ميشال حوراني لـ«الشرق الأوسط»: لا أشبه معظم الإعلام السائد اليوم

يعود إلى تقديم البرامج من خلال «قبل الضو»

ميشال حوراني لـ«الشرق الأوسط»: لا أشبه معظم الإعلام السائد اليوم
TT

ميشال حوراني لـ«الشرق الأوسط»: لا أشبه معظم الإعلام السائد اليوم

ميشال حوراني لـ«الشرق الأوسط»: لا أشبه معظم الإعلام السائد اليوم

معظم اللبنانيين يعرفون ميشال حوراني ممثلاً قدم أدوار بطولة عدة وخاض تجارب درامية مختلفة، وقلة منهم قد يتذكرونه مقدماً تلفزيونياً لأكثر من برنامج. ومن بينها «ساعة وفا» و«هلق دورك» على شاشة تلفزيون لبنان. واليوم يعود إلى هذه المهنة التي يحبها بعد أن تركها تخلد في ثبات عميق منذ نحو 11 سنة.

برنامج «قبل الضو» يعرض على شاشة «إل بي سي روتانا» مساء كل أربعاء، ويتناول مرحلة طويلة من حياة ضيوفه النجوم قبل شهرتهم. وكما يدل اسمه فهو يعرّف المشاهد على نجمه المفضل قبل حياته تحت الأضواء، فيرافقه ميشال حوراني برحلة طويلة إلى بلدته الأم، كما يحاوره في أهم المحطات التي يتذكرها من ماض قريب. ويتألف البرنامج من فقرات منوعة وثابتة يخضع لها كل ضيف.

الفكرة تعود إلى ميشال نفسه، أما اسم البرنامج فقد اختارته الإعلامية والكاتبة جوزفين حبشي. وتتولى شركة «وايلد شيري برودكشن» تنفيذ إنتاجه، فيما يوقعه المخرج جان بيار عبدايم.

وجوه معروفة على الشاشة أو المسرح سيرافقهم المشاهد على مدى 13 حلقة. وكما يقول حوراني هي قابلة للتجديد والتوسع لتشمل نجوماً عرباً في المستقبل. ويستقبل في هذا الموسم باقة من الفنانين، ومن بينهم تقلا شمعون وندى بو فرحات وجورج خباز ورندة كعدي وكارلوس عازار وداليدا خليل وعبير نعمة ويوسف الخال وغيرهم، فيعرجون معه على أماكن ومطارح تعني لهم الكثير وتعبق بالذكريات التي يروونها.

ويشير حوراني إلى أن الفكرة ولدت معه عندما كان يلتقط صوراً فوتوغرافية في بلدته الأم دير ميماس. «كنت يومها مع أولادي أصور أماكن تذكرني بطفولتي مع إخوتي. وكنت في الوقت نفسه أخبرهم عن أهمية كل مكان نمرّ به في قريتي. وهكذا ولدت الفكرة التي في رأيي لا تشبه غيرها في برامج تلفزيونية. فعادة ما يمر النجوم مرور الكرام على محطات من الماضي. ولكنني في (قبل الضو) أسلط الضوء على شخصية الفنان، والحي والبيئة التي كان يعيش فيهما. فتعطينا فكرة عن الضيف من الجانب الإنساني أكثر من التوثيقي».

حسب حوراني هناك خطوط عدة تجتمع تحت سقف هذا البرنامج مع ضيوفه. «هناك خط توثيقي ووجداني ودرامي وغيرها من العناصر التي تعرفنا إلى الضيف عن قرب. وأعدّ نفسي لأمشي عكس التيار وكل ما يتعلق بالبهرجة وإبراز الشق اللماع فقط عند النجم لا يهمني».

يجري حوراني جلسة طويلة مع ضيفه قبل تصوير الحلقة التي يبلغ وقت عرضها نحو 45 دقيقة. «أغوص بحياته وأتشرب خيوطاً منها لأستطيع الخروج بالمحتوى والسكريبت اللازمين. وهو يتطلب الجرأة من الضيف ليفتح أبواب ماضيه، وانطلاقاً من ثقته الكبيرة بي أخرج من أعماقه ذكريات ومحطات».

وهل وافق جميع الفنانين على خوض هذه التجربة؟ يرد لـ«الشرق الأوسط»: «بعضهم رفض الأمر، وهم قلة وأتفهمهم جيداً. فالعودة إلى الوراء وإلى ماض قد تفتح الجروح عندهم قد لا يتقبلها البعض، وبينهم من اعتذر لأنه لا يجد نفسه جاهزاً بعد لخوض تجربة مماثلة، وآخرون أبدوا وبكل بساطة رفضهم، لأنهم لا يحبون الغوص في ماضيهم». ومن الضيوف الذين يستقبلهم أيضاً نجوم إعلام وأبطال رياضة.

وعن المصاعب التي واجهها مع ضيوفه يقول: «بما أني معدّ البرنامج وألتقي الضيف قبل التصوير، فلا صعوبات تذكر، فأنا أحضر لبرنامجي بدقة. ولا أسلّط الضوء على ما هو سطحي وغير حقيقي عند النجم. فلا أستغل مثلاً لحظة بكائه كي أنبش دموعاً أخرى. كما أنني أحتفظ بمقاطع مصورة ولا أعرضها في الحلقة. فبصراحة وبكل تواضع أنا لا أشبه معظم الإعلام السائد اليوم على الشاشة».

اختيار حوراني لضيوفه جاء على قاعدة التنويع والتعريف بعدة مناطق لبنانية. فيذهب مع ضيفه برحلات على الساحل والجبل ومن الجنوب إلى الشمال. ويعلق: «أخذت هذا الأمر بعين الاعتبار لأقدّم الصورة الأشمل عن لبنان. كما ركزت على أسماء معروفة عربياً لأن القناة فضائية عربية وليست محلية. فمعظم ضيوفي لديهم رصيد واسع عربياً».

لم يسرقه التقديم التلفزيوني من التمثيل، أي مهنته الأساسية. «لطالما مارست التمثيل والتدريس الجامعي والتقديم التلفزيوني معاً. فلا واحدة منها تتناقض مع الأخرى. وفي التمثيل أخرج أحاسيسي ولكني لا أبتكر كما في التقديم التلفزيوني. فألعب الدور المرسوم لي في القصة. وفي النهاية ولا واحدة بينها يمكنها أن تلغي الأخرى».

وعن جديده في التمثيل يوضح: «لا يستطيع الممثل أن يحضر لعمل إلا إذا تلقى العرض المناسب. وحالياً تقلّ الفرص في هذا المجال؛ نظراً لأزمة نعيشها مع أعمال درامية لا يمكنها أن تستوعب الجميع. وهي أمور تتعلق بالإنتاج والتسويق المشترك. فلا تتوفر فرص كثيرة لجميع الممثلين لا سيما من الصف الأول».

في الوقت الضائع هذا، وبما أن ميشال حوراني لا يستطيع أن يجلس مكتوف اليدين لجأ إلى التقديم التلفزيوني. «أستفيد من مهاراتي وقدراتي وأوظفها بأعمال منتجة، وأعتقد أن هذه الفرصة جاءت بوقتها المناسب بعد موسم رمضان. وأنتظر حالياً الإعلان عن العرض الأول للفيلم السينمائي الأجنبي «Valley of Exile» من إخراج أنا فاهر، اللبناني الوحيد المشارك فيه، ومن المنتظر أن يشارك في مهرجانات عالمية قريباً. فالعمل السينمائي في رأيي يعيش فترة أطول من الدراما. وهو من إنتاج كندي لبناني، وبطلتاه ممثلتان صاعدتان من سوريا».



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».