قهوة «حُبّ زيادة»

حكاية مقهى لبناني طاقمه من ذوي الاحتياجات الخاصة

TT

قهوة «حُبّ زيادة»

لمس وسيم الحاج حاجة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى دخول سوق العمل فأسس مقهى «أغونيستا» (الشرق الأوسط)
لمس وسيم الحاج حاجة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى دخول سوق العمل فأسس مقهى «أغونيستا» (الشرق الأوسط)

تفوح من القهوة هنا رائحة حُبّ، وتلوح على صفحة الفنجان وفوق وجوه مَن حضّروه ابتسامات لا تشبه أي ابتسامات أخرى. في مقهى «أغونيستا Agonista» في بيروت، ليس الموظّفون مثلما يتوقّعهم الزبائن؛ فهم من ذوي الاحتياجات الخاصة.

فرح التي تعاني من متلازمة «أنغلمان» تستقبل روّاد المقهى بلهفتها وبريق عينَيها، تسجّل طلباتهم وتهتمّ بالحساب من دون ارتكاب أي خطأ. أما جورج المصاب بمتلازمة «داون» (تثلّث الصبغية 21)، فيحضّر كل أنواع القهوة والعصير ويزيّنها بمزاحه مع الزبائن. وفي الصالة، يجول جوني وأليكس بين الطاولات ليتأكدا من أنّ أحداً لا ينقصه شيء.

قرضٌ شخصيّ...

منذ 6 سنوات، كانت «Agonista» مجرّد فكرة تدور في رأس المعالج الفيزيائي وسيم الحاج ويهجس بها ليل نهار. هو الذي احتكّ خلال عمله بعدد كبير من ذوي الاحتياجات الخاصة، اكتشف قدرات ذهنية وجسدية كبيرة لديهم، والأهم من ذلك، التمسَ «حاجتهم الملحّة إلى الاندماج في المجتمع والحصول على وظائف، والشعور بأنهم مُنتجون وقادرون على مساعدة عائلاتهم، بدل أن يكونوا عبئاً عليها».

لمس وسيم الحاج حاجة ذوي الاحتياجات الخاصة إلى دخول سوق العمل فأسس مقهى «أغونيستا» (الشرق الأوسط)

اتضحت ملامح الفكرة أكثر في مخيّلة وسيم يوم التقى صبيّة مصابة بمتلازمة «داون»، كانت تبيع أشغالها اليدويّة في أحد المعارض. يخبر «الشرق الأوسط» كيف أن جهوده المشتركة مع الجمعية اللبنانية لتثلّث الصبغيّة 21، أثمرت هذا المقهى الملوّن بالأصفر والذي يحمل قضية دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع والطبقة العاملة.

كانت خميرة الانطلاق قرضاً شخصياً حصل عليه الحاج من المصرف عام 2018، «لكن لولا الشباب والصبايا الذين آمنوا بأنفسهم، ولولا أهاليهم الذين منحوهم الثقة وما زالوا حتى اليوم يصحبونهم إلى الدوام، لم يكن الحلم ليتحوّل إلى حقيقة»، وفق تعبير المؤسس.

نجمٌ في المقهى وعلى «تيك توك»

خلال 5 سنوات من حياة المقهى الفريد من نوعه في لبنان والعالم العربي، أبصر الحاج تحوّلات كثيرة في شخصيات الموظّفين الـ14. أليكس المصاب بالتوحّد والذي كان بالكاد يتفوّه بكلمة ويرفض التعاطي مع الناس، صار اليوم يرحّب بالزبائن ويهتم بطلباتهم ويتواصل معهم؛ «حتى أمه صُدمت بتطوّره»، يقول الحاج.

أما جورج فقد تحوّل إلى «شيف» وfood blogger على منصة «تيك توك»، حيث لديه آلاف المتابعين. هو نجم المقهى من دون منازع، يحبه زملاؤه ويفرح الزبائن بالحديث معه.

على غسان كذلك، فعل العمل في المقهى فعله. انضمّ إلى الفريق في الـ42 من عمره، من دون أي خبرة مهنية سابقة. تقرّ والدته بأن السنوات الـ5 التي أمضاها في «أغونيستا» لم يختبر مثلها منذ طفولته، إلى درجة أن كلامه بات واضحاً بعد 4 عقود من التلعثم والنطق المتعثّر.

غالبية الحالات التي يعانيها العاملون في فرعَي «أغونيستا» ذهنية وليست جسدية. منهم مَن هو مصاب بداء الصَرع، أو بالتوحّد، أو بمتلازمة «أنغلمان»، أما الجزء الأكبر فيعاني من تثلّث الصبغيّة 21 (داون). في تنوّع الحالات هذا، تكمن قوّة الفريق. ومن هنا جاءت تسمية المحل، فكلمة «أغونيستا» تعني أعضاء الجسد التي يكمّل بعضها البعض وتتعاون من أجل إنجاز حركة ما. هكذا هو فريق المقهى، متّحدٌ في ضعفه ليولّد طاقة إيجابية تنعكس على الزبائن.

انضم غسان (47 سنة) إلى فريق المقهى منذ 5 أعوام (الشرق الأوسط)

بيئة مهنية حاضنة

لا ينكر وسيم الحاج أن القلق انتابه مع انطلاقة المشروع؛ خشي من عدم تقبّل الناس الأمر. غير أن ردود فعل روّاد المقهى هدّأت قلقه: «كان تفاعل الناس كبيراً وغالبية الزبائن باتوا يقصدوننا من أجل تشجيع الفكرة وليس لمجرّد تناول القهوة. من النادر جداً أن تصدر عن الروّاد ردود فعل مستفزّة أو مؤذية». يوضح الحاج: «صار الموظفون نجوم هذا المحل بسبب السوشيال ميديا، وبعض الأشخاص يزورون المكان ليتعرّفوا عليهم ويلتقطوا الصور معهم».

ليس الموظفون نجوماً بسبب حالاتهم الخاصة فحسب، بل لأنهم متفانون في عملهم إلى أقصى حدّ. يفسّر الحاج هذا الشغف الاستثنائي بكونهم «لديهم ما يثبتونه، ثم إنهم كانوا ينتظرون هكذا فرصة منذ زمن». في مجتمعٍ ما زال يمارس التمييز مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ووسط بيئة مهنية غير حاضنة لهم، من البدهيّ أن يتمسّك موظفو «أغونيستا» بعملهم لأنه من شبه المستحيل أن يجدوا وظيفة أخرى. وفق تعبير الحاج، «بات هذا العمل وهذا المكان يختصران حياتهم كلها. وهو منحَهم وأهاليهم فرحاً كبيراً».

يفتخر جورج بأنه، وبفضل راتبه، صار قادراً كأشقائه، على مساعدة أهله في مصاريف البيت. أما أكثر ما يفرحه فهو الشعور برضا الزبائن عن القهوة أو «الكوكتيل» التي أعدّها لهم والتي لا تهاونَ في نوعيّتها ونكهتها.

مثل جورج، لا تتذمّر فرح من ساعات العمل الطويلة، فهذا هو المكان الأحبّ إلى قلبها.

وصلت ثقة الحاج بقدرات الفريق العامل إلى درجة أنه بات قادراً على تسليمهم المحل بمفردهم. يوضح أنه من النادر أن يرتكبوا أخطاءً في الطلبات، وحتى إن فعلوا فإن «ردود فعل الزبائن تأتي متفهّمة ولطيفة».

تحدّي الاستمرار

خلال جائحة كورونا والحجر المنزلي، أدرك الحاج قيمة «مساحة الفرح والأمان» التي اخترعها لنفسه ولفريقه المميّز. في تلك الفترة، كانوا يتصلون به يومياً ويبكون خائفين من أن يبقى المقهى مقفلاً إلى ما لا نهاية. حتى اليوم ورغم عبور الجائحة، لا يفارق هذا الهاجس رأس وسيم؛ هو الذي استثمر كل نبضة قلب وكل خليّة في دماغه في هذا المشروع، لا يتخيّل الشارع خالياً من المقهى الأصفر الصغير.

يستمر «أغونيستا» بفضل «الزبائن الأوفياء الذين تبنّوا المقهى وباتوا يزورونه بوتيرة شبه يومية، ليقوموا بأعمالهم ويعقدوا اجتماعاتهم فيه»، وفق ما يؤكد الحاج. غير أن الإيرادات غير كافية للمضيّ قدماً، ولذلك فقد ابتكر الحاج أنشطة موازية، مثل «باص القهوة» الخاص بالمحل والذي يجول على المهرجانات والمناسبات في المناطق.

تجول الحافلة التابعة للمقهى على المهرجانات في المناطق اللبنانية (الشرق الأوسط)

من جانب آخر، وبالتعاون مع منظمة «يونيسيف»، يستعدّ الفريق لإطلاق مطبخه الذي يُعنى بتحضير الوجبات الخفيفة من ساندويتشات وحلويات ستُباع في المقهى وفي متاجر متفرقة. ومن المفترض أن تفتح هذه المبادرة باب التوظيف أمام مزيدٍ من ذوي الاحتياجات الخاصة المدرَّبين في المجال.


مقالات ذات صلة

كيف تؤثر القهوة في أمعائك؟

صحتك شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء (إ.ب.أ)

كيف تؤثر القهوة في أمعائك؟

كشفت دراسة جديدة عن أن شرب القهوة يزيد من تنوع ميكروبيوم الأمعاء ويعزز نمو البكتيريا المفيد بها، الأمر الذي يؤثر بالإيجاب في صحتنا ككل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك القهوة غنية بمضادات الأكسدة (أ.ف.ب)

فوائد تناول البروتين مع القهوة في الصباح

يمكن للقهوة والبروتين تعزيز صحتك بطرق متنوعة، فالقهوة غنية بمضادات الأكسدة ويمكن أن تساعد في مقاومة الإجهاد التأكسدي، الذي يرتبط بالإصابة بالأمراض المزمنة.

صحتك لا يقتصر حب القهوة على تناول فنجان أو اثنين في اليوم... فمنهم مَن يشرب 50 منها (رويترز)

ماذا يحدث لجسمك عند تناول رشفة من الكافيين؟

يرصد التقرير كيف يؤثر الكافيين علينا ويسبب تغيراً بيولوجياً في أجسامنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد نائب أمير منطقة جازان يدشن المركز وإلى جانبه نائب الرئيس للشؤون العامة في «أرامكو» خالد الزامل (أرامكو)

«أرامكو» تدشّن مركز تطوير البن السعودي في منطقة جازان

دشّنت «أرامكو السعودية» مركز تطوير البن السعودي في جازان ضمن مبادرات المواطنة التي تقدمها لدعم زراعة وإنتاج البن في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (الظهران)
يوميات الشرق لا يقتصر حب القهوة على تناول فنجان أو اثنين في اليوم... فمنهم مَن يشرب 50 منها (رويترز)

ومن البُنِّ ما قتل... مشاهير أدمنوا القهوة فشربوا 50 فنجاناً في اليوم

وصل هَوَس الكاتب هونوري ده بالزاك بالقهوة حدّ تناول 50 فنجاناً منها يومياً، أما بريتني سبيرز فتشربها بالـ«غالونات». ما سر هذا المشروب الذي أدمنه المشاهير؟

كريستين حبيب (بيروت)

ولد عام غرق «تيتانيك» وعاش الحربين العالميتين... وفاة أكبر معمر في العالم

جون تينيسوود (رويترز)
جون تينيسوود (رويترز)
TT

ولد عام غرق «تيتانيك» وعاش الحربين العالميتين... وفاة أكبر معمر في العالم

جون تينيسوود (رويترز)
جون تينيسوود (رويترز)

توفي أكبر رجل معمر في العالم عن عمر ناهز 112 عاماً.

وُلد جون تينيسوود في ليفربول في 26 أغسطس (آب) 1912، وأصبح أكبر رجل معمر في العالم في أبريل (نيسان)، وفق ما أعلنت عائلته وموسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، الثلاثاء.

قالت عائلته في بيان نقلته صحيفة «الإندبندنت»، إن جون تُوفي يوم الاثنين في دار رعايته في ساوثبورت، ميرسيسايد، «محاطاً بالموسيقى والحب».

وقالت العائلة: «كان جون يحب دائماً أن يقول شكراً. لذا، نيابة عنه، شكراً لجميع أولئك الذين اعتنوا به على مر السنين، بمن في ذلك مقدمو الرعاية له في دار رعاية هوليز، وأطباء الأسرة، وممرضات المنطقة، والمعالج المهني، وغيرهم من موظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية».

وعاش تينيسوود، الذي ترك وراءه ابنته سوزان وأربعة أحفاد وثلاثة من أبناء الأحفاد، ليكون رابع أكبر رجل بريطاني في التاريخ المسجل.

وقالت عائلته: «كان لدى جون العديد من الصفات الجميلة. كان ذكياً وحاسماً وشجاعاً وهادئاً في أي أزمة، وموهوباً في الرياضيات ومحادثاً رائعاً».

وأضافوا: «انتقل جون إلى دار رعاية هوليز قبل عيد ميلاده المائة بقليل، وكان لطفه وحماسه للحياة مصدر إلهام لموظفي دار الرعاية وزملائه المقيمين».

في وقت سابق من هذا العام، أخبر موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية أنه لا يشعر «باختلاف» لبلوغه 112 عاماً.

وقال: «لا أشعر بهذا العمر، ولا أشعر بالإثارة تجاهه. ربما لهذا السبب وصلت إلى هذا العمر. أنا فقط أتعامل مع الأمر بصدر رحب مثل أي شيء آخر، لا أعرف على الإطلاق لماذا عشت كل هذه المدة».

وأضاف: «لا أستطيع التفكير في أي أسرار خاصة لدي. كنت نشيطاً للغاية عندما كنت صغيراً، كنت أمشي كثيراً. لا أعرف ما إذا كان ذلك له علاقة بذلك. لكن بالنسبة لي، أنا لا أختلف عن أي شخص. لا أختلف على الإطلاق».

بخلاف تناول السمك والبطاطا المقلية كل يوم جمعة، لم يكن جون يتبع أي نظام غذائي معين، وقال: «أنا آكل ما يقدمونه لي وكذلك يفعل الجميع».

جون تينيسوود، الذي ولد في العام الذي غرقت فيه السفينة «تيتانيك»، عاش الحربين العالميتين، وكان أكبر رجل في العالم من قدامى المحاربين في الحرب العالمية الثانية. عمل في منصب إداري في هيئة رواتب الجيش.

بالإضافة إلى الحسابات والتدقيق، كان عمله يتضمن مهام لوجيستية مثل تحديد مكان الجنود العالقين وتنظيم الإمدادات الغذائية، ثم عمل محاسباً في «شل وبي بي» قبل تقاعده في عام 1972.

وكان تينيسوود من مشجعي نادي ليفربول لكرة القدم طيلة حياته، وقد وُلد بعد 20 عاماً فقط من تأسيس النادي في عام 1892 وشهد جميع انتصارات ناديه الثمانية في كأس الاتحاد الإنجليزي و17 من أصل 19 فوزاً بالدوري.

التقى تينيسوود بزوجته بلودوين في حفل رقص في ليفربول، واستمتع الزوجان معاً لمدة 44 عاماً قبل وفاة بلودوين في عام 1986.

وأصبح أكبر رجل على قيد الحياة في أبريل (نيسان) عن عمر 111 عاماً، بعد وفاة خوان فيسينتي بيريز عن عمر 114 عاماً من فنزويلا.