«بيت الميناء» بجوار بحر طرابلس وأحيائها التراثية... مطعم يُخبر حكايته

نساء مكافحات يقدمن طعاماً على طريقة القرية اللبنانية

المطبخ اللبناني اللذيذ بأصنافه التي تثير الشهية (بيت الميناء)
المطبخ اللبناني اللذيذ بأصنافه التي تثير الشهية (بيت الميناء)
TT

«بيت الميناء» بجوار بحر طرابلس وأحيائها التراثية... مطعم يُخبر حكايته

المطبخ اللبناني اللذيذ بأصنافه التي تثير الشهية (بيت الميناء)
المطبخ اللبناني اللذيذ بأصنافه التي تثير الشهية (بيت الميناء)

ترفرف حمامة نحو عشّها في شجرة مقابلة لمطعم «بيت الميناء» الطرابلسي المجاور للبحر، وتُسمع زقزقة عصافير مثل سيمفونية. المكان حميمي، يحافظ على طابعه التراثي وحجره الذي يُذكر بالقرى العتيقة. الشجر في الأرجاء، يتيح تسلُّل الشمس وتلاعب الريح بأوراقه، مُحدثة هبوباً جميلاً. تحضر إلى المائدة نكهة تصفها مديرة «جمعية روّاد التنمية في لبنان» سارة الشريف بأنها لذيذة، وتشاء سرد الحكاية كاملة.

تعطي الحديث خلفية انطلاقاً من المكان ورمزيته، فتقول لـ«الشرق الأوسط»: «مقرّ الجمعية بين منطقتَي جبل محسن وباب التبانة في الشمال اللبناني، الأشبه بخطّ تماس شهد اقتتالاً طائفياً. رئيسة مجلس إدارتها هالة فاضل هي مالكة المنزل الذي حوّلناه إلى مطعم. من أهداف الجمعية تمكين نساء خسرن أزواجهنّ أو معيل العائلة بمعارك المنطقتين، فكان مطبخ (أطايب طرابلس) مقدّمة لعملهنّ في (بيت الميناء). يصنعن نكهات رائعة بجهود استثنائية».

المازة اللبنانية الشهية على الطاولة (بيت الميناء)

مضت 8 سنوات على تأسيس المطبخ و11 عاماً على ولادة الجمعية الهادفة أيضاً إلى تعليم مَن لا يستطيعون سدّ الأقساط في المناطق المهمّشة، بمقابل عمل هؤلاء الشباب الطامحين إلى التخصّص بمجالات عدّة، بخدمة المجتمع. تطلّب ترميم منزل هالة فاضل، اللبنانية المقيمة في ديار الله الواسعة، نحو 8 أشهر، ليُفتتح «بيت الميناء» في أغسطس (آب) الماضي. 3 أشهر على ولادة مكان لديه قصة يرويها.

تشرح الشريف أنّ «جمعية روّاد التنمية» هي جزء من مؤسّسة إقليمية نشأت في الأردن عام 2005، ولها وجود في فلسطين ووجود سابق في مصر. من خلال برامج وأنشطة، تضيف إلى أهدافها الدمج وتقريب المسافة بين المتباعدين. إلا أنّ مِنَح الطلاب تظلّ أساسية، فيغذّي مردود «بيت الميناء» بأكمله صندوقَ التعليم، ويؤمّن مورد رزق لسيدات يطبخن بنَفَس طيّب ولمسة شهية.

مشهد من الأعلى والطاولات بجوار الأشجار على طريقة القرية (بيت الميناء)

القدرة الاستيعابية للمطعم تصل إلى 50 شخصاً، يتناولون الوجبات الثلاث بإحساس العودة إلى القرية. على صفحته في «إنستغرام»، ترخي الفيديوهات شعوراً خاصاً

بمكان وُلد من الحاجة إلى التوسّع، بعد إدراك الجمعية أنّ ما يُطبخ في «أطايب طرابلس» يستحق بلوغ مزيد من الذوّاقة، فكان اقتراح الشريف تحويل منزل هالة فاضل المهجور إلى حيّز يقصده الباحثون عن استراحة فريدة، لتناوُل لقمة لبنانية «على أصولها»، والإصغاء إلى القصة.

على خلاف مطاعم يؤدّي النزول من السيارة إليها مباشرة، ينبغي على زائر «بيت الميناء» ركن سيارته بجانب البحر، والسير لثلاث دقائق بين الأشجار والبيوت القديمة المُزدانة بقراميدها، على وَقْع الزقزقة، للوصول إلى عتبة بابه الخشبي في منطقة مصنّفة أثرية. «المطعم لا مثيل له»، تؤكد سارة الشريف وهي تتحدّث عن 3 مزايا: «لذة الأكل، وجمال المكان، والقضية الاجتماعية». تصرّ على أن يعرف الجميع رحلة ولادة المطعم ورسالته، «فهما جزء من اللقمة». برأيها، «نستطيع جميعاً فعل الخير لمجتمعنا، فكيف إن تقدَّم على مائدة تثير الشهية؟ ثمة أحياء لا يدري كثيرون بوجودها، من بينها (بيت الميناء). اكتشاف المكان ومطبخه وإلى أين تذهب أرباحه، تضع الزائر أمام عامل المفاجأة».

تجربة قروية في مطعم بمدينة طرابلس الشمالية (بيت الميناء)

تخرج من الفرن المنقوشة اللبنانية المُشتهاة، مع كل ما يقدّمه الفخار من لذائذ ساخنة. ومن مأكولات المطعم، يشتهر الفطور بأصنافه المُستلهَمة من جَمعة القرية، فيحضر البيض بالفخار على «صينية» مُحمَّلة بـ10 أنواع «ترويقة بلدية». تكمل سارة الشريف الوصف متوقفة عند إبريق الشاي المطليّ باللون الذهبي، يُشبه ما لا يزال يُحتَفظ به في قرانا، قبل تسرُّب الحداثة إلى الحياة الاجتماعية وتفاصيلها.

المائدة اللبنانية بأصالتها ولذّتها (بيت الميناء)

من المأكولات الفتّة والباذنجان، و«كلها شغل اليد»، تؤكد الشريف، قبل أن تعيد التذكير بأنّ عاملات المطعم هنّ مكافحات يعملن لصون الكرامة فلا تمتدّ أيديهنّ سوى نحو الأطباق لتزيينها وإضفاء لمسة المنزل والنَفَس الطيّب.

تحضر المازات اللبنانية على الغداء، ويتألف الصحن اليومي من الثلاثاء إلى الجمعة، من كوسا بلبن، ومقلوبة، وباذنجان، وشيش برك، ومجدرة، وأصناف ما إنْ تتخذ مساحتها على المائدة حتى يلحّ الجوع ويطالب فوراً بإسكاته. أما الحلويات، فأيضاً من المطبخ اللبناني؛ منها القطايف، والمعمول، والمغلي، والمهلّبية، مع بعض الإضافات من مطابخ أخرى مثل «اللايزي كايك».

يبقى السؤال عن الأسعار، فتجيب سارة الشريف: «المطعم ليس شعبياً، لكنه ليس باهظاً أيضاً. السعر منطقي ومناسب».


مقالات ذات صلة

الشيف حسين فياض: «زيت الزيتون ينافس الزبدة بشهرته العالمية»

مذاقات أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)

الشيف حسين فياض: «زيت الزيتون ينافس الزبدة بشهرته العالمية»

بدقة متناهية يعتمد فيها على المسطرة و«المازورة» والمعايير بالغرامات يعمل الشيف حسين فياض وإذا ما تصفحت صفحته الإلكترونية عبر «إنستغرام»

فيفيان حداد (بيروت )
مذاقات القشطوطة (الحساب الرسمي لمحل بلبن)

الحلويات المصرية تتأثر بالعرب المقيمين

«الحلو إيه» سؤال اعتاد المصريون ترديده بمجرد الانتهاء من سفرة الطعام، فـ«التحلية» جزء أصيل من العادات الغذائية حول العالم، غير أن هذه الأصناف الحلوة شهدت تطورات

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
مذاقات اللمسة خاصة بكل شيف ولا وصفة صارمة تُطبَّق بالحذافير (فيسبوك)

حكايةُ الكنافة بالشكولاته في دبي نجمة الإنترنت الشهية

تخدع التسمية؛ ففي لبنان مثلاً تعني الكنافة كعكة محشوَّة بجبن تعلوه حلوى أقرب إلى «النمّورة»، وسط كثافة القَطر المتدلّي، عادةً، إلا لمَن يفضِّل الحدّ من الحلاوة

فاطمة عبد الله (بيروت)
مذاقات بيير هيرميه «بيكاسو الحلويات» (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه «بيكاسو الحلويات» في أبوظبي

أعلن فندق «روزوود أبوظبي» افتتاح «المجلس من بيير هيرميه»، الذي سيكون الوجهة الفريدة من نوعها في قلب «جزيرة الماريه».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي )
مذاقات حَمْل الإرث من جيل إلى جيل (صور كلود قريطم)

مثلّجات تخطّى عمرها القرن تُحرّك ذاكرة متذوّقيها

تُكمل كلود قريطم طريق جدّها ووالدها مع شقيقتها، مُتجاوزةً تحدّيات لبنان الاقتصادية والأمنية، بالإصرار على الصمود والجودة وأمانة حَمْل الإرث.

فاطمة عبد الله (بيروت)

الشيف حسين فياض: «زيت الزيتون ينافس الزبدة بشهرته العالمية»

أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)
أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)
TT

الشيف حسين فياض: «زيت الزيتون ينافس الزبدة بشهرته العالمية»

أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)
أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)

بدقة متناهية يعتمد فيها على المسطرة و«المازورة» والمعايير بالغرامات، يعمل الشيف حسين فياض. وإذا ما تصفحت صفحته الإلكترونية عبر «إنستغرام» لا بد أن يلفتك بذلك. فكأن الطبق الذي يحضّره يولد من رحم مقاييس يحسبها بأنامله وعقله.

يلتزم بأسلوب مشبعاً بـ«الديسيبلين» أو الانضباط. فكل ما يقوم به يجب أن يأخذ نفس الحجم إذا ما تألف من الكبة أو لفائف السباغيتي ورقائق اللحم. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ صغري أحب القيام بأعمالي بهذا الأسلوب. وعندما كنت أدخل مطبخ والدتي كانت تشعر بالارتباك للدقة التي أنفذ بها الأطباق. وجاءت دراستي في معهد (كوردون بلو) الفرنسي ليزيدني تمسكاً بذلك. فما يميّز طبّاخاً عن غيره هو تأنيه بما يقوم فيه. وكما الشكل، كذلك المذاق والنكهة، يجب أن يشكلوا مجتمعين عناصر أساسية لطبق شهي».

أطباق تدخل فيها الفاكهة (الشرق الأوسط)

يملك حسين فياض مطعماً له في جنوب لبنان، ويعمل في هذا المجال منذ نحو 12 عاماً. أما قاعدته الأساسية في عمله فترتكز على الخبرة، «لا شك أن البدايات يجب أن تتألف من شغف وحب للمهنة. فهما يؤلّفان ميزان الطبخ عند الطاهي. كما أن الدقة في تحضير الأكلات الحلوة والمالحة يجب أن تنضج بفعل التجارب. صحيح أني أركن إلى معايير دقيقة ألتزم بها أثناء عملي، ولكن بعد تراكم الخبرات تصبح للعين مكانتها في الموضوع».

عمل في مطاعم فرنسية خلال دراسته خارج لبنان. فاستفاد من تجربته هذه بحيث راح يبتكر أطباقاً تجمع بين المطبخين اللبناني والفرنسي، «صرت أمرر بعض الخلطات الخفيفة للزبائن. وبعد أن لاقيت استحساناً كبيراً من قبلهم رسمت الخطة في رأسي».

وتقضي خطّته بابتكار أطباق بين المطبخين، فهناك كثير من المكونات المشتركة بينهما، «لا أركن أبداً إلى البهارات والمنكهات التي تغطي على الطعم الأساسي للطبق. أكتفي بإضافة منكهات مستخرجة من الأعشاب الخضراء. أحياناً أستخدم الصعتر والحبق. أما المكون الرئيسي في أطباقي الحلوة والمالحة فهو زيت الزيتون. فأستعمله حتى في تحضيري للمثلجات وفي الحلويات. وفي بلاد الغرب يقدّرون كثيراً هذا المكون الشائع في بلادهم. وهو اليوم ينافس بشدّة الزبدة. أنا شخصياً أفضله عليها إذ يتمتع بمذاق ألذ ولا يؤثر على صحتنا سلبياً».

في مطبخ مطعمه الجنوبي المقفل اليوم بسبب الحرب الدائرة هناك يبتكر أطباقاً لذيذة.

فمتبل «بابا غنوج» يحضّره بطريقة فريدة من نوعها. بعد شيّ الباذنجان في الفرن مع لمسة من زيت الزيتون، يهرسه في وعاء بعد تفريغه من قشرته. يضيف إليه مكعبات البندورة والبصل والثوم بقطعه الصغيرة. ومع قطع مماثلة من الفلفل الأخضر والأحمر والبقدونس يؤلّف الخلطة. ويختمها بمزجها مع عصير الحامض والطحينة. وبعد خلطها بشكل جيد يضعها من جديد في جوف قشرة الباذنجان المفرغة. ويزينها بطبقة من حبوب الرمان ليضفي إليها نكهة مميزة.

الشيف حسين فياض (الشرق الأوسط)

ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الطبق لاقى انتشاراً واسعاً حتى إن البعض في لبنان راح يقلّده. فالتجديد في أي طبق لبناني أصيل كـ(بابا غنوج) يستحوذ على أفكاري التجددية. وهناك بعض الأطباق التي تذكرني بطفولتي وبمائدة والدتي، أنوي تحديثها أيضاً».

كثافة المواقع الإلكترونية على وسائل التواصل الاجتماعي تلفته. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها لا تزعجني ولكني نادراً ما أتوقف عند واحدة منها. فجميعها متشابهة، وهناك نوع من فوضى لا أحبها يتبعها الطباخون في تحضيرهم الطعام. وفي المقابل، أعتقد أن هناك مواهب لافتة في مجال الطبخ في لبنان. وأتوقّع لها مستقبلاً زاهراً».

أطباق جميلة ومبتكرة (الشرق الأوسط)

وعن سبب ارتكازه بمشروعه المستقبلي على الجمع بين المطبخين الفرنسي واللبناني، يوضح لـ«الشرق الأوسط»: «المطبخ الفرنسي منتشر بشكل كبير في لبنان. ونحن نعرفه منذ نعومة أظافرنا. كما أن تحول جيل كبير من شباب اليوم إلى معاهد وجامعات فرنسية لتعلم الطبخ وثّق هذه العلاقة بشكل أكبر. وإذا ما دخلنا معظم المطاعم في لبنان فسنلاحظ حضور أطباق فرنسية فيه. فأي مطعم ندخله لا بد أن يقدّم أيضاً الحلوى الفرنسية كالفوندان والبافلوفا والكريم بروليه».