هشام شربتجي... استراحة بالغ الذروات

المخرج السوري الكبير يغادر ليُخلّده إرثه

المخرج السوري الكبير هشام شربتجي يغادر ليبقى إرثه (تويتر)
المخرج السوري الكبير هشام شربتجي يغادر ليبقى إرثه (تويتر)
TT

هشام شربتجي... استراحة بالغ الذروات

المخرج السوري الكبير هشام شربتجي يغادر ليبقى إرثه (تويتر)
المخرج السوري الكبير هشام شربتجي يغادر ليبقى إرثه (تويتر)

قدر الأجساد بلوغ النهايات مهما اشتدّ العود وبلغ المرء مجده. هشام شربتجي من علامات الأمجاد، بما استحدثه من خط إخراجي وكرّسه من احترافية. يرحل، فالرحيل أيضاً يطال الكبار. أبعده المرض قبل عامين وأنهكته مضاعفاته، ليحلّ الموت عن 75 عاماً. أمضى عمراً في صناعة الذكريات وسكْب الدهشة على أعماله. لقبه «شيخ الكار»، منبعه الإتقان والتفرّد. فالكار، حيث تتزاحم الكاميرات والنصوص والشخصيات، وأشكال الديكور والأضواء المُعلّقة؛ يمتنّ بالفضل لمَن أسّس نهضة الدراما السورية ومنح الصنعة الذروات.

تنشر ابنته المخرجة رشا شربتجي ورقة النعي مع رسالة للأب المُفْضل عليها. لطالما اختارت توقيع أعمالها باسمها الثلاثي، تحية لمَن علَّم. نسبت الرحيل للجسد فقط، وقالت إنّ الروح سترافق خطاها. أخبرته أنها مدينة له بالنجاحات والسمعة الطيبة، وطمأنته إلى أنها ستُكمل دربه نحو الحرص على عدم الإخلال بتعليماته والأمانة في العمل. سألت الابنة الدعاء للأب، فـ«نحن ندين له بذاكرة نقية». ابنه يزن شكره على كل شيء.

أجمل الرحيل هو المُتكئ على أثر. ذلك الفوّاح المُمتد، والخارج عن كونه معنياً بقلّة. رحيل هشام شربتجي يملأ أحبّته بإحساس الخسارة. كثر ذكروا فضله وأخبروا عنه القصص. وفي كل رثاء، يلوح عناق للابنَيْن، رشا المخرجة ويزن المصوّر ومدير الإضاءة. شمَل العزاء إشادة بأهميته الدرامية وتقديراً لإرثه الفني. وكما النجوم، استذكره متلقّو الضحكات من الناس العاديين الذين نشأوا على أعماله، فرثوه وشاركوا عائلته المصاب.

هشام شربتجي وياسر العظمة في صورة من ذاكرة الزمن الجميل (حساب العظمة)

يلتصق الاسم بإنجازاته، فيطلّ برأسه واثقاً فور ذكر أعمال تدغدغ الوجدان الشعبي. فما إن يُقال «مرايا» حتى يحضر شربتجي. وما إن يُذكر «جميل وهناء» حتى يُرافق الابتسامةَ إلى الأذهان. خلّد أعمالاً وخلّدته، وهي كثيرة، منها «عائلة النجوم» بأجزائها و«أحلام أبو الهنا» و«يوميات مدير عام»، وصولاً إلى الجزء 16 من المسلسل السعودي «طاش ما طاش» (2009) وما تلاه... فيما البعض يخلّده عملٌ أو أكثر بقليل، فيشكّل نضجه الفني ويختزل مسيرته؛ هشام شربتجي علَّم بكل تجربة.

تزامن يوم الرحيل، الثلاثاء، مع عيد ميلاد رفيق البدايات ياسر العظمة. وصفه بـ«الصديق العزيز» واستعاد مسيرتهما في الفن الاحترافي. كانت البدايات عذبة، اقتحما فيها دروباً شائكة وذلّلا المصاعب. ولعلّهما لم يتوقعا أن تطول سلسلة «مرايا» (1984) وترافق الأجيال بأجزاء. نشرُ العظمة صورة من الشباب، إلى جانب شربتجي وهما يتفحّصان جودة مشهد، أيقظ حنيناً إلى زمن لا يتكرّر روّاده.

إنه مدرسة في الإخراج محفوفة بالمغامرة والشغف

الكاتبة ريم حنا

نعت «نقابة الفنانين السوريين» الراحل المولود في دمشق العام 1948، كما نعاه فنانون بعضهم اتّبع نصائحه فبلغ مكانة متقدّمة. شربتجي المُتخرّج من «المعهد العالي للفنون المسرحية» في القاهرة، والمُكمل دراسته بألمانيا، صنع لتاريخ الدراما السورية ذاكرة خاصة أفردت مساحات لنجوم أحسن إدارتهم فأخرجوا أقصى الطاقات. الكاتبة ريم حنا تحدّثت عن «مدرسة في الإخراج محفوفة بالمغامرة والشغف». فهو «الشاعري في صورة لامست حدّ التصوّف»، بتعبيرها، لم يهب الإبداع بأدوات جديدة، أو يتردّد أمام الابتكار، فنفض الغبار متى أوعزه حدسه التخلّص من طبقاته، وامتلك عينين وصفهما باسل خياط بالثاقبتين، ونظرة شبّهها قصي خولي بالصقر؛ خوّلته استشراف مستقبل الصورة وعتقها من الضجر.

 

يصدُق خياط حين يشير إلى فقدان الأماكن ناسها، فللمكان روح تشعر باليتم حين يغادرها ساكنوها. كتب في وداعه عن حزن الإذاعة والاستوديوهات والميكروفونات وغرف الإعداد وكوب الشاي وقهوته. وطال الألم «سوق الهال وباب توما وعين الكرش والقزازين وشارع بغداد والمهاجرين ودمر...». واستعاد خولي تعلّق الأدوات بمُشغّلها، فسمّى الراحل، مُلاحِق التفاصيل، من كاميرا وصوت وصورة وعدسات ومونتاج وتقنيات وإدارة ممثل ونص وإخراج؛ بـ«الحاجب الشامخ». نشر صورته ليعلن أنه لن ينساه.

تتوالى على أيمن زيدان الخسائر ولم تنفع مناجاته الموت أن يترجّل قليلاً عن صهوة أحبّته، بردّ أشباحه عن شربتجي. قد يبلغ المرء درجة من الألم فيُقلّص الكلام. تكثُر الجنائز على صاحب الضحكة الصاخبة في «جميل وهناء»، لتلقّنه دروساً في إسكات الحروف أمام ضجيج الأعماق. «الحديث عن أهمية منجز هشام شربتجي لا تنصفه بضع كلمات»، اختصره.

 

هشام شربتجي صانع الضحكات الصادقة بأعمال تخلّدها الذاكرة (تويتر)

 

أحبّ اقتناء الساعات؛ كشفت شكران مرتجى هواية الرجل الملتزم. سمّته أحلى اللقبين لمَن يستحقهما: «أستاذي وحبيبي»، ولمحت إثر غيابه توقّف الزمن. وسألت سلافة معمار الصبر لفاقدي «صانع المتعة»، لتشاركها أمل عرفة شعور خسارته. تعترف بفضله على «الكثير من الممثلين، وأنا منهم»، كاعتراف رنا شميس بأنّ الدنيا لم تسعها حين أبلغها بدور لها من إخراجه. استعادت احتواءه خلال العمل و«صَفْنته» (شروده) قبل كل مشهد، كاستعادة كاريس بشار «الأيام الحلوة والأعمال التي لا تُنسى».

ودّعه عابد فهد وديمة قندلفت ومعتصم النهار وأحبّة الفن السوري...، وفي لبنان غرّد فنانون بينهم كارمن لبّس وماغي بو غصن ونادين نجيم وباسم مغنية...، في رثائه. وحمّله متحسّرون على الكبار سلاماً إلى قافلة سبقته نحو العلياء، مثل حاتم علي وبسام الملا. نصف قرن من صناعة البصمة والبهجة، خلاصتها أجمل كاركتيرات الكوميديا والرؤية المعاصرة للدراما والحياة. وداعاً.



احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)
TT

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)

أصدر البريد الملكي البريطاني (رويال ميل) 12 طابعاً خاصاً للاحتفال بمسلسل «The Vicar of Dibley» (قسيسة ديبلي) الكوميدي الذي عُرض في تسعينات القرن الماضي عبر قنوات «بي بي سي».

وذكرت «الغارديان» أنّ 8 طوابع تُظهر مَشاهد لا تُنسى من المسلسل الكوميدي، بما فيها ظهور خاص من راقصة الباليه السابقة الليدي دارسي بوسيل، بينما تُظهر 4 أخرى اجتماعاً لمجلس أبرشية في ديبلي.

وكان مسلسل «قسيسة ديبلي»، من بطولة ممثلة الكوميديا دون فرينش التي لعبت دور القسيسة جيرالدين غرانغر عاشقة الشوكولاته، قد استمرّ لـ3 مواسم، من الأعوام 1994 إلى 2000، تلتها 4 حلقات خاصة أُذيعت بين 2004 و2007.

في هذا السياق، قال مدير الشؤون الخارجية والسياسات في هيئة البريد الملكي البريطاني، ديفيد غولد، إن «الكتابة الرائعة ودفء الشخصيات وطبيعتها، جعلت المسلسل واحداً من أكثر الأعمال الكوميدية التلفزيونية المحبوبة على مَر العصور. واليوم، نحتفل به بإصدار طوابع جديدة لنستعيد بعض لحظاته الكلاسيكية».

أخرج المسلسل ريتشارد كيرتس، وكُتبت حلقاته بعد قرار الكنيسة الإنجليزية عام 1993 السماح بسيامة النساء؛ وهو يروي قصة شخصية جيرالدين غرانغر (دون فرينش) التي عُيِّنت قسيسة في قرية ديبلي الخيالية بأكسفوردشاير، لتتعلّم كيفية التعايش والعمل مع سكانها المحلّيين المميّزين، بمَن فيهم عضو مجلس الأبرشية جيم تروت (تريفور بيكوك)، وخادمة الكنيسة أليس تنكر (إيما تشامبرز).

ما يعلَقُ في الذاكرة (رويال ميل)

وتتضمَّن مجموعة «رويال ميل» طابعَيْن من الفئة الثانية، أحدهما يُظهر جيرالدين في حفل زفاف فوضوي لهوغو هورتون (جيمس فليت) وأليس، والآخر يُظهر جيرالدين وهي تُجبِر ديفيد هورتون (غاري والدورن) على الابتسام بعد علمها بأنّ أليس وهوغو ينتظران مولوداً.

كما تُظهر طوابع الفئة الأولى لحظة قفز جيرالدين في بركة عميقة، وكذلك مشهد متكرّر لها وهي تحاول إلقاء نكتة أمام أليس في غرفة الملابس خلال احتساء كوب من الشاي.

وتتضمَّن المجموعة أيضاً طوابع بقيمة 1 جنيه إسترليني تُظهر فرانك بيكل (جون بلوثال) وأوين نيويت (روجر لويد باك) خلال أدائهما ضمن عرض عيد الميلاد في ديبلي، بينما يُظهر طابعٌ آخر جيم وهو يكتب ردَّه المميّز: «لا، لا، لا، لا، لا» على ورقة لتجنُّب إيقاظ طفل أليس وهوغو.

وأحد الطوابع بقيمة 2.80 جنيه إسترليني يُظهر أشهر مشهد في المسلسل، حين ترقص جيرالدين والليدي دارسي، بينما يُظهر طابع آخر جيرالدين وهي تتذوّق شطيرة أعدّتها ليتيتيا كرابلي (ليز سميث).

نال «قسيسة ديبلي» جوائز بريطانية للكوميديا، وجائزة «إيمي أوورد»، وعدداً من الترشيحات لجوائز الأكاديمية البريطانية للتلفزيون. وعام 2020، اختير ثالثَ أفضل مسلسل كوميدي بريطاني على الإطلاق في استطلاع أجرته «بي بي سي». وقد ظهرت اسكتشات قصيرة عدّة وحلقات خاصة منذ انتهاء عرضه رسمياً، بما فيها 3 حلقات قصيرة بُثَّت خلال جائحة «كوفيد-19».