منذ أشهر قليلة بدأ سيمون يميّن بحصد نسبة مشاهدات عالية عبر صفحاته الإلكترونية. فهو لحق بظاهرة «بلوغر الطعام» الرائجة على الـ«سوشيال ميديا»، ولكن ليس من باب الـ«ترند»، بل بهدف العودة إلى جذور المطبخ اللبناني. وكذلك لتعريف متابعيه على جمال لبنان وطبيعته. فأحرز المختلف بطريقة تقديم وصفات الطعام. وإضافة إلى شغفه بالطبخ، يستخدم أدوات تقليدية، فتحضر موقدة الحطب والأواني الفخارية والمكونات الطبيعية الطازجة.
ومن خلال أسلوب عفوي بامتياز يتلون بعبارات بالفرنسية وبلكنته الشمالية، يجذب يمّين مشاهديه. فالمحتوى الذي يقدّمه ضمن فيديوهات مصورة قصيرة وسريعة تترك أثرها على متابعيه. ويروي لـ«الشرق الأوسط»: «منذ خمسة أشهر بدأت مشواري هذا. ولكن قبله حققت تجارب عديدة في عالم الطبخ. جلت حول العالم وعملت في جزر السيشيل. هناك تعلمت أصول تحضير وطبخ الأطباق العالية الجودة. كما تخصصت في هذا المجال وحصلت على شهادات عديدة».

منذ كان ولداً صغيراً شعر سيمون يمّين بحبّه للطبخ. «كنت أساعد والديّ في مطعم يملكونه في بلدة اهدن مسقط رأسي. فقررت صقل تجربتي هذه بالدراسة والتخصص. وبعدها قررت العودة إلى بلدتي لأبدأ هذا المشوار. لم تكن السوشيال ميديا تهمني. وحتى اليوم لا أطّلع عليها بشكل كثيف. ومن خلال مشاويري مع أهلي إلى الطبيعة حيث كنا نمضي أوقاتاً في تحضير المشاوي وأكلات أخرى، ولدت الفكرة».
يقدّم سيمون في محتواه المصور وصفات أكلات من المطبخ اللبناني الأصيل. وكما المجدرة والبرغل بالبندورة والبرغل بدفين (مع اللحم). كذلك يحضر لائحة طعام طويلة من المتبلات والأطباق الدسمة. ومن يخنة الفاصولياء والمحاشي على أنواعها، ينقل لمتابعيه وصفات بالزيت. يدق فصوص الثوم ويفرم البصل ويضيف إليها الأعشاب البرية مثل الزعتر والشومر والهليون. وبالفخارة أو بأواني معدنية يحضّر الأكلات الشهية. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «أتمسك باستعمال كل ما ذكرته لأن هدفي الإضاءة على مطبخنا الأصيل. فهو يتميز ببساطته وبمكوناته الصحية. كما أعتبره من أكثر المطابخ نظافة. وأعني بذلك لا فلسفة في التقنيات المستخدمة فيه. فهو يرتكز على أسلوب طبخ سهل لا تحضر فيه كثيراً المقالي. أما زيت الزيتون فهو المكوّن الرئيسي الذي ينكّه هذه الأكلات ويضعها في مصاف الطعام اللذيذ».

يعترف يمّين بأن المطبخ اللبناني تطوّر مع الوقت. «صارت كل منطقة تتميز بأسلوب معين في تحضير الطبق نفسه. وهو ما ولّد نكهات بالجملة في مطبخنا. فأهالي الشمال يحضّرون الكبّة ببهارات معينة، وكذلك أهالي الجنوب وبيروت. وجميعها ألّفت باقة نكهات نفتخر بها».
يتنقل الشيف سيمون يمّين في مختلف مناطق لبنان. وكما في إهدن وعكار وطرابلس يقصد فاريا وبعلبك واليمونة والعيشية وغيرها. ويصور المحتوى الإلكتروني من خلال مناظر طبيعية تشكّل رموزاً معروفة لهذه المناطق. يصطاد السمك مباشرة من جزيرة الأرانب. يقطف الزعتر ويغسله في مياه النهر. ويصنع المعكرونة بالثوم في ظل مغيب الشمس في إهدن، ويصر على استخدام ورق الغار المقطوف من الشجرة مباشرة في الأكلات الدسمة.
ومن الأطباق العريقة التي يقدّمها «مكمورة» المؤلفة من الملفوف والبرغل، و«مجدرة بلوبيا» و«فخارة بيض بالقاورما» و«سحلب عالحطب» وغيرها.

يرى الشيف يمّين بأن هناك علاقة وطيدة بين الطعام والطبيعة. ولكل منطقة نكهة مميزة. فالأطباق تعكس جمال الطبيعة وخصوصيتها في كل بلدة.
ويستطرد: «هوية المطبخ اللبناني أضعها في الطليعة. وقريباً أبدأ في البحث عن أكلات انقرضت ولم تعد موجودة في مطبخنا. سأفتش عنها لدى ربات المنازل الكبيرات في السن، وعند مؤرخين معروفين لديهم خزان من المعلومات في هذا الشأن. فالمائدة اللبنانية غنيّة بأصناف طعام كثيرة وأتمنى إدراجها جميعاً في المحتوى الذي أقدّمه».
بالنسبة للشيف يمّين فهو يرى بأنه سار عكس التيار بالمحتوى الذي يقدّمه: «من البداية لم أشأ أن يكون المحتوى الذي أقدّمه يشبه أياً غيره. مشيت عكس التيار وعدت إلى بدايات مطبخنا وعراقته، وجمعته بمناظر طبيعية تحكي عن جمال بلدنا. وهو ما طبعه بالجودة والقيمة الثقافية المطلوبة. سعيد بما أقوم به وأستمتع بكل لحظة تصوير. لا أقوم بذلك يومياً لأن هذا العمل يتطلّب عدم التكرار و الهدوء. أعيّن مواعيد وأماكن تصوير فجأة ومن دون تصميم وتخطيط مسبق. وعادة ما يأتيني الوحي حين أركن إلى النوم، فأتخيل المكان والزمان والطبق في لحظات قليلة، وأنفّذ الفكرة في اليوم التالي».
يؤكّد سيمون يمّين بأنه تأثر بأجواء عائلته المشهورة بتحضير الطعام: «كما والدي كذلك هناك عمّتي التي تعلمت منها الكثير. وأكثر ما علق في ذهني منها ومن جدّتي عبارتها الشهيرة (الأكل نفس). وهذا النَفَس كي يبرز في الطبق يجب أن يمتع صاحبه بالهدوء وهو يحضّره، فالعصبية تسرق وهجه وتحوّله إلى شبح. النفس هو واقع يحضر في الحقيقة وليس خيالاً كما يعتقد البعض».










