مهرجان «أفلام السعودية» بعضها عن الوحدة والخوف

أفلام سعودية وعربية متنوّعة الحكايات والأساليب

المكان المهجور  (مهرجان أفلام السعودية)
المكان المهجور (مهرجان أفلام السعودية)
TT

مهرجان «أفلام السعودية» بعضها عن الوحدة والخوف

المكان المهجور  (مهرجان أفلام السعودية)
المكان المهجور (مهرجان أفلام السعودية)

لا يتضمن مهرجان «أفلام السعودية» أفلاماً سعودية فقط، حتى في مسابقتيه الروائية والقصيرة. نعم، هناك العديد من الأفلام السعودية إنتاجاً وإخراجاً، أو أفلام من إخراج سعوديين إنما من إنتاج يتبع دولة أخرى، لكن القاسم المشترك لها جميعها ذلك الخط العريض من حرية الاشتراك الذي يسمح لأفلام عربية مختارة بأن تكون لها مساحة لا بأس بحجمها ضمن إطار المهرجان بالكامل.

 

جوائز محورية

تشير بعض الأسباب إلى أن عدد الأفلام الروائية الطويلة، على الأخص، ليس كافياً بعد لأن يملأ الخانة المفترضة له. هذا ليس تقصيراً لو نظرنا إلى أن صناعة الفيلم الروائي الطويل ليست عملية كبس أزرار، بل تحتاج عجلتها إلى ذلك الوقت الفاصل بين كتابة السيناريوهات وتهيئة إمكانات وعناصر إنتاجها. في بلد يندفع قُدماً في تأمين كل ما من شأنه تغذية السينما بالعناصر والإمكانات وتشجيع المواهب على التقدّم والإبداع، فإن المسألة ليست إلا مسألة وقت قبل أن يرتفع منسوب الإنتاج إلى معدّل يسمح للسينما السعودية تأمين ما يكفي من الأفلام لكي تطرح نفسها على أكثر من مستوى وفي أكثر من مناسبة أو مسابقة.

تقود أفلام المسابقة الروائية العام الحالي، لجنة تحكيم من ثلاثة أشخاص هم المنتج الفرنسي ديفيد سيزكايند، والمنتجة التونسية درّة بو شوشة، والمخرج والممثل السعودي هشام فقيه.

الجوائز التي ستوزّعها هذه اللجنة غداً (الخميس) على أفلام المسابقة هي:

1- النخلة الذهبية لأفضل فيلم

2- النخلة الذهبية للجنة التحكيم

3- النخلة الذهبية لأفضل ممثلة

4 - النخلة الذهبية لأفضل ممثل

5 - النخلة الذهبية لأفضل صوت

6- النخلة الذهبية لأفضل تصوير

7 - النخلة الذهبية لأفضل سيناريو

8 - النخلة الذهبية لأفضل مونتاج

9 - النخلة الذهبية للفيلم الخليجي الروائي القصير

 

هذه الجائزة الأخيرة لا معنى لها في قسم الروائي الطويل، لكنها مُضافة؛ أما الجوائز الأخرى فمطلوبة وضرورية خصوصاً تلك التي تزكّي جهد مصممي الصوت ومديري التصوير وكتّاب السيناريو. الغائب (لسبب غير معروف) جائزة أفضل مخرج، وكان يمكن لها أن تكون الرقم الإضافي أو تحل محل جائزة النخلة للفيلم الخليجي.

 

 

عدد الأفلام المشتركة في هذا القسم ستّة؛ أربعة منها سعودية الإخراج أو الإنتاج وهي «المكان المهجور» لجيجي حزيمة، و«أغنية الغراب» لمحمد السلمان، و«عبد» لمنصور أسد و«طريق الواد» لخالد فهد. الآخران عراقيان وهما «رجل الخشب» لقتيبة الجنابي و«آخر السعادة» لسعد الصبّاغ.

«أغنية الغراب» و«طريق الوادي» سبق لهما الاشتراك في مسابقة «مهرجان البحر الأحمر». لكن حضورهما هنا مهم كون مهرجان «أفلام السعودية» كياناً منفصلاً عن المهرجان الشقيق وهو معني باستقبال الأفلام الصالحة لدخول هذه المسابقة سواء شهدت عرضها الأول في مهرجان «البحر الأحمر» أو لم تفعل كفيلمي «المكان المهجور» و«عبد».

هذا الفيلم الثاني يدخل في إطار فانتازي لكنه يستند إلى دوّامة واقعية تشغل بال المثقفين حول المسموح به والممنوع وما إذا كان صانع فيلم ما يستطيع تجريد نفسه من المسؤوليات والتوابع التي تحيط به. يجد نفسه محاطاً بالنقد لما أقدم وزوجته عليه (فيلم يحذّر من عواقب الشرب لكنه يستخدم الشرب لإيصال رسالته) ما يدفعه للانتقال إلى زمن آخر من دون أن يجد في ذلك الزمن الآخر حلاً لمشكلته.

يحمل الفيلم نواة الرغبة في استحداث فكرة جديدة تُضاف إلى المطروح، بالإضافة إلى الرغبة في ولوج نوع سينمائي مغترب ويحقق جزءاً ولو محدوداً في الجانبين.

أما «المكان المهجور» لجيجي حزيمة، فهو النوع المناقض تماماً ليس في فكرته فقط، بل في أسلوبه وخامته. في حين يحاول بطل الفيلم السابق الهرب لا تجد بطلة «المكان المهجور» ما تهرب إليه. بدا لها أن الانتحار هو الحل النموذجي للهروب، لكنها تفشل في تحقيق هذه الغاية فتعيش القلق الذي كانت تحاول التخلص منه.

جزء من أسباب القلق هو وصولها إلى حافة منتصف العمر وجزء آخر هو وحدتها بلا صديق وبلا حياة عاطفية أو جنسية. هذا الهم كبير جداً في فيلم يريد أن يعثر لنفسه على رسالة يطرحها. وحسناً فعلت المخرجة، وهي كاتبة السيناريو كذلك، عندما ترجمت هذه الرسالة لمشاهد تبوح بها لمحيطها المحدود بأسئلتها القلقة.

«المكان المهجور» لا يستعجل إيقاعه. مبني هكذا والمخرجة تطرح الأسئلة ولا تستخدم الآراء كإجابات. ليس هناك من فعل صحيح وآخر خطأ بل استمرار البحث في معنى الحياة بالنسبة لبطلتها.

الصورة التي تختارها المخرجة حزيمة هي مثل تلك التي تتبدّى من خلال دخان. لا تمنع الرؤية لكنها تشي بالمسببات.

أماكن في البال

«المكان المهجور» (العنوان يرمز إلى أكثر من مكان كالقلب وكالبيت إلخ...) هو أنضج ما شوهد من أفلام المسابقة بجانب فيلم «الرجل الخشب» لقتيبة الجنابي.

هذا الثاني، وبطبيعة الحال يختلف عن أي فيلم آخر لكن الاختلاف جذري. ليس فيلماً غرائبياً بالمعنى المتداول ولو أن بطله رجل من خشب. هو فيلم رمزي يواصل فيه المخرج العراقي تجسيد خوف يتعرض له أبطاله في كل فيلم يخرجه. مثلهم خرج قتيبة هارباً من العراق أيام صدّام حسين وحزب البعث الحاكم، ومثلهم ركبه الخوف من الملاحقة والمطاردة وانتقل من بلد لآخر قبل أن يستقر، كعدد منهم في بريطانيا.

هذه الحال معكوسة في «الرحيل من بغداد» (2011) و«قصص العابرين» (2017) و«رجل الخشب». من يتابع الأفلام يدرك لماذا أصبح بطله خشباً على هيئة رجل. لقد مرّ بسلسلة من المخاوف والآلام النفسية بحيث تحوّل إلى كائن من السهل حرقه. شخص يكاد، لولا بقايا روح، أن يصبح جماداً.

يبدأ الفيلم به مُطارداً في بلد ما بارد. الجميع يبحث عنه ويحذّر منه ويريد القبض عليه. هؤلاء ليسوا أتباع النظام السابق، بل هم الآن السلطات الأوروبية. نسمع أصوات إنذارات سياراتهم. نتطلع إلى وجهه الخالي من التعابير، كونه خشبياً، لكنه الموحي بالخوف الذي يركبه.

يلجأ إلى منزل في ريف ما ويدخله. يختبئ في غرفة ويتلصص على المرأة التي تملكه والتي بدورها تريد بيعه لترحل. هي الآن على شفا الرحيل لزيارة طويلة وتشعر بأن من يحذّر البوليس منه موجود في بيتها، لذلك تقدم على تأمين سلامته بالحديث مع الحارس الذي يعيش في بناء صغير ملحق بالمنزل الكبير.

هو أيضاً رجل محجوز يبحث عن الحريّة ويدرك وجود رجل الخشب، بذلك يصبح الفيلم بحثاً متسع الدائرة للخوف وحب الرحيل واللجوء والمتاعب التي تمر في بال كل الشخصيات ووجدانها. في النهاية، سيتسلل الرجل الخشب من البيت ويعاود الركض طالباً لجوءاً جديداً.

عرض قتيبة هذا الفيلم في أكثر من مهرجان (بينها مهرجان طوكيو) وحالياً بدأ التحضير لفيلم جديد. يقول لهذا الناقد: «أصوّر لأجمع مادة الفيلم. لكني بلا تمويل لحد الآن. اتصالاتي مع صناديق التمويل العربية محدودة وهي الآن أقل مما كانت عليه، لكني أحاول».

عرض قتيبة عليّ 12 دقيقة صوّرها في العراق تشي بطيف من الموضوع الذي سيتشكّل: مجنّد شاب يصل إلى مقر عسكري. الضابط يحاول استمالته بالقوّة ويهدده بالبقاء في الغرفة التي تضم جثث قتلى «خانوا الوطن» إذا رفض. قبل المشهد المُدار بإحكام وبلاغة، يطلق المخرج العنان لكاميرا تصوّر جماليات داكنة لعالم جميل ومقلق في الوقت نفسه.


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».