تمارا صغبيني: مهما تقدمنا في علم الطهو تبقى لـ«النَّفَس» مكانته

تركت عالم الاقتصاد من أجل حبّها للطبخ

تعمل في المطبخ بشغف لأن الطهي فن برأيها (الشرق الأوسط)
تعمل في المطبخ بشغف لأن الطهي فن برأيها (الشرق الأوسط)
TT

تمارا صغبيني: مهما تقدمنا في علم الطهو تبقى لـ«النَّفَس» مكانته

تعمل في المطبخ بشغف لأن الطهي فن برأيها (الشرق الأوسط)
تعمل في المطبخ بشغف لأن الطهي فن برأيها (الشرق الأوسط)

كانت لا تزال في عمر ثماني سنوات، عندما أخذت على عاتقها تحضير سندويتشات اللبنة والجبن واللحوم الباردة لوالديها. فهما كانا يمارسان مهنة التعليم المدرسي، ويستيقظان باكراً للالتحاق بمركز عملهما. وتمارا صغبيني كانت بدورها تتحضر يومياً للذهاب إلى المدرسة. ومن باب التعاون كانت تركض إلى المطبخ صباح كل يوم، كي تمارس هوايتها المفضلة. فهي قد عشقت الطهو منذ الصغر، وكانت مهمة تحضير السندويتشات بفن لافت هي أبرز إنجازاتها في ذلك الوقت. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «كانت والدتي لا تحب أن أدخل المطبخ باستمرار؛ خوفاً من أن أصاب بالسمنة. فتطردني منه، وتدعوني للقيام بأشياء أخرى كي ألهو بها بعيداً عن الطبخ».

قالب حلوى من صنع تمارا صغبيني (الشرق الأوسط)

حين كبرت تمارا عرضت على والديها فكرة مجال العمل الذي يستهويها: «رغبتُ في أن أتخصص في الطهو وأصبح (شيف)، ولكنهما رفضا الفكرة لأنهما فضّلا أن أحمل اختصاصاً أكاديمياً. درست الاقتصاد وعملت في أحد المصارف لنحو 17 سنة. وفي هذا الوقت كنت لا أوفر فرصة للمشاركة في دورات طهي غربية وعالمية».

قصدت مطاعم ومقاهي ومحال شهيرة في أنحاء أوروبا، واطلعت على أساليب طهاة يشكّلون مدرسة بفن الطبخ الذي يجيدونه: «رحت آخذ دروساً ضمن ورشات عمل تابعة للشهير بول بوكوز الفرنسي، ومواطنه ألان دوكاس. فركزت أكثر فأكثر على هذا المجال».

صناديق المنمنمات من الطعام شكّلت انطلاقتها (الشرق الأوسط)

بقيت تمارا تستعد وتتحضر للقاء فريد من نوعه، مع أطباق طعام ضمن محاولات تجريها في بيتها. وأثناء الجائحة شعرت بأن الوقت قد حان لإطلاق العنان لمشاعرها نحو الطبخ ومن دون خوف: «كنا نطبّق الحجر المنزلي، ونعيش منعزلين عن العالم، فرحت أدعو قلة من أصدقائي إلى العشاء كي يمر الوقت بصورة أسرع. ورأيت في الأكلات المنمنمة عنواناً لي. كنت أقدم لهم مفهوماً جديداً في تقديم الطعام داخل صناديق صغيرة، بذلك يبقى مبدأ التباعد مطبّقاً؛ إذ لا أحد يلمس طعام الآخر».

سَلَطات منوعة وملونة، ولقيمات فيها اللحوم الباردة والخضراوات، ألفت محتوى تلك الصناديق الصغيرة. وهكذا ذاع صيت أكلات تمارا الخارجة عن المألوف قلباً وقالباً. وانتشر اسمها بين الأصدقاء ومعارفهم، فانطلقت بمشوارها الحقيقي مع الطبخ، وقرّرت ترك العمل في مجال الاقتصاد.

وبعد أن كانت تحضّر الأطباق في منزلها لإيصالها إلى الزبائن، تدخّل زوجها وطلب منها أن تفصل ما بين المنزل والعمل: «عندها قررت أن يكون لعملي مساحة خاصة بي، تكون مطبخي وإمبراطوريتي. وصار عندي مركزي في ساحل علما، وسميته (تاميز كيتشن)».

ذاع صيت تمارا صغبيني حتى وصل الإمارات العربية. وتخبر تمارا «الشرق الأوسط»: «هذا التعاون جرى بيني وبين شركة (طيران الإمارات العربية) ومركزها في لبنان. اتصل بي أحد منظمي حفل الشراكة الذي يقام بينها وبين فريق كرة السلة اللبناني، ووكَّلوني بتحضير أطباق الطعام الخاصة بالاحتفال بهذه الشراكة في بيروت. فأبدوا إعجابهم الكبير بأكلاتي وبكيفية تحضيرها، وهذا ربما يفتح بيننا أبواب تعاون مستقبلية».

ترفض صاحبة مطبخ «Tamy’s kitchen» أن تسمي نفسها «الشيف تمارا» لماذا؟ ترد لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أتمنى أن أدعى بهذا الاسم، ولكنني لا أسمح لنفسي بذلك؛ لأني لم أدرس هذه المهنة في معاهد وجامعات لأحصل على شهادة رسمية تخولني حمل هذا اللقب. لدي فريقي المساعد في مطبخي، ولكنني أقوم بالطهو وأشرف على كل شاردة وواردة».

تمارا صغبيني تعدّ الطهي قطعة من الروح (الشرق الأوسط)

كثير من المقربين يطالبون تمارا بتوسيع أعمالها وتكبير ورشة العمل التي استحدثتها: «ولكنني رفضت الأمر؛ لأنني أدرك أنني إذا أقدمت على هذه الخطوة فسأخسر الخصوصية التي أتميز بها. فأنا أتابع عملي حتى أصغر تفاصيله، وأرافق وصول أطباقي إلى الحفل أو المناسبة التي أؤمّن لها الأكل. الطبخ فن وهو بمثابة حبيب أعشقه ويشكل قطعة مني. كما أنه بالنسبة لي شغف وهيام أتنفسه، وقطعة من روحي».

لا يلفتها طهاة كثيرون في لبنان، ولكنها تبدي إعجابها الكبير بالشيف يوسف عقيقي: «يتميز بأسلوبه في الطهو، فلا يشبه غيره؛ إذ يملك تقنيته الخاصة، وأتوقع له مستقبلاً عالمياً».

تتألف أطباق تمارا من مزيج لأكلات غربية وشرقية، وكذلك مجموعة حلوى، بعضها ابتكرتها بنفسها. وتعلق: «في مجال الطهو لا مجال للاختراع، هناك بعض الطهاة الذين استطاعوا ابتكار تقنيات جديدة. ولكنني عرفت بالـ(بايتز)، أي اللقيمات الصغيرة المنوعة والغنية بمكونات شهية. نقلت أسلوب الـ(كانابيه) إلى أخرى ذكية بطعمها وطريقة تقديمها».

وقصة حب مع الطبخ (الشرق الأوسط)

وعلى الرغم من كل التطور الذي تتسم به أطباق تمارا صغبيني وبحثها الدائم عن أحدث صرعات تلون بها مطبخها، فإنها تؤكد: «حياتي كلها محورها الطعام؛ لذلك بيني وبينه قصة حب وطيدة وصلبة. ومع كل التطور الذي أدخلته على المطبخين اللبناني والغربي، من حيث خلطات المكونات وطريقة تقديمها، فإني أؤمن بأن للنَّفَس دوره ومكانته عندي. فنحن تربينا على أن الطعام يشكّل مزيجاً من الروح والقلب، نعبر من خلاله عن حبنا للآخر. اليوم صار الطبخ فناً وعلماً ودراسة، ولكن ومن دون أدنى شك فإن نَفَس من يحضّره يلعب دوراً أساسياً فيه. فعندما تحضّر أمي أو عمتي أو أي أحد آخر طبقاً ما، ولو بالمكونات وطريقة التحضير ذاتها، فلا بد من أن نلمس الاختلاف بالطعم والنكهة. وفي الطبخ لا يمكننا أن نمارس التقليد أو الغش؛ لأنه ينبع من القلب».


مقالات ذات صلة

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

مذاقات الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

في مقطع فيديو ظهر السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش الذي يجيد ليس اللغة العربية فقط، بل اللهجة المحلية العراقية ظهر مع وزيرة الداخلية البريطانية...

حمزة مصطفى (بغداد)
مذاقات الشيف حسين حديد يوقّع أطباق المتحف (إنستغرام)

«بافيون كافيه»... ينبثق من متحف على المستوى الرفيع

مهما خطر على بالك من أفكار حول مطعم ينبثق من متحف وعلى المستوى الرفيع، فإن ما ستراه في «بافيون كافيه» سيفاجئك. أجواؤه الراقية مطعّمة بأنامل سيدات لبنانيات

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات دادان لفنون الطهي في العلا (الشرق الأوسط)

العُلا تفتتح مركز «دادان لفنون الطهي»

اكتسبت حركة «سلوفود» العالمية زخماً جديداً مع افتتاح مركز «دادان لفنون الطهي» في العلا، وهي خطوة مهمة تحتفي بأساليب الزراعة المستدامة وتقاليد الطهي المحلية.

«الشرق الأوسط» (العلا )
مذاقات الشيف المغربي فيصل بطيوي (الشرق الأوسط)

«تابل 3» في دار البيضاء يفوز بجائزة أفضل مطعم صاعد

نال مطعم «Table 3» في الدار البيضاء بالمغرب على جائزة One To Watch Award American Express التي تندرج تحت أفضل 50 مطعماً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2025.

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات البروكلي (بكسيلز)

نصائح الطهاة لأفضل طرق طهي البروكلي

تتسع المساحة التي يحتلها البروكلي على مائدة الطعام المصرية يوماً بعد يوم فقد أصبح ضمن قائمة الخضراوات التي تجتذب كثيرين بشكل لافت خلال السنوات القليلة الماضية

نادية عبد الحليم (القاهرة)

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
TT

المطبخ العراقي على لسان السفراء الأجانب

الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)
الطريقة التقليدية لطهي سمك المسكوف (أ.ف.ب)

في مقطع فيديو ظهر السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش الذي يجيد ليس اللغة العربية فقط، بل اللهجة المحلية العراقية ظهر مع وزيرة الداخلية البريطانية إيفت كوبر في شارع المتنبي وسط العاصمة العراقية بغداد. وشارع المتنبي الذي تعرض للتفجير عام 2006 أيام الحرب الأهلية في العراق أعيد بناؤه بمبادرة من الرئيس العراقي السابق برهم صالح أيام كان نائباً لرئيس الوزراء العراقي عام 2006 بحيث بدا في حلة جديدة تماماً، يجمع بين بيع الكتب وكل أنواع لوازم الثقافة والكتابة، بما في ذلك انتشار عدد من دور النشر والتوزيع فيه إلى انتشار المطاعم والكافيهات والمقاهي وأشهرها المقهى المعروف بمقهى «الشابندر». وهذا الشارع غالباً ما يكون من بين أحد محطات الزوار العرب والأجانب الذي يقومون بزيارات رسمية أو سياحية إلى العراق. ومع أن وسائل الإعلام العراقية تولي أهمية خاصة لهذا الشارع كل يوم جمعة، حيث يزدحم بالزوار والمتبضعين، وذلك للقيام بقصص إخبارية عنه بما في ذلك الفعاليات الثقافية والفنية التي تقام فيه، لكن ما يقوم به بعض السفراء الأجانب لدى العراق ومنهم السفير البريطاني يعد أمراً لافتاً جداً ولا ينافسه في ذلك سوى السفير الياباني الذي غالباً ما يرتدي في بعض المناسبات الشماغ، والعقال العراقي.

ومع كل ما يمكن أن تمثله مظاهر الحياة في العراق بوصفها مادة لوسائل الإعلام وبخاصة العربية والعالمية، لكن غالباً ما يكون المطبخ العراقي هو القاسم المشترك في علاقة السفراء الأجانب في العراق.

دولمة عراقية (أدوبي ستوك)

«لبلبي» في شارع المتنبي

وبالتزامن مع ظهور السفير الياباني لدى العراق فوتوشو ماتسوتو مؤخراً وهو يؤدي النشيد الوطني العراقي مرتدياً الشماغ العراقي كان السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتش يصطحب وزيرة الداخلية البريطانية إيفت كوبر التي كانت تقوم بزيارة إلى العراق في شارع المتنبي. الوزيرة البريطانية التي كانت تتجول مع السفير بكل حرية في هذا الشارع عبرت عن إعجابها بأكلة شعبية عراقية هي «اللبلبي» وهو الحمص المسلوق بالماء الحار مع إضافة بعض البهارات إليه، مما يعطيه نكهة خاصة. وبعد تناولها هذه الأكلة الشتوية في هذا الشارع العريق عبرت عن حبها لباقي الأكلات العراقية دون أن تشير إليها قبل أن يطلب منها السفير الدخول إلى أحد أشهر المقاهي البغدادية في شارع المتنبي وهو «مقهى الشابندر» لتناول الشاي العراقي المعروف بمذاقه الخاص. ومن الشاي إلى باقي الأكلات التي يشتهر بها المطبخ العراقي مثل أنواع الحلويات التي تشتهر بها بغداد ومحافظات إقليم كردستان، لا سيما ما يعرف بـ«المن والسلوى»، وهو من بين أشهر الحلويات التي كثيراً ما تكون مادة دسمة في التقارير الإخبارية التلفزيونية، فضلاً عن أنواع أخرى من الحلويات وتعرف بـ«الدهين»، التي تشتهر بها كل من مدينتي النجف وكربلاء، وغالباً ما تكون هذه الحلويات من بين أبرز ما يأتي الزوار لتناوله في هاتين المدينتين.

الكبة على الطريقة العراقية (أدوبي ستوك)

«دهين» جينين بلاسخارت

غير أن من أبرز زوار هاتين المدينتين من الزوار الأجانب ممن يترددون عليهما بكثرة للقاء كبار المراجع ورجال الدين هي السفيرة السابقة لبعثة الأمم المتحدة لدى العراق «يونامي» جينين بلاسخارت التي انتهت مهمتها في العراق قبل شهور. ومع أن السفيرة الأميركية إلينا رومانسكي انتهت مدتها في العراق مؤخراً فإنها عبرت عن حبها لنمط آخر من الأكلات العراقية وهي من صلب المطبخ العراقي وهما «الدولما والسمك المسكوف». الممثلة الأممية بلاسخارت كان يطلق عليه لقب «الحجية»، كونها كانت ترتدي أحياناً غطاء الرأس، خصوصاً عندما تلتقي بعض كبار رجال الدين في البلاد. وكونها كانت كثيرة التحرك والسفر بين المحافظات فمن بين المدن التي تتحرك فيها كثيراً مدينتا النجف وكربلاء، وهو ما جعلها شديدة الإعجاب بأكلة «الدهينة».

رومانسكي أعلنت أنها سوف تتذكر من بين ما تتذكره عن العراق أكلتي «السمك المسكوف» و«الدولما» وهما من أشهر أكلات المطبخ العراقي.