القهوة نحو الانقراض؟

نصائح باستخدام كميات أقل في الكوب الواحد صباحاً

موظف يعد القهوة في أحد المقاهي في ألمانيا (د.ب.أ)
موظف يعد القهوة في أحد المقاهي في ألمانيا (د.ب.أ)
TT
20

القهوة نحو الانقراض؟

موظف يعد القهوة في أحد المقاهي في ألمانيا (د.ب.أ)
موظف يعد القهوة في أحد المقاهي في ألمانيا (د.ب.أ)

إن كان لا يعتدل صباحك دون كوب القهوة، فربما تُصدم من أن هذا الكوب معرض للانقراض مستقبلا، في ظل ظروف مناخية ليست في صالح مزاجنا الصباحي.

ويشير تقرير حديث عن منظمة إغاثية بريطانية تُدعى «Christian Aid» إلى أن تغير المناخ يمكن أن يقلل من مساحة الأرض المتاحة لزراعة البن بنسبة 54 في المائة بحلول عام 2100، حتى لو تم الحفاظ على درجات الحرارة العالمية للأهداف المتفق عليها دولياً.

ونقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية عن تقرير المنظمة أن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ذكرت أن درجات الحرارة يمكن أن تتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2027، وأن تلك ليست أخباراً جيدة لمزارعي القهوة ومحبيها.

وعدت الصحيفة أن البريطانيين يتناولون حوالي 98 مليون كوب يومياً، مع استهلاك ملياري كوب في جميع أنحاء العالم، كما أن صناعة القهوة توفر 210 آلاف وظيفة في بريطانيا، ويعتمد عليها حوالي 100 مليون مزارع عالمياً. ومن القهوة سريعة التحضير إلى اللاتيه بحليب الشوفان الفاخر، تعد القهوة تجارة كبيرة، ومع ذلك فإن مستقبلها في خطر.

مزارع يعمل على حبوب القهوة في ساوباولو (رويترز)
مزارع يعمل على حبوب القهوة في ساوباولو (رويترز)

وفقًا للدكتور آرون ديفيس، الخبير العالمي في القهوة وتغير المناخ، فإن القهوة واحدة من أكثر النباتات التي خضعت للبحث عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ، حيث تم نشر ما يقرب من 150 دراسة، والنتائج ليست جيدة، مضيفا أنه حتى إذا تم الوفاء بالتزامات الحد من انبعاثات الكربون، تشير دراسة أجريت في عام 2022 في مجلة «ناتشر» إلى أن إنتاج القهوة سيظل يشهد انخفاضاً سريعاً في البلدان التي تمثل 75 في المائة من إمدادات القهوة في العالم. ويقول الدكتور ديفيس: «هذا ليس شيئاً سيحدث في المستقبل، إنه يحدث بالفعل. إنه حقيقي للغاية».

زراعة البن ليست سهلة

وشهدت أكبر دولتين منتجتين في العالم، وهي البرازيل وفيتنام، أنماطاً مناخية تتعلق بالطقس هذا العام فقط: الحرارة الشديدة والجفاف في فيتنام، والأمطار الغزيرة في البرازيل. ويوضح الدكتور ديفيس: «في العام الماضي، تأثرت مواسم حصاد البن بالجفاف في العديد من البلدان، وقد يتسبب تغير المناخ على المدى الطويل في أن تصبح فترات الجفاف تلك أطول وأكثر حدة وأكثر انتظاماً». وفي أوغندا، انخفضت الصادرات بنحو 20 في المائة في عام 2022. وتعد زراعة القهوة أمرا ليس سهلا، إذ تتطلب ظروفا مناسبة للازدهار. ويركز الإنتاج العالمي على نوعين فقط من أصل 130 نوعاً معروفاً؛ فيما نقص التنوع الجيني يجعلها عرضة بشكل خاص للأمراض والآفات. ويعد البن العربي نباتا استوائيا باردا، ينمو في متوسط درجات الحرارة السنوية حوالي 19 درجة مئوية، ويعتبر من أفضل أنواع البن من حيث النكهة، ويمثل 56 في المائة من إنتاج القهوة، فيما يشكل نبات الروبوستا 43 في المائة، ويمكن أن ينمو على ارتفاعات منخفضة ومتوسط درجات حرارة أعلى سنوياً، ولكنه مخصص في الغالب للقهوة سريعة التحضير والمخلوطة.

حبوب القهوة قبل طحنها (رويترز)
حبوب القهوة قبل طحنها (رويترز)

وتحتاج القهوة إلى كمية مناسبة من المطر والحرارة لتزدهر. عندما يتغير ذلك - كما يحدث في معظم مناطق زراعة البن - يمكن أن يعيث فساداً في المحاصيل. وتعتبر آثار الآفات والأمراض، التي تتفاقم في كثير من الأحيان بسبب تغير الطقس، هي أيضا مصدر قلق. ويعد البن العربي عرضة بشكل خاص لصدأ الأوراق، وهو مرض فطري يعوق نمو النبات وإنتاجيته. وقد دمر معظم محصول سريلانكا في أواخر القرن التاسع عشر وضرب أميركا الجنوبية بشدة في أوائل القرن الحادي والعشرين.

ويقول الدكتور ديفيس: «لا تزال الأمراض الفطرية تمثل قيداً رئيسياً أمام إنتاج البن»، في حين أن مرض توت البن ومرض ذبول البن يعوقان إنتاج البن العربي والروبوستا في أفريقيا. لإنقاذ «قهوة الصباح، يكثف العلماء البحث عن أنواع جديدة من القهوة، تلك التي قد تكون أكثر مقاومة للجفاف أو للأمراض، أو يمكن زراعتها في درجات حرارة أعلى.

أحد هذه الأنواع هو قهوة ستينوفيلا، وهي قهوة نادرة من غرب أفريقيا. وفي عام 2018، كان ديفيس جزءاً من فريق أعاد اكتشاف النبات في غابة سيراليون - لم يُشاهد في البرية هناك منذ عام 1954. افترضت دراسة صدرت في عام 2021 أن تحمله لدرجات الحرارة المرتفعة ونكهته الفائقة - احترافية شبّهها المتذوقون بأفضل قهوة بن عربي، وربما يؤدي ذلك إلى أن تصبح قهوة رئيسية في المستقبل.

الأنواع الجديدة مفتاح للحل

يوافق ويل كوربي، مدير القهوة والتأثير الاجتماعي في «باكت»، وهي شركة مستوردة للقهوة ومقرها المملكة المتحدة تركز على الاستدامة والأخلاق، على أن الأنواع الجديدة هي مفتاح مستقبل القهوة، لكنها تبدو كلمة تحذير: «نحن لا نعرف ما إذا كانت الزراعة ستكون مجدية تجارياً من منظور التكلفة».

يعمل الدكتور ديفيس أيضاً مع الزملاء والمزارعين في أوغندا وجنوب السودان على نوع آخر من البن، يُعرف باسم إكسيلسا، تم اكتشافه لأول مرة في وسط أفريقيا في مطلع القرن العشرين. ووفقاً للمزارعين الذين يستخدمونها، فإن إكسيلسا يتحمل درجات حرارة أعلى وظروفا أكثر جفافاً من روبوستا، وله نكهة أفضل بالنسبة للكثيرين.

يوضح: «نحن نعمل مع المزارعين والمصدرين لتطوير سوق لها في أوغندا». ويتابع: «لدينا ما يقرب من ثلاثة إلى أربعة أطنان للتصدير هذا العام، ولكن في غضون 10 سنوات، يمكن أن تنتج أوغندا وجنوب السودان عدة مئات من الأطنان».

يقول كوربي: «في السنوات الخمس الماضية، شهدنا تغيرات جذرية في المواسم الرطبة والجافة، وزيادة هائلة في حجم المطر». ويوضح «الأنواع التاريخية من القهوة لا تتمتع بمقاومة الأمراض التي تتوقعها من الأصناف الحديثة. فقد أنتجت أصناف جديدة من البن العربي، وتم تطويرها مع الحكومة الكولومبية، لتكون ذات إنتاجية أعلى ومقاومة للأمراض».

وينصح الخبراء بعدم إلقاء البن المطحون في وعاء صناعة القهوة دون قياسه، واستخدام كمية مناسبة، أقل غالبا إن أمكن، مثلا ملعقة واحدة للكوب، رغم أن محبي القهوة القوية قد يحتاجون إلى المزيد.

حقائق

2 مليار

كوب قهوة يعد صباحا كل يوم حول العالم


مقالات ذات صلة

مشروب بديل للقهوة قد يساعد في الوقاية من السرطان

صحتك شاي الماتشا أصبح بديلاً شائعاً للقهوة (أ.ف.ب)

مشروب بديل للقهوة قد يساعد في الوقاية من السرطان

أكدت خبيرة تغذية أميركية أن شاي الماتشا، والذي أصبح بديلاً شائعاً للقهوة، يمكن أن يساعد في الوقاية من السرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الاستهلاك المعتدل للقهوة يعزز الصحة (رويترز)

فوائد صحية «تطيل العمر» تدفعك للمواظبة على شرب القهوة

أكد تحليل حديث قدرة الاستهلاك المعتدل للقهوة على إطالة العمر وتعزيز الصحة. وتشير الأدلة إلى أن استهلاك القهوة يقلل من خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك بمجرد فتح أعينكم صباحاً تعرّضوا للضوء فوراً فأشعة الشمس تُنشّط الدماغ وتحسّن جودة النوم ليلاً (رويترز)

عادات صباحية بسيطة تجعل يومك مليئاً بالنشاط

إذا كنت تُعاني من الاستيقاظ مُتعباً ومنهكاً، فإن تغيير روتينك الصباحي بخطوات بسيطة قد يغيّر يومك جذرياً.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد حبوب البن قبل قطفها (رويترز)

أسعار البن تتراجع والكاكاو يرتفع

انخفضت العقود الآجلة لقهوة أرابيكا، الأربعاء، ماحيةً جزءاً من مكاسب الجلسة السابقة، فيما ارتفع سعر الكاكاو وسط مخاوف من احتمال ضعف المحصول ​​في ساحل العاج.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك قصر تناول القهوة على الصباح قد يقلل من خطر وفاة الأشخاص (إ.ب.أ)

شرب القهوة في الصباح يقلل من خطر الوفاة

أظهرت دراسة جديدة أن قصر تناول القهوة على الصباح قد يؤدي إلى فوائد صحية كبيرة على الصحة، ويقلل من خطر وفاة الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

معرض في الرياض يُجسّد الهوية الثقافية للفلكلور من خلال الفن

دعوة لإعادة التفكير في مفاهيم الهوية ودور الفن في مجتمعات تتغير بوتيرة متسارعة (معرض شذرات)
دعوة لإعادة التفكير في مفاهيم الهوية ودور الفن في مجتمعات تتغير بوتيرة متسارعة (معرض شذرات)
TT
20

معرض في الرياض يُجسّد الهوية الثقافية للفلكلور من خلال الفن

دعوة لإعادة التفكير في مفاهيم الهوية ودور الفن في مجتمعات تتغير بوتيرة متسارعة (معرض شذرات)
دعوة لإعادة التفكير في مفاهيم الهوية ودور الفن في مجتمعات تتغير بوتيرة متسارعة (معرض شذرات)

دعوة لإعادة التفكير في مفاهيم الهوية، ودور الفن في مجتمعات تتغير بوتيرة متسارعة، يشجع عليها معرض «شذرات من الفلكلور» الذي يستضيفه حي جاكس في الدرعية، بمشاركة نخبة من أبرز المصممين والفنانين من مختلف دول العالم.

وفي وقت يتسارع فيه نمو المشهد الفني في منطقة الشرق الأوسط، تستضيف الرياض معرض «شذرات من الفلكلور»، الذي يُجسّد الهوية الثقافية من خلال الفن، ويجمع بين الموروث والتجريب المعاصر، ويُعيد صياغة مفهوم الوصول إلى التعبير الفني داخل السعودية وخارجها، ويتزامن المعرض مع عام الحِرف اليدوية 2025 في المملكة، وهي مبادرة تحتفي بالإرث الحرفي وتُعيد تقديمه ضمن السياق الفني المعاصر.

ويتجاوز المعرض النظر إلى التراث الشعبي، من مجرد موروث شفهي، من حكايات وأساطير يتم تناقلها عبر الأجيال، إلى لغة من الرموز والنقوش، ووسيلة لحفظ الثقافة وتوارثها، إذ لطالما كان التراث حاضناً للتاريخ ومحفزاً للابتكار.

من معرض «شذرات من الفلكلور» الذي يستضيفه حي جاكس في الدرعية (معرض شذرات)
من معرض «شذرات من الفلكلور» الذي يستضيفه حي جاكس في الدرعية (معرض شذرات)

وفي معرض «شذرات من الفلكلور»، تعيد كل من حمرا عباس، لولوة الحمود، راشد آل خليفة، ورائدة عاشور تقديم مكونات من الموروث الثقافي ضمن رؤى معاصرة، حيث لا يُقدَّم الفلكلور بوصفه أثراً جامداً من الماضي، بل بوصفه أرشيفاً حيّاً للهوية، يُعاد تشكيله عبر الزمن والمكان.

ويعمل كل فنان من خلال «شذرات» من المعرفة المتوارثة، سواء في الهندسة، الخط، المواد، أو التجريد، وتُمثل أعمالهم صدىً للماضي، مع إثبات وجودها في الحاضر من خلال تصورات معاصرة للأشكال والرموز المتجذرة.

وعبر اجتماع الفنانين الأربعة معاً لأول مرة، يفتح المعرض باباً لحوار ثقافي متعدد الأطراف حول التراث والرمزية والسرد البصري.

المعرض بمشاركة نخبة من أبرز المصممين والفنانين من مختلف دول العالم (معرض شذرات)
المعرض بمشاركة نخبة من أبرز المصممين والفنانين من مختلف دول العالم (معرض شذرات)

الفلكلور: حوار مستمر بين الماضي والحاضر

وحسب السردية التي يقدمها معرض «شذرات من الفلكلور»، فإن المعرض لا يسعى إلى تعريف الفلكلور بمصطلحات جامدة، بل يقدمه كحوار مستمر بين الماضي والحاضر، وامتداد للتفسير وإعادة الاختراع، وأن كل فنان مشارك، يقدم جزءاً من هذه القصة الكبرى، داعياً لإعادة النظر فيما يرثه الأفراد والمجتمع، وما يحتفظون به، وما يعيدون تشكيله.

ويمتد الحوار بين التقليد وإعادة الاختراع ليشمل تصميم المعرض ذاته، حيث يستلهم خطوطه من المتاهات المعمارية التقليدية في منطقة نجد، وقد صُممت المساحة كمتاهة متداخلة، مقسمة إلى أجزاء منفصلة لكنها مترابطة، تماماً كما هو الحال في الفلكلور، إذ تقف كل قصة بذاتها، لكنها تظل جزءاً من نسيج أكبر، لتأخذ الزوار في رحلة استكشافية غنية بالتفاصيل.

كل فنان مشارك يقدم جزءاً قصة الفلكلور وإعادة النظر فيه (معرض شذرات)
كل فنان مشارك يقدم جزءاً قصة الفلكلور وإعادة النظر فيه (معرض شذرات)

وتتيح الممرات الواسعة والزوايا الخفية لحظات من التقارب والاكتشاف، بينما يشكل العمود المركزي ركيزة رمزية تربط المعرض بجذوره التراثية، وتحتضن في الوقت ذاته روح التغيير والتجديد.

كما أن المواد المختارة تضيف عمقاً جديداً لهذه التجربة، من خشب الأكاسيا الذي يشكل الإطار الهيكلي، مستحضراً قدرة التراث على البقاء؛ مع دمج التاريخ في نسيج المكان ذاته، وفي هذه البيئة الغامرة، يتعزز التباين بين الماضي والحاضر، مما يسمح لأعمال الفن المعاصر بالتفاعل المباشر مع التراث المعماري والمادي الذي تعيد تفسيره.

المعرض لا يسعى إلى تعريف الفلكلور بمصطلحات جامدة (معرض شذرات)
المعرض لا يسعى إلى تعريف الفلكلور بمصطلحات جامدة (معرض شذرات)

تحوّل المشهد الثقافي في السعودية

تقول ليزا دي بوك، القيّمة الفنية للمعرض، إن (شذرات من الفلكلور) لا يقتصر على عرض أعمال فنية؛ بل يُجسّد حراكاً فنياً يُسلّط الضوء على الأصوات التي تُعيد تشكيل المشهد الفني في السعودية وخارجها.

وتضيف: «من خلال إبراز هذه الأصوات، يُساهم المعرض في صياغة التاريخ الفني، ويضمن أن يُصان الإرث الثقافي ويُعاد تخيّله بشكل حيوي للأجيال القادمة».

ومن جهته، يرى حسن القحطاني، مؤسس مبادرة «ثاء» المشاركة في تنظيم الحدث، أن الفلكلور «سرد حي ومتغيّر، يربط الماضي بالحاضر، ويُساهم في تشكيل الهويات المستقبلية»، مبيناً أن «المعرض يُعيد تخيّل التقاليد ضمن سياق معاصر، ويحتفي بالقصص المتجددة التي تُعرّف من نكون وإلى أين نمضي».