غادة شبير... من الأندلس إلى كورسيكا على جناح SPIRIT

الفنانة اللبنانية تلمس انفتاحاً سمعياً أوروبياً على النغم العربي

الفنانة اللبنانية غادة شبير (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية غادة شبير (الشرق الأوسط)
TT

غادة شبير... من الأندلس إلى كورسيكا على جناح SPIRIT

الفنانة اللبنانية غادة شبير (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية غادة شبير (الشرق الأوسط)

تعمّقت الفنانة اللبنانية غادة شبير في التراث الموسيقي الشرقي. مارسته غناءً وتلحيناً وتعليماً وتأليفاً وتدريباً، لكنها لم تغرق في القِدَم بل تشبّثت بالحداثة. حملت الميكروفون بيَد ورفعت شهادة الدكتوراه بالثانية، إلا أنها لم تدع قاعة التدريس ولا المسرح يأسرانها. تحررت من هواجس الشهرة والأضواء، فشكّلت الخشبة بالنسبة إليها مساحةَ فرح تطلق عبرها أجراس صوتها.

من الترنيم إلى الغناء

انطلقت شبير من الغناء الكنَسي فارتبط اسمُها بالترنيم السرياني على وجه الخصوص، وهي تجد في ذلك محطةً أساسية تتجدّد كلّما سنحت الفرصة. تستشهد بالأخوَين رحباني وفيروز وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب الّذين انطلقوا من الكنيسة أو المسجد. منهم مَن رتّل ومنهم من جوّد القرآن الكريم، ووفق ما ترى شبير في حديث مع «الشرق الأوسط»، فإن هكذا انطلاقة تمنح الفنان «امتلاك الذات والرويّة في الغناء ورُقيّ الصوت».

رغم تلك التجربة الثرية في الغناء الديني، تقول شبير: «لم يكن هدَفي أن أصبح مرنّمة، فأنا لا أحب أن أحصر نفسي في مكان واحد». توضح أنها استقت الأساس والأصول من الترنيم، وانطلقت منه إلى الغناء. وقد أخذها الأمر إلى فضاءات أوسع وتجارب موسيقية مختلفة كان آخرها ألبوم «SPIRIT»، الذي امتزج فيه صوتها بنغمات فرقة «Missaghju» من جزيرة كورسيكا.

الألبوم متوفر على منصات البث، ومن المقرر أن يُقدَّم إلى الجمهور ضمن مهرجان «البستان» الدولي في لبنان العام المقبل. تشرح شبير أن العمل «يحمل الطابع العربي والبصمة الصوتية الخاصة بكورسيكا، أما الكلام فيعود في غالبيته إلى العصر الأندلسي». ليس مألوفاً أن يتزاوج التراث الشرقي مع الموسيقى التقليدية لجزيرةٍ غربيّة، لكن ذلك يأتي في سياق «اهتمام أوروبي كبير بالعمل على النغم العربي والمقامات وربع الصوت»، على ما تشرح شبير.

أما سبب هذا الانفتاح السمعي الحاصل، فهو أن أوروبا تفتقد ما خسرته موسيقاها بعد القرن الـ17، أي التنوّع المنبثق عن تراث البلاد المتعددة. هذا غنى حافظت عليه البلاد العربية، وفق شبير التي توضح أن «المستشرقين من بين الأوروبيين متعطّشون للاستماع إلى التراثات القديمة». ولعلّ ذلك أحد الأسباب وراء كثافة حفلات الفنانين الذين يقدّمون التراث العربي في أوروبا. وها هي شبير تستعدّ لتقديم حفلَين في كلٍ من باريس وجزيرة كريت اليونانية.

التراث العربي لا يندثر

تحرص الفنانة اللبنانية في حفلاتها، على التنويع ما بين الطرب والموشّحات والكلاسيكيات، إلى جانب أعمالها الخاصة. تقول إنها وفي غنائها لما هو قديم «تردّ الجميل لفنانين كبار أسسوا التراث اللبناني وأثرَوه مثل الأخوين رحباني وزكي ناصيف وفيلمون وهبي وغيرهم ممّن عرّفوا العالم على لبنان وفنّه».

غادة شبير: غنائي للقديم ردٌ لجميل الفنانين الكبار (الشرق الأوسط)

تبدو شبير مطمئنّة إلى أن «التراث العربي عصيّ على الاندثار»، والدليل أن طلبة الموسيقى يسعون إلى تعلّمه، والفنانون المخضرمون من جانبهم يفردون له مساحة في حفلاتهم من خلال الأغاني القديمة التي يقدمونها بأصواتهم. وتضيف في هذا الإطار: «رواج العروض الموسيقية التي تكرّم كبار الأغنية العربية أمر إيجابي جداً، ويُبرز القدرات الصوتية للفنانين العرب».

في ألبوماتها «الموشّحات»، «قوالب»، و«القصيدة»، و«أندلسيّة»، مدّت غادة شبير جسوراً بين زمنين. تقول إن «الموسيقى لا يمكنها أن تبقى هي ذاتها من عصر إلى عصر. فكما الناس، الفن يتجدّد ويتبدّل». وأن يسقط بعض هذا التجديد في الابتذال، لا يعني أن تتوقف المحاولات والخطوات الجديدة. تستقي شبير من تجربتها لتوضح: «أنا أغني التراث مثلاً، لكن ذلك لا يمنعني من تأليف ألحان عصرية لأصوات صاعدة؛ فالتحديث ضروري ولا يمكننا أن نقف مكاننا».

شبير على تماسٍ يومي مع الجيل الجديد، فهي تدرّس الموسيقى في جامعة الروح القدس – الكسليك. «أنا لست مغنية فحسب، وهذا لا يكفي لإشباعي ذهنياً. الغناء مهم جداً وأحبه، لكني أحرص على توظيف ميولي الفكرية وألا أهمل الشق العلمي»، تقول الفنانة الدكتورة.

هذا الانشغال بالشؤون الأكاديمية نتجت منه مقالات ومحاضرات وكتب منها ما هو قيد الطباعة، وأخرى قيد الإعداد مثل كتاب يُعنى بتاريخ الموسيقى العربية وبأبرز محطاتها منذ العصر الجاهلي، وصولاً إلى يومنا هذا. لا تندم شبير على الأشهر والسنوات التي تمضيها في خلوتها الكتابيّة، خصوصاً أن مؤلفاتها صارت بمثابة مراجع، مثل كتاب «مقامات» الذي يشكّل مرجعاً من بين مراجع نادرة جداً عن المقامات العربية.

لحظاتٌ للتاريخ

كما الكتب التي تبقى إرثاً ثقافياً، كذلك اللحظات المفصليّة التي تزيّن الذاكرة. عندما تسأل غادة شبير عن أجمل محطات الرحلة، تعود إلى تلك الليلة من سنة 2007 التي استلمت فيها جائزة «بي بي سي» العالمية للموسيقى لكل من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عن ألبوم «موشّحات». تأخذها الذاكرة كذلك إلى بداية المشوار وجائزة الأغنية العربية التي تسلّمتها في القاهرة عام 1997.

الفنانة اللبنانية فازت بجائزة BBC للموسيقى عام 2007 (الشرق الأوسط)

أما يوم همس الفنان وديع الصافي في أذنها على المسرح: «إحساسك في الغناء على مستوى عالٍ جداً»، فتوقّف بها الزمن وخفق قلبها بجنون، وتعود الخفقة ذاتها حين تتذكّر شهادة المطرب الراحل. تتراكم الشهادات لتتزيّن بها المسيرة، ومن بينها رأي ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، الذي تمنّى على غادة شبير أن تعيد تقديم حفلة من الموشحات قدّمتها منذ سنتين في المملكة، ليستمع إلى شرح مفصّل عن محتواها. من بين كل المكافآت المعنويّة، هذا الفضول لدى المتلقّين حول الموسيقى التي تقدّم، هو أكثر ما يُشبع الأكاديمية والفنانة اللتَين تسكنانها.


مقالات ذات صلة

صفوان بهلوان: تحجّجت بأعذار لعدم تمجيد الأسد موسيقياً

يوميات الشرق الموسيقار السوري صفوان بهلوان (الشرق الأوسط)

صفوان بهلوان: تحجّجت بأعذار لعدم تمجيد الأسد موسيقياً

وصف الموسيقار السوري الوضع في بلاده خلال السنوات الأخيرة لحكم بشار الأسد بأنه كان «مأساوياً ومُظلماً».

انتصار دردير (القاهرة)
ثقافة وفنون خطة لتأسيس النشء في المهارات الموسيقية وتأهيلهم عبر المناهج الدراسية (وزارة الثقافة)

السعودية: تأهيل آلاف المعلمات في الفنون الموسيقية

فتحت وزارتا «الثقافة» و«التعليم» في السعودية، الأحد، التسجيل للمرحلة الثانية من برنامج تأهيل معلمات رياض الأطفال للتدريب على مهارات الفنون الموسيقية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

منصور الرحباني في عيون نجوم مسرحه

في ذكرى رحيل منصور الرحباني يتحدّث غسان صليبا ورفيق علي أحمد وهبة طوجي عن ذكرياتهم مع أحد عباقرة لبنان والشرق وما تعلّموا من العمل على مسرحه

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق جويل حجار تؤمن بالأحلام الكبيرة وتخطّي الإنسان ذاته (الشرق الأوسط)

جويل حجار... «جذور ومسارات عربية» تُتوّج الأحلام الكبرى

بالنسبة إلى جويل حجار، الإيمان بالأفكار وإرادة تنفيذها يقهران المستحيل: «المهم أن نريد الشيء؛ وما يُغلَق من المرة الأولى يُفتَح بعد محاولات صادقة».

فاطمة عبد الله (بيروت)
الوتر السادس تحرص حنان ماضي على تقديم الحفلات في دار الأوبرا أو في ساقية الصاوي ({الشرق الأوسط})

حنان ماضي لـ«الشرق الأوسط»: لا أشبه مطربي التسعينات

«عصفور في ليلة مطر»، و«في ليلة عشق»، و«شباك قديم»، و«إحساس»... بهذه الألبومات التي أصبحت فيما بعد من علامات جيل التسعينات في مصر، قدمت حنان ماضي نفسها للجمهور

داليا ماهر (القاهرة)

5 يوروات «عقاب» مدرسة ألمانية لكل تلميذ متأخر

الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)
الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)
TT

5 يوروات «عقاب» مدرسة ألمانية لكل تلميذ متأخر

الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)
الأعذار لم تعُد مقبولة (د.ب.أ)

قلَّة لم تتأخر عن موعد بدء الدراسة في الصباح، لأسباب مختلفة. لكنَّ اعتياد التلامذة على التأخر في جميع الأوقات يُحوّل المسألة إلى مشكلة فعلية.

في محاولة للتصدّي لذلك، بدأت مدرسة «دورير» الثانوية بمدينة نورمبرغ الألمانية، فرض غرامة تأخير مقدارها 5 يوروات على كل تلميذ يُخالف بشكل دائم، ودون عذر، لوائح الحضور في التوقيت المحدّد.

وذكرت «وكالة الأنباء الألمانية» أنه بعد مرور أشهر على تنفيذ هذه الخطوة، لم يكن المدير رينر جيسدورفر وحده الذي يرى أن الإجراء يحقق نتائج جيدة.

إذ يقول مجلس الطلاب إن عدد التلاميذ المتأخرين عن حضور الفصول الدراسية تَناقص بدرجة كبيرة منذ فرض الغرامة، يوضح جيسدورفر أن الإجراء الجديد لم يفرض في الواقع بوصفه نوعاً من العقوبة، مضيفاً: «ثمة كثير من التلاميذ الذين مهما كانت الأسباب التي لديهم، لا يأتون إلى المدرسة في الوقت المحدّد». ويتابع المدير أن أولئك الصغار لا يكترثون بما إذا كنت تهدّدهم بالطرد من المدرسة، لكنْ «دفع غرامة مقدارها 5 يوروات يزعجهم حقاً».

ويؤكد أن الخطوة الأخيرة التي تلجأ إليها المدرسة هي فرض الغرامة، إذا لم يساعد التحدث إلى أولياء الأمور، والمعلّمون والاختصاصيون النفسيون بالمدرسة، والعاملون في مجال التربية الاجتماعية على حلّ المشكلة.

وحتى الآن فُرضت الغرامة على حالات محدودة، وهي تنطبق فقط على التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 9 سنوات و11 عاماً، وفق جيسدورفر، الذي يضيف أن فرض الغرامة في المقام الأول أدّى إلى زيادة الوعي بالمشكلة.

وتشير تقديرات مدير المدرسة إلى أن نحو من 5 إلى 10 في المائة من التلاميذ ليسوا مهتمّين بالتحصيل التعليمي في صفوفها، إلى حدِّ أن هذا الاتجاه قد يُعرّض فرصهم في التخرج للخطر.

بدورها، تقول متحدثة باسم وزارة التعليم بالولاية التي تقع فيها نورمبرغ، إن المسؤولية تتحمَّلها كل مدرسة حول تسجيل هذه المخالفات. وتضيف أنه في حالات استثنائية، يمكن للسلطات الإدارية لكل منطقة فرض غرامة، بناء على طلب المدارس أو السلطات الإشرافية عليها.

ويقول قطاع المدارس بالوزارة إن المدارس المحلية أبلغت عن تغيُّب التلاميذ عن الفصول الدراسية نحو 1500 مرة، خلال العام الماضي؛ إما بسبب تأخّرهم عن المدرسة أو التغيب طوال أيام الأسبوع، وهو رقم يسجل زيادة، مقارنةً بالعام السابق، إذ بلغ عدد مرات الإبلاغ 1250، علماً بأن الرقم بلغ، في عام 2019 قبل تفشّي جائحة «كورونا»، نحو 800 حالة.

أما رئيس نقابة المعلّمين الألمانية، ستيفان دول، فيقول إن إغلاق المدارس أبوابها خلال فترة تفشّي الجائحة، أسهم في فقدان بعض التلاميذ الاهتمام بمواصلة تعليمهم. في حين تشير جمعية مديري المدارس البافارية إلى زيادة عدد الشباب الذين يعانون متاعب نفسية إلى حدٍّ كبير منذ تفشّي الوباء؛ وهو أمر يمكن أن يؤدي بدوره إلى الخوف المرَضي من المدرسة أو التغيب منها.