقان اللغات الأجنبية: «كانوا يفاجئونني بضيف من فرنسا، فأحاوره بالفرنسية. لم أخش المفاجآت. الحوار لم يكن يُسلّم لأي كان».

تُحمّل الظروف مسؤولية الانهيار، «لكنها ليست وحدها ما أوصلنا إلى هنا. الزمن لا يتحمّل المسؤولية بمفرده». تُذكّر بأنّ التلفزيون لكل الناس، «للأمهات والآباء والمربين والأطفال وكبار السنّ، فلِمَ الإسفاف؟». كان الترفيه آنذاك قيّماً، شكّل نموذجاً سبّاقاً. اليوم، «انحطاط لا أقبل به». تؤسفها الاستباحة: «هل يعقل أنّ كل شيء بات مسموحاً وسط غياب تام للممنوع؟ ماذا نشاهد؟ لقد فُقد الاحترام».

ويحزنها تفريط التلفزيون اللبناني بالحيّز الثقافي، منذ ختام برنامج «صاروا مية»؛ المنارة في الظلمة: «يظنّون الثقافة مادة جامدة تُنفّر الإعلانات. ليس صحيحاً! بعلبك ثقافة، وفيروز وجبران ومهرجانات الصيف والمسرح والرقص والفن...».

لم تعلم مي متّى أنّ لها مكاناً بهذا الحجم في الذاكرة، فأطلّت لتُفاجَأ: «المحبّة كبَّرت قلبي». تمضي الصيف في منزلها الجبلي، تنتظر ابنها الوحيد ليعود من عمله. تطبخ كل يوم، تخيّط، وتصلّي: «الرجاء أن يعمّ السلام كل نفس، فهو النعمة الكبرى».



مهرجان «مسرح الهواة» في مصر يحتفل بمرور 20 عاماً على انطلاقه

الفنانة ريهام عبد الغفور تتسلم درع تكريم والدها الراحل أشرف عبد الغفور (وزارة الثقافة المصرية)
الفنانة ريهام عبد الغفور تتسلم درع تكريم والدها الراحل أشرف عبد الغفور (وزارة الثقافة المصرية)
TT

مهرجان «مسرح الهواة» في مصر يحتفل بمرور 20 عاماً على انطلاقه

الفنانة ريهام عبد الغفور تتسلم درع تكريم والدها الراحل أشرف عبد الغفور (وزارة الثقافة المصرية)
الفنانة ريهام عبد الغفور تتسلم درع تكريم والدها الراحل أشرف عبد الغفور (وزارة الثقافة المصرية)

احتفى مهرجان مسرح الهواة في مصر بمرور 20 عاماً على انطلاقه، واختار عنواناً لدورته الجديدة التي افتتحت، الأحد، على مسرح السامر اسم الفنان الراحل زكريا الحجاوي، بالإضافة إلى تكريم عدد من فناني وصنّاع المسرح، كما تم تكريم أسماء عدد من الفنانين الراحلين.

واعتبر محمد ناصف، نائب رئيس هيئة قصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة المصرية، أن هذا المهرجان «من أهم برامج وزارة الثقافة»، معلناً دعم الفائزين في ختام المهرجان من ممثلين ومخرجين باعتمادهم وتقديم دورات تدريبية لصقل مواهبهم.

وأشاد ناصف بما يمثله المهرجان من «القوة الناعمة القادرة على المواجهة والتغيير، لجعل مصر الأجمل والأرقى»، وفق بيان لوزارة الثقافة، الاثنين.

وكرّم المهرجان عدداً من فناني المسرح وهم: عايدة فهمي، وماجدة منير، ونهاد أبو العينين، والناقدة القديرة منحة البطراوي، وأحمد إسماعيل، وخالد الذهبي، وسعيد صديق، وعادل عبده، وياسر علي ماهر، وكرم أيضاً المخرجين جمال قاسم ومجدي مجاهد.

وقال الدكتور مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشؤون الثقافية، إن «المهرجان يمثل اكتشافاً للجمال والوصول للناس بأدوات فقيرة وبمعانٍ شديدة الثراء، فعلى مدى عشرين عاماً استطاع هذا المسرح المتميز أن يمثل فضاء فنياً مختلفاً».

تكريم الفنانين في مهرجان مسرح الهواة (وزارة الثقافة المصرية)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المهرجان يمثل الجمعيات الثقافية الأهلية ويعدّ دعماً لهذه الجمعيات، بعيداً عن الفرق النظامية أو الفرق الرسمية، وهذه الجمعيات مليئة بالمواهب التي يتم دعمها من خلال الإدارة العامة للجمعيات الثقافية».

ويضم المهرجان في دورته العشرين 11 عرضاً مسرحياً من بينها عرضان على مسرح السامر، الاثنين، بتقديم أولهما بعنوان «حديث الصباح والمساء» لفرقة جمعية البسمة لرعاية المعاقين، قصة الأديب العالمي نجيب محفوظ، وإخراج محمد شاكر، والثاني بعنوان «الحوش» لفرقة جمعية نادي المسرح ببورسعيد، تأليف وإخراج محمد أسامة المصري.

وأوضح شومان أن «هذا العام حاولنا أن تكون النصوص المختارة مصرية تشجيعاً للمؤلفين المصريين، وأن تستلهم النصوص التراث والمأثور الشعبي للتأكيد على الهوية المسرحية لمصر، لذلك اخترنا زكريا الحجاوي كمؤسس ورائد عظيم لمسرح وفرق الغناء الشعبي لإطلاق اسمه على هذه الدورة».

وكرم المهرجان، الذي يترأسه الدكتور هاني كمال، أسماء عدد من الفنانين والكتّاب والقيادات الراحلين وهم: أشرف عبد الغفور، ومحمود الجندي، والدكتورة عايدة علام، وأحمد حلاوة، والدكتور علاء عبد العزيز، محمد البطاوي، ومحمد لبيب، وممدوح أبو يوسف.

وتستهدف العروض التي تقدمها فرق الجمعيات الثقافية تشجيع المبدعين في مجال العمل المسرحي على التنافس الخلاق، وتطوير مستقبل المسرح بمختلف أقاليم مصر، وقد شهد حفل الافتتاح العرض المسرحي «النصف الثاني من الطريق» لفرقة الجمعية المصرية لهواة المسرح من تأليف وإخراج أحمد رجائي.

وعلى هامش الافتتاح تم تنظيم معرض للحرف التراثية من إنتاج الجمعيات الثقافية التي تشرف عليها الهيئة ومعرض للكتاب من إصدارات الهيئة، إضافة إلى عرض فيلم تسجيلي عن المهرجان والفنان الراحل زكريا الحجاوي ونبذة عن العروض المشاركة، مونتاج وإخراج محمد شومان.