مدونو الطعام والطهاة يتفننون في الأكل النباتي بطريقة عصرية

وصفات خالية من اللحوم تتعدى المألوف

الشيف وليد السعيد (الشرق الأوسط)
الشيف وليد السعيد (الشرق الأوسط)
TT

مدونو الطعام والطهاة يتفننون في الأكل النباتي بطريقة عصرية

الشيف وليد السعيد (الشرق الأوسط)
الشيف وليد السعيد (الشرق الأوسط)

يتفنن بعض الطباخين والمدونين ومقدمي بعض البرامج الخاصة بالطهي في مصر، في تقديم أطباق بلمسات عصرية جاذبة تندرج تحت عنوان «النظام الغذائي النباتي» بعدّه اتجاهاً متزايداً في مجال الطعام. ويرجع الشيف وليد السعيد ذلك إلى الوعي المتنامي بالفوائد الصحية لتناول مزيد من الحبوب الكاملة والفواكه والخضراوات والمكسرات والبقوليات وتقليل اللحوم ومنتجات الألبان.

الشيف وليد السعيد (الشرق الأوسط)

ولكن رغم أن النظام الغذائي هو ذلك الذي لا يتضمن اللحوم أو المأكولات البحرية، وأن هناك العديد ممن يتبعون نظاماً غذائياً نباتياً يأكلون البيض ومنتجات الألبان، فإن البعض الآخر قد يتجنب أحدهما أو كليهما، وأحياناً العسل والجيلاتين أيضاً.

الأطباق النباتية تجتذب الناس حول العالم (الشيف وليد السعيد)

ولذلك؛ تنوعت الأطباق النباتية وتعددت مكوناتها؛ لتناسب كل الأذواق، وهنا يقول السعيد: «حتى لو لم تكن نباتياً، فعليك أن تخصص أحد أيام الأسبوع ليكون الطبق الرئيسي نباتياً من أجل صحة أفضل».

«معكرونة الستروغانوف بالفطر» المستوحاة من ستروغانوف لحم البقر، التي يتم تحضيرها باستخدام السبانخ والفطر (يفضل السويسري البني) مع الثوم والزعتر والبقدونس والبابريكا ومعجون الطماطم والجبن (المفضل لك) المبشور وزيت الزيتون، هي واحدة من قائمة الوصفات التي يقترحها السعيد.

يقول: «الجميع يحب المعكرونة، وهذه المكونات المضافة إليها تكسبها مذاقاً غنياً، كما يعد وصفة شوربة البازلاء وأوراق النعناع بالبصل والثوم المقلي ومرق الخضار برشة جبن البارميزان من الأطباق التي لا يمكن مقاومتها».

كما يقدم الشيف السعيد «جنوكتشي البطاطس» الإيطالية الكلاسيكية بصلصة الفطر الكريمية أو صلصة الماسكاربوني وزيت الزيتون والبيض. أما «تارت الطماطم مع عجينة الفيلو وكريمة الفيتا؛ فهو طبق رائع مليء بالنكهة المميزة ويحتل بطولة قائمة الطعام النباتي الذي يقدمه لعملائه».

فتة الباذنجان طبق للشيف مها شعراوي (الشرق الأوسط)

ويلفت السعيد إلى أن خليط الفيتا الكريمي المتبل بالزعتر والأوريغانو يضيف مذاقاً قوياً إلى عجينة الفيلو والطماطم الطرية؛ ما يجعل من هذا التارت قطعة مركزية تجتذب الجميع على طاولة العشاء الصيفية من النباتيين أو غير النباتيين.

وتقول شيف هانيا أشرف، صاحبة مشروع غذائي يقوم على تنوع الأطباق النباتية ما بين الكلاسيكية والعصرية في الإسكندرية (شمال غربي مصر) لـ«الشرق الأوسط»: «لقد ولت الأيام التي كونك فيها نباتياً يعني أن تقتصر على السلطات وحدها؛ فقد أصبح الطعام النباتي أكثر إبداعاً ويمكن الوصول إليه أكثر من أي وقت مضى».

وتتابع: «ربما لا يلتفت كثيرون إلى أن العديد من أفضل الأطباق التقليدية في العالم خالية من اللحوم؛ ما يجعلها مثالية للعديد من النباتيين عند السفر؛ فالأمر لا يقتصر على الأطباق المبتكرة وحدها».

تقدم الشيف الكشري المصري المكون من عدة طبقات من الأرز والمعكرونة والعدس البني وصلصة الطماطم اللذيذة والبصل المقرمش، وكذلك طبق «سباناكوبيتا» اليوناني، وهو عبارة عن عدة طبقات من الطعام كذلك، لكن من المعجنات المحشوة بالسبانخ اللذيذة وجبن الفيتا.

وتقدم هانيا «بان كون توميت» أو خبز الطماطم الكاتالوني من المطبخ الإسباني المصنوع من الخبز المحمص المقرمش والثوم، والطماطم الطازجة، وزيت الزيتون والملح.

البطاطس يسهل استخدامها في كثير من الأطباق النباتية (الشرق الأوسط)

وأيضاً تستدعي طبق «راتاتوي» من المطبخ الفرنسي، وهو مكون من الباذنجان والكوسا والفلفل والثوم والبصل والطماطم، إذ يتم تقطيع هذه الخضراوات إلى شرائح رفيعة ويتم قلي كل منها بشكل منفصل؛ بحيث تبرز النكهة الفردية لكل منها.

وترى هانيا أن كثيراً من النباتيين يعانون من عدم توفر الأطباق النباتية الصحية والجاهزة التي يمكنهم طلبها عبر الهاتف بعد يوم عمل مرهق، لا سيما في المحافظات بعيداً عن العاصمة. وتتابع: «ونظراً لأنني نباتية فقد قررت أن تتصدر هذه الأكلات وغيرها من أطباق شعبية عالمية (المنيو) الذي أقدمه».

وتنصح عشاق الأكل النباتي بالرجوع إلى المطبخ الهندي: «يوجد به ما يكفي من الإلهام لطهي طبق نباتي مختلف لكل يوم من أيام السنة».

مكونات غنية صحية تدمجها الشيف مها شعرواي في أطباقها النباتية (الشرق الأوسط)

أما عن الوجبات الجديدة التي تبتكرها هانيا فأهمها وصفة «اللازانيا النباتية» التي يمتزج فيها الكرنب اللذيذ الغني بالفيتامينات مع الريكوتا الكريمية والطماطم الكرزية.

سلطة للشيف وليد السعيد (الشرق الأوسط)

وتعد شيف مها شعراوي واحدة من أبرز «البلوغرز» المصريين الذين يحتفون بالأطباق النباتية على (إنستغرام)؛ حيث تقدم على مدونتها «Cuisine _de _maha» العديد من الوصفات، ومنها قوالب الكوسا المحشية بالباذنجان والمشروم والبصل والثوم المفرومان والملح والفلفل والزعتر الفريش، وزيت الزيتون والشوربة النباتية (من الممكن استخدام مكعب مرق نباتي)، أما الصوص فيصنع من ملعقة طحينة كبيرة وفص ثوم مفروم وعصير ليمون وكمون وماء للتخفيف.

البطاطس مع البطاطا الحلوة للشيف مها شعراوي (الشرق الأوسط)

كما تقدم مها صينية «البطاطا والبطاطا الحلوة معاً» في الفرن، وفيها تقوم بتقطيعهما شرائح رفيعة جداً باستخدام الماندولين أو بالمبشرة وتضيف زيت الزيتون والملح والفلفل وفص الثوم المفروم والزعتر الفريش، ويتم الخلط جيداً، بحيث يتم تغليف كل قطعة من البطاطا أو البطاطا الحلوة بزيت الزيتون والتتبيلة، ويتم رصها في صينية في الفرن لمدة نحو نصف الساعة، وعند خروجها ترش بجبن الفيتا أوپارميغان وزعتر فريش.

قوالب الكوسا المحشوة بالباذنجان من الشيف مها شعراوي (الشرق الأوسط)

وتقترح الشيف مها طبقاً غنياً؛ (معكرونة الكممبير بالكريمة والريحان والطماطم)، التي تقول إنها يمكن تحضيرها في 20 دقيقة فقط، وترشح كذلك «فتة الباذنجان» المكونة من باذنجان مكعبات وطماطم وبصل وزيت الزيتون والعيش الشامي وملعقة كبيرة صلصة أو طماطم بيوريه، وملعقة سكر، وزبادي، وثوم مفروم، وملعقة طحينة، وملح، وفلفل.


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».