يفرغ ملعب «نادي النصر» من الجماهير الحماسية والقلوب الخافقة، بينما نجمه الأسطورة كريستيانو رونالدو يعبر ممرّه مع الإعلامية السعودية وئام الدخيل. يتذكر المرة الأولى التي وطئت فيها قدماه المكان، حين تسرّب إليه توتّر الملعب الملتهب، بحضور عائلته وهيبة البيئة الجديدة. «تغيّر الوضع الآن»، يخبرها. «تأقلمتُ وأشعر بالراحة. إنني أصنع ذكريات حلوة».
ترمقه محاورته كما تُرمَق الأساطير. تفتح يديها لمنح السؤال اتساعاً مجازياً: «هل تشعر بأنّ هذا هو منزلك الآن؟»، وتشير بالذراعين المنشرحتين إلى الملعب. يجيبها بعشق الكبار لما يجيدونه، بأنه ملعبه وسيسعى إلى الأفضل.
يتذكر صاحب الرقم سبعة الملقّب بـ«الدون»، يوم أتى إلى السعودية. كان حفل التقديم مذهلاً، يُخبر وئام الدخيل، مشيراً إلى توقّع الحفاوة وفرادة الاستقبال. «اليوم الخاص لم يكن لي ولعائلتي فحسب، بل أيضاً لمَن رحّبوا. كنتُ متفاجئاً جداً، وبدا الأمر مميزاً على العديد من النواحي».
سبق للدخيل إدارتها الحوار الأول للنجم البرتغالي أثناء المؤتمر الصحافي لتقديمه رسمياً لاعباً لـ«نادي النصر». يومها، وثّقت بـ«سِلفي» جمعتهما بهجة اللحظة النادرة. يتجدد اللقاء من داخل الملعب الأصفر. وcr7 يبدو مرتاحاً، يتكلم بهدوء، يتطلع إلى المستقبل، ويعمّر ذكريات استثنائية.
تعيده الدخيل إلى الإفراط في التوقعات أمام فورة الحماسة. تسأل: «كيف تشعر حالياً مع اقترابنا من نهاية الموسم (الدوري السعودي للمحترفين- SPL) من دون إحراز ألقاب؟». الزمن يدرّب على الصبر ويعلّم الدرس الأقسى: لا تسير الأمور دائماً كما نرغب أو نتوقع. يردّ كريستيانو بأنّ التوقعات خالفت مجريات الأحداث، ويعد بألقاب وأرقام قياسية.
يحدّثها عن الاستمرارية والمثابرة ويشدّد بثقة: «سنتحسن كثيراً». يشاء تأكيد الإنجازات: «بالنظر إلى نحو 5 أشهر، أبلى الفريق حسناً، وتقدّمت إلى الأمام جميع فرق الدوري، من بينها فريقي. يتطلّب الأمر بعض الوقت، لكنّ التحلّي بالإيمان ومطاردة الهدف يجعلان الأحلام ممكنة».
ليست الدخيل وحدها مَن تبتسم عيناها وهي تصغي إلى رجل فائق الكاريزما، لامع، يتحدث على مهل كأنه يطرّز مرحلة. انعكاسات الدهشة ممتدة إلى المتلقي. يشكل رونالدو نموذجاً للأمل وعبرة بأنّ المرء خسارة وربح. «أنا متفائل جداً وواثق بأنّ الأمور ستتغير»، مُلهم في الإصرار والتصميم وإدراك أنّ الحياة ليست دائماً أماني الأطفال.
ماذا عن اللعب في المملكة؟ عن الجماهير، الجودة، البنية التحتية، والتجربة عموماً، هل لامست توقعاته؟ تسأله، فيجيبها: «الدوري تنافسي وهناك فرص عدّة للنمو. نمتلك فرقاً جيدة، كذلك الحال بالنسبة إلى اللاعبين العرب». لم يخفِ أنّ ثمة أموراً يمكن تداركها بالتخطيط والعمل خلال السنوات الخمس المقبلة، «لكنني سعيد وسأستمر هنا».
يرى الدوري السعودي مؤهلاً لأن يصبح ضمن أقوى خمس منافسات للدوري في العالم، إن تدارك الثغر. الرهان كبير عليه، فتشيد محاورته بالمزايا: «تعلم مدى إلهامك لمَن حولك، ودورك في رفع مستوى الوعي والمعايير عندما يتعلق الأمر بالصحة والنظام الغذائي والتدريب والاستمرارية وأخلاقيات العمل».
يخبرها أنّ زملاءه لاحظوا انضباطه، فلعبُ كرة القدم على أعلى مستوى طوال 20 عاماً ليس أبداً صدفة. «الجينات مهمّة، لكن العوامل الأخرى مهمّة أيضاً. أعتقد أنني ساعدتُ كثيراً من اللاعبين. فنظرتهم للياقة وأسلوب الحياة تشكل اختزالاً لكيفية لعب الكرة».
التحدّيات في السعودية، مشابهة تقريباً لتلك في أوروبا. يشرح مَن يضيف «تويتر» رمز الماعز أمام «هاشتاغ» اسمه، اختصاراً لجملة «الأفضل على مرّ التاريخ»: «الفارق أننا في أوروبا نباشر التدريبات في الفترة الصباحية. هنا، تجري بعد الظهر أو في المساء». خلال رمضان، أستغرب تأجيلها حتى العاشرة ليلاً، إنما الفوارق تُغني تجربته وذاكرته، فيخلُص: «أحبّ عيش تلك اللحظات، فأتعلّم منها ومن الثقافات أيضاً».
تضعه محاورته أمام إحصائية تُسعده: «80 في المائة من سكان المملكة المحلّيين يمارسون لعبة كرة القدم أو يشاهدونها أو يرتادون الملاعب». سُرَّ. وقد لمح إلى حب الكرة، حب الحياة. ذلك يحرّضه على العطاء وشطب الخذلان من بين الاحتمالات.
يفرح بملتحقين بالدوري، سواء أكانوا أسماء عظيمة، أم لاعبين من الشباب ومَن يكبرونهم سناً. «جميعهم مرحّب بهم. وجودهم سيُحسّن الموسم». بالنسبة إليه، العمر ليس بالأمر المهم، فالأهم هي الروح التنافسية، وحدها القادرة على التنبؤ بمستوى اللاعبين الصغار ومستقبلهم.
أمضى وقتاً ممتعاً مع عائلته في «بوليفارد وورد» وتناولوا طعاماً لذيذاً. يشارك تجربته: «الحياة هنا جيدة على مستوى قضاء الوقت والاطلاع على الثقافة وفن الطعام. السعودية جميلة في الليل أيضاً. مدارس الأطفال فيها ممتازة والدولة تبني للمستقبل».
رحلته المقبلة إلى العلا: «رائعة ومتشوّق لزيارتها».