قهوة من دون قهوة... ولكن لا تقلق لأنها مفعمة بالكافيين

نوع جديد من مشروب العالم المفضل بسبب التغيرات المناخية

نوع جديد من القهوة يُصنع من بدائل الحبوب (شاترستوك)
نوع جديد من القهوة يُصنع من بدائل الحبوب (شاترستوك)
TT

قهوة من دون قهوة... ولكن لا تقلق لأنها مفعمة بالكافيين

نوع جديد من القهوة يُصنع من بدائل الحبوب (شاترستوك)
نوع جديد من القهوة يُصنع من بدائل الحبوب (شاترستوك)

تؤثر تداعيات التغيرات المناخية على صناعة القهوة، الأمر الذي دفع بعض الشركات الناشئة للسعي لإيجاد سبل جديدة لتحضيرها.

رغم أن تأثيرات التغيرات المناخية موثقة على نحو جيد، فإنها تبدو مبهمة بعض الأحيان؛ فكيف يمكنك استيعاب حجم انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، أو التغيرات التي تحدث على الجانب الآخر من العالم؟

ورغم ذلك، تترك التغيرات المناخية تأثيرات مباشرة ملموسة على غذائنا. من جهته، يروق لمايكل هوفمان، البروفسور في كورنيل والذي يهتم على نحو خاص بالعلاقة بين التغيرات المناخية والغذاء، ترديد عبارة معينة لدى الحديث عن هذا الأمر: «ذوبان الأنهار الجليدية أمر سيئ بما يكفي، لكن خسارة القهوة أمر مرعب للغاية».

المعروف أن القهوة واحد من أكثر المشروبات شعبية على مستوى العالم، وثمة وجهان لعلاقتها بالتغيرات المناخية: فإنتاج القهوة يؤثر بالسلب على البيئة، في حين تهدد التغيرات المناخية وجود القهوة. وترتبط زراعة القهوة بقطع الغابات وتجريف التربة. وتشير بعض التقديرات إلى أن الأمر يتطلب 140 لتراً من الماء، أو نحو 37 غالوناً، لإنتاج قدح واحد من القهوة. بحلول عام 2050، من المتوقع أن تتسبب ظروف مناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة وموجات الجفاف، في تقليص المساحات المناسبة لزراعة القهوة بمقدار النصف.

في هذا الصدد، قالت ماريسيل ساينز، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة «ماينس كوفي» في كوستاريكا: «لا أود العيش في عالم من دون قهوة»، مشيرة إلى أنها تعمل على بديل من شأنه توفير تجربة حقيقية لاحتساء القهوة. جدير بالذكر أن القهوة تحظى بشعبية وأهمية بالغتين داخل كوستاريكا، لدرجة أن ماريسيل تعتبرها سبيلاً للتواصل مع جذورها الثقافية، أو أصدقائها وزملائها.

وبدلاً من زراعة ومعالجة وتحميص وتخمير حبوب القهوة، تصنع «ماينس كوفي» منتجاً أقل اعتماداً على الحبوب من خلال التخمير. وتعتمد الشركة على عناصر معاد تدويرها، منها جذور الهندباء البرية وبذور التمر والبقوليات، مثل العدس، بحيث يجري تحميصها وطحنها، ثم تخميرها مع مادة الكافيين بهدف إنتاج خليط يشبه القهوة. وبالتعاون مع فريق من العلماء المعنيين بالغذاء والتخمير، عكف فريق عمل داخل «ماينس كوفي» على دراسة ميكروبيوم القهوة من مناطق مختلفة من العالم، من أجل فهم الظروف التي تنمو فيها القهوة وللمعاونة في تنمية نكهات مختلفة.

تجدر الإشارة هنا إلى أن عملية التخمير تلعب دوراً في إنتاج القهوة العادية أيضاً. ويرى هوفمان أن عملية خلق «بديل للقهوة» على هذا النحو تبدو منطقية. وقال: «القهوة مجرد حفنة من المواد الكيميائية، إذا جاز التعبير. وهناك مركبات تعطينا هذه النكهة والرائحة المذهلة، وهي مخمرة جزئياً. وعليه، من المنطقي أنك إذا رغبت في التحول إلى العدس والتمر، أن تتولى تخميرهما للحصول على نكهة ورائحة مشابهة».

وأضاف أن ثمة ميزة كبرى تكمن في أن الحبوب لا يجري نقلها، ويمكن زراعة محصول القهوة محلياً، الأمر الذي يقلص الانبعاثات الكربونية الناجمة عنها.

من ناحيتها، أعلنت شركة «ماينس كوفي» أنها تستخدم قدراً أقل من الماء بمقدار 94 في المائة، وتتسبب في انبعاثات أقل من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة 91 في المائة مقارنة بالقهوة التقليدية. وتقدم الشركة مشروبها البارد (والذي يعد منتجها الوحيد في الوقت الحاضر) من خلال الاعتماد على بذور التمر والهندباء وبذور عباد الشمس والخروب والعدس وبذور العنب (إضافة إلى الكافيين).

ولا تعد «ماينس كوفي» المشروب الوحيد المتاح حالياً المعتمد على قدر أقل من حبوب القهوة. «أتومو» شركة أخرى تعمل على صنع القهوة بالاعتماد على قدر أقل من حبوب القهوة. ولدى الشركة قصة مشابهة تتعلق بالمذاق، فعندما قدمت عينات من مشروبها إلى 30 من طلاب جامعة واشنطن، أبدى 70 في المائة منهم تفضيلهم لقهوة «أتومو» على قهوة «ستاربكس»، تبعاً لما ذكرته الشركة.

وتبيع «أتومو» كذلك مشروبات باردة معلبة، وتقول إن منتجها يستهلك قدراً أقل من الماء بنسبة 94 في المائة، وينتج انبعاثات كربونية أقل بنسبة 93 في المائة مقارنة بالمشروب البارد التقليدي.

وبالمثل، تخطط شركة «فويدج فودز» هي الأخرى لابتكار بدائل تعتمد على قدر أقل من حبوب القهوة. يُذكر أن الشركة تنتج بالفعل بدائل غذائية، بينها زبد فول سوداني خالٍ من الفول السوداني، وشوكولاتة خالية من الشوكولاتة.

* خدمة «نيويورك تايمز»



«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين
TT

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

«الأقاشي» السودانية تغازل سفرة المصريين

لقمة خبز قد تأسر القلب، ترفع الحدود وتقرب الشعوب، هكذا يمكن وصف التفاعل الدافئ من المصريين تجاه المطبخ السوداني، الذي بدأ يغازلهم ووجد له مكاناً على سفرتهم.

هذه الأرغفة البيضاء الصغيرة، التي يصف مصريون مذاقها بأنها «أطيب من الكيك»، في إشارة لطيب المذاق، تعد مثالاً يعكس مدى الانسجام الثقافي الذي تجاوز الحدود.

مع تداعيات الحرب التي شهدها السودان، والتي أدت إلى عمليات نزوح كبيرة إلى مصر، لم يتوقف الأمر عند مرحلة سرد الآلام والمآسي، بل تحول سريعاً إلى اندماج السودانيين في سوق الطعام المصري، وخلال أقل من عامين أثبت المطبخ السوداني وجوداً نسبياً في مصر.

بمجرد أن تطأ قدمك شارع فيصل (أحد أشهر شوارع محافظة الجيزة) يمكنك الاستدلال على الوجود السوداني من رائحة التوابل العميقة الصادرة من مطاعم أسسها سودانيون، يستهدفون بها زبوناً مصرياً يتوق إلى مذاق شعبي في وصفات، مثل صينية البطاطس، ويختلف تماماً ليقدم هويته في طبق آخر مثل أسياخ «الأقاشي»، المصنوعة من اللحم الطري الغارق في توابل مثل الزنجبيل والقرفة، مع طبقات البقسماط المقرمش، التي تغازل المصريين.

تقول السودانية، فداء محمود أنور، خريجة إدارة أعمال من جامعة الخرطوم ومؤسسة مطعم «بنت السودان» في حي مدينة نصر، شرق القاهرة، إن المصريين «احتضنوا المطبخ السوداني بسبب وجود أواصر اجتماعية وثقافية بين البلدين».

وأوضحت، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من داخل مطعمها البسيط: «نقدم أكلات سودانية أصيلة، مثل الفول بزيت السمسم، والفلافل السودانية المصنوعة من الكبكبي (الحمص بلغة المصريين)، والأقاشي، وهو طبق شهير في السودان، إضافةً إلى الفسيخ السوداني والملوخية المفروكة وملاح الروب الأحمر».

وعن الأطباق شديدة الخصوصية، يقدم مطعم الشابة السودانية فداء طبقاً حبشياً، قالت عنه: «هناك أيضاً طبق ذو أصل حبشي أصبح جزءاً من المائدة السودانية يسمى (زغني)، وهو عبارة عن قطع الدجاج المبهرة بالقرفة والثوم والبصل والحبهان، كما يضاف له المذاق الحار بالشطة السودانية، وكذلك مذاق الحادق من خلال رشة السماق، ويقدم مع البيض المسلوق». فضلاً عن طبق الحلو السوداني الشهير «الباسطة»، أو ما يعرف بالبقلاوة في مصر.

وبحسب تجربتها، قالت فداء إن تفضيلات المصريين من المطبخ السوداني تميل إلى بعض الأطباق الأساسية التي ربما لا يختلف عليها السودانيون أيضاً، مثل: الخبز السوداني، والأقاشي، والفلافل، وأطباق الفول بالخلطات السودانية. أما باقي الأطباق، فالإقبال عليها محدود.

طعمية (فلافل) سودانية (الشرق الاوسط)

والبعد الجغرافي بين مصر والسودان انعكس في تقارب ثقافي، ظهر في المذاق المميز للمطبخين. ترى منة جمال، مصرية تعيش في حي السادس من أكتوبر، الذي يضم عدداً من المطاعم السودانية، أن المطبخ السوداني قريب من نظيره المصري، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الخبز السوداني شبيه ببعض أنواع الخبز في الريف المصري، ربما يختلف في السُمك والحجم فقط ».

وعن الاختلاف بين المطبخين، قالت: «السودانيون يميلون إلى المذاق العميق والحار، بإضافة كميات كبيرة من التوابل، كما أن الفلفل الحار أساسي في عدد كبير من الأطباق السودانية، بينما يميل المصريون إلى إضافة التوابل الأساسية فقط، مثل الملح والفلفل والكمون».

الباسطا حلوى سودانية (الشرق الاوسط)

وبالعودة إلى فداء، فإنها أيضاً كسودانية وقعت في حب المطبخ المصري، وتروي تجربتها بالقول: «أنا من عشاق محشي ورق العنب، والكرنب، والباذنجان بالدقة، أحب تناوله مع الفلافل السودانية. أيضاً معظم السودانيين يحبون المحشي والملوخية المصرية».

الأطباق السودانية لم تعرف طريقها إلى المصريين من خلال المطاعم التجارية فحسب، بينما ساهم في رواجها نساء سودانيات كنّ قبل النزوح ربات منزل، إلا أنهن، مثل كثير من نساء الشرق، يعتبرن الطهي مهارة أساسية. ومع وصولهن إلى مصر وبحثهن عن سبل لكسب العيش، تحول الطهي إلى مهنة تحت شعار «أكل بيتي سوداني».

التقت «الشرق الأوسط» بفاطمة (اسم مستعار)، التي نزحت بعد الحرب وجاءت إلى القاهرة بصحبة عدد من الأسر السودانية، وتقيم حالياً في مدينة «الرحاب» التي تعد من المناطق ذات الإيجارات المرتفعة، حيث تشارك السكن مع 4 أسر سودانية أخرى. منذ عام، بدأت فاطمة بتقديم خدمات «الأكل البيتي» من منزلها بمساعدة بعض السيدات المقيمات معها.

تقول «فاطمة»: «جاءت الفكرة عندما لاحظت انتشار مشروعات الأكل البيتي في مصر، خاصة في الأحياء الراقية. فأنشأت حساباً على (فيسبوك)، بدأت من خلاله تقديم خدمات الأكل السوداني». وأردفت: «المصريون يحبون المطبخ السوداني، خاصة تلك الوصفات القريبة من مطبخهم، على شاكلة المحشي، كذلك تحظى أصناف اللحم المبهر بإعجاب كبير».

وأوضحت فاطمة أنها سعت إلى تقديم مزيج من الأكلات السودانية والمصرية، قائلة: «أستهدف زبونات مصريات عاملات يبحثن عن بدائل للطهي المنزلي. لذلك، لم أكتفِ بالوصفات السودانية فقط، بل تعلمت إعداد الأكلات المصرية، وهو أمر لم يكن صعباً على سودانية تربطها بمصر أواصر ثقافية واجتماعية، إذ كانت مصر والسودان في مرحلة ما من التاريخ بلداً واحداً».

تمكنت فاطمة من تقديم تجربة طعام بيتي فريدة، تجمع بين نكهات المطبخين السوداني والمصري، مستقطبةً كثيراً من الأسر المصرية التي تبحث عن طعام منزلي بطابع خاص. ومن خلال تجربتها، كشفت فاطمة عن مدى التداخل الثقافي بين المطبخين، ما يمهد الطريق لمزيد من الاندماج وابتكار وصفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.