لحم النعام... يجذب المصريين رغم الغلاء

يستهدف شرائح مجتمعية باحثة عن التنوع

وصفات عالمية تحضر بلحم النعام بدلاً من لحم الضأن أو البقر (الشرق الأوسط)
وصفات عالمية تحضر بلحم النعام بدلاً من لحم الضأن أو البقر (الشرق الأوسط)
TT

لحم النعام... يجذب المصريين رغم الغلاء

وصفات عالمية تحضر بلحم النعام بدلاً من لحم الضأن أو البقر (الشرق الأوسط)
وصفات عالمية تحضر بلحم النعام بدلاً من لحم الضأن أو البقر (الشرق الأوسط)

ما بين طبق «المزاليكا» الشهير و«الفاهيتا» و«الممبار» و«فتة الموزة»، يسعى مطعم مصري إلى تقديم قائمة طعام متنوعة، لكنها من لحم النعام، سعياً لاجتذاب شريحة باحثة عن التنوع في المذاق.

وفي تجربته الحديثة يراهن مطعم «أوستري ميت» بمدينة 6 أكتوبر في مصر، على فكرة الاختلاف؛ حيث يقدم كل أطباقه الشهيرة من المطبخ المصري باستخدام هذا النوع من اللحوم، رغم الغلاء، إذ يسعى مؤسسوه إلى تغيير الثقافة السائدة حول لحم النعام، بأنه طعام الأغنياء.

«كل الأطباق من لحم النعام»، رؤية فتحت الآفاق لقائمة طعام طويلة تقدم للرواد خيارات متنوعة، منها أشكال مختلفة من «الاستيك»، «المقلي» مع صوص المشروم، هكذا يوضح المطعم عبر المنيو الخاص به.

تقطع صدور لحم النعام إلى شرائح رقيقة، وتدق بأداة ثقيلة حتى تتفتح مسامها، وتتبل ثم تغمس في مخلوط من الدقيق والبيض واللبن، ثم يوضع البقسماط المسحوق، وتحمر في زيت غزير ساخن، لتحصل على اللون الذهبي ويكتمل نضجها، وتقدم مع صوص المشروم البني أو مع صوص البيبر وهو صوص الفلفل الحلو أو الحار، كما يقدم «الاستيك» المعروف بطريقة الشوي على الفحم مع صوصات المشاوي المميزة.

وتضم قائمة الطعام أيضاً طبق «المزاليكا» الشهير، وهو تشكيلة من الكبدة والقلب والقوانص، ويتم تحميرها مع البصل في زيت الزيتون والفلفل الألوان وشرائح الطماطم والملح والفلفل الحار وإكليل الجبل.

وتعد «فاهيتا بلحم النعام» من بين الأصناف الجديدة التي يقدمها مطعم «أوستري ميت» وهي شرائح اللحم مقطعة مكعبات وتتم إضافتها في إناء ساخن من دون أي مواد دهنية، ثم تضاف إليها الزبدة والبصل والزيتون والفلفل والمشروم مع قليل من عسل النحل، وكذلك «الكبسة بلحم النعام»، وهو نفس طبق الكبسة التقليدي بالأرز البسمتي المبهر والمكسرات وتتم إضافة فخذة أو صدر النعام أو نعامة كاملة مشوية بتتبيلة خاصة في الفرن مع إضافة الصلصة لتحصل على مزيد من النكهة واللون الأحمر المميز للكبسة.

في البداية كان من الصعب إقناع المصريين بتناول لحم النعام (الشرق الأوسط)

ولحم النعام مرتفع الثمن، لكن مدير المطعم محمد يوسف، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نسعى إلى تغيير نظرة المصريين إلى لحوم النعام بوصفها مقصورة على الأغنياء، وهذا الأمر أحد مفردات الرؤية التي تأسس المطعم لتحقيقها».

وأضاف: «نحن نمتلك مزرعة نعام شاسعة المساحة منذ عام 2016، وهو ما مكّنا من تقديم أطباقنا بأسعار معقولة، كما نبيع لحم النعام الطازج ومنتجاته للزبائن لطهوها بالمنازل».

ويرى يوسف أن توفر لحوم النعام من المزرعة التي يمتلكها المطعم انعكس على جودة العديد من الأصناف، مثل الطواجن، التي تتضمن رؤية لتقديم الأنواع التقليدية بنكهات جديدة، مثل «برياني النعام»، الذي يقدم مع الفريك أو البرغل، وطاجن «قطع لحم النعام بالبروكلي»، وأيضاً طاجن لحم النعام بالبصل، وطاجن «ورقة اللحمة» بالبطاطس والبصل والفلفل.

لحم النعام صحي على عكس ما قد يظنه البعض (الشرق الأوسط)

ومن الأصناف التقليدية الشهيرة التي تضمنتها قائمة الطعام، طاجن «العكاوي»، الذي يصنع من «رقبة النعام»، وطاجن «الكوارع»، والبامية باللحمة، و«فتة الموزة»، و«الملوخية بلحم النعام»، وكذلك «الممبار» التقليدي، لكن من لحم النعام.

ونجح المطعم، بحسب مديره ومالكه يوسف، في جذب فئات جديدة لم يكن تناول لحم النعام ضمن تطلعاتها، ويوضح: «في البداية واجهنا صعوبات في إقناع الزبائن الذين يعتقدون أن لحم النعام مرتفع الثمن، أو لم يتعودوا على طعمه».

ونوه بأن النعام «من أفضل أنواع البروتين الحيواني، ويحتوي على أقل نسبة دهون بالمقارنة بكل أنواع اللحوم»، لكننا «في وقت قصير نجحنا في جذب زبائن من طبقات اجتماعية واقتصادية عدة عبر حملات الترويج، واعتمدنا بالأساس على فرضية أن الزبون الذي يجرب أطباقنا سيأتي ومعه آخرون».

أكلات تقليدية تحضر بلحم النعام (الشرق الأوسط)

واهتمت قائمة الطعام بالأصناف المختلفة من «المعكرونة» لما لها من شعبية واسعة بين المصريين. ومن بين أشكالها الجديدة، المعكرونة بكبدة النعام، و«البلونيز» مع لحم النعام والجبنة الشيدر والموتزاريلا، وكذلك «النجرسكو»، وطاجن البشاميل، و«معكرونة الأرابياتا»، و«الميكس تشيز» وتحتوي جميعها على لحم النعام. كما يقدم أصنافاً متنوعة من البيتزا باستخدام لحم النعام بدلاً من اللحوم التقليدية في الإضافات والنكهات.

وصفات عالمية تحضر بلحم النعام بدلاً من لحم الضأن أو البقر (الشرق الأوسط)

ويستعرض المطعم خيارات عدة لـ«الصواني» العائلية، التي تكفي عدداً كبيراً من الأفراد؛ منها صينية دبابيس النعام بالأرز والمكسرات، وصينية كفتة النعام، كما حرص على تقديم أنواع عدة من «الساندوتشات» التقليدية، لكن من لحم النعام، منها الكفتة والحواوشي والفاهيتا السادة أو بدبس الرمان، والبرغر.


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».