عنوان جناح دولة الإمارات في بينالي البندقية للعمارة، يعتمد على الكلمة ونقيضها؛ «وفرة قاحلة». قبل زيارة المعرض نجد أنفسنا أمام العنوان المحير، كيف تكون الوفرة قاحلة؟! وما علاقة ذلك بالعمارة، أو بما يريد البينالي تقديمه تحت عنوانه العام «مختبر المستقبل»؟
الإجابة تكمن داخل الجناح، الذي يفاجئنا بتكوينات حجرية من أشكال وقطع غير متساوية وبألوان مختلفة، إضافة إلى طبقة مما يبدو وكأنه مسحوق حجري يفرش الأرض تحت أقدامنا.
ما الذي يريد الجناح أن يقدمه؟ يشرح لنا القيم الفني فيصل طبارة، المشرف على المعرض، المعنى ومدلولات العنوان. طبارة هو عميد مشارك وأستاذ عمارة مشارك في كلية العمارة والفن والتصميم في الجامعة الأميركية بالشارقة. يتحدث لـ«الشرق الأوسط» حول المعرض ومدلولاته بالنسبة للعمارة في العالم، ومواجهة التحديات البيئية والجفاف.
أنطلق من العنوان وأسأله عن التناقض بين المعاني والمصطلحات، يشرح لي قائلاً: «يعكس العنوان سؤالاً أساسياً. هو؛ كيف سيتغير مفهوم العمارة إذا ما أعدنا تخيل بيئتنا ومعطياتها الطبيعية؟ نقترح بشكل ما أن هناك وفرة في القحط، ليس بالمعنى التقليدي، ولكن عبر التساؤل؛ كيف يمكننا بناء مستقبل مستدام بما لدينا؟». في البيان الخاص بالعرض، يقول طبارة: «نطمح إلى تغيير التصورات التقليدية السائدة حول البيئات القاحلة التي توصف بأنها فقيرة وشحيحة الموارد، وإعادة تصورها كمساحات منتجة وغزيرة بالموارد والمعرفة، من خلال استكشاف أنظمة بناء معاصرة وبديلة متجذرة في المحيط البيئي والثقافي لدولة الإمارات العربية المتحدة».
يشير إلى أن مادة المعرض كانت نتيجة أبحاث أجريت في منطقة جبال الحجر بالإمارات وأجزاء من الساحل الشرقي للبلاد، «هي أراضٍ خصبة عبر تاريخها، لدينا مدونات تعود لعام 985 ميلادياً، تتحدث عن الأشجار والوفرة في هذه المنطقة التي تسمى (الباطنة)، لدينا أيضاً معرفة بوسائل الزراعة التي كانت تستخدم في المناطق الجبلية والساحلية». يشرح أن «الصورة في أذهان الناس للمنطقة هي لمنطقة قاحلة، وهذه هي النقطة التي نتحدث عنها، فما يتصور الناس أنه قحط، ليس كذلك في الواقع».
ويعتمد الجناح الوطني معالجة المعتقدات الخاطئة حول المساحات القاحلة، ووصفها بمساحات شحيحة الموارد، مسلطاً الضوء على الأنظمة البيئية المزدهرة التي لطالما كانت متواجدة ومنتشرة في دولة الإمارات والمناطق المحيطة، وذلك من خلال الممارسات المرتبطة بالبيئة المحيطة التي طوّرها السكّان المحليون الذين استوعبوا بيئتهم جيداً وفهموا طبيعتها وسماتها الغالبة. وبالنسبة للإمارات، فقد نجحت هذه الممارسات سابقاً في تعزيز أسس استقرار الحياة في تلك البيئات التي تعاني من ندرة المياه.
يقول طبارة إن الجناح رغم أنه يتحدث عن مناطق محددة في الإمارات فإن المواد الموجودة أمامنا ليست من الإمارات، بل من فينيسيا، «قررنا عدم شحن أي من المواد من الإمارات إلى فينيسيا، وقررنا الحصول عليها من المناطق المحيطة بها، فزرنا محاجر وكسارات محلية تقع داخل مساحة 100 كيلومتر في منطقة فِنيتو، وحصلنا على الأحجار وقطع الصخور التي هنا، ليست أحجاراً من النوع الذي قد يستخدم في البناء، بل هي أنواع تسمى (نفايات الأحجار)، وهي أنواع تهشم للحصول على تراب يستخدم في صناعات أخرى». يضيف معلومة هامة: «30 بالمائة من الصخور في العالم هي من (نفايات الأحجار)... ما يعدّ غير نافع يمكننا تحويله ليصبح نافعاً ومفيداً». استخدم المعرض عدة طرق في تجميع الأحجار بالاعتماد على مخلفات قطع الأحجار من المحاجر الموجودة في منطقة فِنيتو الإيطالية. وقد تم استخدام كثير من التقنيات، مثل المسح الضوئي ثلاثي الأبعاد والطباعة ثلاثية الأبعاد، التي تساهم في تعزيز مرونة عمليات التصميم والتركيب، لتقديم أنظمة بناء معاصرة وبديلة متجذرة في بيئتها الثقافية والمادية.
بشكل ما يستكشف الجناح الاحتمالات المعمارية التي يمكن استغلالها عندما نعيد تصور البيئات القاحلة كمساحات وفيرة، يعتمد التصور الذي يطرحه طبارة على التقاطعات بين الممارسات المعمارية المتجذرة في بيئتها وبين التكنولوجيا المعاصرة. يسعى الجناح أيضاً لتسليط الضوء على الممارسات المعمارية المتجذرة، والحاجة للتأقلم مع المستجدات في الظروف المناخية.
يحوّل معرض «وفرة قاحلة» الجناح إلى بيئة تستعرض الصفات المكانية والمادية والملموسة الموجودة في البيئات ذات الوفرة القاحلة. في حين يتم إدخال سلسلة من التركيبات الحجرية في المعرض، تعمل كوسائل لعرض تكتيكات البناء المتعددة التي تم تقصيها في جبال الحجر، مثل التكديس الجاف والتضمين والتغشية. وتمكّن اللوحات الصوتية والمرئية للفنانة المكلفة ريم فلكناز المتلقي من التفاعل مع بيئة جبال الحجر، تأكيداً على أهمية هذه الممارسات المحلية وإمكانية توظيفها في سياقات بيئية أخرى.