تنتمي الممثلة اللبنانية سمارة نهرا إلى جيل ينتظر المسلسل على التلفزيون. المشاهدة لديها موعدٌ تضربه المحطة بعد نشرة الأخبار المسائية أو عند الساعة التاسعة والنصف. كل حضور لا يقترن بهذا الطقس التقليدي تحيله نوعاً ما على بداية الغياب عن أذهان الناس. وهي رغم أنها صوّرت أدواراً عدّة في العامين الماضيين لمسلسلات مسرحها المنصات، تربط حضورها الملموس بالشاشة وجمهورها الوفي لأوقات العرض الثابتة.
حديثها مع «الشرق الأوسط» يلفحه زهدٌ بالأشياء. تعلن من منطلق التسليم بواقع الحال رفض احتراق أعصابها وإهدار طاقتها على انتظار دور، فإن حصل تسعَد بالتحضير والتصوير، وإن لم يحصل ففي الحياة قسوة ومرارة تفوقان بأضعاف خيبات المهنة. بامتعاض مُنكّه بنَفَسها الفكاهي، تقول: «في تركيا، يمنحون الممثلات من جيلي أدواراً أساسية مكتوبة بتقدير، يتفوّق بعضها على دور البطل. هنا أدوارنا بمعظمها تحوم حول أم تردّد لأولادها (تاكل لطعميك؟ ما تتأخر بالليل). البطل والبطلة يلتهمان الأحداث».
إذن، العمر ليس في مصلحة الممثلة الأنثى، ومع تقدّمه تتراجع مقاعدها؟ تتبنّى نهرا الموقف المؤلم بابتسامة تهزأ من تبدّل الأحوال، وتصوغ معادلتها: «لو ثمة أعمال كوميدية، لما استرحتُ دقيقة من التصوير. الأزمة على مستويين: الكتابة والإنتاج. الأولى عاجزة عن ابتكار نصّ كوميدي خلّاق، والثاني يُغلّب الدراما لأسباب تسويقية. تُكتب الأعمال لنجم ونجمة المطلوب منهما تسويقها. الأغلبية تخفق أمام الحسّ الكوميدي، فتتكدّس مسلسلات الدموع والعصابة والجريمة».
ولكن، هل يستطيع المنتج فرض خياراته، أم أنّ للسوق كلمة هي الرقم واحد في المعادلة؟ تؤكد أنه يستطيع: «لدى المنتجين الكبار لغة في التخاطب خلال مفاوضات البيع والشراء. فإن صنَّع أحدهم عملاً كوميدياً، لن يجد عائقاً أمام تسويقه بموازاة أعماله الدرامية الأخرى».
تصف نصّ الكاتبة اللبنانية منى طايع، «بنات عمّاتي وبنتي وأنا»، الكوميدي الاجتماعي (2003)، بالأذكى على الشاشة المحلية منذ بداية الألفية؛ وتصدُق: «لا يُمل من مشاهدته، ولو تكرّرت مائة مرة». نسأل من منطلق صداقتها مع طايع، عن سبب تنحّي نصوصها، خصوصاً أنّ الأيام ثقيلة وتتوق إلى ضحكة؛ فتردّ على لسانها: «أين ستُباع هكذا إنتاجات؟ لا تكفي الكتابة إن كان مصير المسلسل الاستراحة الطويلة في الجوارير».
طباعها المرحة تهوّن عليها الأداء الكوميدي، من دون أن يعني ذلك تحوُّل كل مَرِح إلى مقنِع في الإضحاك. تعلّق: «كثر لا يعرفون لحظة جدّية، ومع ذلك يعجزون أمام دور كوميدي. المسألة في الموهبة قبل الطبع. بالنسبة إلي، الكوميديا شربة ماء، ما إن أقرأ عن الشخصية حتى أمسكها. الدراما تتطلّب شحناً عاطفياً وإدراكاً للحزن واستعداداً للبكاء الصادق. تشترط دموعاً لا تخدع الناس».
وتؤكد أيضاً أنّ الممثل الموهوب يؤدّي جميع الأدوار. وهي في وقفتها الأخيرة على المسرح بعرض «بضاعة ناعمة»، مزجت الموقفين وتنقلت بينهما. ورغم الحبكة القائمة على الظلم، مرّرت الرسالة بفكاهة. أفضل أدوارها يتيح تأرجحها بين الأفراح والأحزان، لتُقنع في النقيضين.
سمارة نهرا موهبة لا تُقابل بإنصاف طوال الوقت. قلّما يلحظ المُشاهد أنها تحفظ دوراً وتؤدّيه بعد نداء المخرج، «توب كاميرا». العفوية غالبة. لدى الاستفسار عن سبب غيابها عن الموسم الرمضاني، خصوصاً أنّ ممثلات من جيلها أمثال رندا كعدي ونوال كامل وختام اللحام، يحجزن حضوراً شبه دائم، تجيب: «نجوم شباب غائبون، فهل أُلام على غيابي؟». تلقى رداً بأنها أيضاً نجمة كرّستها السنوات والخبرة، فتتأسف: «لستُ نجمة عند كتّابنا ومنتجينا. لا يكفي الإطراء، والواقع مغاير للأقوال».
تطرد الزعل من باب حق النفس بمداراتها والاستغناء عما يُنغّص، وعلى سبيل العزاء تتابع: «مواهب تفوقني أهمية قوبلت بسوء التقدير وخفوت الفرص. لا بأس إن مثّلتُ أم لا». موقفها الأخير اعتباراتُه فنية، فبالنسبة إليها «الممثل ليس موظفاً ينبغي حضوره على الشاشة كل يوم». ولكن، ألا تشعر بأنها «مُهدّدة» بانطفاء الشهرة إن أذعنت لطول غياب؟ ألا يتقلّب في داخلها شغفٌ مُلحّ يهتف بأن تطلّ على الدوام؟ جوابها أنها لا تدير أذناً لإلحاح يستنزفها فيولد إحباطاً ويحرّك كآبات: «أرفض الوقوع حتى في أسر الشغف. إن طُلبتُ لدور ألبّي؛ وإن لم أُطلَب فلا بأس. تعلّمتُ رفع نفسي إلى أولوية كل شيء».