وجبات نباتية لمجموعة العشرين في الهند... والدخن على راس القائمة

على نحو مختلف تماماً عن المطبخ الدبلوماسي الغني بأطباق اللحوم

الأطباق الهندية النباتية كانت هي الوحيدة المقدمة في قمة مجموعة العشرين (شاترستوك)
الأطباق الهندية النباتية كانت هي الوحيدة المقدمة في قمة مجموعة العشرين (شاترستوك)
TT

وجبات نباتية لمجموعة العشرين في الهند... والدخن على راس القائمة

الأطباق الهندية النباتية كانت هي الوحيدة المقدمة في قمة مجموعة العشرين (شاترستوك)
الأطباق الهندية النباتية كانت هي الوحيدة المقدمة في قمة مجموعة العشرين (شاترستوك)

كانت قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند مؤخراً شأناً نباتياً في مجملها. فعلى نحو مختلف تمام الاختلاف عن المطبخ الدبلوماسي المعتادة فيه أطباق اللحوم، حصل زعماء العالم -بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحتى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان- على وجبات نباتية كاملة، في أوانٍ مصنوعة من الفضة والذهب.

كانت الأطباق الثلاثة من قائمة الطعام النباتي غنية بالتوابل المنكهة في الهند، مع طبق رئيسي من «صلصة الفاكهة الكبيرة تقدم مع فطر الغابات المزجج»، مصحوباً «بالقليل من الذرة البيضاء المقرمشة، وأوراق الكاري ممزوجة بأرز كيرالا الأحمر».

الدخن دخل في معظم الأطباق التي قدمت على موائد الرؤساء في الهند (شاترستوك)

كان للعشاء الكبير الذي استضافه الرئيس الهندي قائمة طعام نباتية نقية مكونة من 4 أطباق، بما في ذلك أطباق مثل: بانير لابابدار، وسوبيز كورما (الأخضر)، وبطاطا ليونيس، وكاجو مطر ماخانا (الكاجو، والبازلاء، وبذور اللوتس)، وجوار دال تادكا (الذرة البيضاء)، وبياز جييرا كا بولاو (أرز البصل والكمون)، وخيار ريتا، وتاندوري روتي، وزبدة نان، وكولتشا، واللوز المحمص ومرق الخضراوات، والحلوى من شاكلة كوتو مالبوا، وكيسار بيستا رسمالاي.

شمل الخبز الجانبي «باو» الشهير في مومباي، أو الكعك الناعم بالإضافة إلى بكرخاني (الخبز المسطح السميك والمتبل، وهو جزء من مطبخ موغلاي). ولكن في الطبق الرئيسي كانت حبوب الذرة هي البطل، مع رقائق الدخن المقرمشة والمغطاة باللبن الزبادي والصلصة المتبلة، مع أرز كيرالا الأحمر الممتزج مع رقائق الدخن والكاري، وحلوى بودينغ الدخن المعطرة بالهيل، مع مزيج من فواكه التين والخوخ، ومعجنات جاك فروت التي تُقدم مع فطر الغابات.

حمية الدخن (الذرة البيضاء)

تقول قائمة الطعام بالعشاء الرسمي: «لمنح ضيوفنا الكرام مذاق نبتة الدخن التي تنمو في جميع أنحاء الهند، أضفنا بعض الأطباق في قائمة الطعام اليوم. ينمو الدخن في نصف وقت نمو القمح، ويستخدم 30 في المائة من المياه المخصصة لنمو الأرز».

القائمة يطلق عليها «الطعام الفائق»

تقول القائمة إن «الدخن يمكن أن ينمو في ظروف معاكسة وقاحلة»، مضيفة أنها «يمكن أن تلعب دوراً مهماً في معالجة قضايا مثل تغير المناخ والأمن الغذائي».

صرح الطاهي سوريندرا نيغي: «إن جميع القادة يتبعون نظاماً غذائياً محدداً، ومع مراعاة تفضيلات الغذاء للجميع، أُعدت قائمة طعام نباتية للأغلبية بعناية كبيرة. وقال إن رئيس الوزراء مودي طلب منا أن نركز على الدخن، وأدرجنا الدخن مكوناً في كثير من المأكولات، مع مراعاة السنة الدولية للدخن، مضيفاً: «لدينا حتى الحلوى المصنوعة من الدخن، مثل أصابع الدخن (الراغي)، واللادوس (الحلو)، وخير الشعير (بودينغ الحليب)».

عمل أكثر من 120 طباخاً على إعداد القائمة

تصدرت حكومة الهند بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإعلان عام 2023 سنة دولية للدخن، وأيد اقتراح الهند 72 بلداً. مع المستويات العالية من المعادن مثل الحديد والكالسيوم والزنك، وغيرها من العناصر الغذائية الحيوية، يعد الدخن كنزاً من الفوائد الصحية.

تنتج الهند جميع أصناف الدخن التقليدية التسعة المعروفة: السورغوم، ودخن اللؤلؤ، والدخن الإصبعي، والدخن الثعلبي، ودخن البروسو، والدخن الصغير، ودخن الفناء، والدخن البني، والدخن الكودو.

أعد الطاهي كونال كابور الذي طبخ للسيدات الأوليات خلال قمة مجموعة العشرين، نسخة نباتية من الخيشرا (التي عادة ما يتم إعدادها مع اللحوم والأرز). وقال: «صنعت فطر خيشرا. عادة ما يتم طهيه مع اللحوم، ولكننا لم نستخدم اللحوم على الإطلاق، وكانت الذرة تستخدم بدلاً من الأرز والمرق مع السلطة».

حتى المعكرونة المقدمة كانت تصنع بالدخن، الطعام الفائق.

يتفق المطلعون على أن ثاليس الدخن الخاص (طبق أو صينية) حقق نجاحاً كبيراً بين قادة الدول. كما يُستخدم الثاليس للإشارة إلى وجبة على النمط الهندي، مكونة من مجموعة متنوعة من الأطباق التي تقدم على طبق كبير. وشملت الدخن البولاوي والدخن الإدليسي (الكعك المطهو على البخار الذي عادة ما يُصنع من الأرز المخمر والعدس).

تاريخ النظام النباتي في الهند

يُعد النظام النباتي جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الهندية، وكان له تأثير عميق على خيارات الغذاء في البلاد. يعود تاريخ النظام النباتي في الهند إلى العصور القديمة. وتشجع النصوص الفيدية، التي تعد من أقدم النصوص الهندوسية، على النباتية كجزء من ممارسة اللاعنف، وتعكس أهمية اتباع نظام غذائي متوازن يشمل: الحبوب، والفواكه، والخضراوات، والمكسرات، والبذور.

الدخن يستخدم في كثير من الوصفات (شاترستوك)

يختار كثير من الهندوس اتباع نظام غذائي نباتي، كطريقة لإظهار الاحترام لجميع المخلوقات الحية. اعتقد كثير من الهندوس أن تناول اللحوم كان «كارما (نذيراً) سيئاً»، ما جعل النباتية أكثر شعبية.

تعززت ممارسة النظام النباتي من قبل الشخصيات الدينية، مثل بوذا الذي دعا إلى عدم العنف واتباع النظام الغذائي النباتي.

حددت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) الهند باعتبارها الدولة التي لديها أدنى معدل لاستهلاك اللحوم على مستوى العالم، مع واحدة من أعلى النسب المئوية للنباتيين في العالم، ويقدر أن 50- 55 في المائة من السكان يلتزمون بالنظام الغذائي النباتي.

وجد كثير من الدراسات العلمية الحديثة أيضاً أن النظام الغذائي النباتي يعني صحة أفضل. وذكرت دراسة حديثة أجرتها جامعة أكسفورد نشرت في المجلة الأميركية للتغذية السريرية، أن خطر دخول المستشفى والأمراض الصحية يكون أقل لدى الأشخاص النباتيين من أولئك الذين يعتمدون على نظام غذائي للحوم. ووجدت دراسة مماثلة أجراها التحليل العلمي في الولايات المتحدة، أن النظام الغذائي النباتي يرتبط بتقليل المخاطر النسبية لمرض القلب التاجي بنسبة 25 في المائة، وتقليل المخاطر النسبية للسرطان بنسبة 8 في المائة، مع النظام الغذائي النباتي الذي يمنح 15 في المائة الحد من المخاطر النسبية للسرطان.

الأطباق الهندية النباتية كانت هي الوحيدة المقدمة في قمة مجموعة العشرين (شاترستوك)

صنفت منظمة الصحة العالمية اللحوم المصنعة على أنها مسببة للسرطان، واللحوم الحمراء (غير المصنعة) على أنها ربما مسببة للسرطان في البشر. وأخيراً، أثبتت التجارب العشوائية المنضبطة أيضاً فوائد نظام البحر الأبيض المتوسط الغذائي (في الأساس نظام غذائي مهيمن على النباتات) في كل من الوقاية الأولية والثانوية من أمراض القلب والأوعية الدموية، مع فوائد معززة من زيادة الالتزام بنمط غذائي نباتي (أكثر اعتماداً على النباتات).

شارك طبيب «الأيورفيدا» سيدارسثا سريفاستفا من مستشفى دلهي الثاني قائلاً: «في أيورفيدا، يكون الريجيم (النظام) النباتي أكثر شيوعاً من التغَذِّي بالنَّباتاتِ الصِّرْفَة. ويرجع ذلك إلى العلاقة القوية التي تربط أيورفيدا بالحليب والسمن (الزبدة الصافية)، كلاهما يأتي من الأبقار المُعتنى بها جيداً. وتعتبر الأبقار -تقليدياً- مقدسة للغاية في الهند.

يتضمن المطبخ الهندي أيضاً مجموعة متنوعة من التوابل والأعشاب، والتي تستخدم لإضافة نكهة للأطباق. غالباً ما يُعتقد أن هذه التوابل والأعشاب لها خصائص طبية، وتستخدم لإضافة نكهة وفوائد صحية إلى الأطباق.

يعرف المطبخ الهندي أيضاً باستخدامه لمنتجات الألبان، مثل الزبادي والسمن التي تُستخدم غالباً لإضافة الكريمة إلى الأطباق، ويُعتقد أيضاً أنها مفيدة للصحة.

أسماء غريبة وأطعمة الشارع الهندي

مُنحت بعض الأطباق المفضلة في القمة أسماء غير اعتيادية، مثل: «ترمب نصف تندور»، و«بايدن بروكلي». ويُضاف إلى القائمة طبق يدعى موديان جيميكاند (يام)، وهو جزء من الطعام النباتي.

إن أطعمة الشارع الهندي فريدة من نوعها، وزيارة الهند لا تكتمل من دونها. ولهذا السبب، سوف تتضمن قوائم المندوبين أيضاً أطعمة الشارع الهندي، مثل باني بوري، وشاباتي شات، وداهي بهالا، وساموسا، وغيرها.

ثم كانت هناك مخصصات إقليمية، مثل دال باتي تشورما من راجاستان، وبنغالي راسغولا، وماسالا دوسا من جنوب الهند، وليتي شوخا من بيهار.

اشتملت قائمة المشروبات على الكاهوا الكشميرية (التحضير التقليدي للشاي الأخضر «كاميليا سينينسيس» والمستهلكة على نطاق واسع في الهند)، وشاي دارجيلنغ، والقهوة المصفاة الشهيرة في جنوب الهند.


مقالات ذات صلة

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

مذاقات الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة.

جوسلين إيليا (لندن )
مذاقات الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعدادات افتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مذاقات الشعيرية تدخل في أطباق حلوة ومالحة (الشرق الأوسط)

حكاية أقدم صانع شعيرية كردي في شمال سوريا

من بين حبال رقائق الشعيرية الطازجة ولونها الذهبي ورائحتها الطيبة، يقف الصناعي الكردي عبد الناصر قاسم برفقة زوجته، بوصفه أحد أقدم الحرفيين في صناعة الشعيرية…

كمال شيخو (القامشلي)
مذاقات تتنوع وصفات الأفوكادو حول العالم

«الأفوكادو» سيد المائدة العصرية

سواء أكنت ترغب في إضافة قوام غني للسلطات، أم الحصول على عصائر طازجة مدعومة بالفيتامينات، فإن «الأفوكادو» سيمثل البطل السري لطعامك.

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات صناعة تعتمد على اليد وليس على الماكينات الحديثة (الشرق الأوسط)

حكاية أقدم صانع شعيرية كردي بشمال سوريا

من بين حبال رقائق الشعيرية الطازجة ولونها الذهبي ورائحتها الطيبة، يقف الصناعي الكردي عبد الناصر قاسم رفقةً مع زوجته، كأحد أقدم الحرفيين في صناعة الشعيرية...

كمال شيخو (القامشلي)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)
الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)
TT

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)
الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه Pierre Herme، اسم فرنسي لامع في عالم تصنيع الحلوى، يتمتع بكثير من الألقاب - على رأسها «مايسترو الماكارون»، و«ملك وبيكاسو الحلوى» - وهذه الألقاب تصبُّ جميعها في خانة التقدير لواحد من أهم الطهاة الفرنسيين المتخصصين في صناعة الحلوى وتحديداً «الماكارون» التي يقارنها البعض بحقيبة يد من تصميم دار «لوي فيتون» التي تعدّ بمثابة حلم يتوق إليه كثيرون.

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة بأشكالٍ وأحجامٍ غير مسبوقة ومذاقاتٍ مبتكرة.

تنتشر محلات بيير هيرميه في باريس، وغالباً ما تكون زيارتها على جدول السياح وزوار المدينة؛ لأن هيرميه بمثابة معلم من نوع خاص، وهو ينتمي إلى الجيل الرابع في عائلته المعروفة بتصنيع الحلوى.

«المجلس» الفرع الجديد لبيير هيرميه في أبوظبي (الشرق الأوسط)

سافر كثيراً، واكتسب كثيراً من رحلاته حول العالم، ليحط رحاله اليوم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، ويفتتح فرعاً جديداً لعلامة «بيير هيرميه» في جزيرة المارية، وتحديداً في فندق «روزوود»، جالباً معه إبداعاته الأسطورية في إعداد الماكارون، وجمع في فرعه الجديد الذي أطلق عليه اسم «المجلس» ألق النكهات الباريسية الراقية مع الثقافة العربية الأصيلة وكرم الضيافة.

وفي مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع الطاهي بيير هيرميه استهل كلامه بوصف الحلوى الجيدة بأنها تأسر الحواس بدءاً بالعين، وتجذبك إليها، ولكن الاختبار الحقيقي يكمن في العواطف التي تثيرها. وتابع أن الحلوى الرائعة لا ينبغي أن تطغى على الحلاوة، بل على نكهة التوازن بطريقة تجلب ما أسماها «متعة التذوق». إنها تتعلق بالمتعة الخالصة لتناول شيء يجعلك تشعر بالتميز.

وعند سؤاله عمّن قد يكون اليوم لو لم يكن منحدراً من عائلة شهيرة بتصنيع المعجنات والحلوى أباً عن جد، أجاب: «لقد كنت دائماً مفتوناً بالعمارة، وذلك بفضل عمي، الذي كان مهندساً معمارياً. وحتى اليوم، أنا معجب بالطريقة التي ينشئ بها المهندسون المعماريون مساحات يعيش ويعمل فيها الناس. بالنسبة لي هذا شيء مدهش! أحب أن أعتقد بأنني أصمم (هندسة التذوق)؛ الطريقة التي تجتمع بها التركيبات وطبقات التذوق المختلفة». وعن الذي تعلمه من غاستون لينوتر، يقول إنه تعلم كل شيء! «لقد علمني غاستون لينوتر ما تعنيه الجودة حقاً، ومدى أهمية الاهتمام بالتفاصيل، وكيف يلعب التنظيم دوراً رئيسياً في تحقيق نتائج متسقة» برأيه، فالأمر لا يتعلق فقط باختيار أفضل المكونات، بل يتعلق بالأدوات المناسبة والقياسات والعمليات الصحيحة. وهذا هو ما يسعى إليه كل يوم من أجل تحقيق المستوى نفسه من التميز في المعجنات التي يصنعها كلها، في مختلف أنحاء العالم.

الماكارون الأشهر من تصميم بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

حصل هيرميه على كثير من الأوسمة، ولكن ما اللقب الأقرب لقلبه؟ ملك الماكارون أم بيكاسو المعجنات؟ «أفضّل أن أكون معروفاً باسم بيير هيرميه، صانع المعجنات (يضحك). هذه الألقاب أطلقها عليَّ الآخرون، وليست مني. بالنسبة لي، فإن المهم هو التركيز على خلق أفضل تجربة ممكنة للأشخاص الذين يزورون متاجري. وقد تم منحي لقب (بيكاسو المعجنات) في مقال عام 1994... إنه شيء مفرح، ولكن بالنسبة لي، يظل التركيز منصباً على إبداعاتي». ويرى هيرميه أن التحدي الأكبر في إعداد الحلويات يكمن في الاهتمام بالتفاصيل. فيقول: «كل شيء يكمن في التفاصيل: القياسات الدقيقة، والتوقيت الدقيق. عندما أصنع الحلويات، يتم توثيق كل جزء من الوصفة حتى أصغر التفاصيل. الهدف ليس فقط أن تصنع أفضل كعكة مرة واحدة، بل أن تجعلها مثالية كل يوم. لا يمكنك تناول التقنية، ولكنك تحتاج إلى التقنية لتقديم التجربة نفسها مراراً وتكراراً. إن خلق التميز الذي يمكن تكراره هو التحدي الحقيقي». المعروف عن هيرميه أنه اختار طوكيو لإقامة أول متجر خاص به فيها... ولكن لماذا؟ «كانت طوكيو فرصة حدثت على نحو غير متوقع. بدأ متجراً بارزاً في فندق (نيو أوتاني)، وبعد النجاح، سألنا الفندق ما إذا كان بإمكاننا البقاء بشكل دائم. لم يكن ذلك خياراً استراتيجياً، بل كان تطوراً طبيعياً. أنا أزور اليابان منذ سنة 1987، حيث أقدم العروض التوضيحية، وأتعرف على الثقافة. لذا، عندما سنحت الفرصة، شعرت بأنها على صواب».

مجموعة من ماكارون بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

اليوم، افتتح بيير هيرميه فرعه في أبوظبي، والسبب هو أنه أراد توسيع علامته التجارية في الشرق الأوسط، وبرزت أبوظبي مقصداً حيوياً نابضاً بالحياة مع اهتمام كبير بالحلويات. «لاحظنا أن كثيراً من زبائننا في باريس كانوا من أبوظبي. عندما التقينا فريق فندق (روزوود - أبو ظبي)، بمَن في ذلك ريموس باليمارو، المدير الإداري، شعرت بأن العلاقة على ما يرام. لا يمكنك بناء شيء ما فقط من خلال التقنيات والوصفات، بل من خلال العلاقات مع الناس التي تجعل الأمر ينجح. كان لديَّ شعور جيد حول (روزوود - أبو ظبي)، وهو فندق رائع». وشرح بأن الفندق المذكور يجسّد الالتزام نفسه بالفخامة والرقي الذي تلتزم به متاجر بيير هيرميه بباريس. يقع الفندق في جزيرة المارية، ويحتفل بالاهتمام بالتفاصيل، والخدمة الشخصية لخلق تلك اللحظات الخاصة؛ حيث صُمم كل إبداع بعناية لتقديم تجربة استثنائية لجعل كل تجمع جديراً بالذكرى.

ورداً على سؤال «الشرق الأوسط» عن رأيه في مشهد الحلويات بمنطقة الشرق الأوسط، أجاب هيرميه أن هناك تفضيلاً قوياً لمذاق الحلوى والسكر في هذه المنطقة، لذلك من الطبيعي تقديم حلوياته هناك، ويكمن التحدي في تحقيق التوازن بين هذه الحلاوة وعمق النكهة والقوام، ولكن مع توقيعه الذي يجذب السكان المحليين، على حد تعبيره.

يقع «المجلس» في بهو فندق «روزوود» بجزيرة المارية في أبوظبي (الشرق الأوسط)

وكان من البديهي سؤال بيير هيرميه عن سر الماكارون التي يحضّرها، والتي يشتهر بها عالمياً، فكان الجواب: «عندما جربت الماكارون لأول مرة في سبعينات القرن الماضي، لم أستمتع بها؛ لأنها كانت حلوة للغاية وتفتقر إلى النكهة. عندما بدأت بصنع وصفاتي الخاصة، ركّزت على تحسين الحشوة لجعل المذاق أكثر وضوحاً. ولهذا السبب يتم تزيين الماكارون بسخاء».

وتابع: «لدينا الماكارون التي تركز على نكهة واحدة ذات عمق شديد، تُسمى (Infiniment) أو مزيج من النكهات، مثل (Ispahan)، وهو مزيج دقيق من الورد، والتوت البري. إلى جانب شهرة بيير هيرميه طاهياً متخصصاً بالحلوى، ذاع صيته أيضاً كونه صاحب أكثر الكتب مبيعاً، فسألناه عمّا إذا كان ينوي نشر كتاب جديد مستوحى من الشرق الأوسط، فأجاب بأنه لا يملك خطة فورية لذلك. ضحك وتابع: «ولكن مَن يدري؟ وقد ركز كتابي الأخير، الذي صدر العام الماضي، على المعجنات النباتية، التي تعدّ اتجاهاً متنامياً ومجالاً رائعاً للاستكشاف. أنا دائماً منفتح على الأفكار الجديدة، لذلك ربما سيكون هناك كتاب مستوحى من نكهات وثقافات الشرق الأوسط».

وعندما سألناه عن نوع التجربة التي يأمل في أن يحظى بها الضيوف عند زيارتهم موقعه الجديد في «روزوود - أبو ظبي»، قال إنه يريد أن يشعر الضيوف بالراحة والترحيب، والأهم من ذلك كله، بالروح الكريمة للضيافة العربية. «لقد قمنا بصياغة قائمة طعام تقدم شيئاً للجميع؛ لتلبية مجموعة واسعة من الأذواق».

وأضاف: «يتمثل هدفنا في خلق بيئة يتمتع فيها الزوار بالطعام والخدمة إلى حد كبير؛ مما يجعلهم حريصين على العودة». وفي نهاية المقابلة تكلم بيير هيرميه عن «المجلس» الذي وصفه بأنه «فريد من نوعه؛ لأنه مصمم لتكملة عمارة (روزوود - أبوظبي). التصميم يتناسب تماماً مع البيئة المحيطة، وهو يختلف تماماً عن محلات هيرميه التجارية الأخرى. إنه مكان مفتوح وجذاب، حيث يمكن للزوار أن يجتمعوا ويتقاسموا الإبداعات الحلوة والمالحة. كما أن التصميم متميز أيضاً، وهو يعكس التصميم المعاصر للمجلس الذي يحتفل بالتراث الغني للصحراء. إنه مزيج جميل بين التقاليد والترف الحديث، ويتوافق تماماً مع علامة (روزوود) التجارية».

يشار إلى أن قائمة الطعام غنية وشاملة، وكفيلة بإشباع رغبة الذوّاقة في تناول الحلويات اللذيذة، وكذلك وجبات الفطور والغداء والعشاء.