هاجر إبراهيم عكاوي إلى الخليج العربي منذ نحو 45 عاماً. بدأ مشواره العملي، باحثاً عن لقمة العيش بمحل لبيع الأدوات الكهربائية. بعدها قرر وأفراد عائلته الصغيرة القيام بمشروع يترجم حنينه إلى موطنه. عندما غادر بيروت، آتياً من منطقة عائشة بكار بقيت رائحة المنقوشة بالزعتر مزروعة رائحتها في أعماقه، ففكر في مشروع تجاري يجمعه وأفراد عائلته. إبراهيم المعروف في أبوظبي ودبي بـ«أبو محمد» يملك اليوم محلَيْن لبيع المناقيش على أنواعها. أحدهما في شارع السلام بالعاصمة أبوظبي. والثاني في منطقة «سيركال أفينيو» في دبي. انطلق منذ نحو 24 عاماً بمحله الأول «أطيب منقوشة»، ليعود ويفتتح فرعاً آخر له في دبي «أخو منقوشة» يديره ابنه محمد.
ولكن لأم محمد دورها في هذا المشروع الذي يعدّه آل عكاوي «كمشة تراب من لبنان». فهي أخذت على عاتقها مهمة وضع مكونات عجينة المنقوشة، وكذلك أصنافها المختلفة، وتصل إلى نحو 100 نوع بأطعمة كثيرة.
في منطقة «سيركال أفينيو» في دبي التقت «الشرق الأوسط» أبو محمد، فراح يخبرها قصته مع المنقوشة اللبنانية التي تسبّبت بشهرته في منطقة الخليج. «اليوم صار اسم محلاتي على كل شفة ولسان. وعندما يذكر أحدهم اسم أبو محمد، فلا بد أن تكون المنقوشة رفيقته».
في هذا الشارع الذي تطبعه أجواء الثقافة والمسرح تتوزع على جوانبه مقاهٍ ومحلات تحمل هوية بلدان عدة. يسرقك محل «أخو منقوشة» من بينها جميعاً بمخبوزاته، فتتسلّل رائحة الزعتر المخلوط بزيت الزيتون والسمسم إلى قلبك مباشرة. وعندما تسأل عن صاحب هذا المطعم يجيبونك على الفور بأنه يعود إلى اللبناني «أبو محمد».
إلى جانب المحل يجلس «أبو محمد» مع أصدقاء وشلة من الزبائن. فهو يعدهم الأصل في نجاح مشروعه، فيحب مجالستهم وإمضاء بعض الوقت معهم في أثناء إدارته للمحل. ابنه محمد هو صاحب فكرة «أخو منقوشة». ويوضح إبراهيم عكاوي: «عندما لمسنا نجاح محلنا في أبوظبي، قررنا افتتاح فرع له هنا في دبي. ابني محمد هو من يديره ويُشرف عليه. وبمساعدة والدته وأنا نحضّر العجين والخلطات الخاصة بالمناقيش التي نقدمها».
عندما تسأل أبو محمد عن سر الطعم اللذيذ للمنقوشة في محله يرد على التو: «إنها نابعة من حب الوطن ومن القلب مباشرة. فسري يكمن في هذه العلاقة الوثيقة التي لا تزال تربطني ببلدي لبنان. وعندما أخبز المناقيش وتتسلل رائحتها إلى أنفي، أشعر وكأنني في لبنان. في صغري كنت وأصدقائي نرتاد الأفران في محلة عائشة بكار حيث تقيم عائلتي، ونتباهى بتناولنا المنقوشة من هذا الفرن أو ذاك. اليوم ورثت هذه العادة بدوري. وأتمسّك بشراء الزعتر البلدي من لبنان. فبذلك أحافظ على طعم المنقوشة اللبنانية الأصيلة».
يقول أبو محمد إن كل التطوير في استحداث الأطعمة في المنقوشة يعود إلى زوجته. «لديها أفكار نيرة، وفي كل مرة تكتشف مناسبة تحتفي بها جالية ما في دبي، فإنها تحضّر أكلات البلد المُحتفى به».
في لائحة الطعام في محلات «أخو منقوشة» تلفتك واحدة عنوانها «منقوشة بالفلافل». «أعتقد أنني الوحيد الذي ابتكرتها في لبنان ومنطقة الخليج العربي. وهي مطلوبة بشكل كبير من قِبل الزبائن اللبنانيين والأجانب. بعد أن أمد على قطعة العجين خليط الفلافل على الطريقة اللبنانية، أقوم بعملية الخبز، وبعدها أزيّن المنقوشة بالخضراوات. فتحضر قطع البندورة ومخلل اللفت مع رشة صلصة الطحينة بالليمون الحامض أي الطرطور».
بالإضافة إلى منقوشة الفلافل تتضمن لائحة «أخو منقوشة» أصنافاً أخرى. «في محلاتنا أكثر من 100 صنف من المناقيش، تتوزع بين محلَيْنا في أبوظبي ودبي. من بينها منقوشة (الكفتة بالطحينة) و(بالسبانخ) و(البيض بالقاورما) أو (البيض مع الجبن). وفي محل (أطيب منقوشة) لدينا أكثر من 20 صنفاً من فطائر البيتزا».
يستوقف «أخو منقوشة» المارة في الشارع، ومن بينهم أجانب ولبنانيون. وتقول سالي التي التقتها «الشرق الأوسط» وهي تتناول منقوشة بالجبن: «أقصد هذا المحل أسبوعياً كي أتناول أطيب منقوشة يمكن أن تجدها في الإمارات. وأحياناً أطلبها (دليفري). فجميع أفراد عائلتي ينتظرون وصولها بحماس أيام الآحاد والأعياد».
أما أبو فواز الذي التقيناه وهو يجلس قرب المحل يلتهم المنقوشة بالزعتر بشهية، فيقول: «معتاد على زيارة محلات أبو محمد في دبي وأبوظبي. وأحياناً عندما أضطر إلى قطع طريق طويل في الإمارات أتزوّد بأكثر من واحدة، فأتناولها خلال مشواري وتكون رفيقة عزيزة على قلبي».