إذا اشتهيت طبق الباييلا الإسباني، أو شرائح بيتزا نابولي بصوص الطماطم الإيطالي الأصيل، حتى طبق لحم الكليفتيكو، فلا داعي لحجز تذاكر سفر والذهاب بعيداً، فالقاهرة باتت تحتضن تجربة طعام، جمعت 10 مطابخ لدول تطل جميعها على البحر المتوسط، لتصبح جميعها بين يديك على مائدة واحدة.
«ديكا» تجربة مصرية مستوحاة من مطبخ البحر المتوسط، المعروف بالمذاق اللذيذ وتوليفة الخيارات الصحية، فبدلاً من السمن المهدرج يأتي زيت الزيتون بفوائده ومذاقه ليُزين الأطباق، وبدلاً من الأطعمة المقلية السريعة، تفوح رائحة المخبوزات المحضرة بمكونات طازجة. أما الصلصات فجميعها مُنتقاة من الطبيعة بعيداً عن المكونات الكيميائية.
فكرة «ديكا» جاءت استكمالاً لرحلة بدأت منذ 15 عاماً لإحياء حضارات «المتوسط»، انطلقت فيها تجارب طعام في مصر، تُثمن الثقافة والشعوب. يقول الدكتور شريف زكي، مؤسس المطعم واستشاري التسويق، إن «ديكا» هو مساحة للمذاق والصحة والحضارة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «تم اختيار جميع التفاصيل مستوحاة من دول البحر المتوسط، بداية من الاسم (ديكا)، وهو رقم 10 في اللغة اليونانية، تعبيراً عن مزج مطابخ 10 دول على مائدة (ديكا)، وهي اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا، وفرنسا، ومصر، وسوريا، ولبنان، وتونس، والمغرب، حتى تركيا».
وسط أجواء هادئة وألوان مستوحاة من البحر، اختار «ديكا» أن يقتحم السوق المصرية، التي باتت المنافسة فيها محمومة، مرتكزاً على زبون يُقدر تجربة الطعام المفعمة بالثقافة، وينعكس ذلك في بعض التفاصيل. يقول عنها زكي: «الحضارة الرومانية حاضرة في أرجاء (ديكا)، ممثلة في تماثيل أبرز ملوكها، وفي الخلفية درجات الأزرق والأخضر والأبيض المميزة لدول (المتوسط)، وفي استقبال الضيوف مكتبة تحوي مجموعة متنوعة من الكتب، تعكس أذواق الزوار، لخلق تجربة طعام فريدة تضمن عودتهم مرة أخرى».
صحيح أن الطعام تجربة تجمع عدة تفاصيل، وتغازل عدة حواس، غير أن نجاحها مرهون في النهاية بـ«المذاق» المضبوط، ثمة تحدٍ كان أمام القائمين على «ديكا»، فكيف لمطبخ واحد أن يقدم وصفات من 10 دول، لكل منه أسراره وتفاصيله. يضيف زكي: «لم تكن مهمة سهلة، الأمر كلفنا رحلة بحث عن طُهاة متخصصين، أناملهم حرفية، وحسهم يعشق الثقافة، ولهذا خصصنا طاهياً محترفاً لكل دولتين، مع فريق مساعدين، لا يقل مهارة عن الطهاة الأساسيين».
طاولة واحد ومذاقات عدة، يعدّ زكي أن ما يميز المطعم، مقارنة بتجارب غزت السوق أخيراً، هو إرضاء أذواق متباينة. ويقول: «ربما تزورنا مجموعة أصدقاء، لكل منهم طلب، فهنا من يشتهي طبق مشويات على الطريقة اللبنانية مع حساء الحريرة المغربي، وإلى جواره زبون صاحب مزاج إيطالي، جاء خصيصاً لتناول الباستا، حتى المقبلات تأتي متنوعة بين سلطات لبنان الصحية، ووصفات اليونان الشهية».
مصر حاضرة في «ديكا» في أطباق الملوخية وشوربة «لسان العصفور»، وعلى الإفطار أقراص الطعمية (الفلافل)، أو الفطير المشلتت والعسل. يقول زكي: «المطبخ المصري زاخر ومنافس بقوة وسط دول البحر المتوسط، ولا سيما وصفاته الشعبية، واللافت أنه ضمن مفضلات المصريين والزوار العرب كذلك».
المتعة والصحة هما معادلة النظام الغذائي لدول البحر المتوسط، حتى إنه نظام فاز بالميدالية الذهبية لأفضل نظام غذائي للعام 2021 للعام الرابع على التوالي، وذلك وفقاً للتصنيفات التي أعلنتها «يو إس نيوز وورلد ريبورت». يرتكز هذا النظام الغذائي على تناول الخضراوات بشكل أساسي، مع الحبوب الكاملة والمكسرات الغنية بـ«أوميغا 3»، فضلاً عن البذور والدهون الصحية على شاكلة زيت الزيتون.
تأتي اللحوم في المرحلة الثالثة من حيث الأهمية في نظام البحر المتوسط، وتتصدر الأسماك قائمة المفضلات، ثم اللحوم البيضاء، وأخيراً الحمراء، بشرط أن تكون قليلة الدهون وتطهى بطرق صحية مثل الشوي. هذا النموذج الغذائي أثبت جدواه لصحة القلب والهضم وكذلك محاربة أنواع من السرطان.
نموذج الرفاهية التي يقدمها «ديكا» قد يبدو كلاسكياً يستهدف هواة الذوق والمتعة والهدوء، غير أن زكي أشار إلى أن جيل الألفية يمثل قاعدة عريضة من زبائنه، ويقول: «(جيل زي) بات مؤثراً على نحو لا يستهان به، من ثم ضمن أهدافنا أن نقدم له تجربة ممتعة، ولأنه واعٍ وقارئ ومغامر، فإن تجربة الطعام المستوحاة من الحضارة حازت اهتمامه». ويردف: «في البداية كان جزءاً من خطة التسويق أن نستهدف مواقع التواصل الاجتماعي، لكن بعد أول زيارة يعود الزبون بحثاً عن تجربة سياحية تسافر إلى دول (المتوسط) خلال ساعات محدودة».
بيد أن زبون السوق المصرية هاضم لتجارب الطعام المعززة للثقافة والحضارات، وهو ما شجع فريق «ديكا» لافتتاح فروع أخرى منتظرة، يقول عنها زكي: «تفاجأت بتفاعل الزبائن من جميع الأجيال، ليس مع تنوع الأطباق فحسب، وإنما مع القراءة والمعالم الحاضرة الواضحة في جميع التفاصيل، بما فيها الأطباق والأكواب والطاولات».
كشف زكي عن عزم «ديكا» افتتاح فروع في الساحل الشمالي: «ستكتمل التجربة بوجودنا على شاطئ المتوسط بالفعل، كما نخطط لنقل التجربة لمطعم على النيل لتحتضن ثقافة دول البحر المتوسط ثاني أطول أنهار العالم، وتلتقي على ضفافه بشريان أفريقيا».