الهريسة التونسية مرساة للوطن الأم ونكهة لأطباق لا تحصى

معجون حار ومحمي من قبل الأمم المتحدة

أطباق تونسية كثيرة تعتمد على الهريسة للحصول على نكهاتها المميزة (شاترستوك)
أطباق تونسية كثيرة تعتمد على الهريسة للحصول على نكهاتها المميزة (شاترستوك)
TT

الهريسة التونسية مرساة للوطن الأم ونكهة لأطباق لا تحصى

أطباق تونسية كثيرة تعتمد على الهريسة للحصول على نكهاتها المميزة (شاترستوك)
أطباق تونسية كثيرة تعتمد على الهريسة للحصول على نكهاتها المميزة (شاترستوك)

في العام الماضي، عدّت منظمة اليونيسكو رسمياً الهريسة، المعجون الحار الأحمر القاني، «جزءاً لا يتجزأ من المؤن المحلية وتقاليد الطهي والغذاء اليومية للمجتمع التونسي». والكلمة الأساسية: تونسي.

بوصفهما من الجيل الأول من الأميركيين التونسيين، لم يرَ منصور وكريم عريم، وهما شقيقان ومؤسسا شركة الأغذية التونسية «زويتا»، مطبخهما ممثلاً على نطاق واسع في الولايات المتحدة، وشعرا بأن النقص في التمثيل امتد ليشمل الهريسة. على الرغم من استخدامها في جميع أنحاء شمال أفريقيا، لا سيما في المنطقة الوسطى والغربية المعروفة باسم «المغرب العربي»، فإن الهريسة نشأت في تونس. ولكن الأخوين تساءلا طويلاً: كم عدد الناس الذين يعرفون ذلك حقاً؟

تستخدم الهريسة في كثير من الأطباق (شاترستوك)

لذلك السبب، بدا تصنيف منظمة اليونيسكو بمثابة الفوز الكبير. ولكن بالنسبة إلى الأخوين، فهي ليست مسابقة. ولا يتعلق الأمر بالأصالة أيضاً، إنما يتعلق بتسهيل الأمور بالنسبة إلى المستهلكين الذين يرغبون في الطهي بالهريسة التونسية الحقيقية.

على مر السنين، كنت أشتري من الإنترنت وفي المتاجر أصنافاً حلوة من الصلصة ممزوجة بمزيج من التوابل المجففة والمعاجين الملساء التي تُباع في أنابيب. ولكن لم يكن مذاق أي منها يماثل مذاق الهريسة السميكة على الطريقة التونسية التي تربى عليها الأخوان عريم، بنكهتها القوية الحارة المجففة، كما قال منصور، الذي أضاف: «ولونها الأحمر الداكن النابض بالحياة». فهي بالنسبة إليهما أكثر من مجرد مشروع تجاري: إنها دبلوماسية الطهي، ونشر المعرفة الحية.

يقول منصور إن الفلفل الحار الأكثر استخداماً هو الفلفل الخفيف المسمى «بقلوطي» على اسم مدينة «بقالطة» التونسية الساحلية، «ولكن تستخدم أيضاً أنواع أخرى أقل شعبية من الفلفل». وبمجرد حصاده، يُجمع الفلفل الأحمر أحياناً في خيط ويُترك ليجف في الشمس، وهي عملية أساسية يمكن أن تستغرق شهراً، اعتماداً على الطقس. وبعد تنظيفه ونزع البذور منه، يُغمر في الماء، ثم يُصفى ويُطحن ليكون عجينة مع الملح وفصوص كاملة من الثوم. ثم يُضاف زيت الزيتون البكر الممتاز، والكزبرة، والكراوية إلى الفلفل الحار، وأحياناً عصير الليمون أو الخل أيضاً، من أجل اللمعان والحفظ.

أطباق تونسية كثيرة تعتمد على الهريسة للحصول على نكهاتها المميزة (شاترستوك)

في هذا العام، زار منصور تونس لأن جدته بشيرة توفيت. وبينما كان يقلب الصور القديمة، تذكر آخر وجبة قامت بإعدادها له: يخني الميرغيز المطبوخ بالهريسة (ويُسمى مرقة ميرغيز، أو طاجن ميرغيز، أو مرقة كابر، اعتماداً على من تسأل). يُضبط اليخني جيداً، والصحن في أقصى إمكاناته: الزيتون المخلل والفلفل الأحمر يسبح في بركة قرمزية عميقة من زيت الزيتون، مع كرات اللحم المتبلة والطافية برفق مثل العوامات. ومع ذلك، فقد احتفظ الطبق بجميع عناصر النسخة الخاصة بوالدته، وتمر عبر ذكريات مشاهدتها برنامج «ربات البيوت في أتلانتا»، وهو أحد برامجها المفضلة، مرتدية ملابسها المنزلية بينما كان هو وشقيقه يلعبان على «نينتندو 64» الخاصة بهما، وجميعهم ينتظرون انتهاء غليان اليخني السحري.

يمكنك أن تقول إن اليخني يربط منصور بجذوره التونسية، ولكن أكثر من ذلك أن الهريسة، في مختلف أطباق عائلته سواء أكانت للنكهة أم قاعدة أساسية للمذاق، هي التي تربطه بالوطن الأم بصرف النظر عن مكان وجوده في العالم. ذلك لأن كل شيء في تونس يعتمد على القليل من الهريسة: المعجنات المثلثة اللذيذة، والبريك أو الشطيرة المقلية، والفريكاسي المحشوة بالتونة والبيض المسلوق، واليخني الحار المصنوع تقليدياً من الكبد واللحم، والكمونية (ولكن في منزلهم، كانت تصنع أحياناً بالأخطبوط المحبب لهم).

بما أنني أمضيت وقتاً مع الهريسة، في تواصل منتظم مع منصور على مدى العام الماضي، فقد تعرفت على الأمر بما يتجاوز الطرق التي كان تُسوّق لي بها دائماً. لقد طبخت حساء والدته من نوع الميرغيز والسلمون المتبل بالهريسة المدخنة الخاصة بالأخوين، التي تأتي في برطمان. ولكن كانت وصفة منصور البسيطة لأجنحة الدجاج هي التي علمتني أكثر حول كيفية إظهار (من دون التقليل من النكهة) الطعم المشرق والجميل والمحدد للهريسة.

بهذه الطريقة، تكون هذه الوصفة مفاجئة تماماً، مثل أفضل الدروس في الحياة. أولاً، يضمن التحميص الجاف للأجنحة وجود جلد رقيق ومقرمش في آن واحد ومشرب في الصلصة الحارة للغاية. والصلصة لا تحتاج حتى إلى الطهي. فقط قوموا بتقليب المواد الغذائية الأساسية معاً: صلصة الصويا من أجل المذاق والعمق، وإضافة الخل البلسمي من أجل الحلاوة والطعم الحامضي، وزيت الزيتون البكر من أجل إبراز نكهات الفاكهة لمعجون الفلفل التونسي الحار.

في أثناء محاولة تطبيق هذه الوصفة، اعلم أنه يجب عليك استخدام الهريسة، فلا بديل عنها. وإذا استبدلت بها معجوناً حاراً آخر، على الرغم من أن هذه الوصفة ستكون لذيذة، فلن تكون قد صنعت أجنحة الهريسة؛ بل ستكون قد صنعت أجنحة غوتشوانغ، أو أجنحة التشيلي المقرمشة، أو أجنحة البافالو.

قال منصور بتواضع: «من الواضح أن هذه التركيبة من المكونات ليست مبتكرة بأية حال من الأحوال». لكنني أزعم أن المعايرة الدقيقة لها، والطريقة التي يعدون بها الهريسة، هما اللتان تجعلان من هذه الصلصة إضافة نابضة بالحياة لذخيرة الطهي الخاصة بي، وهي كنز يستحق الاحتفاظ به.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
TT

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)
فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»، فيروّج لها أصحاب المحلات الذين يبيعونها، كما اختصاصيو التغذية ومستهلكوها في آن. ويحاول هؤلاء تقديم صورة إيجابية عن طعمها ومذاقها، ويضعون هذه المكونات على لائحة أفضل الأكلات التي من شأنها أن تسهم في التخفيف من الوزن. وضمن فيديوهات قصيرة تنتشر هنا وهناك يتابعها المشاهدون بشهية مفتوحة. فالمروجون لهذه الفواكه والخضراوات يفتحون العلب أو الأكياس التي تحفظ فيها، يختارون عدة أصناف من الفاكهة أو الخضراوات ويأخذون في تذوقها. يسيل لعاب مشاهدها وهو يسمع صوت قرمشتها، مما يدفعه للاتصال بأصحاب هذه المحلات للحصول عليها «أونلاين». ومرات لا يتوانى المستهلكون عن التوجه إلى محمصة أو محل تجاري يبيع هذه المنتجات. فبذلك يستطلعون أصنافاً منها، سيما وأن بعض أصحاب تلك المحلات لا يبخلون على زوارهم بتذوقها.

خضار مقرمشة متنوعة (الشرق الاوسط)

تختلف أنواع هذه المنتجات ما بين مقلية ومشوية ومفرّزة. وعادة ما تفضّل الغالبية شراء المشوية أو المفرّزة. فكما المانجو والفراولة والتفاح والمشمش والموز نجد أيضاً الـ«بابايا» والكيوي والبطيخ الأحمر والأصفر وغيرها.

ومن ناحية الخضراوات، تحضر بغالبيتها من خيار وكوسة وبندورة وأفوكادو وفول أخضر وجزر وبامية وفطر وغيرها.

وينقسم الناس بين مؤيد وممانع لهذه الظاهرة. ويعدّها بعضهم موجة مؤقتة لا بد أن تنتهي سريعاً، فتناول الأطعمة الطازجة يبقى الأفضل. فيما ترى شريحة أخرى أن هذه المكونات المجففة والمقرمشة، يسهل حملها معنا أينما كنا. كما أن عمرها الاستهلاكي طويل الأمد عكس الطازجة، التي نضطر إلى التخلص منها بعد وقت قليل من شرائها لأنها تصاب بالعفن أو الذبول.

ولكن السؤال الذي يطرح حول هذا الموضوع، هو مدى سلامة هذه المنتجات على الصحة العامة. وهل ينصح اختصاصيو التغذية بتناولها؟

تردّ الاختصاصية الغذائية عبير أبو رجيلي لـ«الشرق الأوسط»: «الفواكه والخضراوات المقرمشة تعدّ من المكونات التي ينصح بتناولها. ولكن شرط ألا تكون مقلية. فالمفّرزة أو المجففة منها هي الأفضل، وكذلك المشوية. هذه المكونات تحافظ على المعادن والفيتامينات المفيدة للصحة. والبعض يأكلها كـ(سناك) كي يشعر بالشبع. ولذلك ينصح بتناولها لمن يقومون بحمية غذائية. فسعراتها الحرارية قليلة فيما لو لم تتم إضافة السكر والملح إليها».

يتم عرض هذه المكونات في محلات بيع المكسرات. والإعلانات التي تروّج لها تظهرها طازجة ولذيذة ومحافظة على لونها. بعض المحلات تتضمن إعلاناتها التجارية التوصيل المجاني إلى أي عنوان. وأحياناً يتم خلطها مع مكسّرات نيئة مثل اللوز والكاجو والبندق. وبذلك تكون الوجبة الغذائية التي يتناولها الشخص غنية بمعادن وفيتامينات عدّة.

فواكه وخضار طازجة (الشرق الاوسط)

وتوضح عبير أبو رجيلي: «كوب واحد من الخضراوات المجففة والمقرمشة يحتوي على ألياف تسهم في عدم تلف خلايا الجسم. وبحسب دراسات أجريت في هذا الخصوص فإنها تسهم في الوقاية من أمراض القلب والشرايين».

يحبّذ خبراء التغذية تناول الخضراوات والفواكه الطازجة لأن فوائدها تكون كاملة في محتواها. ولكن تقول عبير أبو رجيلي لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن تناولنا خضراوات وفواكه طازجة ينعكس إيجاباً على صحتنا، ولكن المجففة تملك نفس الخصائص ولو خسرت نسبة قليلة من الفيتامينات».

تقسّم عبير أبو رجيلي هذه المكونات إلى نوعين: الفواكه والخضراوات. وتشير إلى أن الأخيرة هي المفضّل تناولها. «نقول ذلك لأنها تتمتع بنفس القيمة الغذائية الأصلية. بعضهم يقدمها كضيافة وبعضهم الآخر يحملها معه إلى مكتبه. فهي خفيفة الوزن وتكافح الجوع بأقل تكلفة سلبية على صحتنا».

وبالنسبة للفواكه المجففة تقول: «هناك النوع الذي نعرفه منذ زمن ألا وهو الطري والليّن. طعمه لذيذ ولكن يجب التنبّه لعدم الإكثار من تناوله، لأنه يزيد من نسبة السكر في الدم. أما الرقائق المجففة والمقرمشة منه، فننصح بتناولها لمن يعانون من حالات الإمساك. وهذه المكونات كما أصنافها الأخرى تكون مفرّغة من المياه ويتم تجفيفها بواسطة أشعة الشمس أو بالهواء».

بعض هذه المكونات، والمستوردة بكميات كبيرة من الصين يتم تجفيفها في ماكينات كهربائية. فتنتج أضعاف الكميات التي تجفف في الهواء الطلق أو تحت أشعة الشمس. وهو ما يفسّر أسعارها المقبولة والمتاحة للجميع.

في الماضي كان أجدادنا يقومون بتجفيف أنواع خضراوات عدّة كي يخزنونها كمونة لفصل الشتاء. فمن منّا لا يتذكر الخيطان والحبال الطويلة من أوراق الملوخية وحبات البندورة والبامية المعلّقة تحت أشعة الشمس ليتم تجفيفها والاحتفاظ بها؟

وتنصح عبير أبو رجيلي بالاعتدال في تناول هذه الأصناف من فاكهة وخضراوات مجففة. «إنها كأي مكوّن آخر، يمكن أن ينعكس سلباً على صحتنا عامة».