عبر منحوتات صغيرة لشخصيات عربية وعالمية مؤثرة، تحاكي ملامحهم وتؤكد حضورهم الإنساني العابر للزمن، تجتمع هذه الشخصيات من الشرق والغرب؛ من أم كلثوم ونجيب محفوظ وعمر الشريف، إلى بيكاسو وتشيخوف وشارلي شابلن، ضمن 30 شخصية يجمعها مكان واحد؛ في دعوة تشكيلية لاحترام ثقافة الآخر ومنجزه الإنساني، وذلك ضمن معرض «يهمني الإنسان» المقام حالياً في «قاعة محمود مختار» بدار الأوبرا المصرية.
ويُعدّ المعرض الذي افتتحه السفير الإيطالي في القاهرة ميكالي كواروني، جزءاً من مشروع أنجزه الفنان فادي فرنسيس لمائة شخصية مؤثرة تنتمي إلى مجالات عدّة في الفن والأدب والرياضة والعلوم والتاريخ... من أنحاء العالم. وهي شخصيات تختلف في ثقافتها ولغتها، لكن يجمعها دور إنساني مؤثر.
وتراصت التماثيل الصغيرة فوق مناضد طويلة لتكون بمستوى رؤية الزوار، فلا تخطئ العين الشخصيات عن بُعد، رغم صغر حجمها (ما بين 6 و20 سم).
وإذا كان فن النحت من أقدم الفنون التي عرفها الإنسان، فإنّ فن المجسمات الصغيرة عُرف منذ الحضارات القديمة، وفق تأكيد فرنسيس لـ«الشرق الأوسط». وإذ يشير إلى أنه «في الحضارة الصينية جرى الرسم على حبة الأرزّ»، ينوّه بالمنحوتات الصغيرة التي تُدخل الفنان في تحدٍّ ليصيب ملامح الشخصيات بدقة، إلى تأصيل الوجه ونظرة العين في أصغر مساحة، عِلماً أنّ معظم التماثيل النصفية يراوح حجمها ما بين 6 و8 سم، أما أكبر تمثال فهو لبيتهوفن (لا يتجاوز حجمه 20 سم). يضيف: «تقريب الشبه أمر مهم، غير أنّ روح الشخصية هي الأهم».
يعتمد الفنان على الصلصال الحراري في تنفيذ منحوتاته، الشبيه بالصلصال العادي، لكنه يتعرّض للحرارة داخل الأفران لتصبح القطعة الفنية مشابهة للبلاستيك؛ مما يسهّل اقتناءها، فيلوّن بعضها لإضفاء الواقعية إلى ملامح الشخصية.
تُعد المنحوتات الصغيرة في المعرض جزءاً من مشروع يضم مائة شخصية بدأها الفنان قبل أربع سنوات، فيقول: «بدأت بتمثال نجيب محفوظ ثم توفيق الحكيم. ورأيت أن أضم شخصيات عالمية مؤثرة من مختلف العصور في مجالات عدة. هدف التنوع التأكيد بأن الأساس هو الإنسان مهما اختلفت اللغات والانتماءات. أنجزتُ المائة شخصية، حيث تشارك منها 45 تمثالاً بمعرض يُقام حالياً بمدينة بروكسل».
وبينما استغرق تنفيذ تمثال أم كلثوم عشر ساعات، فإنّ منحوتات أخرى استغرقت أياماً. وخلال المعرض يظهر الرسام ليوناردو دافنشي جالساً بجوار لوحته الشهيرة «موناليزا». ويقول فرنسيس إنه سافر إلى أوروبا قبل عامين للترويج لفكرة المائة شخصية وصوَّر بعض المنحوتات في أربع دول داخل المعالم المرتبطة بها، فحضر العالم الفرنسي شامبليون داخل قسم المصريات بمتحف «اللوفر»، وبيكاسو داخل متحفه.
ينتمي فادي فرنسيس إلى مشارب فنية متعدّدة، بجانب النحت، من بينها الرسم والتصوير الضوئي والفوتوغرافي، وقد ظهرت موهبته منذ الصغر، لنشأته في مدينة الأقصر وتفتُّح عينيه على كنوز الآثار فيها. وهو ابن عائلة فنية، فوالدته تعمل في مجال ترميم اللوحات، ووالده عالم مصريات ويهتم بالتصوير، وشقيقه شادي مؤلّف موسيقي ومخرج سينمائي. ورغم دراسة فرنسيس الإعلام وعمله صحافياً، فإنّ الفن استماله، فشارك بمعارض في مصر، وبمعرض جماعي في هامبورغ بألمانيا، كما يضم معرضه الحالي ببروكسل بعض رسومه التي نفذها بالتصوير الضوئي.