«New year New me»... أهداف العام الجديد الصحّية واقع أم أمنية؟

نصائح لبداية تُبشّر بتحقُّق ما نحلم به «غذائياً»

الصحة أول قرارات «New Year’s Resolution» (شاترستوك)
الصحة أول قرارات «New Year’s Resolution» (شاترستوك)
TT

«New year New me»... أهداف العام الجديد الصحّية واقع أم أمنية؟

الصحة أول قرارات «New Year’s Resolution» (شاترستوك)
الصحة أول قرارات «New Year’s Resolution» (شاترستوك)

نبدأ دائماً مما نظنّ أننا سنحقّقه، وغالباً ما ندوّنه بالقلم على الورق. إنها خطط العام الجديد، نشاء جَعْلها أبعد من أمنية. يحلّ الاهتمام بالصحة؛ غالباً، في مقدّمة الأماني السعيدة. فإدراك قسوة الزمن وتسلّطه على الإنسان، يُحتّم الانتباه إلى المصائر الحزينة إنْ ظللنا نُهمل ونؤجّل. الصحة أول القرارات المُدرجَة في ما يُسمّى «New Year’s Resolution». كل عام، يتكرّر الإلحاح على اتّباع نمط حياة أفضل. وهذا يبدأ بصلابة، وفي العادة يتراخى تدريجياً مع إحساسنا بالوقت والابتعاد شيئاً فشيئاً عن هيبة السنة الجديدة. أقلّه؛ فلنحاول. ثمة إرادات تتجاوز الإغراءات وتبلغ مُرادَها. وهي المُدرِكة أنّ مراكمة العادة السيئة لن تؤدّي إلا إلى مزيد من الشعور بالثقل.

اختصاصية التغذية اللبنانية فيرا متّى (حسابها الشخصي)

يكثُر طلب المواعيد في شهر يناير (كانون الثاني) من كل عام، وتنهمك عيادة الطبيبة اللبنانية فيرا متّى، الحائزة دكتوراه في السلوك الغذائي والتغذية العيادية، في تلبية المُصمّمين على البداية الجديدة. الجميع على عتبة العام، يشاءون اقتحامه بإصرار على تأديب النفس حيال ما تُظلَم به إن واظبت عليه. تقول الاختصاصية لـ«الشرق الأوسط» إنّ «New Year New Me» رغبة قديمة؛ خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالصحة. فكثر يبدأون بتصميم، وينتهون بالتبريرات والذرائع، وما يطيب للنفس سماعه بصفته عادة يصعب تجاوزها.

تربط متّى الصحة بالمظهر؛ وفي لبنان، تحلّ أهداف الجمال أولاً: «الآتون إلى العيادة همُّهم إنقاص الوزن بالدرجة الأولى، لظنٍّ أنه يمنحهم شكلاً أفضل. ليس بالضرورة. نقصان الوزن غير المُرادف للصحة مضرّ. يأتون بعد (خبصة) العيد لطلب المساعدة. هنا، كل حالة تختلف عن الأخرى. لا يمكن تعميم الأنظمة الغذائية. عليَّ التأكد من أنّ طالب الاستشارة لا يعاني أمراضاً في جهازه الهضمي، وليس مصاباً بالسكّري أو الكولسترول أو الضغط».

يَعِدُ هؤلاء أنفسهم بأنّ العام الجديد سيحمل عنوان «عام الصحة». بالنسبة إلى فيرا متّى، لا بدّ من الانتباه إلى «التوقُّع المنطقي». مراهقات يأتين إليها مفتونات بنماذج مواقع التواصل، ويخبرنها عن رغبتهنّ في ظهور مُشابه: «يُحضِرن معهنّ أوزاناً يُردن الحصول عليها. مراهقة وزنها 45 كيلوغراماً مثلاً، تشاء إنقاص 5 كيلوغرامات لتتماهى مع صورة عارضة أزياء. دوري إقناعها بأنّ هدفاً كهذا لا يمتّ إلى الواقع. في أحيان كثيرة أيضاً، يتبيّن أنّ مَن يحتاجون إلى التوعية هم الأهل. وينطبق ذلك على شاب يفرض على شريكته إنقاص وزنها، وإنْ تطلّب الأمر أذيتها صحياً. هذه الحالات ينبغي أن تشملها التوعية أسوة بالآتين إلى العيادات».

نقصان الوزن غير المُرادف للصحة مضرّ أيضاً (شاترستوك)

تعلم أنّ مَن يقصدونها يستهويهم سماع هذه العبارة: «ستصلون إلى ما تحلمون به». فتؤكد لهم ذلك، بعد إطلاعهم على أنّ «الدايت» ليس كبسة زر. تقول: «على الجميع الأخذ في الحسبان العمر، والوزن، والطول، ومدى السلامة من الأمراض، وما المتوافر لتناوله. كثيرون لا يستطيعون الطهي يومياً، وليس أمامهم سوى نوع طعام محدد. نظامهم الغذائي... ينبغي الالتفات إلى ذلك أيضاً».

تنصح بالكفّ عن تعداد السعرات الحرارية: «الجسم أذكى من (الكالوريز)، ومع الوقت يفقد التجاوب مع عددها المفروض عليه». تتحدّث عن «ضغط نفسي» يُسبّبه التفكير فيها، وتتابع: «علينا تشجيع أجسامنا على الاستعداد لحرق الدهون بما لا يضرّها ولا يعيد الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه بعد التخلّي عن النظام الصحي. لستُ من أتباع (one diet fits all)، ولا أنصح بالارتكاز على وصفات الإنترنت الغذائية. فما ينطبق عليَّ، لا ينطبق عليك. علينا أولاً معالجة المشكلات الصحّية إن وُجِدت؛ أهمها المتعلّقة بالمعدة والجهاز الهضمي. كلّما قلّصنا نقاط ضعف الجسم، دعمنا قدرته على الحرق. وعلينا التأكد من ضبط معدلات الإنسولين، ومن أنّ الإفرازات جميعها سليمة. تناوُل منقوشة في الصباح مثلاً، يُدخل نحو 500 سعرة حرارية إلى الجسم، ويرفع نسبة الإنسولين طوال النهار. كل الطعام بعدها سيتيح تعزيز الدهون».

يحلّ الاهتمام بالصحة في مقدّمة أماني العام السعيدة (شاترستوك)

هي ليست من دعاة الحرمان: «أنصح بالتذوّق، لا بالتهام الأطباق. إن وُجد 30 صنفاً على المائدة، تذوّقوها جميعاً. الكميات الكبيرة مؤذية. من الطبيعي أن تُفتَح الشهية في العيد. لا بأس. المهم؛ التدارُك السريع. فإنْ أفرطنا في الطعام ليلاً، فلنُعدِّل في اليوم التالي. هذه المعادلة. حتى الحلويات؛ يمكن تناولها باعتدال، مع الحدّ من النشويات للتوازن. (البوش دو نويل) أو الشوكولاته، كلاهما أحبّ إلى القلب وسط الأجواء السعيدة. إذن؛ فلنأكل المعجنات والأرزّ بكميات أقل».

تغفر شطحة العيد، وتصف مَن يحافظون على أوزانهم في موسمه، ويضبطون أنفسهم أمام مغريات الموائد، بـ«الأبطال». أما بعض التجاوزات، في رأيها، «فليست نهاية العالم، إن أمكن التدارُك». تُلخِّص: «فكّروا في الصحة قبل إنقاص الوزن. فإنْ نقصت أوزانكم وتدهورت صحتكم، فلن تستفيدوا شيئاً. كفّوا عن عدّ السعرات الحرارية، ولا تتّبعوا نظاماً غذائياً عشوائياً، خصوصاً المنتشر بكثافة عبر الإنترنت. تجنّبوا إبر فقدان الشهية، حتى تلك المرخّصة، فعوارضها الجانبية خطرة. الفطور وجبة أساسية، فتجنّبوا المعجنات. اجعلوا البروتينات والألياف أسلوب حياة. وتذكروا: مَن يفقد الوزن بطريقة خاطئة، فلن يُسرَّ بالنتيجة طويلاً».


مقالات ذات صلة

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

مذاقات البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات مبنى «آر إتش» من تصميم المهندس المعماري البريطاني السير جون سوان (الشرق الأوسط)

«آر إتش» عنوان يمزج بين الأكل والأثاث في حضن الريف الإنجليزي

سحر الريف الإنجليزي لا يقاوم، وذلك بشهادة كل من زار القرى الجميلة في إنجلترا. قد لا تكون بريطانيا شهيرة بمطبخها ولكنها غنية بالمطاعم العالمية فيها

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات طبق الكشري المصري (شاترستوك)

مبارزة «سوشيالية» على لقب أفضل طبق كشري في مصر

يبدو أن انتشار وشهرة محلات الكشري المصرية، وافتتاح فروع لها في دول عربية، زادا حدة التنافس بينها على لقب «أفضل طبق كشري».

محمد الكفراوي (القاهرة ) محمد الكفراوي (القاهرة)
مذاقات مطعم "مافرو" المطل على البحر والبقايا البركانية (الشرق الاوسط)

«مافرو»... رسالة حب إلى جمال المناظر الطبيعية البركانية في سانتوريني

توجد في جزيرة سانتوريني اليونانية عناوين لا تُحصى ولا تُعدّ من المطاعم اليونانية، ولكن هناك مطعم لا يشبه غيره

جوسلين إيليا (سانتوريني- اليونان)
مذاقات حليب جوز الهند بلآلئ التابيوكا من شيف ميدو برسوم (الشرق الأوسط)

نصائح الطهاة لاستخدام مشتقات جوز الهند في الطهي

حين تقرّر استخدام جوز الهند في الطهي، فإنك ستجده في أشكال مختلفة؛ إما طازجاً، مجفّفاً، أو حليباً، أو كريمة، وثمرة كاملة أو مبشورة.

نادية عبد الحليم (القاهرة )

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
TT

هل تأثرت توابل المصريين بالجاليات الأجنبية؟

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)
البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

«رشّة ملح وفلفل»، معادلة مصرية تعود إلى الجدات، تختصر ببساطة علاقة المطبخ المصري بالتوابل، والذي لم يكن يكترث كثيراً بتعدد النكهات، في حين عُرف بالاعتماد على مذاق المكونات الأساسية، مع لمسة محدودة لم تتخطَّ صنفين أو ثلاثة من التوابل.

غير أن الوضع تبدّل الآن، وباتت الأكلات المصرية غارقة في توليفات التوابل، فدخل السماق والزعتر البري والكاري والبابريكا على الوصفات التقليدية. وعلى مدار سنوات عدة قريبة تطوّر المطبخ المصري، وبات أكثر زخماً من حيث النكهات، ليطرح السؤال عن مدى تأثره أو تأثيره في الجاليات التي توجد بالبلاد.

ويرى خبراء الطهي، أن معادلة التوابل لدى المصريين اختلفت بفضل الاندماج الثقافي وتأثير الجاليات العربية التي دفعتهم ظروف الحروب لدخول مصر والاستقرار بها، أيضاً منصات التواصل الاجتماعي التي أزاحت الحدود، ودفعت بمفهوم «المطبخ العالمي»، فنتج خليط من النكهات والثقافات استقبلته المائدة المصرية بانفتاح.

البهارات في مصر كانت تستخدم في الماضي للتحنيط والعلاج (شاترستوك)

ورأت الطاهية المصرية أسماء فوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن المطبخ المصري الآن «بات مزيجاً من ثقافات عربية»، وقالت: «عندما بدأت أتعلَّم الطهي من والدتي وجدتي، كانت توليفة التوابل الأشهر تشمل الملح والفلفل، وفي وصفات شديدة الخصوصية قد نستعين بالكمون والحبّهان على أقصى تقدير، أما الكزبرة المجففة فكانت حاضرة في طبق (الملوخية) فقط».

لكنها أشارت إلى أنه قبل سنوات معدودة لاحظت تغييراً واضحاً في تعاطي المطبخ المصري التوابل، و«بدأتُ للمرة الأولى أستعين بنكهات من شتى بقاع الأرض لتقديم مطبخ عصري منفتح على الآخر».

التوابل والأعشاب المصرية مرت برحلة مثيرة عبر قرون من التاريخ والثقافة، واشتهر المطبخ المصري قديماً بمجموعة من الكنوز العطرية، تشمل الكمون بنكهته العميقة التي ارتبطت بطبق «الكشري»، والكزبرة، تلك الأوراق الخضراء المجففة التي تضيف لطبق «الملوخية» نكهته الفريدة، كما عرف الشبت ذو النكهة العشبية المميزة الذي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بوصفات التمليح (التخليل) والسلطات.

يتفق محمود عادل، بائع بأحد محال التوابل الشهيرة في مصر، يسمى «حاج عرفة»، مع القول بأن المطبخ المصري تحوّل من محدودية النكهات إلى الزخم والانفتاح، ويقول: «المصريون باتوا يميلون إلى إضافة النكهات، وأصبح أنواع مثل السماق، والأوريجانو، والبابريكا، والكاري، والكركم، وورق الغار، وجوزة الطيب والزعتر البري، مطالب متكررة للزبائن». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة انفتاح على المطابخ العالمية بسبب منصات التواصل الاجتماعي انعكس على سوق التوابل، وهو ما يعتبره (اتجاهاً إيجابياً)».

ويرى عادل أن «متجر التوابل الآن أصبح أكثر تنوعاً، وطلبات الزبائن تخطت الحدود المعروفة، وظهرت وصفات تعكس الاندماج بين المطابخ، مثل الهندي الذي تسبب في رواج الكركم وأنواع المساحيق الحارة، فضلاً عن الزعفران»، منوهاً كذلك إلى المطبخ السوري، أو الشامي عموماً، الذي حضر على المائدة المصرية بوصفات اعتمدت نكهات الزعتر والسماق ودبس الرمان، ووضعت ورق الغار في أطباق غير معتادة.

وتعتقد الطاهية أسماء فوزي، أن سبب زخم التوابل وتنوعها الآن في مصر، يرجع إلى «الجاليات العربية التي دخلت البلاد عقب (ثورة) 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، أي قبل أكثر من عقد». وتقول: «بصمة المطبخ السوري بمصر كانت واضحة، فالجالية السورية اندمجت سريعاً، وقدمت مهارات الطهي من خلال المطاعم و(المدونين)، وانعكس ذلك على اختيارات التوابل، وبات ملاحظاً إضافة توليفات التوابل السوري، مثل السبع بهارات لوصفات مصرية تقليدية».

بهارات متنوعة (صفحة محال رجب العطار على «فيسبوك»)

كما أشارت إلى أن «المطبخ العراقي ظهر، ولكن على نحو محدود، وكذلك الليبي»، وتقول: «ما أتوقعه قريباً هو رواج التوابل السودانية، مع تزايد أعدادهم في مصر بعد الحرب، لا سيما أن المطبخ السوداني يشتهر بالتوابل والنكهات».

انفتاح أم أزمة هوية؟

كلما انعكست مظاهر الانفتاح الثقافي على المطبخ المصري، ازدادت معه مخاوف الهوية، وفي هذا الصدد تقول سميرة عبد القادر، باحثة في التراث المصري، ومؤسسة مبادرة «توثيق المطبخ المصري»: «إنه (المطبخ المصري) لم يعتمد في أصوله على النكهات المُعززة بالتوابل المختلطة»، وترى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن تفرّد المطبخ المصري القديم يرجع إلى اعتداله في إضافة التوابل... «هذا لا يعني إهماله لسحر مذاق البهارات والتوابل، غير أنه كانت له معادلة شديدة الدقة، كما أن علاقة المصري بالتوابل ذهبت قديماً إلى ما هو أبعد من فنون الطهي».

وأرجعت الباحثة في التراث المصري زيادة الاهتمام بالتوابل إلى (المؤثرين) وطُهاة «السوشيال ميديا»، وتقول: «المطبخ المصري لا يعتمد على التوابل بهذا القدر، في حين هناك عوامل كانت وراء هذا الزخم، أهمها (المؤثرون) و(مدونو) الطعام؛ غير أن إضافة التوابل بهذا الشكل ربما تُفقد المطبخ المصري هويته».

ولفتت إلى أن «المطبخ المصري القديم اعتمد على الملح والفلفل والكمون فقط، أما بقية التوابل فكانت تستخدم لأغراض مثل العلاج والتحنيط؛ وفي العصور الوسطى شهد بعض الاندماج بعد فتح قنوات التواصل مع الدول المحيطة، ولكن على نحو محدود لا يُقارن بالزخم الحالي».