الشيف يوسف عقيقي لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مزارع والطبيعة ملهمتي»

متطلب ويصعب إرضاء خياراته بالطعام

برأي الشيف عقيقي فإن الوقت وحده يؤلف بنية الشيف الناجح
برأي الشيف عقيقي فإن الوقت وحده يؤلف بنية الشيف الناجح
TT

الشيف يوسف عقيقي لـ«الشرق الأوسط»: «أنا مزارع والطبيعة ملهمتي»

برأي الشيف عقيقي فإن الوقت وحده يؤلف بنية الشيف الناجح
برأي الشيف عقيقي فإن الوقت وحده يؤلف بنية الشيف الناجح

يعبق مشوار الشيف اللبناني العالمي يوسف عقيقي برائحة تراب الأرض ومواسم الطبيعة وثمارها، فمنذ صغره لا يهوى تناول الخضراوات والفاكهة إلا بمواسمها. متطلب إلى آخر حدود يصعب إرضاؤه بأي طعام، إذا لم يكن على المستوى المطلوب. وهو مستعد ليلحق بالمذاق الممتاز إلى مطاعم وأماكن بعيدة، باحثاً عن متعة تناول طبق معين.

حصد عقيقي جوائز عالمية عدة أحدثها عن مطعمه «بروت» (الشرق الأوسط)

هذا من ناحية شخصيته كمتذوق طعام، وإذا ما دخلنا إلى عالم الطهي الخاص به نكتشف ما يلي: يمضي في فضائه أكثر من 18 ساعة في اليوم، لديه مجموعة سكاكين يختارها بدقة، ويرسم طبقه كلوحة تشكيلية.

الشيف يوسف عقيقي ابن بلدة حراجل الكسروانية حقق نجاحات لبنانية وعالمية في عالم الطبخ، خولّته أن يكون الأشهر في عالم الطبخ في لبنان. ومؤخراً حصد جائزة «الجوهرة المخبأة - لا ليست» (Hidden Gem Award- La liste) العالمية عن مطعمه «بروت» (Brut) في بلدته حراجل.

عشق يوسف عقيقي تحضير الطعام منذ صغره فكان يراقب ويدقق ويتذوق على طريقته. مشهدية الطبخ التي كانت والدته تبرع فيها، فتحت عنده آفاقاً واسعة في عالم الطبخ. «ربما أكون قد تأثرت بطبخ والدتي فجميعنا نفتخر بأطباق أمهاتنا. ولكنني كنت أملك الحس المتقدم في عملية التذوق بشكل عام».

يتقن صناعة أطباقه بمكونات طازجة ومحلية (الشرق الأوسط)

تخصص في الطهي بالمدرسة الفندقية وهو في الـ14 من عمره. ومن هناك انطلق في عالم اختاره عن سابق تصور وتصميم. فكان يتابع أخبار أهم الطهاة الذين يزورون لبنان ويلحق بهم ويعمل في مطبخهم. فيكوّن أكبر تجارب وخبرات ممكنة منهم.

تربى بين أحضان الطبيعة، وكان يهوى قطف الفواكه والخضار وتناولها طازجة. «لا أحب تناول المشمش والبطيخ والخيار وغيرها إلا في مواسمها. أما الجوز فلا أحبه إلا أخضر أي قبل أن يجري تجفيفه. وكنت أدرس وأعمل في الوقت نفسه وهو ما حملني تجارب تراكمت مع الوقت».

كل هذه الخيوط توصلنا إلى خلاصة واحدة، وهي أنه يحب الطعام المؤلف من مكونات خام لا غش فيها، وهو ما دفعه إلى تسمية مطعمه «بروت» وتعني بالعربية «خام».

برأيه الوقت وحده يؤلف بنية الشيف الناجح (الشرق الأوسط)

وبين مطعم «Escale» في جونية و«المزار» في «فاريا» و«غراند هيلز» في بيت مري إضافة إلى مطاعم أخرى جمع الشيف عقيقي خبراته. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «العمل مع طهاة أجانب كان متعة لي، أراقب وأخزن وأحلل باستمرار. في إحدى المرات طالبت إدارة فندق المزار بتحويلي إلى (فينيسيا) في بيروت كي ألتحق بفريق الشيف الفرنسي جاك لا غينيك. وكان يشارك يومها في أسبوع المطبخ الفرنسي في الفندق البيروتي». وماذا تعلمت منه؟ «لا يمكنني أن أحصي الدروس التي تعلمتها من هنا وهناك؛ فهي تظهر تلقائياً عند التطبيق ومن دون سابق تصور، فتصبح كورود تتفتح براعمها وتفوح منها الروائح اللذيذة عن غير قصد».

برأي الشيف عقيقي فإن الوقت وحده يؤلف بنية الشيف الناجح

أكمل مشواره عالمياً، وحصل على العديد من الشهادات في مركز «ألان دوكاس» (المدرسة الوطنية العالية) في باريس. هناك اكتسب خبرته المعروف بها في عملية طهي اللحوم التي ينافس بها أهم الطهاة في العالم، وصقل مشواره بدورات تدريبية في L'atelier de Joel Robuchon في باريس. وفي مطاعم أوروبية أخرى حاصدة نجوم ميشلان، وكذلك في أستراليا وسويسرا وبروكسل وهولندا.

وفي مطعم «برغندي» في بيروت حيث أشرف على مطبخه لسنوات، استطاع أن يسهم في ضمه إلى لائحة أفضل 50 مطعماً في العالم.

أسلوب تفكير مشبع بالشغف والبحث عن الأفضل يعنون شخصية الشيف عقيقي. ولا يزال يغب من التجارب والخبرات المنوعة من مطاعم وفنادق خارج لبنان. أما الحس الذي يتبعه في عمله فهو أن تكون شهيته مفتاح العبور عند الآخر. «عندما يسيل لعابي لطبق أحضره وأشعر بانفتاح شهيتي لتناوله، أدرك مسبقاً أنه سيلاقي رضا الزبون».

في مطعمه «بروت» تتوزع 5 طاولات فقط في أرجائه، لائحة الطعام الخاصة بالمكان تغيب تماماً. وتحضر مكانها أطباق يقدمها طازجة يومياً تحت عنوان «حسب مزاج الشيف».

وبرأيه لا أسرار في الطبخ الجيد وكل ما هو مطلوب أن يتم تحضيره بشغف وأن نأخذ وقتنا في صنعه. فالوقت هو الذي يزودك بالتقنية التي تتميز بها وتحدث الفرق بينك وبين غيرك كما يقول. ويتابع في سياق حديثه: «عندما أرى ابتسامة عريضة على وجه الزبون، أو أسمعه يلفظ كلمات تدل على إعجابه الكبير بأطباقي يغمرني الفرح. وهذا الفرح يحفزني للقيام بجهد أكبر؛ لأنني لا أملّ من البحث عن الأحسن».

يتميز الشيف عقيقي بمزجه بين المطبخين اللبناني العريق والمتوسطي بشكل عام مع الفرنسي والأوروبي. «أقوم بتركيبات وخلطات كثيرة تجمع تقنية المطبخين. وأنا أقوم بتحضيرها، يجب أن أغرم بها كي أنجح في مذاقها».

في الماضي كان يدون وصفات طعام اخترعها بنفسه، «اليوم (بطّلت) هذه العادة لأني باحث دائم عن التجدد ولا أحب التكرار. حتى الطبق نفسه الذي أعده أكثر من مرة أجدده على طريقتي».

ويستذكر الشيف بداياته عندما حاوره والده حول دخوله مهنة الطبخ. ويخبر «الشرق الأوسط»: «جلست معه نتحاور عن قراري دخول عالم الطبخ. يومها لم يكن هناك ما يعرف بالشيف بل بالـ«عشي». فأخبرني بأن هذه المهنة متعبة، وتتطلب منك إسعاد الآخر. وعندما يكون الزبون مسترخياً ويستمتع بتناول الأكل أكون أنا في المطبخ أجتهد وأتعب كي أرضيه. وهو ما يعني أن لا وقت راحة لي. فكرت ملياً بما ذكره لي، ولكنني مضيت في قراري لأنني كنت واثقاً بموهبتي في الطهي».

هو مزارع أصيل يملك علاقة وطيدة مع أرضه، يرفض أن يقدم أطباقاً غير مصنوعة من مكونات طبيعية مائة في المائة. «أحياناً أغير في لائحة الطعام التي أعدها في اللحظات الأخيرة، لأني لا أجد المكون الذي يرضي مذاقي، فألغيه تماماً من برنامج الطبخ عندي. أزرع بعض الأعشاب التي أستخدمها في الطبخ وأقصد المزارعين في بلدتي الذين يعتنون بحدائقهم، فأنتقي كل ما أرغب فيه من بندورة وكوسى وباذنجان... وغيرها، وأنا أرسم في ذهني صورة للطبق المراد». وهل المثالية في الطهي أمر يعذّب صاحبه؟ يرد: «صحيح يعذبنا، لكن نتائجه تمحو كل هذه المشاعر السلبية. أحترم الطبيعة، وأركن حتى إلى لحم الماعز البلدي كي أصنع (الكبة النية) مثلاً. أبتعد عن لحوم البقر غير الطازجة، وأكتفي بأفضل الأنواع المستوردة منها».

برأيه هناك طهاة عدة ممتازون في لبنان، لكن هؤلاء الذي طافوا على شاشات التلفزة أضاعوا بوصلة هذه المهنة. «بعضهم رغب في تحقيق الشهرة السريعة والتحق بشاشات التلفزة كي يصلها، لكنه غاب عن باله بأن الشهرة لا تصنع الطاهي الجيد. فقط الخبرة مع الوقت هي الكفيلة بصناعة شيف على المستوى المطلوب».

في مطبخه، سكاكينه وملاعقه ومقصاته وأكوابه الخاصين به. «أنتقي كل شيء بدقة متناهية ولا أفرّط في أي عنصر من مطبخي وإلا أخسر من جودة أطباقي».

وعن هوية المطبخ الذي يتوقع له مستقبلاً مشرقاً يرد بسرعة: «المطبخ اللبناني من سيتربع قريباً على لائحة الـ(ترند) في المطابخ العالمية. فباقي المطابخ من فرنسية ويونانية وإسبانية ويابانية... وغيرها أخذت حقها. وبقي المطبخ المتوسطي واللبناني بالأخص هو الأحدث، ويلاقي شهرة واسعة اليوم في أميركا كما في أوروبا، وبات الناس يسألون ويبحثون عن المطبخ اللبناني أينما كانوا».


مقالات ذات صلة

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

مذاقات الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)
الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)
TT

فعاليات «موسم الرياض» بقيادة ولفغانغ باك تقدم تجارب أكل استثنائية

الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)
الشيف الأميركي براين بيكير (الشرق الأوسط)

تقدم فعاليات «موسم الرياض» التي يقودها الشيف العالمي ولفغانغ باك، لمحبي الطعام تجارب استثنائية وفريدة لتذوق الطعام في أهم المطاعم، حيث قدم مطعم «سباغو» و«كت» بالتعاون مع «روح السعودية» أطباقاً مبتكرة للشيف باك والطهاة التنفيذيين معه.

وقدم مطعم «سباغو الرياض» تجربة غير مسبوقة لتذوق أشهى أنواع «الستيك» تحت إشراف الشيف براين بيكير (Brian Becker)، الشيف التنفيذي الإقليمي لمجموعة الشيف ولفغانغ باك الحاصلة على نجوم «ميشلان»، في حين قدم مطعم «كت» تشكيلة متنوعة من الأطباق الشهية، حيث تتلاقى نكهات «كت» مع لمسة محلية أصيلة.

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الشيف دانيال أيرفاين (Daniel Irvine) الشيف التنفيذي في «سباغو»: «نقوم هنا في السعودية بتقديم تجربة طعام حصرية لضيوف المطعم المميزين، ضمن العمل على إعادة تعريف مشهد المطاعم الراقي في (ڤيا الرياض)، في ظل فعاليات (موسم الرياض) و(روح السعودية)، وأتوقع أن تصبح الرياض عاصمة الأكلات العصرية».

وتوقع الشيف دانيال أن تشهد السعودية عامة والرياض خاصة، نقلة نوعية في عالم الضيافة الفاخرة وأسلوب الحياة، في ظل المقومات التي تتمتع بها من حيث قدرتها على جذب الذوّاقة، بما يساهم في تطوير مشهد الطعام.

وقال الشيف الأميركي براين بيكير لـ«الشرق الأوسط» إن الرياض تسعى بقوة لتعزيز ثقافة طعام محلية وعالمية، بشكل متناغم. وأضاف: «نقدم من خلال استضافة (سباغو) لمطعم (كت)، تجربة مميزة للضيوف بأجواء راقية، مع تقديم الطعام بأسلوب فني وخدمة سريعة ودقيقة ونسيج مريح من الموسيقى الراقية، تصنع شكلاً من الإبداع الترفيهي».

وأضاف الشيف براين: «نعمل على تقديم قائمة طعام تشمل مجموعة مختارة من أشهى أنواع اللحوم والمأكولات البحرية الفاخرة بلمسات محلية مميزة، ومن أبرز الأطباق (تارتار ستيك برايم) مع خبز ريفي مشوي، وقطعة لحم (آنغوس بورترهاوس) مشوية على الفحم».

وشدد الشيف براين على أن «ڤيا الرياض» مناسبة جميلة تحمّس العاملين في «سباغو» و«كت» للإبداع والابتكار في مجال المأكولات الراقية في الرياض، ضمن مكونات موسمية طازجة، مع إعداد قائمة متنوعة من الأطباق الشهية، مثل «تارتار التونة» (بلو فِن تونة تارتار) الحارة، و«شنيتزل» لحم العجل، و«بيتزا» السلمون المدخن.

ولفت إلى أن التصميم الداخلي للمطعم يجمع بين طراز كاليفورنيا وعناصر من الثقافة السعودية، مع لمسة من الفن المحلي، مؤكداً الاستمرار في تقديم تجربة طعام استثنائية مع إطلالات مفتوحة على المطبخ الرئيس.

وتوقع أن تصبح الرياض عاصمة الطعام، بشكل يعكس مقومات جاذبية المملكة، وقدرتها على الجمع بين الروح الريادية المحلية، وأفضل المهارات العالمية الثرية، والقدرة على قيادة التحول في سوق الرفاهية والضيافة على مستوى المنطقة.